كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين دعم الصحة العقلية للموظفين في ظل هذه الأزمة؟

5 دقائق
دعم الصحة العقلية للموظفين

من المنطقي أن يصبّ قادة الأعمال تركيزهم على الوضع الراهن في ظل جائحة “كوفيد-19″، إلا أن هناك أزمة صحة عقلية من الدرجة الثانية بدأت تلوح في الأفق نتيجة فرض إجراءات الحجر الصحي العالمي والتحول الهائل والمفاجئ إلى العمل من المنزل. فكيف يمكن دعم الصحة العقلية للموظفين خلال هذه الجائحة؟

بحسب دراسة عالمية أُجريت على 2,700 موظف في أكثر من 10 قطاعات نفّذتها شركتا “كوالتريكس” (Qualtrics) و”إس أيه بي” (SAP) خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان هذا العام، أفاد 75% من الموظفين أنهم يشعرون بعزلة اجتماعية أكبر منذ تفشي الجائحة، وأبلغت نسبة 67% منهم عن مستويات عالية من التوتر، في حين أفادت نسبة 57% من هؤلاء الموظفين أنهم يعانون من مستويات أعلى من القلق، وصرحت نسبة 53% منهم بشعورهم بالإرهاق العاطفي.

كيفية دعم الصحة العقلية للموظفين

قد يكون من السهل علينا التعامل مع التغيير على اعتبار أننا بشر، إلا أنه يصعب علينا التعامل مع حالة الغموض. وبالنظر إلى حالة الغموض الشديدة التي يواجهها الجميع من الناحية الاقتصادية والشخصية والمهنية، من السهل التنبؤ بإحصاءات الصحة العقلية المثيرة للقلق هذه. لذلك، حدّدنا خمس خطوات يجب أن يتخذها كل قائد ومدير لإحداث تأثير فوري، وذلك استناداً إلى البيانات المستخلصة من الدراسة وتجربتنا الخاصة كرؤساء تنفيذيين:

1. المبادرة

يقول ما يقرب من 40% من الموظفين أن شركتهم لم تستطلع أحوالهم منذ بدء تفشي الجائحة، وهو أمر صادم. ومن المحتمل أن يكون الموظفون في هذه المجموعة أكثر عرضة بنسبة 38% للإبلاغ عن تدهور صحتهم العقلية منذ تفشي الجائحة. كيف يمكننا مساعدة موظفينا إذا كنا لا نستطلع أحوالهم؟ لذلك، تتمثّل الخطوة الأولى في طرح السؤال البسيط التالي: “هل أنت بخير؟”

اقرأ أيضاً: ما هي الوصفة الناجحة للمطاعم لتنجو من أزمة كورونا؟

أظن أن الرغبة في احترام الخصوصية تمنع التطرق إلى هذه المحادثات بين المدير والموظف. على الرغم من ذلك، أفاد ما يقرب من ثلاثة من كل خمسة موظفين في دراستنا عن شعورهم بالرضا لقيام مدرائهم بالاستفسار عن صحّتهم العقلية بشكل استباقي. والأهم من ذلك، أفاد أكثر من 40% من الموظفين عن رغبتهم في أن يتطرّق مدراؤهم إلى هذا الموضوع. إذاً، بادر في الاستفسار عن أحوال موظفيك ليعمّ شعور الرضا بينهم؛ لكن ضع في اعتبارك أن حوالي 40% منهم سيختارون عدم مشاركة مشكلاتهم، وهذا ممكن أيضاً.

ويُظهر بحثنا أنه من غير المناسب تصعيد مشكلات الصحة العقلية الخاصة بالمرؤوسين إلى قسم الموارد البشرية. وفي الواقع، عندما طُلب من الموظفين ترتيب الأشخاص الذين هم على استعداد للتحدث معهم بشأن مخاوف تتعلق بالصحة العقلية، وكان الاختيار من قائمة تضم مدراءهم وزملاءهم ومرؤوسيهم ومسؤولي قسم الموارد البشرية ومسؤولي الشركة التنفيذيين، أشار الموظفون إلى أن مسؤولي الموارد البشرية هم آخر مجموعة قد يلجؤون إليها للحديث عن صحتهم العقلية، في حين كان الزملاء والمدراء من المجموعتين اللتين كان الموظفون على استعداد أكبر للتطرق إلى مشكلات الصحة العقلية معهم.

2. ممارسة الإصغاء الداعم

بالنسبة للموظفين الذين يختارون التحدث عن صحتهم العقلية، يجب على المدراء ممارسة الإصغاء الداعم معهم. لا تحاول حل كل المشكلات في وقت واحد، بدلاً من ذلك، حاول أن تُصغي إلى الموظفين وأن تفهم مشكلاتهم بصدق وأن تتأكد من أن يدركوا اهتمامك بأحوالهم. لا تتردد من التحدث عن نفسك بصراحة، فقد تكون عملية التبادل أداة قوية لبناء الثقة. شارك معهم الأسلوب الذي تتّبعه في التعامل مع الوضع الطبيعي الجديد. ومن الضروري أيضاً أن تُبدي نقاط ضعفك، فوفقاً لبياناتنا، شهد ما يقرب من 40% من الموظفين من جميع مستويات المهنية في الشركة انخفاضاً في الصحة العقلية؛ فمن المرجح أن تعاني من بعض المشكلات في الصحة العقلية سواء كنت الرئيس التنفيذي، أو مديراً من المستوى المتوسط، أو موظفاً في الخطوط الأمامية. وكلما أدرك الموظفون أنهم ليسوا وحدهم من يعاني من تلك المشكلات، زاد دعمهم لبعضهم البعض.

ويمكنني أن أعود بذاكرتي إلى بعض المحادثات الأخيرة التي أجريتها مع اثنين من أعضاء فريقنا؛ أحدهما كانت أماً عزباء تعمل على تحقيق التوازن بين تعليم طفليها في المنزل الذي كان أحدهما يتلقّى تعليماً باللغة الفرنسية، وبين عملها وقلقها بشأن والديها المسنيّن اللذين يقطنان بعيداً. والآخر هو موظف أعزب يعيش وحده ويتحدث عن العزلة الساحقة التي كان يشعر بها. وكانت تحدياتي مختلفة، لكنها تبقى تحديات في النهاية. تُعتبر هذه الأوقات من أغرب الأوقات وأكثرها عاطفية في حياتنا بالنسبة لنا جميعاً. لذلك، يجب علينا أن نتعلم كيفية ممارسة الإصغاء الداعم وأن نُبرز نقاط ضعفنا أمام الآخرين بشكل مناسب، وأن ندرك أنه على الرغم من اختلاف المواقف التي نتعرّض لها، تبقى هذه المواقف تحديات صعبة.

3. مداومة التواصل

إن الحديث عن الصحة العقلية لا ينتهي بإجراء جلسة واحدة. وتتمثّل إحدى طرق مساعدة الموظفين في التعامل مع حالة الغموض في مداومة التواصل معهم بالطريقة نفسها والأوقات نفسها. فعند الحديث عن الجائحة، أفاد أكثر من 90% من الموظفين أنهم يفضلون عمليات تواصل أسبوعية من شركتهم على الأقل؛ في حين أفاد 29% منهم أنهم يفضّلون التواصل اليومي. وعندما يتعلق الأمر بمناقشة مشكلات الصحة العقلية على وجه التحديد، أفاد الموظفون أن أكثر أشكال التواصل فاعلية في الشركة هو إجراء مكالمة هاتفية مباشرة من مدرائهم. في المقابل، كان الموظفون الذين أفادوا أن مدراءهم لا يُجرون أي تواصل معهم أكثر عرضة بنسبة 23% للتعرض إلى مشكلات في الصحة العقلية. وبالتالي، يُعتبر التواصل المنتظم والمتسّق من المدراء ضرورياً لضمان شعور الموظفين بالدعم.

