إدارة المواهب تحت الطلب

4 دقائق
إدارة المواهب
كيف يمكنك إدارة المواهب المتعددة؟ تعتمد العديد من المؤسسات اليوم على المواهب الخبيرة التي يجري استقطابها من أي مكان في العالم وبأي طريقة خلاف نموذج التوظيف التقليدي، وذلك حفاظاً على رشاقتها وميزتها التنافسية. لقد أتاحت عولمة المواهب والتقنيات للشركات اختبار طرق جديدة لملء فجوات المهارات المهمة مع الحفاظ على نهجها الرشيق. ونُطلق على هذه الظاهرة مصطلح الموهبة الرشيقة.

وجد بحثنا، الذي يمثّل الأساس لكتابنا الجديد الذي يحمل عنوان "الموهبة الرشيقة" (Agile Talent)، أن أكثر من نصف المدراء التنفيذيين أفادوا عن زيادة استخدامهم للخبرات الخارجية واستقطاب مواهب من "السحابة". وعلى الرغم من ضرورة التفكير في التكلفة، يُفيد المدراء أن الفوائد الأساسية للموهبة الرشيقة تتمثّل في زيادة المرونة والسرعة والابتكار. باختصار، تُعتبر الموهبة الرشيقة أفضل وليس أرخص.

وعلى الرغم من أن المواهب الرشيقة قد تمثّل عامل تغيير بالنسبة للمؤسسات، فإنها ليست حلاً سحرياً. ولا يوجد نموذج مشترك واحد لإدارتها. ووجدنا في بحثنا أن المؤسسات تتخذ أحد مسارات ثلاثة في استقطاب المواهب الرشيقة؛ يتمثّل المسار الأول في توظيف المواهب الرشيقة في حالات استثنائية، حيث تعتمد المؤسسات على قوة عمل تقليدية من الموظفين بدوام كامل مع استخدام محدود "للموارد السحابية"؛ وينطوي المسار الثاني على اعتبار المواهب الرشيقة أداة معززة للاستراتيجية، بمعنى زيادة الاعتماد على المواهب الرشيقة بهدف تلبية القدرات الاستراتيجية سريعة التغيير؛ أما المسار الثالث ينطوي على اعتبار المواهب الرشيقة استراتيجية شاملة لقوة العمل، وهو نهج تحويلي يتميز بتوظيف قوة عمل رشيقة في الغالب.

ما يهمنا بشكل خاص هو المسار الأوسط، أي النموذج الذي يؤكد على تعزيز الاستراتيجية، وهو النهج الذي نراه مستخدماً بشكل متزايد في أفضل المؤسسات. قلّة من الشركات تتّبع المسار الثالث الذي ينطوي على اعتبار المواهب الرشيقة استراتيجية شاملة لقوة العمل، على الأقل حالياً. ولكن في سلسلة من ورشات العمل الأخيرة مع المدراء التنفيذيين والمسؤولين التنفيذيين للموارد البشرية، وصف أكثر من نصف الأفراد مؤسساتهم أنها تتحرك ببطء ولكن بحزم تجاه توظيف المواهب الرشيقة لتوسيع قدراتها في المجالات الاستراتيجية سريعة التغيير، على سبيل المثال، شركة "آبل" في مجال التصميم، وشركة "رولس رويس إيروسبيس" (Rolls-Royce Aerospace) في مجال الهندسة وشركة "وورك داي" (Workday ) في تطبيق الأنظمة.

كيفية إدارة المواهب

إن قرار الانتقال من النماذج التقليدية في التوظيف والاستثمار في زيادة الاعتماد على المواهب المرنة هو بالطبع قرارا تتخذه الإدارة العليا. وليس من المستغرب أن التنفيذ الفعال لهذا القرار يفشل على مستوى مدراء الإدارة الوسطى. لقد اكتشفنا من خلال عملنا مع المؤسسات سبعة أمور يفعلها المدراء تضع خبراءهم الخارجيين على سكة النجاح:

بناء شبكة المواهب. قال الممثل الأميركي روب لاو ذات مرة وبشكل صريح: "اختيار الممثلين يشكل 90% من صناعة الفيلم السينمائي". إن مدراء الإدارة الوسطى الذين يعتمدون على قسم المشتريات أو الموارد البشرية للعثور على المواهب المرنة خارج الصورة، فالمدراء الأذكياء يعتمدون على شبكاتهم كوسائل لضمان توظيف المواهب المرنة الصحيحة -التي تمتلك المهارات التقنية وأساليب العمل المطلوبة. هؤلاء المدراء يعتبرون من بناة العلاقات الذين يفهمون أهمية "التفكير في مستقبل المهارات المطلوبة" من مؤسساتهم. إنهم يهتمون بشبكة مواهبهم ويستثمرون الوقت والجهد في توسيعها والحفاظ عليها محدثة.

انطلاق العمل والعلاقات يدرك المدراء المحترفون أن التعيينات الخارجية تحتاج إلى إدارة المواهب وتجربة إعداد الموظفين الجدد التي تجعل العمل ينطلق بسرعة وقوة: مثل وضع أهداف واضحة، وجداول مواعيد ومحطات إنجاز محددة جيداً، واتفاق على توقعات الأداء، واستثمار مبكر في علاقات العمل المرنة مع الزملاء. وبينما يعتبر التفكير في إعداد المواهب الجديدة التي لم تستقطبها بعد أمراً مخالفا للتوقعات، فإن احتمالات نجاح المشروع تفشل بشكل واضح عندما تعمل المواهب المرنة دون فهم واضح للعمل ولدورهم فيه. في الدراسة التي أجريناها بهذا الخصوص وجدنا أن ثلث المسؤولين التنفيذيين يصفون مؤسساتهم بالفعالة في هذا البعد.

إدارة السياسات بالنسبة للمؤسسات التقليدية يعتبر استقطاب المواهب المرنة سبباً في خلق سياسات داخلية. وتعتبر المواهب المرنة موضوع اهتمام العديد من الموظفين الذين يتساءلون عن المخاطر المحدقة بوظائفهم، ويقلقون من المسؤولين التنفيذيين الذين يتساءلون عن احتمال تراجع دور وتأثير هؤلاء الموظفين. ويعرف مدراء الإدارة الوسطى الأكفاء هذا الأمر ويستبقونه، وهم ناجحون في إيجاد الطرق لتفادي خلق المتفوقين والفاشلين. على سبيل المثال، من المهم توضيح أن المواهب المرنة هي عنصر مكمل، وليست بديلاً للموظفين الداخليين كما هو مهم أيضاً شرح الفوائد الاستراتيجية للمواهب المرنة لباقي موظفي المؤسسة -مثل الوصول إلى التقنيات الحديثة والسرعة وضبط السوق والمرونة- بدل التركيز على الجانب المتعلق بتوفير النفقات.

فكر في المواهب كشركاء وليس كزبائن لم تحظ الخبرات العالية بالطلب أكثر مما تحظى به اليوم. ويدرك المدراء المحترفون أن الخبراء الخارجيين المتميزين يمتلكون غالباً اختيار الفرص. وتمنح شركات ووكالات التوظيف واستقطاب المواهب مثل شركة (10X) وشركة "توبتال" (TOPTAL) أقوى الخبراء التقنيين نطاقاً عريضاً من الفرص. ويحتاج مدراء الإدارة الوسطى إلى إنشاء علاقات شراكة لتحقيق النفع للطرفين مع المواهب المرنة، تلك الشراكات التي يحس فيها كل طرف بأنه معني بنجاح الطرف الآخر. ويوضح مقال تحت عنوان "لماذا يجني مبرمج مستقل ضعف ما كان يجنيه سابقاً في عمله في جوجل" أن هذه المهمة لها الأهمية نفسها التي للمال. يقول أحد المبرمجين المرموقين "يتم الاتصال بنا للقيام بمهام حرجة يمكنها أن تُربح الشركة أو تتسبب لها في خسارة الكثير من المال. إن الأمر شبيه بالمشاركة في الأوركسترا الموسيقية لنيويورك. وكل عازف يعزف بأرقى مستوى لديه...".

كن مطوراً للمواهب يحتاج مدراء المواهب المرنة إلى الاستثمار في تطوير خبرائهم الخارجيين وتدريبهم. ويدرب المدراء المحترفون المواهب الخارجية على العمل بفاعلية داخل المؤسسة ويقدمون ملاحظات مستمرة ويجيبون على المكالمات والرسائل الإلكترونية في الوقت المناسب. كما يطور المدراء موظفيهم من خلال التأكد من ترك المواهب المرنة المرموقة بعضاً من خبرتها عبر التدريب الرسمي وغير الرسمي.

سل عن ملاحظات الموظفين الذين تمسهم قرارات المواهب المرنة. لا يكفي أن يحقق فريقك أهدافه، بل المطلوب هو أن يلتزم بنجاح الفرق الأخرى والأشخاص الآخرين الذين يعتمدون عليه. وهذا يعني ضرورة الانتباه والتواصل مع تلك الفرق والاستثمار في بناء تلك العلاقات الفردية. وغير بعيد عن هذا الموضوع تظهر أهمية المراجعة بعد العمل: أي أن تمكين المواهب المرنة من العمل بفاعلية يتوقف على تحسن عملية انتقال المواهب المناسبة وبناء الشراكة ومعرفة كيفية تخطيط العمل وتبليغه ثم تنفيذه.

ترغيب النظام نحو المواءمة الأفضل لقد قلنا "ترغيب" بدلاً من "إرشاد" أو "قيادة" لأن مدراء الإدارة الوسطى لا يمتلكون الرخصة أو السلطة لقيادة تغييرات كبيرة في النظام. لكن يمكنهم ممارسة الترغيب بشأن الجوانب الهامشية في نظام العمل وقيادة تغييرات مفيدة تقلل من الاحتكاكات. إن المدير المحترف في نموذج المواهب المرنة يتذكر شروحات كيسي ستينغل حول الإدارة الجيدة لنادي كرة البيسبول التي تقول: "لا أحاول تفويت الفرص على اللاعبين وهم يحاولون الابتعاد عن دكة البدلاء".

وبينما سيتطلب تحول القوة العاملة اليوم إلى بعض الوقت لتصبح قوة ذات كفاءة، فإن العديد من المؤسسات تعمل على تكثيف توظيف "الخبرة المفيدة" من أجل اكتسابهم القدرات التي يحتاجونها وإتقانها في سبيل الإنجاز والتطور. إن المدراء الذين سيركزون على الممارسات المذكورة أعلاه سينجحون وسيبنون فرقا متفوقة في عالم المواهب الرقمي المترابط.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي