$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7065 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(11856)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(14) "54.163.195.125"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7072 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(63) "/%D8%A5%D8%AF%D9%8A%D8%B3%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(14) "54.163.195.125"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86bfef692da407f8-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(31) "https://hbrarabic.com/?p=206360"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(14) "54.163.195.125"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.5" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "162.158.87.207" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "58666" ["REDIRECT_URL"]=> string(23) "/إديسون-الطب/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711716097.535447) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711716097) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(4) "paid" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7073 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7074 (2) { ["content_id"]=> int(11856) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

تعرف على إديسون الطب؟

32 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ذات صباح العام الماضي، أتى جيمس دولمان ليودّع بوب لانجر في مكتبه في “معهد كوتش لأبحاث السرطان التكاملية” (Koch Institute for Integrative Cancer Research) التابع لـ “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT). وكان لقاؤه مع لانجر ودان أندرسون، المشرفيْن على رسالة الدكتوراه الخاصة به. كان جيمس، البالغ من العمر 29 عاماً، يوشك على شغل أول منصب له ضمن طاقم هيئة التدريس، في قسم الهندسة الطبية الحيوية في “معهد جورجيا التقني” (Georgia Tech)، وأراد منهم النصح والإرشاد.

قال له لانجر “اصنع شيئاً كبيراً، اصنع شيئاً يمكن أن يغيّر العالم حقاً بدلاً من شيء يتحقق بشكل تدريجي”.

لم تكن هذه مجرد كلمات ملهِمة لطالب سابق، كانت شعاراً اهتدى به لانجر، وهو مهندس كيميائي ورائد في مجالات إيصال الأدوية منضبطة الانطلاق وهندسة الأنسجة، على مدار مساره المهني البالغ أربعة عقود في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”. وهي كلمات تمثل جزءاً من معادلة جعلت مختبر “لانجر لاب” (Langer Lab) أحد أكثر المنشآت البحثية إنتاجية في العالم.

تستطيع المختبرات الأكاديمية ومختبرات الشركات والمختبرات الحكومية، وفي الواقع كل مَن يقود مجموعة من الأشخاص الذين يتمتعون بموهبة رفيعة من تخصصات مختلفة، أن تتعلم الكثير من نموذج لانجر. يمتلك لانجر نهجاً خماسي الفروع لتسريع وتيرة الاكتشافات، وضمان نجاحها خارج البيئة الأكاديمية، وتحولها إلى منتجات في العالم الحقيقي. وهو يشتمل على تركيز على الأفكار ذات الأثر الكبير، وعملية لاجتياز “وادي الموت” ذائع الصيت بين البحوث والتطوير التجاري، وطرق لتيسير التعاون متعدد التخصصات، وطرق لإجراء دوران الباحثين الدائم، وتكون المدة المحدودة لتمويل المشروع ميزة إضافية، ونمط قيادة يوازن بين الحرية والدعم.

تنفق الولايات المتحدة وحدها قرابة 500 مليار دولار كل عام على الأبحاث، لكن “الكثير منها عادية”، حسب تعبير كينت بوين، وهو أستاذ فخري في “كلية هارفارد للأعمال” (HBS) قضى سنوات في دراسة المختبرات الأكاديمية ومختبرات الشركات. وأضاف “إذا كان هناك المزيد من المختبرات التي تتسم بقدر كبير من التعاون مثل مختبر لانجر، فتركز على بحوث ذات تأثير كبير، فسوف تحقق الولايات المتحدة قدرتها الهائلة على تكوين الثروة”.

تُعتبر إنجازات لانجر رائعة على أكثر من صعيد، ونتيجته على مؤشر هيرش (h-index)، وهو مقياس لعدد الأوراق المنشورة لعالم ما ومدى تكرار الاستشهاد بها، هو 230، وهي النتيجة الأعلى التي لم يصل إليها مهندس قط. وقد رُخّصتْ له أكثر من 1,100 براءة اختراع حالية ومعلقة أو جرى ترخيصها من الباطن لنحو 300 من الشركات الصيدلانية والشركات الكيميائية وشركات التكنولوجيا الحيوية وشركات الأجهزة الطبية، ليحظى بلقب “إديسون الطب”. وقد كان لمختبره، لوحده أو بتعاون مع جهات أخرى، دور في نشأة 40 شركة، جميعها ما زالت قائمة ما عدا واحدة، سواءً ككيانات مستقلة أو في إطار الاستحواذ على شركات. وبمجموعها، فإنها تمتلك قيمة سوقية تقدّر بأكثر من 23 مليار دولار، باستثناء “ليفينغ بروف” (Living Proof)، وهي شركة منتجات للعناية بالشعر تستحوذ عليها شركة “يونيليفر” (Unilever) مقابل مبلغ لم يُفصح عنه.

“المنتَج” النهائي للمختبر هو الكادر البشري: العشرات من الباحثين، البالغ عددهم 900 تقريباً، من الذين حصلوا على الشهادة الجامعية الأولى، أو عملوا باحثين من حملة الدكتوراه في المختبر واصلوا طريقهم إلى وظائف متميزة في الأوساط الأكاديمية والأعمال التجارية وشركات رأس المال المغامر (أو ما تعرف بشركات رأس المال الجريء). وانضم 14 منهم إلى الأكاديمية الوطنية للهندسة (National Academy of Engineering)، و12 إلى الأكاديمية الوطنية للطب (National Academy of Medicine).

مكتب لانجر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) 

مكتب لانجر في معهد كوتش التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
لوحة إعلانات في قاعة الاستراحة بالمختبر

لا يزال العمل جارياً على النهج متعدد التخصصات في الأوساط الأكاديمية، لكنه كان يكتسب زخماً هناك على مدار العقد الماضي أو ما شابه، ما يعكس الاهتمام المتنامي لدى الجامعات بالتعامل مع مشاكل العالم الحقيقي وإفراز أعمال جديدة، واعترافاً أنّ فعل ذلك غالباً ما يتطلب خبرة متنوعة، ورغم أنّ ذلك كان شائعاً لفترة طويلة في عالم الأعمال، بإمكان الشركات أيضاً أن تُحسّن نتائجها من خلال تطبيق عناصر عملية لانجر المتعلقة بتحويل البحوث إلى منتجات، وبالتالي وضع عروض جديدة كلياً، وتحديث أعمال الشركات أو إعادة ابتكارها مرة تلو الأخرى.

التركيز على المشاكل شديدة الأثر

أحد شعارات لانجر عند اختيار المشاريع يقول: راعِ الأثر المحتمل على المجتمع، وليس المال. وتكمن الفكرة في أنك إذا صنعت شيئاً يُحدث فارقاً كبيراً، سيأتي الزبائن والمال. وهذا يمثل بشكل أساسي تخلياً عن نهج الكثير من الشركات الكبيرة: إذا كانت فكرة منتج ما جديدة كلياً لدرجة أنّ يتعذر معه حساب التدفق النقدي المخصوم، لا تسعى هذه الشركات لتطبيقها أو أنها تستسلم عندما يواجه البحث عقبة ما، كما تكاد تفعل البحوث الطموحة دائماً.

بالنسبة للانجر، فإنّ “الأثر” يعني عدد الأشخاص الذين يمكن أن يساعدهم اختراع ما. وتمتلك مشاريع العلوم الحياتية التي رأت النور من مختبره قدرة على ملامسة حياة قرابة 4.7 مليارات شخص، وفقاً لشركة “بولاريس بارتنرز” (Polaris Partners)، وهي شركة رأسمال مغامر موَّلت الكثير من هذه المشاريع. على سبيل المثال، أحد منتجات المختبر هي رقاقة متوفرة في السوق منذ عام 1996، ويمكن زراعتها في الدماغ لإيصال العلاج الكيماوي مباشرة إلى موقع الورم الأرومي الدبقي (glioblastoma). ومن الأمثلة الأخرى على تلك المشاريع علاج محتمل لمرض السكري من النمط الأول، جرى تطويره بالتعاون مع باحثين من جامعات أخرى، وسُلِّم مؤخراً إلى شركة جديدة اسمها “سيغيلون” (Sigilon) ومقرها في كامبريدج بولاية ماساتشوستس: لقد بيّن الباحثون أنّ تغليف خلايا بيتا في أحد البوليمرات يمكن أن يحميها من نظام المناعة في الجسم، في حين أنه يسمح لها برصد مستوى السكر في الدم، وإطلاق الكميات المناسبة من الإنسولين.

ومع مثل هذه المشاريع المحددة والطموحة على جدول أعمال المختبر، أتى الزبائن بالفعل: مؤسسات وشركات وعلماء من مختبرات أخرى وهيئات حكومية، من بينها معاهد الصحة الوطنية الأميركية (National Institutes of Health). تقوم المؤسسات والشركات حالياً بتمويل 63% من الموازنة السنوية للمختبر، والبالغة 17.3 مليون دولار، وتتراوح هذه الجهات من مؤسسة بيل وميليندا غيتس (Bill & Melinda Gates Foundation)، ومؤسسة سرطان البروستات (Prostate Cancer Foundation)، إلى شركة الرعاية الصحية الدنماركية “نوفو نورديسك” (Novo Nordisk)، والشركة السويسرية “هوفمان-لاروش” (Hoffmann-La Roche). يقول دان هارتمان، مدير التنمية المتكاملة والملاريا في مؤسسة “غيتس” ومسؤول التنسيق بين المؤسسة والمختبر “السبب الرئيس وراء قرارنا بالعمل مع بوب كان سجل إنجازات مختبره في مجال الإيصال المنضبط للأدوية، الإبداع والخبرة الفنية لدى بوب وفريقه لا يمكن التقليل من شأنهما”.

المعيار الثاني لاختيار المشروع هو ملاءمته لمجالات المختبر الأساسية: إيصال الأدوية وتطوير الأدوية وهندسة الأنسجة والمواد الحيوية. يقول لانجر “معظم ما نفعله هو عند نقطة التقاء المواد والأحياء والطب”.

ثالثاً، يسأل ما إذا كان من المنطقي التعامل مع التحديات الطبية والعلمية من خلال تطبيق العلم الموجود أو توسعته، سواءً في مختبره وحده أم بالتعاون مع جهات أخرى.

ويتعارض هذا النهج مع النظرة السائدة إزاء عملية تحويل البحوث إلى منتجات، وهذه علاقة خطية تبدو كالتالي: البحوث البسيطة (المساعي الهادفة إلى توسيع المعرفة بالطبيعة، دون تفكير بالاستخدام العملي) تؤدي إلى بحوث تطبيقية أو قابلة للترجمة (جهود لحل المشاكل العملية)، والتي تؤدي في المقابل إلى تطوير تجاري (تحويل الاكتشافات إلى عمليات ومنتجات فعلية)، تُتوّج جميعها بشركة متسارعة النمو للإنتاج الشامل بكميات كبيرة. يُمكن عزو هذا النمط الفكري إلى فانيفار بوش، رئيس “لجنة بحوث الدفاع الوطني” (National Defense Research Committee) و”مكتب البحث العلمي والتنمية الأميركي” (Office of Scientific Research and Development) خلال الحرب العالمية الثانية، وأحد الدعاة البارزين إلى توفير دعم حكومي قوي للبحوث العلمية الأساسية.

وقد استأثرتْ الجامعات منذ الحرب بنصيب الأسد من البحوث الأساسية، لكنّ الشركات شاركت في ذلك أيضاً: تأمّل في “أيه تي آند تي” (AT&T)، و”كورنينغ” (Corning) و”دوبونت” (DuPont) و”آي بي إم” (IBM)، على سبيل المثال. لكن في العقود الأخيرة، أمست الشركات الكبيرة تعتبرها غالية جداً وتنطوي على مخاطرة: النتائج بطيئة وغير متوقعة، وتحقيق قيمة منها يمكن أن يكون صعباً. لذا لجأت تدريجياً إلى الأوساط الأكاديمية، أحياناً من خلال شراء الاكتشافات أو ترخيصها أو الاستثمار في شركات ناشئة تطورها أو الاستحواذ عليها، وفي أوقات أخرى من خلال تمويل البحوث الأكاديمية، أو وضع علمائها في المختبرات الأكاديمية.

وعلى أي حال، لم يكن النمط الخطي حقيقة مطلقة أبداً. من منتصف القرن التاسع عشر فصاعداً، مضى باحثون عظماء قدماً في البحوث الأساسية، وتحديداً لحل المشاكل المجتمعية الملِحّة. أطلق الاختصاصي في العلوم السياسية في جامعة برنستون، دونالد ستوكس، مصطلحاً على المساحة التي يعملون فيها: “رباعية باستور” (Pasteurs quadrant)، ما يعكس سعي لويس باستور للتوصل إلى فهم أساسي للأحياء الدقيقة من أجل مكافحة الأمراض وفساد الأغذية. ومن بين الأمثلة الأخرى مختبرات “بيل لابس” (Bell Labs) التي كان لعلمائها اكتشافات أساسية أثناء تحسين أنظمة الاتصالات وتوسيع نطاقها، والوكالة الأميركية لمشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA)، وهي إحدى أنجح المؤسسات الابتكارية على الإطلاق.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”80″ link_color=”#66abe8″ link_align=”right”]

كيف تبتكر مثل لانجر؟

عادة ما تتحاشى الشركات البحوث في مراحلها الأولى، نظراً لأنها مكلفة وخطِرة وغير متوقعة، ما يُصعِّب على المؤسسة عقدها من أجل جني الفوائد منها. ويمكنها تنشيط عملياتها البحثية من خلال اتباع نهج بديل وتبني بعض المبادئ التالية أو كلها من مختبر لانجر.