اقرأ أيضاً: ما الذي يتعين على الشركات القيام به استعداداً لأزمة الركود؟

4. مراقبة نبض الشركة

لا يقتصر الأمر على مساعدة المدراء في رعاية فرقهم فحسب، بل يجب علينا الاهتمام بمدرائنا على حد سواء، وهو ما يتطلّب منا جسّ نبض الشركة ككل. وللقيام بذلك على نطاق واسع، يجب على الشركات إجراء استقصاء نبض الشركة على الموظفين بشكل منتظم لفهم كيفية أداء كل فريق وكل قسم وأداء الشركة ككل. لا يُعتبر هذا الوقت مثالياً لتكون انفعالياً كقائد، بل يجب عليك أن تستبق الأحداث وأن تفهم مشاعر قوة العمل حتى تتمكن من اتخاذ إجراءات سريعة.

وقد وجدت دراستنا أن موظفاً واحداً من كل ثلاثة موظفين تقريباً أفادوا أن أعضاء فرقهم تخلّوا عن أسلوب التواصل غير الرسمي في أثناء العمل من المنزل. في المقابل، وجدنا أن الموظفين الذين يفتقرون إلى التواصل غير الرسمي هم أكثر عرضة بنسبة 19% إلى الإبلاغ عن انخفاض في الصحة العقلية منذ بداية الجائحة. فمع اضطرار الموظفين إلى الالتزام بالحجر الصحي في منازلهم، افتقدنا فرصة إجراء محادثات غير رسمية، وغابت عنا المشادات العفوية التي كانت تمنحنا طاقة وتثير أفكاراً جديدة وفرصاً أكبر للتعاون مع الآخرين. قد لا يمكننا تكرار هذه الممارسات نفسها بالضبط، إلا أننا لاحظنا قيام العديد من فرقنا بعقد لقاءات افتراضية نهاية أسبوع العمل أو تناول الغداء بشكل افتراضي، وهي ممارسات شجّعت الموظفين على الانضمام ومشاركة قصصهم وتعزيز التواصل. باختصار، يُتيح لك إجراء استقصاء نبض الشركة على الموظفين بشكل منتظم تحديد المشكلات باكراً.

5. مشاركة الموارد المتاحة مع الموظفين

أخيراً، تأكد من أن تكون واضحاً جداً بشأن موارد الصحة العقلية المتاحة للجميع في شركتك، فقد أفاد نصف العاملين تقريباً أن شركتهم لم تبلغهم بموارد الصحة العقلية المتاحة لهم بشكل استباقي. من المؤكد أن يرغب بعض الموظفين في الاستفادة من هذه الموارد، في المقابل قد يرغب الآخرون في إدراك وجودها فقط. وكما لاحظنا، عادة ما تكون أحوال الموظفين سيئة في ظل الغموض. لذلك، عندما يُدرك الموظفون توفّر هذه الموارد يقلّ شعورهم بالقلق والتوتر. وقد وجدنا أن الأشخاص الذين قالوا أن شركتهم قد شاركت معهم كيفية الوصول إلى موارد الصحة العقلية بشكل استباقي هم أكثر عرضة بنسبة 90% للإفادة أن شركاتهم تهتم بشعورهم بالرفاهة.

اقرأ أيضاً: ما الذي نحتاج إليه لمعالجة أزمة قروض الطلاب؟

إن أزمة الصحة العقلية الناجمة عن عدوى “كوفيد-19” هي أزمة خطيرة وقد ترافقنا فترة طويلة في المستقبل. لذلك، من المهم دعم الصحة العقلية للموظفين وأن نتعامل مع هذه الأزمة بتعاطف وصدق وانفتاح حتى نخرج من هذه الأزمة كقادة أفضل وموظفين أفضل وشركات أفضل.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لمتاجر الأغذية الكبرى المساهمة في حل أزمة الهدر الغذائي؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .