عندما كان يويو ما في الثلاثين من عمره، كان يُنظر إليه بوصفه أرفع عازف على آلة التشيلو الموسيقية في العالم، سواء على المسرح أو داخل الاستديو. بعد ذلك انتقل إلى البلو غراس، والتانغو، والجاز، وغيرها من أنواع الموسيقى، إضافة إلى العمل في مشاريع، مع مخرجين وفنانين، ومصمّمين.
هارفارد بزنس ريفيو: ما هو المفتاح الأساسي للتعاون المثمر وخاصة عبر الثقافات أو المجالات المختلفة؟
ما: كلمتان: "إدارة الأنا" أو ما يسمّى الإيغو. من السهل على المرء أن يصبح أسيراً لنفسه ولمقولة "في عالمي الذاتي" أو "هذه هي نظرتي إلى المسألة"، لذلك يجب على الإنسان أن ينقل ذهنه إلى زمن آخر وطريقة تفكير أخرى. فإذا كنت تبلغ من العمر تسع سنوات، ودخلت فجأة إلى بيئة جديدة، فإنك بالتأكيد ستُجري مقارنات، لكن ذهنك سيكون شبيهاً بقطعة الإسفنج، ولن تتمتع بذهنية قائمة على إطلاق الأحكام. هنا يكمن الفرق بين الامتصاص واستعمال الفكر النقدي. لقد تعلمت أن أقول: "ربما هناك رأيان. إذا كنت تفكر بطريقة مختلفة عن طريقة تفكيري، دعني أضع نفسي مكانك لأرى ما هو الناجح برأيك، وأنت تفعل الشيء ذاته معي". وبعد أن ننجز ذلك، فإن عقلينا سيكونان أكثر انفتاحاً. ونحن أصلاً لدينا حلان، وغالباً ما سنتوصل إلى حل ثالث، يمكن فيه لحقيقتين أن تتعايشا معاً.
اخترت الدراسة في "هارفارد" بدلاً من الدارسة في معهد موسيقي. لماذا؟
لقد فعلت الأمرين معاً نوعاً ما، لأنني تخرّجت في المدرسة الثانوية مبكراً، ودرست في جوليارد وكولومبيا لفترة من الزمن. لكنني كنت بحاجة إلى أن أتربّى في مكان ما. كنت أعي بأنني غض العود ولست قادراً على الانطلاق في أرجاء العالم بعد. كنت أعلم تماماً بأن معلوماتي محدودة. وكانت هذه السنوات الأربع التي قضيتها في "هارفارد" من أكثر السنوات تأثيراً في حياتي، حيث إنها عرفّتني على العديد من الفروع العلمية والناس الذين كانوا في عمري، وكانوا على الأقل يحملون تجاه ما يفعلونه ذات الشغف الذي كنت أحمله تجاه ما أفعله. وقد كانت المادّتان المفضلتان لدي هما علم الآثار والأنثربولوجيا، حيث ساعدتاني في فهم كل الثقافات التي كنت أطلع عليها من خلال السفر مما مكّنني من وضعها ضمن سياقها. كما أنني تعلمت الانضباط الأكاديمي. ربما يقودك حدسك كموسيقي إلى استنتاجات سريعة فعلياً، لكنك تستطيع اختبارها بعد ذلك. وهذا الأمر يساعدك على استعمال نصفي دماغك الأيمن والأيسر طوال الوقت. لقد تخرجت في الجامعة، وأقول لنفسي: "أعرف كل ما يحتاج المرء معرفته بخصوص العزف على آلة موسيقية". لذلك كان لدي تعطّش وفضول، ولا يزال هذا الشعور يساورني.
ظهرت على شاشة التلفزيون الوطني الأميركي بعمر الخامسة. كيف تعاملت مع شهرة الطفولة؟
من الرائع أن تحظى بالاهتمام – ولكن ليس في كل الأوقات ومن الجميع. عندما أتحدث إلى الشباب ذوي المواهب الكبيرة، أقول لهم: "عندما تبرعون في أداء أمر ما، تشعرون بالرغبة في الاستمرار في أدائه، ولكن بعد فترة من الزمن، فإن هذه الطريقة لا تنجح كما السابق. والأمر الذي كان يثير اهتمامكم في عمر السابعة لا يثيركم في عمر الثلاثين". فعندما كنت طفلاً، قال لي الناس أشياء أتمنى لو لم يكونوا قد قالوها من قبيل: "يا لك من موهوب، وعبقري". وهذا أمر خطير، لأنه يمكن أن يطغى على قراراتك التي تتخذها بشأن أمورك الشخصية. كنتُ عازماً على تحديد من أنا. وأفضل مقاربة هي أن تتمتع بمستويات صحية من الثقة بالنفس.
هل كان ذلك يشمل الكثير من التدريبات إضافة إلى موهبتك الطبيعية؟
لقد ساعدتني التدريبات التي حصلت عليها مبكراً في عدم الاضطرار إلى ممارسة التدريب كثيراً. لقد كنت قادراً على قراءة النوطة الموسيقية دون الذهاب إلى دروس عزف البيانو. كنت أعلم كيفية تقسيم المشاكل إلى أجزاء أصغر وأصغر، لذلك كنت قادراً وبمنهجية على حل أعقد المشاكل التقنية، ما سمح لي بالتركيز على أمور أخرى. وكما تعلم فإن هناك عدة طرق مختلفة للتدريب. إحدى طرق التدريب هذه هي دندنة الموسيقى في رأسك. وهناك طريقة أخرى هي حل المشاكل بعيداً عن الآلة الموسيقية. وثمة طريقة ثالثة هي إشراك كل حواسك في هندسة الحل المطلوب، بحيث تترجمه إلى صوت ملموس في حيّز مكاني ملموس بأكثر الطرق كفاءة، وبحيث تحرك أصابعك وذراعيك وجسدك لتجسد الفكرة التي في رأسك على أرض الواقع. ينطوي هذا النوع من التدريب على قدر كبير من السعادة العميقة والشعور بالإنجاز. فهو ليس نوعاً من التدريب الطارئ. وإنما هو أشبه بالمعلومات إلى تتحول إلى معرفة التي تتحول بدورها إلى حب. ويتحقق الإنجاز النهائي عند القول لنفسك: "أنا أحب هذا الشيء بحق، ولدي ما يكفي من الموهبة لمشاركة هذا الحب مع الآخرين".