يمتلك مجلس إدارة الشركات العامة قائمة طويلة مليئة بالمسؤوليات الإدارية الرقابية، ولكن المدراء لا يحصلون دائماً على المعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات مدروسة بالكامل بشأن بعض المسائل الأساسية، كمراقبة استراتيجية العمل وتتابعه وطبيعة الأداء. قمنا مؤخراً بدراسة نهج جديد لمشاركة المعلومات في شركة نتفليكس، والذي يقدم نموذجاً يُتَّبع للتغلب على هذا القصور الإداري.
ستجد في معظم الشركات أنّ أعضاء مجلس الإدارة (المدراء غير التنفيذيين) يمتلكون معرفة أقل من المدراء التنفيذيين حول أعمال الشركة، وذلك بسبب مشاركتهم المحدودة في النشاطات اليومية. فنموذج المعلومات الذي يتلقّاه المدراء لا يساعد كثيراً في التغلّب على العجز في المعطيات. يتألّف كتاب المعلومات النموذجي لمجلس إدارة شركة ضخمة من عرض باور بوينت مكثّف يحتوي على مئات الصفحات. يعتبر بعض المدراء أنّ هذه العروض التقديمية مكثفة من ناحية البيانات والمعلومات ولكنها سهلة التحليل.
إضافة إلى ذلك، تعيق ديناميكيات المدراء تدفّق المعلومات، خاصة في إجراءات فرض المدير التنفيذي سيطرة شديدة على المحتوى المعروض، وحين يتم كتابة محتوى العروض التقديمية بتأنّ وعناية، وأيضاً حين يتم إعداد العروض من قبل عدد محدود من المدراء التنفيذيين.
تتبع شركة نتفليكس نهجاً مختلفاً تماماً، يتضمن تصرّفين مبتكرين. يقوم أعضاء مجلس الإدارة، في فترات منتظمة، بحضور اجتماعات الإدارة العليا الشهرية والفصلية (بصفة رقابية فقط). إلى جانب ذلك، يتم التواصل مع مجلس الإدارة من خلال مذكرة قصيرة عبر الإنترنت تسمح للمدراء بطرح الأسئلة والتعليق ضمن المذكرة. كما يمكن للمدراء التنفيذيين تعديل النص والإجابة عن الأسئلة في المذكرة نفسها والتي تُعتبر كمستند قابل للتعديل. نحن نؤمن بأنّ هذين الابتكارين قد ساهما بشكل فعّال في أداء نتفليكس الاستثنائي في السنوات الأخيرة.
الإدارة من خلال "التجوال" (أي التجوّل بين الموظفين في أماكن العمل الفعلية والمساعدة عند الحاجة).
على عكس النهج الصارم الموّحد والذي يظهر في معظم تفاعلات المدراء التنفيذيين، تشجع شركة نتفليكس أعضاء مجلس إدارتها على قضاء الوقت في المشاهدة المباشرة لنشاطات الشركة وأعمالها. تعقد الشركة ثلاثة اجتماعات تنفيذية مجدولة بانتظام، يحضرها أعضاء مجلس الإدارة
- اجتماعات الموظفين، وهي اجتماعات شهرية لأعلى سبعة قادة.
- اجتماعات الموظفين التنفيذيين، وهي اجتماعات فصلية لأعلى 90 موظفاً تنفيذياً.
- استعراضات فصلية للأعمال، وهي تجمعات مدتها يومين لأفضل 500 موظف.
يحضر اجتماعات الموظفين شخص واحد من أعضاء مجلس الإدارة، ويحضر واحد أو اثنان اجتماعات الموظفين التنفيذيين، ويحضر ما بين اثنين وأربعة الاستعراضات الفصلية للأعمال.
يُتوقع من المدراء الذين يحضرون الاجتماعات بأن يقوموا بالمراقبة، وألّا يؤثروا على المناقشة أو يشاركوا فيها. إنّ الهدف من حضورهم هو التعلم في المقام الأول: إذ أنه من خلال المراقبة المباشرة، يكتسب المدراء فهماً أكبر للمشاكل التي تواجه الشركة، وللنهج التحليلي الذي يدعم القرارات الإدارية، وللهدف الكامل من جميع المبادلات الجارية. في النهاية، تطمح الشركة إلى أن تؤدي هذه الخطوات إلى زيادة الثقة في الهيئة الإدارية وخياراتها. في الوقت الذي يُشدّد فيه على ضرورة أن يكون المدراء منضبطين وأن يمتنعوا عن التأثير على القرارات خارج غرفة الاجتماعات، أخبرنا مؤسس شركة نتفليكس ومديرها التنفيذي ريد هاستينغز أنّ إتاحة الوصول إلى المناقشات الإدارية والتعمّق فيها "هي طريقة فعاّلة تساعد مجلس الإدارة على فهم الشركة أكثر".
يصف أحد المدراء فائدة حضور الاجتماعات الإدارية قائلاً: "أنت ترى مستوى مختلف من ديناميكيات الفريق التنفيذي. ترى كيف يساهم العديد من الأفراد بشكل فعلي، ترى خبرتهم وتسمع رأيهم في الاجتماعات، وترى الديناميكيات المتّبعة مع المدير التنفيذي. ترى كيف قد تم فعلياً معالجة الموضوعات التي تمت مناقشتها وحسمها وتقديمها في اجتماع مجلس الإدارة".
يجد مدراء نتفليكس أنّ التعرّض المباشر للمناقشات الاستراتيجية يقدّم لهم معرفة أكبر بالشركة، أكثر من التي توفرها الزيارات المنظمة لمكاتب أو مرافق الشركة. كما يعتقدون أنّ التفاعل المتكرر مع الفريق التنفيذي الأعلى يحضّر مجلس الإدارة جيّداً لعملية اختيار المدراء التنفيذيين المقبلين. في هذا السياق، هناك مجازفة واحدة صغيرة: إذ يحذّر هاستينغز بأنه يجب على المدراء، الذين قاموا بمنح هذا المستوى من الوصول إلى المناقشات الإدارية والوثائق الإدارية اللازمة، الامتناع عن التأثير على القرارات خارج قاعة اجتماعات مجلس الإدارة.
طريقة جديدة لتدوين مذكرات مجلس الإدارة
إنّ الإبداع الآخر هو أنّ عمليات تواصل مجلس إدارة نتفليكس مصممة على شكل مذكرات مباشرة على الإنترنت تتألف من حوالي 30 صفحة مكتوبة بنمط سردي. لا تتضمن هذه المذكرات فقط روابط الدراسات الداعمة، بل تسمح أيضاً بالوصول المفتوح إلى جميع البيانات والمعلومات المتعلّقة بأنظمة الشركة الداخلية المشتركة. وتشمل هذه العملية قدرة المدراء على طرح أسئلة توضيحية على كاتبي النص. يتم كتابة هذه المذكرة الفصلية من قبل أعلى 90 موظفاً تنفيذياً بحيث يتم مشاركتها في ما بينهم، فضلاً عن مشاركتها مع مجلس الإدارة.
تتألف هذه المذكرة من نص مكتوب يلقي الضوء على أداء الأعمال واتجاهات الصناعة والتطورات التنافسية وغيرها من القضايا الاستراتيجية والتنظيمية. يتم تلخيص البيانات الكبيرة في مخططات ورسوم بيانية، ولكن، تركّز المذكّرة قبل كل شيء على المناقشة المكتوبة وتحليل القضايا. وتقوم هذه الروابط الإلكترونية المضمنة في كل جزء من أجزاء المذكرة بإيصال القارئ بالتحليل والبيانات والتفاصيل الإضافية التي تدعم المناقشة المكتوبة وتوسعها.
يتلقى أعضاء مجلس الإدارة المذكرة قبل بضعة أيام من اجتماعات المجلس، ويتم توجيههم ذاتياً في عملية مراجعة المواد والنقر على الروابط لمراجعة الدراسات التحليلية المتعلّقة بالموضوعات أو القضايا التي يعتبرونها الأكثر أهمية أو إثارة للاهتمام أو التي تتطلب أكبر قدر من الحرص من ناحية الموثوقية. ويقدّر المدراء الوقت الذي يقضونه في التحضير بمدة تتراوح بين أربع وست ساعات. كما يمتلك المدراء الصلاحية لطرح الأسئلة أو طلب توضيح معين مباشرة في المذكرة الرقمية، بحيث تستجيب الإدارة العليا للأسئلة وطلبات التوضيح هذه قبل الاجتماع. ويستفيد المدراء بشكل فعال من هذه الصلاحية.
أصبحت اجتماعات مجلس الإدارة نفسها أكثر فعالية، وذلك لأنّ المدراء مهيّئين بشكل ممتاز ولأن التركيز في الاجتماع موجّه نحو الأسئلة والمناقشة بدلاً من العرض التقديمي. تتراوح مدة الاجتماعات ما بين ثلاث إلى أربع ساعات فقط (مقارنة بالاجتماعات التي تجري في العديد من الشركات الكبرى على مدى يوم كامل أو عدة أيام). يحضر كبار المدراء التنفيذيين اجتماعات مجلس الإدارة ويجيبون عن الأسئلة عند الاقتضاء.
إنّ النهج الذي تتبعه نتفليكس في قيادة مجلس الإدارة هو انعكاس لثقافة الشركة وقيادتها ويتأصّل منهما. إذ تشدّد ثقافة نتفليكس على المبادرة الفردية، ومشاركة المعلومات، والتركيز على النتيجة بدلاً من الطريقة. يقول أحد المدراء "إنّ الكثير من المدراء التنفيذيين يحبون فكرة الشفافية والوضوح. ولكن يكمن الفرق في أن ريد قرر وضع آليات مناسبة، تحوّل هذه الفكرة المرغوبة إلى حقيقة ملموسة".
يعتقد مدراء نتفليكس أنّ هذه الأساليب تجعلهم يثقون بالإدارة، خاصة عند مواجهة التحديّات. إنّ أحد الأمثلة على ذلك هي منافسة نتفليكس الشرسة مع شركة بلوك باستر (Blockbuster) للسيطرة على سوق أقراص الفيديو (DVD)، وقرارات الاستثمار المكلفة المتعلّقة بمحتوى موقع الويب الخاص بها، والتوسع على مستوى عالمي، والتكلفة الكبيرة لإنتاج محتوى أصلي ومخاطر هذه العملية. وفقا لأحد المدراء "يصعب التخيل بأنه كان بإمكاننا القيام بذلك من دون امتلاك معرفة عميقة بالعمليات المتبعة وبالناس".
يأخذ مدراء الشركات الكبرى مهمتهم الرقابية على محمل الجد، ولكنهم يشعرون بأنهم مُعطّلين في معظم الأحيان بسبب قلة الوضوح والمعلومات المفيدة. توفّر نتفليكس نموذجاً يمكن اتباعه من قبل للشركات التي تسعى إلى تجاوز هذا التحدّي.