لماذا يترك الموظفون الجيدون “الثقافات العظيمة”؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جميعنا قد سمعنا عبارة “لدينا ثقافة عظيمة”، وجميعنا قد قلناها أيضاً. ولكن، ماذا تعني هذه العبارة؟

هل تعني امتلاك الشركة لطاولات بينغ بونغ، أو تقديمها الوجبات والمشروبات المجانية ؟ من المؤكد ليس هذا المقصود.

هل تعني تقديمها لصفوف اليوغا أو صفوف اللياقة البدنية أو كراسي التدليك؟ على الرغم من أنني بحاجة إلى ذلك! لكن أيضاً كلا.

هل تعني تعهّدها للموظف بأن تجعله جزء من فريق يحصل على العديد من الحوافز المادية ويتطور بسرعة؟ لقد أصبحت أقرب إلى الجواب الصحيح، ولكن كلا.

يُشار عادة إلى الثقافة على أنها “الطريقة التي تتم بها الأمور في الشركات”. ولكن يجب أن نكون أكثر تحديداً في تعريفنا حتى نقوم بإفادة الآخرين. منذ أكثر من 20 عاماً وأنا أعمل في مجال الموارد البشرية. أقرّت أفضل الشركات التي عملت معها بوجود ثلاثة عناصر للثقافة وهي: السلوكيات، والأنظمة، والممارسات، وجميعها عناصر مستوحاة من مجموعة قيم شاملة. تتحقق الثقافة العظيمة عندما تتوافق هذه العناصر الثلاثة وتتناسب مع القيم التي تتبناها مؤسسة عملك. ولكن عندما تبدأ الفجوات في هذه القيم بالظهور، ستبدأ أنت برؤية المشاكل، فترى الموظفين العظماء يتركون العمل في الشركة.

يمكن لهذه الفجوات أن تتخذ أشكال عدة. فمثلاً، قد تؤيد شركة ما فكرة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، ولكنها في الوقت عينه لا تقوم بتقديم إجازة الأبوة المدفوعة، أو تتوقع من الموظفين البقاء في العمل لوقت متأخر كل ليلة (فجوة بين السلوكيات والأنظمة). قد تحبّذ شركتك فكرة أن تكون مؤسسة تعلّم الموظّفين وتطورهم، ولكنها لا تقوم بإعطائهم الوقت اللازم للقيام فعلياً بالتسجيل في الصفوف أو تعلّم أمور عن عملهم (فجوة بين السلوكيات والأنظمة). قد تطلب شركتك من الموظفين بأن يبنوا قراراتهم على أساس إجماع الآراء ولكنها في الواقع تقوم بترقية الشخص الذي يتخذ قرارات منفردة وجازمة.

لن تُحل فجوات كهذه من خلال إحالة الأنظمة الثقافية في شركتك إلى رئيس مكتب ثقافي أو من خلال جمع لجان ثقافية. إضافة إلى ذلك، إنّ القيادة الملهمة، وتكرار العبارات التي تعبّر عن القيمة، والسماح للناس بأن يتصرّفوا على طبيعتهم جميعها نقاط مهمة، ولكنها عناصر تنتج عن الثقافة الصحية، وليست العناصر الدافعة لها.

إذاً، كيف ستقوم بإصلاح الثقافة الضعيفة والمتخاذلة؟ يمكنك البدء من خلال مراجعة السلوكيات والأنظمة والممارسات المعمول بها في شركتك.

السلوكيات

إنّ خلق بيانات القيم هو أحد الممارسات الشائعة لبناء الثقافة. لكن يكمن الاختبار الحقيقي في كيفية تصرف القادة؛ كيف يطبقون هذه القيم، أو لا يطبقونها. يراقب الناس كل ما يفعله القادة. إذا لم يبرز القادة في أفعالهم هذه السلوكيات التي تعكس القيم، فستصبح القيم دون معنى.

يحتاج الموظفون إلى الوضوح أيضاً، لكن وضوح من نوع مختلف. قد يتخلى كل موظف قمت بإدارته يوماً ما عما يسمى بالامتيازات الإضافية مقابل أمر واحد وهو: التوقعات الواضحة. على ضوء قيمك المؤسسية، ما هي السلوكيات التي تتم مكافأتها باستمرار؟ ما هي السلوكيات التي تؤدي إلى ترقية الموظف؟

قم باستخدام وقتك في تحديد السلوكيات والمهارات التي تعبّر عن كل قيمة من قيمك التنظيمية. على سبيل المثال، إذا رأيت شخصاً يجسد قيمة “العمل الجماعي” في عمله، ما هو الفعل الذي قام به لتظهر هذه القيمة؟ وما الذي لم يقم به؟ قد تُعرّف إحدى المؤسسات سلوك العمل الجماعي على أنه ” التعاون بفاعلية من خلال مساعدة الآخرين”. قد تفسره مؤسسة أخرى بأنه “التعاون بفعالية من خلال تشجيع الاختلاف المثمر في الآراء”. يمكن اتباع كلا التعريفين، ولكن ما هو السلوك المتوقع والمشجع في كل شركة؟

إنّ توضيح السلوكيات المتوقعة للموظفين يحمّل القادة المسؤولية أيضاً أمام موظفيهم. هل يقدّر مدير العمل الساعات الإضافية التي يقضيها الموظف في الشركة أكثر من النتائج التي يقدّمها؟ هل يتأخر القائد دائماً 10 دقائق عن الاجتماع؟ كم عدد المرات التي يبدأ فيها الاجتماع متأخراً بخمس دقائق بسبب أشخاص أتوا وهم غير محضّرين؟ هذه هي سلوكيات العالم الحقيقي في موضوعي الثقافة والقيم. وقبل أن ندرك الأمر، تصبح الشركة معروفة بتأخرها على الاجتماعات أو بدعمها لساعات العمل الإضافية، أو قيادتها غير المبالية أو التي تعمل من خلال ردة الفعل. يتحول الموظفون بسبب هذه القيادة إلى أشخاص يعملون من خلال ردة الفعل السريعة. وبعدها نتساءل عن سبب معاناتنا من تناقص عدد العملاء والموظفين.

عندما تكون السلوكيات المتوقعة واضحة، يمكننا تركيز وقتنا على ممارسة تلك السلوكيات بدلاً من قضاء الوقت ونحن نحاول أن نحددها. عندها، تصبح عملية قياس المساءلة أسهل وتحقيق النجاح كذلك.

الأنظمة

إنّ كل عملية تُنشأ، وكل نظام يثبّت، وكل تقنية تُستخدم، وكل بنية تُصمّم، وكل مسمّى وظيفي يُمنح ستعزز جميعها الثقافة أو تضعفها. يوجد خمسة أنظمة أساسية مهمة للنظام الثقافي ككل:

توظيف. يساعدنا الوضوح بشأن التوقعات السلوكية في أن ننقل الوضوح اللازم إلى عملية التوظيف. فبدلاً من اتباع خيار “الملاءمة الثقافية” الشائع عند التوظيف (وهو من الناحية العملية يُستخدم عادة كعذر لتوظيف أشخاص نجدهم محبوبين أو مشابهين لنا) يمكننا أن نبحث عن سلوكيات مكملة للثقافة. ويبعدنا هذا عن الميل إلى توظيف أشخاص يفكرون بنفس الطريقة، ويوجّهنا نحو امتلاك شركة مبنية على تنوع في الخلفيات ووجهات النظر والأفكار التي تكمل الثقافة وتثريها في الوقت نفسه.

تحديد الاستراتيجية والأهداف. تقوم هاتان الخطوتان بفعلين من حيث الثقافة: إذ تجمع الناس حول أهداف متشابهة، مع تقديم الإرشاد والتوجيه بشأن النتائج المتوقعة من الموظفين.

التقييم. كيف يتم تقييم السلوكيات؟ كم مرة يتم مراجعتها؟ هل يتم مشاركة التعليقات باستمرار؟ وهل يتم تقدير أهميتها بناء على الشخص الذي يقولها؟ يؤدي عدم التأكّد من المعايير السلوكية التي سيتم استخدامها إلى خلق بيئات سياسية مبنية على القلق.

التطوير. إنّ شعور الموظفين بأنّ التطور المهني أو التعليقات الناتجة عن التقييم أو استقصائيات اندماج الموظفين بالعمل غير مرتبطة بالثقافة المطلوبة سببه هو أنّ الأسئلة لا ترتبط بالسلوكيات التي تدعمها الشركة والتي يتم مكافأة الموظفين عليها. قد تظهر مشاكل متعلقة بالثقافة أيضاً عندما تتحول “البيئة التعليمية الآمنة” إلى طريقة لمعاقبة الموظفين بسبب حصولهم على درجات منخفضة بدلاً من طريقة لمساعدتهم على النمو.

المكافأة. ما هي المعايير المطلوبة من الفرد لكي يصبح مدير أو نائب المدير العام؟ ما هي السلوكيات المتوقعة من الفرد لكي يحصل على هذه المناصب؟ ما هي المهارات الفنية والقيادية المطلوبة؟ جميع أجوبة هذه الأسئلة هي تدابير تعبّر عن الثقافة والقيم، ولكنها غالباً ما تعتبر تصادفية أو عشوائية. لن يتوجب على الموظفين القلق بخصوص تكوين الصداقات مع الرئيس التنفيذي، والتنافس في ما بينهم، والتحديات السياسية الأخرى عندما تكون هذه الأساليب شفافة وعادلة.

تقوم الثقافة الجيدة بإعداد الأساليب هذه بحيث تتمكن كل الأطراف من الاستفادة والحصول على الدعم من بعضها البعض.

الممارسات

تتضمن الممارسات كل ما تقوم به الشركة من أحداث، واجتماعات، وعمليات التقييم وتقديم التعليقات، وتتضمن أيضاً طريقة اتخاذ القرارات.

هل تمتلك أساليب مناسبة وناجحة لصنع قرار؟ ھل يُتوقع من المشاركين بأن يكونوا متعاونين ويتبعون فكرة الاتفاق بالإجماع، أم أنه لا مانع في وجود بعض التعارض؟ ما هي الأشياء التي يجب أن يتكلم عنها المدراء في مراجعات أداء الموظفين؟

يجب أن تتغير الممارسات عندما تتغير الشركة (عند نموها أو إعادة تنظيمها أو مواجهتها لمخاطر جديدة). يمكن للممارسات التي كانت مفيدة ذات يوم أن تتحول بسرعة إلى ممارسات قديمة أو بلا فائدة أو حتى ذات نتائج عكسية. إذا كان الهدف الأساسي من إرسال مجموعة من الموظفين في مهمة عمل خارج الموقع هو مساعدة الفرق على الترابط، فما الذي يجب أن يتغيّر الآن إلى بما أنّ حجم الشركة وعملها قد تضاعف ثلاث مرات؟

يعلم جميع القادة العظماء وجميع المؤسسات العظيمة أنّ الأمور المتعلقة بالثقافة هي الأمور الصعبة. إذ تحتاج إلى الجهد حتى يُعمل بها. ومع ذلك، إذا تم قضاء الوقت (1) في فهم السلوكيات المتوقعة في كافة أنحاء المؤسسة؛ (2) وتحديد الأنظمة والأساليب التي سوف تساعد على إظهار هذه السلوكيات والحفاظ عليها وبشكل مستمر؛ (3) وصياغة الممارسات التي تساعد الموظفين والمؤسسة على التقدّم، عندها يمكنك أن تغلق الفجوات الثقافية الموجودة في شركتك، وأن توقف أفضل الموظفين لديك عن قول: “أعرف أنها ثقافة رائعة، لكنني سأرحل”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .