غالباً ما يَكون جنس الشخص وعرقه وعمره من السمات الشخصية الواضحة جداً والتي تظهر في اللقاء الأول. لكن العديد من السمات المهمة الأخرى (مثل الدين أو الميول العاطفية أو الوضع الأسري) لا تكون بارزة بالوضع الإعتيادي. ويجب على الأشخاص الذين يحملون السمات التي قد تعدّ غير مستحبة أو أقل قيمة في مكان العمل أن يتخذوا قرارات تتعلق بما إذا كانوا سيكشفون عنها أم لا؛ وتحديد متى وكيف ولمن سيكون ذلك، بالإضافة إلى تقييم إيجابيات وسلبيات خياراتهم.
ومما لا شك فيه؛ أنّ التحيّز والتمييز يحدثان لا محال بعد الإفصاح الصريح عن الذات. ومع ذلك، فإنّ النقاش المنفتح في جانب مهم من جوانب شخصية المرء يُمكن أيضاً أن يلقى الدعم من قبل زملاء العمل وغيرهم من أصحاب التجارب. وتماشياً مع هذا الاحتمال الأخير، تشير مجموعة من الأبحاث الحديثة إلى أنّ الصراحة والانفتاح حول السمات غير الظاهرة تؤدي عادة إلى محصلات نفسية ومهنية إيجابية.
على سبيل المثال، هل يجب أنْ تتحدث عن دينك في العمل؟ في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، أجرينا سلسلة من الدراسات للوصول إلى فهم أفضل للنتائج المترتبة على الإفصاح عن السمات التي يُمكن إخفاؤها في مكان العمل.
في إحدى الدراسات الميدانية التجريبية (قيد المراجعة حالياً في مجلة أكاديمية)، سعى القائمون على التجربة للتقدم إلى وظائف شاغرة في متاجر التجزئة. وخلال المناقشات، قام شخص آخر والذي أخذ صفة المراقب بضبط الموقف الذي يَكون فيه الانتماء الديني لمقدم الطلب "مستبعداً". بعد ذلك، قام المتقدمون للوظائف إما بمناقشة أو بمحاولة إخفاء هويتهم المسيحية أو اليهودية أو المسلمة. وتم تسجيل جميع المناقشات وتقييمها من قبل مبرمجين منفصلين.
قُيمت المناقشات من قبل المتقدمين للوظائف والمراقبين والمبرمجين على أنها أكثر إيجابية عندما تم الحديث عن الانتماء الديني صراحة على عكس الموقف عندما تم إخفاؤه. وقد حدد الباحثون نوع الجنس الاجتماعي والانتماء العرقي للمدراء المكلفين بالتوظيف (كما ذكر مقدم الطلب والمراقب) وكذلك الدين؛ أي إذا كانوا يُبرزون علانية أي رمز ديني. بالإضافة إلى ذلك، ولضمان أنّ المتاجر تحمل طابعاً متنوعاً، تم تحديد الضوابط الأخرى بما في ذلك نوع المتجر (ملابس أو مجوهرات أو أدوات منزلية) وتصنيفه ومدى ازدحامه أثناء القيام بالتجربة.
كما قمنا بإجراء دراسة منفصلة عبر الإنترنت ووَجدنا أنه عندما قام 263 موظفاً ممن لديهم خبرة في مجال التوظيف بتقييم سير ذاتية ذات صيغة تجريبية ومقابلات المتقدمين للوظائف من خلفية مسيحية ويهودية ومسلمة، فإنهم استجابوا بشكل أفضل للمتقدمين الذين ناقشوا صراحة مرجعيتهم الدينية. لنوضح ذلك أكثر، لقد أبدوا هؤلاء إعجابهم بالمتقدمين الافتراضيين ومنحوهم الثقة وشعروا بشيء من الراحة تجاههم عندما احتضنوا دينهم بدلاً من إخفائه. هذه النتائج تم التوصل إليها بعد تحديد العديد من سمات الموظفين، بما في ذلك الجنس والعرق والانتماء الديني والتديّن. وأسفرت هذه الدراسة عن نتائج مماثلة للنتائج السابقة التي توصلنا إليها والتي كانت ثابتة في ما يخص الانتماء الديني.
إنّ الأمثلة التي تُظهر إيجابيات الإفصاح عن الذات تمتد إلى ما هو أبعد من الجماعات الدينية، حيث أجرينا دراسة تجريبية لحالات، أكمل خلالها العاملون من مزدوجي الميول العاطفية استيبانات حول الزمن الذي كان عليهم أخذ قرار ما إذا كانوا سيكشفون عن ميولهم إلى شخص جديد في العمل. وجدنا أنّ الإفصاح عن الذات اقترن بمزيد من المشاعر الإيجابية لهؤلاء الموظفين. ووجدت مجموعة أخرى من الدراسات الاستقصائية التي أجريت على مجموعة من النساء الحوامل أنّ اللواتي كان سلوكهن أكثر وضوحاً حصلن على دعم أكبر وواجهن عوارض صحية أقل، لا سيما في المراحل المبكرة من الحمل.
وأخيراً، أجرى فريقنا بحثاً استخلاصياً (لا يزال قيد المراجعة أيضاً في مجلة أكاديمية)، حيث حلل 65 دراسة فريدة تم خلالها دراسة نتائج استراتيجيات إدارة الهوية. لإثبات نتائج دراساتنا الأولية، وجدنا أنّ إيجابيات الإفصاح تتسع في الواقع إلى مجموعة متنوعة من النواحي غير المستحبة لدى المجتمع عموماً، مثل الميول العاطفية والدين والمرض العقلي وحالات نقص المناعة المكتسب والحمل على سبيل المثال لا الحصر. تشمل هذه الإيجابيات محصلات في مكان العمل (مثل تعزيز الرضا الوظيفي وانخفاض نسبة الرغبة في التخلي عنهم، وزيادة احتمال توظيفهم وتقييمات إيجابية أكثر)، فضلاً عن محصلات أخرى (مثل الرضا أكثر عن الحياة وانخفاض معدل القلق).
تشير هذه النتائج إلى أنّ الموظفين - حتى أولئك الذين يحملون سمات غير مستحبة في الغالب- يمكنهم كسب القبول من خلال الانفتاح والصراحة. فعندما يتكلم الناس عن هوية ذاتهم الحقيقية، تكون عادة ردود أفعال الآخرين نحوهم أكثر إيجابية، ويكسبون المزيد من الإعجاب والثقة، والمزيد من الفرص لتلقي الدعم من زملائهم في العمل.
غير أنه من الأهمية بمكان إدراك الحالات التي تتفوق فيها سلبيات الإفصاح على الإيجابيات، حيث أظهر بحثنا وأبحاث أخرى ظروفاً معينة يكون فيها الإفصاح عن الذات أقل فاعلية أو حتى مؤذ في بعض الحالات. وذلك عندما يحدث في وقت مبكر جداً من زمن التعارف. في إحدى الدراسات، على سبيل المثال، تم استبعاد المتقدمين للوظيفة عندما كشفوا عن توجههم العاطفي في السؤال الثاني من المقابلة من أصل 20 سؤالاً. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ذلك يحدث أيضاً داخل بيئات عمل ذات ثقافة تنظيمية غير داعمة أو مشرفين سلبيين، أو في ظل غياب سياسات الحماية في مكان العمل.
قد يشعر العديد من الموظفين بالحاجة إلى توخي الحذر بشأن التكلم عن جميع جوانب هويتهم في مكان العمل. وهذا مبرر في بعض الحالات، ولكن من المهم ألا ننسى أنّ إخفاء الجوانب المهمة للشخصية قد يَكون قراراً مؤذياً في بعض الأحيان.