إجراء بحوث مستوحاة من الاستخدام.

يمكن للشركات توجيه جهودها البحثية نحو مشاكل عملية قد تحمل حلولها مكاسب هائلة على المدى البعيد من ناحية الأثر على البشرية والعائد على الاستثمار. (يُقدِّر بوب لانجر أنّ مستثمري رأس المال المغامر قد جنوا 50% على الأقل من معدل العائد الداخلي على استثماراتهم في الشركات التي ساعد في تأسيسها). ويتعين أن تكون هذه الجهود ملائمة مع الكفاءات العميقة في الشركة.

تعزيز الخبرة العلمية والهندسية العميقة في مجالات عدة.

يُمكن لذلك أن يأتي بالزبائن الباحثين عن حلول لمشاكلهم المستعصية.

إدارة الملكية الفكرية بقوة أكبر.

تستطيع الشركات الاستفادة من السعي وراء تسجيل براءات اختراع أكثر شمولية وقوة، ويمكنها ترخيص اكتشافات لا تريد متابعة العمل عليها بنفسها، لتحقيق عائد، مع ضمان متابعة شخص ما لها.

معاملة مؤسسة البحوث المركزية ككيان منفصل، متحرر من المتطلبات المتزايدة لوحدات الأعمال القائمة.

تستطيع الشركات تحسين جهودها البحثية إذا قيّدت مشاريعها البحثية بالوقت، بدلاً من الإبداع.

توظيف علماء ومهندسين رائعين، وليسو جيدين فقط، في المختبرات، مع التأكيد على إحداث فارق بدلاً من استقرار وظيفي.

رغم امتلاك عدد من الشركات، ومن بينها “كورنينغ” (Corning)، و”جينينتيك” (Genentech)، و”جوجل” (Google)، و”آي بي إم” (IBM)، و”نوفارتيس” (Novartis)، مناصب لحملة الدكتوراه وبرامج إجازات للأساتذة، إلا أنّ الغالبية العظمى من الباحثين حتى في هذه الشركات هم موظفون بعقود طويلة الأجل. تستطيع الشركات بدلاً من ذلك أن تعطي الأشخاص ذوي المواهب الرفيعة عقوداً بسنتين إلى خمس سنوات، وربما حصة من الأرباح المترتبة على العمل حال نجاحه. وعليها أن تحرص على ضمها لأشخاص يتحلون بروح الفريق ويمتلكون مهارات التواصل والصبر وحب الاستطلاع، لضمان تميزهم في بيئة عمل متعددة التخصصات. ومن شأن هذا النهج أن يعطي الشركات مرونة أكبر في جذب مجموعة المواهب التي قد تحتاج إليها للتعامل مع المشاكل المعقدة.

تحقيق الانسجام مع مرور الوقت في تمويل وحدة البحوث المتقدمة، واتباع نهج تنظيمي فيها، وتحقيق استقلاليتها.

هذه ليست بالمهمة السهلة، ففي شركة “جنرال إلكتريك” (GE)، على سبيل المثال، لاقى تمويل البحث والتطوير تهميشاً من رئيس تنفيذي يتلوه آخر. ربما يتطلب النجاح مجلس إدارة يتمتع بفهم عميق للإدارة المختصة بالبحث والتطوير، ولديها استعداد لمواجهة التشديد على الأرباح الفصلية.

الحرص على وجود قيادة قوية.

هذا يعني إيجاد مدراء بحوث يتمتعون باحترام عالٍ في مجالاتهم، ويرون صراحة أنّ دورَهم ينطوي على تحرير المواهب الموجودة من حولهم وتعزيزها، مع تقديم الدعم لهؤلاء المدراء. وسيمتلك مثل هؤلاء القادة شبكات قوية يمكن الاستفادة منها للتوظيف والتعاون، ورؤية للطريقة التي يُمكن من خلالها تطبيق خبرة الشركة لإنشاء أعمال جديدة مهمة تتماشى مع استراتيجية الشركة، وقدرة على تجسيد تلك الرؤية لضمان التمويل الداخلي والدعم الخارجي، وهدفاً يتمثل في إبراز قيمة المؤسسة البحثية على نحو جليّ، ما يضمن النظر إلى الوحدة على أنها محرّك للتجديد.

[/su_expand]

مختبر لانجر راسخ في رباعية باستور أيضاً. فرغم أنّ الباحثين في المختبر يُكرِسون النسبة الأكبر من جهودهم للعلوم التطبيقية والهندسة التي يمكن أن تحل مشاكل معقدة، إلا أنهم يوسعون نطاق العلوم الأساسية في الوقت نفسه. فمثلاً، أحد اكتشافات لانجر الأهم كانت طريقة لتحرير أدوية الجزيئات الكبيرة في الجسم من خلال بوليمرات إسفنجية بجرعات وأوقات محدّدة على مدار سنوات عديدة. وانطوى هذا على دراسة أحد مجالات الفيزياء والرياضيات المعروفة باسم “نظرية التخلل” بشكل أعمق.

ومع بعض الاستثناءات البارزة، مثل جهود شركة “كورنينغ” في الاتصالات الكمية ومواد امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وجهود “آي بي إم” في الحوسبة الإدراكية والمدن الذكية، و”ألفابت” في الرعاية الصحية والسيارات ذاتية القيادة، فإنّ الشركات اليوم لا تسعى إلى ربط البحوث في مراحلها الأولى بتطبيقات مهمة في العالم الحقيقي. يقول غاري بيسانو، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال “هذا نادر للغاية، لكنني لا أعتقد أنه يجب أن يكون كذلك. إذا حللت بعض المشكلات المجتمعية الكبيرة، فإنك ستحصل على الكثير من المال بالفعل”.

وتتفق معه في ذلك سوزان هوكفيلد، وهي أستاذة علم الأعصاب في معهد “كوتش” (Koch) ورئيسة سابقة لـ “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، فتقول “يوجد الكثير من المخاوف والشكوك التي في محلها حول وضع البحث والتطوير في الشركات، على سبيل المثال، تستثمر إدارة البحث والتطوير في إحدى شركات الأدوية بشكل كبير في مرحلة مبكرة جداً، في بحث استكشافي. ألن يكون أداؤها أفضل لو تعاونت بصورة أكثر كفاءة مع علماء أحياء ومهندسين من خارج القطاع؟ لقد أنهيتُ للتو عملي في لجنة لمراجعة المختبرات الوطنية، وأنا مندهشة بمدى روعة فكرة وجودهم وبالجودة العالية لبحوثهم، لكن هل يمكنهم تحويل المزيد من اكتشافاتهم إلى منتجات معدّة للسوق؟”.

بناء جسر فوق وادي الموت

اختيار المشاريع المناسبة للعمل بها هو بالطبع الخطوة الأولى فحسب، ويمكن أن يكون الطريق إلى إنجازها طويلاً وصعباً. ويمتلك مختبر لانجر صيغة تجتاز بها الاكتشافات وادي الموت بالفصل بين البحوث في مراحلها الأولى والتطوير التجاري.

التركيز في المقام الأول على “تكنولوجيات المنصة”، التي لها تطبيقات متعددة.

تسعى الكثير من مختبرات الشركات والمختبرات الأكاديمية إلى حل مشاكل محددة دون التفكير بما هو أبعد منها بالضرورة، ويتخذ مختبر لانجر نظرة أكثر شمولية. يقول تيري مكغوير، وهو شريك مؤسس في شركة “بولاريس”، إنّ هذه الاستراتيجية تسمح للشركات بمواصلة التطبيقات غير المتوقعة، إلى جانب إنشاء سوق أوسع. فمثلاً، هدفت شركة “مومنتا” (Momenta)، التي أنشئت عام 2011، للاستفادة من طرق جديدة لفهم بنية جزيئات السكر والتلاعب بها، بشكل أساسي إلى ترتيب الهيبارين (heparin) من أجل علاج أمراض مثل السرطان ومتلازمة الشريان التاجي الحادّة. وعلى أي حال، أدركتْ الشركة مبكراً أنّ بوسعها استخدام التكنولوجيا الناشئة لتحديد البنية المعقدة في دواء “ليفونكس” (Lovenox) الحالي الذي يكلف مليارات الدولارات. وأثمر هذا العمل عن منتج عقار حيوي للوقاية من تجلط الأوردة العميقة وعلاجه، ما حقق مبيعات بأكثر من مليار دولار خلال السنة الأولى.

ورغم أنّ باحثي المختبر غالباً ما يكون في بالهم استخدام معين، يتصورون أحياناً مجموعة واسعة من تطبيقات الاستخدام. على سبيل المثال، امتلك لانجر فكرة لرقاقة صغيرة قابلة للزراعة يمكنها تحرير الأدوية لسنوات ويمكن التحكم بها من خارج الجسم أثناء مشاهدة برنامج تلفزيوني عن أشباه الموصلات، إذ تخيّل أنّ الرقاقات لا يمكن استخدامها فقط لإيصال الأدوية بل أيضاً وضعها في التلفاز لبعث روائح تُحسِّن تجربة المشاهدة.

الحصول على براءة اختراع عامة.

لقد كان “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” رائداً في الحصول على براءات اختراع للاكتشافات الأكاديمية وترخيصها، لكنّ لانجر كان استثنائياً في مسعاه نحو براءات الاختراع القوية على نحو خاص. وتمثّل هدفه في الحد من حصول الآخرين على الحقوق في الوصول إلى المجال، وأحياناً منعهم من ذلك، لكي تكون الشركات مستعدة لإنفاق المال المطلوب لتحويل اكتشاف ما إلى سلعة، وهو استثمار يجب أن يُغطي – عادة – التجارب السريرية باهظة الثمن، ويتجاوز تكلفة البحوث إلى حد كبير جداً. (بعض أسرار لانجر: استخدم “محامين رائعين” واجعلهم يتحدون توصيات بعضهم البعض، وتخلص من الكلمات غير الضرورية التي قد تقيّد مطالبة ما، وصِف بوضوح المصطلحات والاختبارات التجريبية الداعمة كلها، لتفادي الغموض إذا حدث نزاع على براءة اختراع).

نشر مقالة فريدة من نوعها في مجلة مرموقة.

يؤدي الظهور في مجلة مثل “ناتشر” (Nature) أو “ساينس” (Science) إلى إثبات صحة الاكتشاف وأهميته والإعلان عنهما، ليس فقط للأكاديميين الآخرين بل للمستثمرين المحتملين في الأعمال أيضاً.

إثبات المفهوم في دراسات على الحيوانات، وعدم إخراج الاكتشاف إلى النور بسرعة كبيرة.

والسبب من شقين: لتعزيز احتمالات نجاح الاكتشاف، وتقليص احتمالات تخبط جهود تحويله إلى سلعة. وهي حالة شائعة في الجامعات وحتى في عالم الشركات.

أحد الأمثلة الأخيرة على مشروع استفاد من جدول زمني مُقاس تضمن استخدام الموجات فوق الصوتية لتقديم شريحة واسعة من العلاجات على وجه السرعة، ومن بينها جزيئات صغيرة وجزيئات ضخمة حيوية وأحماض نووية، مباشرة إلى القناة الهضمية (وكانت تُعطى عن طريق الحقن سابقاً). ورغم النتائج الأولية الواعدة وحماسة علماء المختبر لتدشين شركة لتحويل الاكتشاف إلى سلعة، قاوم لانجر اتخاذ تلك الخطوة في بداية الأمر، وأراد الحفاظ على تماسك فريق مختبره للاستمرار في العمل على التكنولوجيا، مثل إثبات سلامتها من خلال دراسات “علاج الأمراض المزمنة” في الحيوانات الكبيرة (بإعطائها العلاج يومياً لمدة شهر مثلاً) وتطوير تركيبات جديدة لزيادة تحسين إيصال الأدوية.

هذا البحث الإضافي الذي لم تقيّده جداول زمنية تجارية، تكلّل بالنجاح، وأثبت المختبر على مدار الـ 18 شهراً التالية، أو ما شابه، أنّ التكنولوجيا يمكنها تقديم نوع جديدة كلياً من الأدوية (الأحماض النووية غير المغلّفة)، ما وسّع من نطاق تطبيقاتها المحتملة، كما نشر الفريق مقالات إضافية عن البحث في مجلات استعراض الأقران، كانت بمثابة دليل على أنّ البيانات الأصلية موثوقة وقابلة للتكرار. عندها فقط وافق لانجر على المساعدة في حشد التمويل لشركة جديدة تتولى عملية التطوير، وهي شركة “سونو بيو” (Suono Bio).

مكافأة الباحثين.

يكافئ “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” المخترعين بثلث الريع المتحقق بعد النفقات والرسوم. (ويعود الباقي على الإدارات أو المراكز التي يتبع لها الباحثون، ومكتب ترخيص التكنولوجيا التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والصندوق العام للجامعة). وقد وضع عدد متزايد من الجامعات، في العقود الأخيرة، سياسات مماثلة، لكنّ النهج ما زال غير معتاد كثيراً في عالم الشركات.

إشراك الباحثين في عملية التطوير التجاري.

غادر الكثيرون من أعضاء المختبر على مر السنوات للعمل في مناصب في شركات تابعتْ العمل على مشاريعهم، وثبت أنّ شغفهم المتمثل في إيصال التكنولوجيا إلى السوق مهم بدرجة أهمية خبرتهم. يقول لانجر “أحد الأسباب التي أدت إلى نجاح الكثير من الشركات هو أنّ الداعمين كانوا من تلاميذنا الذين انتقلوا إليهم، هم آمنوا حقاً بما أنجزوه في المختبر وأرادوا أن يجعلوه واقعاً”. وقدّم باحثون آخرون استشارات للشركات مع استمرارهم بالعمل في المختبر، أو بعد الانتقال إلى جامعات أخرى. يعمل لانجر نفسه في مجالس إدارة لعشر شركات ناشئة استندت في تأسيسها إلى عمله، في منطقة بوسطن. بينما خفف عدد متزايد من الجامعات القيود على الأساتذة الذين ينخرطون في مشاريع تجارية، وشجّعت هذه الجامعات إضفاء الطابع التجاري على أعمالهم من خلال إطلاق حاضنات أعمال ومسرّعات أعمال، إلا أنّ ثمة مشاعر مختلطة إزاء مثل هذه الأنشطة في الكثير من الأماكن التي تفتقر إلى ثقافة ريادة الأعمال الموجودة في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”. في عالم الشركات، من غير المعتاد إلى حد كبير بالنسبة للعلماء أن يصبحوا منخرطين كثيراً في التحول إلى الصفة التجارية.

جعل التراخيص متوقفة على استخدام التكنولوجيا.

إذا لم تنتفع شركة من التكنولوجيا التي رخصتها من المختبر، يمكن إجبارها على التخلي عن الرخصة. تأمّل كيف طُرحت رقاقة علاج الأورام الدماغية في السوق: صادف أن اشترتْ إحدى الشركات غير المهتمة بالعلاج الشركة التي رخّصت التكنولوجيا، وألزمها “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” بالموافقة على تدشين شركة ناشئة لتطوير الرقاقة مقابل رسوم ترخيص أقل. تدير قلة من الجامعات، أو الشركات، براءات اختراعها بصرامة نفسها لدى “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”. وبالتالي، لا تجري الاستفادة من الكثير من اكتشافاتها ذات الفائدة المحتملة.

تكوين فريق متعاون متعدد التخصصات

توصّل فريق يعمل على جهاز لإيصال الأدوية عن طريق الفم ويمكن وضعه في المعدة ليقوم بإطلاق الدواء تدريجياً على مدى أسابيع أو أشهر، إلى تصميم على هيئة نجمة. ثم انضم مهندس ميكانيكي يمتلك خبرة في بناء النماذج إلى هذه الجهود وبدأ بطرح الأسئلة. لماذا اختار الفريق نجمة؟ ولماذا لم يختر أشكالاً أخرى؟ قيّم الفريق احتمالات عديدة، بما فيها الشكل السداسي ومجموعة مختلفة من النجوم، ووجد أنّ النجمة السداسية كانت صاحبة الأداء الأفضل من ناحية قابليتها على ملاءمة حجم كبسولة والبقاء في المعدة، وطرح العضو الجديد في الفريق تساؤلات عن صلابة الأيدي والمنتصف، وقوة المطّاط الصناعي في الواجهة، وحجم الجهاز غير المنطوي، وحوّل هذا المحادثة إلى مواد ربما تمكِّن الجهاز من البقاء مدة أطول.

يقول جيوفاني ترافيرسو، طبيب الجهاز الهضمي في “هارفارد”، ومهندس طب حيوي، وباحث في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” يترأس الفريق هناك “هذا ما يحدث عندما تأتي بأشخاص بمؤهلات مختلفة، يؤدي ذلك إلى رؤى جديدة، وطرق تفكير مبتكرة حول المشكلة”. تتضمن الفِرق في مختبر لانجر مهندسين كيميائيين، وميكانيكيين، وكهربائيين، ومتخصصين في علم البيولوجيا الجزيئية، وأطباء معالجين، وأطباء بيطريين، وعلماء مادة، وفيزيائيين، وباحثين كيميائيين في علم الصيدلة. يجلس أعضاء من تخصصات مختلفة جنباً إلى جنب في المختبرات والمكاتب التي تتربع في الطابق السادس من معهد “كوتش”.

تكبر المختبرات متعددة التخصصات بسرعة مع اعتراف الأوساط الأكاديمية بقيمتها في التعامل مع التحديات التي تتراوح بين مرض السرطان وظاهرة الاحتباس الحراري. (يُعتبر تمويل مثل هذه الفِرق من السمات البارزة لحملة “الوقوف في وجه السرطان” (Stand Up to Cancer)) لكن الثورة لا تزال في أيامها الأولى. يسلط تقرير “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” لعام 2016، الذي شاركتْ في تأليفه سوزان هوكفيلد، ويحمل عنوان “التقارب: مستقبل الصحة” (Convergence: The Future of Health)، الضوء على أهمية جمع علوم الهندسة والفيزياء والحاسوب والرياضيات والطب الحيوي من أجل “المساعدة في حل كثير من أعظم التحديات على مستوى العالم”. كما يدعو التقرير إلى إجراء إصلاحات طموحة في التعليم والقطاعات الصناعية والحكومة، بما يشمل تحقيق “ثقافة التقارب” في الأوساط الأكاديمية والقطاعات الصناعية وإجراء تغييرات على الممارسات الحكومية الخاصة بتمويل الأبحاث.

سُمعة لانجر والتحديات التي يتعامل معها مختبره والفرص المهنية المتاحة، بما فيها فرصة المشاركة في شركات ناشئة، تجذب الكثير من المقدّمين. ويضم المختبر 119 باحثاً من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى ما بين 30 إلى 40 طالباً جامعياً كل فصل دراسي. وهو يستقبل ما يتراوح بين 4,000 و5,000 من الطلبات للمناصب العشرة إلى العشرين الخاصة لحملة الدكتوراه والتي تتوفر كل عام، ويجري المختبر بحثاً عالمياً عندما تلزمه مهارات خاصة في مشاريع محددة.

ومن المسلّم به أنّ على المتقدمين امتلاك شهادات أكاديمية متميزة، وأن يتمتعوا بحماس شديد. وفوق ذلك، يبحث فريق القيادة، الذي يضم لانجر وترافيرسو وآنا جاكلينك، وهي مهندسة طب حيوي ومتخصصة في التوظيف في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، عن أشخاص “لطفاء، وينسجمون بشكل جيد مع الآخرين، ويتمتعون بمهارات تواصل جيدة”. وهي سمات بالغة الأهمية في ضوء أنّ باحثي المختبر يجب عليهم تفسير مجالاتهم دائماً لزملائهم في العمل، وإيجاد طرق لإجراء التجارب التي تنجح مع الجميع. وتُشكل الاختلافات في اللغات الفنية وممارسات العمل والقيم وحتى طرق تعريف المشكلات واحداً من أكبر التحديات التي تواجه المختبر متعدد التخصصات، وفقاً لهوكفيلد التي دعمت التقارب خلال السنوات الثماني التي قضتها على رأس “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”.

أرتني جاكلينك سبورة بيضاء مملوءة بالمعادلات، وكانت هذه من أحد الاجتماعات بين اثنين من حملة الدكتوراه، عالمة أحياء ومهندس طب حيوي كانا يتعاونان على تطوير لقاح لشلل الأطفال يؤخذ لمرة واحدة ويمكنه البقاء في الجسم والإطلاق على دفعات مع مرور الوقت. كانتْ عالمة الأحياء تستكشف آلية تُعيق تطور سلالة الفيروس المستخدم في اللقاح، بينما كان مهندس الطب الحيوي يعمل على جانب مقاومته لدرجات الحرارة. وواجه الاثنان مشكلة: مجموعات البيانات التي يمتلكانها لم يكن لها معنى عند جمعها معاً، وتبيّن أنهما أجريا تجاربهما بتركيز مختلف من اللقاح: استُخدم اللقاح الخاص بالمهندس سريرياً، بينما طُلب اللقاح من عالمة الأحياء لتطبيقه في طرق تحليلية في مجالها، وكان على الباحثين الاثنين مواءمة تجاربهما حتى يستطيعا مقارنة النتائج. لم تكن مثل هذه المشاكل مستبعدة. يقول ترافيرسو “التحدي هو إقناع الناس أن يتحدثوا باللغة نفسها، وأن يدركوا أنه في بعض الأشياء لا يوجد خبير واحد”.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”80″ link_color=”#66abe8″ link_align=”right”]

طريق غير عادية للبحوث ذات الأثر الكبير

في أوائل السبعينات، بينما كان بوب لانجر ينهي درجة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، تعرضتْ الولايات المتحدة للحظر الذي فرضته منظمة الدول المصدّرة للبترول (أوبك) وأزمة النفط التي تبعته، ما جعله شخصاً لا يُقدّر بثمن في عيون شركات النفط وشركات المواد الكيميائية (حصل على 20 عرضاً وظيفياً في المجال). وقد حفّزت مقابلة في قسم العمليات بشركة “إكسون” (Exxon) في مدينة باتون روج بولاية لويزيانا الأميركية، رؤية إبداعية. يتذكر لانجر ذلك “قال لي أحد المهندسين إنك إذا استطعت فقط أن تزيد إنتاج هذه المادة الكيميائية بنسبة 0.1%، فسيكون ذلك رائعاً، وسيساوي مليارات الدولارات. أتذكر سفري عائداً إلى بوسطن تلك الليلة وأفكر بشأن فيما إذا كنت أريد حقاً أن أقضي حياتي في فعل هذا”.

وقدّم طلبات للالتحاق بوظائف في الكليات لتطوير منهاج الكيمياء فيها. وعندما لم ترد أي كلية عليه، كتب للمستشفيات “ربما لأنني مهندس كيميائي، لم أكن في الصندوق الصحيح، لأنني أردت مساعدة الناس”. ومرة أخرى لم يحصل على عروض.

ثم اقترح أحد زملائه أنه سيتواصل مع جودا فولكمان، طبيب جرّاح في مستشفى بوسطن للأطفال ومعروف بتعيين أشخاص غير عاديين. كان فولكمان يمتلك فكرة مثيرة للجدل مفادها أنّه وبما أن الأورام السرطانية تبعث إشارات كيميائية تحفز “أنغيوغينسيز” أو تشكّل أوعية دموية جديدة، فإذا أمكن منع الإشارات، يمكن إعاقة نمو الورم. وقد عيّن لانجر لعزل أول موانع وعائية. وتضمن ذلك تحديد أوعية مختارة من الغضروف، لم يوجد فيها إمدادات دم (حصل لانجر على عظام بقر من مذبح) واختراع أنظمة بوليمرات يمكنها إيصال جزيئات كبيرة مع مرور الوقت، وأصبحت الموانع الوعائية في نهاية المطاف بالغة الأهمية في معالجة عدد من السرطانات، كما أصبحتْ البوليمرات طريقة مهمة لإيصال الأدوية واللقاحات وللمساعدة في بناء أنسجة جديدة للجسم، بما فيها الجلد والغضروف والحبل الشوكي.

عاد لانجر إلى “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” في 1977 بمنصب أستاذ مساعد، فعمل أساساً في قسم التغذية وعلوم الغذاء (لم يقبل أي قسم هندسة كيميائية في الجامعات بتعيينه). وأعطاه ذلك قدراً كبيراً من الحرية، واستمر في العمل على إيصال الأدوية، والموانع الوعائية، وهندسة الأنسجة، وحصل على تمويل من شركات عندما تبيّن أنّ أفكاره أساسية لدرجة لا تؤهلها للحصول على المنح الحكومية. لم يؤمن الكثير من كبار هيئة التدريس في القسم بأفكاره واقترحوا عليه البحث عن وظيفة جديدة، لكن بحلول منتصف الثمانينات، بدأتْ اكتشافاته ومنشوراته وشركاته الناشئة تحظى بالاعتراف. وكواحد من أساتذة المعهد [أعلى درجة علمية تمنح لهيئة التدريس في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”] البالغ عددهم 13 أستاذاً، فإنّ لانجر هو عضو في الأكاديميات الوطنية الأميركية للعلوم والهندسة والطب، وحاصل على الوسام الوطني للتكنولوجيا والابتكار، والوسام الوطني للعلوم، وجائزة تشارلز ستارك درابر، وجائزة الملكة إليزابيث للهندسة.

[/su_expand]

وغالباً ما يضم لانجر أشخاصاً متميزي الأداء ممّن يمتلكون مؤهلات غير عادية، حتى إذا لم تكن هناك حاجة واضحة أو مكان مناسب لهم. وهو يقول “أنت تغتنم الفرصة لتفوز بالموظفين، وجيوفاني هو مثال جيد على ذلك”. حصل جيوفاني ترافيرسو على درجة الدكتوراه في علم الأحياء الجزيئي، تحت إشراف بيرت فوغيلستاين، عالم أحياء شهير مختص في السرطان في جامعة “جونز هوبكينز” (Johns Hopkins)، وتضمن بحثه في الدكتوراه اختبارات جزيئية جديدة للاكتشاف المبكر لسرطان القولون. وعندما تواصل مع لانجر، كان ينهي فترة تدريب الطب الداخلية في مستشفى “بريغهام آند ويمين” (Brigham and Women) في بوسطن، ويحاول معرفة ما سيفعله بزمالة طب الجهاز الهضمي التي حصل عليها في مستشفى “ماساشوستس العامة” (Massachusetts General Hospital). وأخبر لانجر أنه رغم اهتمامه بتطوير أنظمة لإيصال الأدوية في القناة الهضمية إلا أنه ليس مهندساً. ومع ذلك عيّنه لانجر.

ونجح رهانه عليه، أثبت ترافيرسو مفهوم العديد من الطرق المختلفة لإيصال الأدوية عبر أجهزة في القناة الهضمية، ورأت مؤسسة غيتس أنّ العمل قد يحل مشاكل أرادتْ معالجتها في الدول النامية، ووفرت تمويلاً كبيراً له، وأتت المنح أيضاً من مؤسسة “نوفو نورديسك” الدنماركية (لتطوير إبر دقيقة لعمليات الحقن الداخلي)، ومن مختبر “تشارلز ستارك درابر لاب” (لأنظمة جديدة قابلة للهضم)، ومن شركة “هوفمان-لاروش” السويسرية (لتقديم نوع جديد من الأدوية).

تقبّل دوران الموظفين

مثل المختبرات الأكاديمية كلها، يرى لانجر تدفقاً مستمراً من الموظفين المنضمين أو المغادرين، عادة ما يبقى طلاب الدكتوراه لمدة أربع سنوات أو خمس، وحملة الدكتوراه لسنتين أو ثلاث، ويشارك الجامعيون لمجرد فصل واحد أو أربع سنوات على الأكثر، ويجري تدريب القادمين الجدد باستمرار، ويمكن أن يغادر الموظفون في ذروة إنتاجيتهم. لكن لانجر والعديد من الزملاء يعتقدون أنّ دوران الموظفين له إيجابيات تتفوق إلى حد كبير على الجوانب السلبية، تُرى المشاكل من منظور جديد، وهو يدعو ذلك بـ “التحفيز المستمر”. الدوران متوقع إلى حد ما ومرتبط بطول مدة المشاريع، وحتى المنح الكبيرة منظمة ليتمكن المختبر من التوسع تدريجياً، والفترة المحدودة لعمل معظم الباحثين، مع الفترة المحدودة للمنح (عادة ما تكون من ثلاث إلى خمس سنوات، قابلة للتجديد بناءً على تحقيق الأهداف)، تشكِّل ضغطاً لتحقيق النتائج.

تقول هوكفيلد “وُجِّهت الكثير من الانتقادات إلى نموذج مختبر البحوث الأكاديمية، قيل لنا إنها تفتقر إلى الكفاءة. لكنها في الحقيقة عبقرية، أن تجمع أشخاصاً من أجيال ومستويات خبرة مختلفة، فهذا مدهش، يمتلك عضو هيئة التدريس ثروة من الخبرة والفهم ويعرف الدراسات السابقة وتاريخ المجال، ويمتلك الطلاب وحملة شهادات الدكتوراه طاقة وطموحاً كبيرين وأهدافاً كبيرة، يُساعد عضو هيئة التدريس في توجيه هذه الأهداف الكبيرة، وفي أحوال كثيرة لا يعرف الطلاب الجامعيون أنّ شيئاً ما مستحيل، وهذا مدهش، لا يعرفون ما يكفي عن عدم طرح أسئلة ساذجة، وهناك القليل جداً من الأشياء التي تجعلك تتراجع وتتساءل حول افتراضاتك الأساسية أكثر من سؤال أحد الطلاب الجامعيين الأذكياء عن طريقة عمل شيء ما”.

فريق متميز الأداء يتمتع بحافز عالٍ مع منصب بمدة محدودة، وقائد من العلماء البارعين، ومشاريع محدودة المدة، وضغط شديد لتحقيق النتائج، تبدو جميعها معادلة لوكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA)، وهي إثبات أنّ النموذج له تطبيق يتجاوز البيئة الأكاديمية بكثير.

القيادة دون التدخل في التفاصيل كافة

ذات يوم ماطر في منزلهما في كيب كود بولاية ماساتشوستس الأميركية، تحدث لانجر وزوجته لورا عن الطريقة التي تختلف بها إدارته للمختبر عن العادة. قالت لورا، التي تحمل شهادة الدكتوراه في علم الأعصاب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “في نقاشاتي مع مجموعة من طلاب الدراسات العليا في أماكن أخرى، غالباً ما يصفون المشرفين على أبحاثهم بأنهم مهووسون بالسيطرة، وهذا يمكن تفهمه نظراً لأنّ مختبراتهم تمثل أطفالهم، ربما يريدون إدارة كل جزء من البحث، ومن الصعب جداً عليهم أن يسمحوا لتلاميذهم بالاستكشاف وارتكاب الأخطاء، لكنّ عدم توفير الإمكانية للأشخاص بالتعرف على الأشياء بأنفسهم يمكن أن يقوض قدراتهم، أو يدربهم على عدم تحمّل مخاطر ابتكارية محتملة”.

أومأ لانجر برأسه متفقاً معها، وقال إنّ الجميع تحت قيادته منخرطون في تقديم أفكار لمشاريع واختيار المشاريع التي سيواصلون العمل عليها. وأضاف “إنه جهد جماعي، هذا يمكِّن الأشخاص، ويسمح للجميع بالشعور أنهم يحظون بالتقدير، وأنّ من الممكن اقتراح الأشياء”. وهذا مناقض لمعظم المختبرات الأكاديمية ومختبرات الشركات، حيث يختار المدير المشاريع.

أخبرني أعضاء المختبر الحاليين والسابقين أنّ لانجر يعرّض الأشخاص للفرص، ويسمح لهم باتخاذ قرار حول الأشياء التي سيعملون عليها. تقول غوردانا فونجاك نوفاكوفيك، وهي أستاذة الهندسة الطبية الحيوية والعلوم الطبية في “جامعة كولومبيا”، والتي عملت في المختبر في الثمانينات والتسعينات، إنها استوعبت ذلك الدرس، وهي تدير مختبرها المكون من 40 شخصاً بالطريقة نفسها: وتضيف “لا أقول للأشخاص ما يفعلونه أبداً، لكنني أساعدهم على رؤية الفرص، وأجعلهم متحمسين إزاء إحداها، وأتركهم يعملون على أفكارهم الخاصة”. الكثير من علماء البحوث وحملة الدكتوراه في مختبر لانجر، إن لم يكن معظمهم، وبعض طلاب الدكتوراه على الأقل يعملون على عدة مشاريع.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”80″ link_color=”#66abe8″ link_align=”right”]

الحياة في مختبر لانجر

ملفا اثنين من الباحثين يجسّدان البيئة التعاونية الحرة

أوليفر “أولي” جوناس

حصل “أوليفر جوناس” (Oliver Jonas) على شهادة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية من جامعة “لايبزغ” الألمانية (Leipzig University)، وكان يعمل في شركة رأسمال مغامر في بوسطن، عام 2011، عندما تواصل مع بوب لانجر حول الانضمام إلى مختبره في معهد “كوتش” لأبحاث السرطان التكاملية التابع لـ “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”. جوناس، الذي يبلغ من العمر الآن 37 عاماً، كان يمتلك فكرة لجهاز متناهي الصغر يمكن زراعته في أورام الفرد لاختبار العديد من العلاجات الكيميائية بسرعة وبصورة متزامنة، وتحديد ما سيكون أكثرها كفاءة لذلك الشخص بعينه.

أوليفر جوناس في مختبر لانجر

يقول أوليفر “سيكون مشروعاً متعدد التخصصات، واعتقدت أنّ مختبر بوب سيكون مكاناً رائعاً لتحقيق ذلك، في ضوء خبرته في إيصال الأدوية والأجهزة القابلة للزراعة والسرطان، إضافة إلى سمعة بوب الذي يشتهر بأنه مُعلم عظيم”. التقينا بشكل شخصي، وأعتقد أنه أدرك فرص الفكرة فوراً، وكان متحمساً لتحويلها إلى واقع”.

شعر جوناس أيضاً بجاذبية تجاه شبكة المختبر الواسعة من الخريجين الرائعين وحديثهم المستمر عن البيئة التي يطغى عليها الطالب التعاوني، وكان قد تحدث إلى عدد منهم قبل قبول المنصب الذي عُرض عليه. قال “أذهلني مدى الإيجابية التي تحدثوا بها عن خبرتهم وعن بوب شخصياً”.

انضم جوناس إلى المختبر كعالم من حملة الدكتوراه في 2012. وأتى تمويل بحثه الأساسي من شركة رأسمال مغامر كان يعمل لصالحها. وبمجرد حصوله على بعض النتائج الأولية، حصل على مِنح من معاهد الصحة الوطنية الأميركية ومؤسسات غير ربحية.

يتمحور جزء من معادلة لانجر حول تعيين أشخاص “لطفاء” ولامعين جداً، وتشجيعهم على إجراء البحوث التي من شأنها مساعدة الأشخاص في العالم الحقيقي، ودعمهم دون التدخل في التفاصيل كافة. وإحدى الطرق التي تساعده في عدم التدخل في التفاصيل هي “تشجيع الأشخاص على التفكير على نحو أوسع وبشكل مختلف عن شيء ما”، حسب تعبيره. يضيف جوناس “إنه يفعل ذلك عادة من خلال طرح أسئلة من قبيل (هل فكّرت بفعل ذلك بالطريقة الفلانية المختلفة؟ هل تحدثت إلى هذا الشخص الذي سبق له التعامل مع مشكلة مشابهة؟ هل فكرت بفعلها بطريقة معاكسة تماماً؟).

وهو يثق حقاً بالخبرة العريقة للعاملين في المختبر. تابع جوناس “لم يسبق لي أن سمعته يقول صراحة لا لفكرة ما أو تجربة كنت أخطط لها، أعتقد أنّ ذلك مهم، لأنّ الرفض يمكن أن يكون له تأثير مؤذٍ، ويمكن أن يجعلك خائفاً من تجربة شيء ما في المرة المقبلة. وإذا اعتقدَ أنك متجه إلى المجهول أو إلى طريق مسدودة، فسوف يحذرك، لكنني أؤكد أنه لن يقول لك لا، بل سيقول إنك إن لم تحصل على هذا النوع من البيانات فعلى الأرجح لن يكون ثمة معنى من استمرارك في المسار الذي أنت فيه”.

يُقدِّم لانجر الكثير من المعطيات عند بداية المشاريع أو بمجرد انضمام أشخاص إلى المختبر، ثم يبتعد. على سبيل المثال، يقول جوناس إنه التقى خلال سنته الأولى أو الثانية مع لانجر كل أربعة إلى ستة أسابيع لمدة 15 إلى 30 دقيقة لتناول مواضيع عامة، مثل اتجاه المشروع. يقول جوناس “تأتي إلى هذه الاجتماعات مستعداً، وتعلم بالضبط ما تبحث عنه، تكون الاجتماعات مركّزة جداً، ولا نهدر الوقت”. وإضافة إلى ذلك، يعرف الباحثون في مختبر لانجر أنّ بإمكانهم مراسلته، وطرح أسئلة صغيرة أو تقديم طلبات محدّدة، وعادة ما يرد على رسائلهم في غضون دقائق.

وعندما يكون لدى الباحثين مشاكل خارج نطاق خبراته الشخصية، يوصلهم لانجر على الفور بأشخاص داخل المختبر أو خارجه ممّن يستطيعون مساعدتهم. يقول جوناس “إنّ لديه قدرة مدهشة على التفكير دائماً بالأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك، وسوف يتواصل معهم على الفور”.

فمثلاً، تطلّب بناء نماذج الجهاز متناهي الصغر، وهو بحجم حبة الأرز، مهارات تشغيل ميكروي خاصة لم تتوفر في جوناس وغيره من العاملين في المختبر. يوضح جوناس “إنّ امتلاك القدرة على صناعة النماذج مرة تلو أخرى مباشرة في المختبر مهمة، يمكنك فعل ذلك في الخارج، لكنه سيكلفك أسابيع في كل مرة تصنع فيها نموذجاً جديداً”. لذا أوصله لانجر بأستاذ في معهد “كوتش” يمتلك تلك الخبرة، وهو مايكل سيما، الذي أصبح مرشداً إضافياً لجوناس.

وتعلق مثال آخر بكيفية تركيب الأدوية، فتخرج من الجهاز متناهي الصغر بمعدل منضبط. يقول جوناس “لم يسبق أن فعلتُ شيئاً كهذا من قبل، واحتجتُ إلى المساعدة من بوب، وقد فكّر على الفور بثلاثة بوليمرات يتعين عليّ تجربتها”. كما اقترح لانجر أن يتشاور جوناس مع غوراف ساهاي، وهو باحث آخر في المختبر (يعمل الآن أستاذاً في جامعة “أوريغون” للصحة والعلوم). وفي هذه الأثناء، كان ساهاي يعمل على تمكين الجسيمات النانوية من اختراق الخلايا. يقول جوناس “عندما تواصلتُ معه، لم يكن متأكداً كيف يُفترض به أن يساعدني، لكن عندما بدأنا الحديث، رأينا أنّ مشروعينا اجتمعا معاً بطريقة خاصة جداً، وكان بوب يعلم ذلك في قرارة نفسه، كان ذلك رائعاً جداً، ولم يكن تواصلاً واضحاً”.

يضم فريق جوناس الأساسي في المختبر ثلاثة فنيين: مهندس طب حيوي يساعد في بناء النماذج، ومهندس طب حيوي يساعد في إعداد التركيبة وإطلاق الأدوية ومع التجريب على الحيوانات، وطالب طب سابق يتحول إلى مسار مهني علمي، ويساعده في جوانب مختلفة من المشروع تتعلق بالهندسة والطب الحيوي. (وقد غادر فني رابع المجموعة، وهو فيزيائي ركّز على علم البصريات).

ومثل غيرهم من الباحثين في معهد “كوتش”، غالباً ما تجمع بين الباحثين في معهد لانجر جهود جماعية آنية مع مجموعات داخل مختبرهم الأساسي أو خارجه. يعمل جوناس مع علماء أحياء مختصين بالسرطان في اثنين من مختبرات المعهد ممّن يحاولون تطبيق التكنولوجيا الخاصة به، كما يعمل مع أطباء في مركز “سلون – كيترنغ التذكاري للسرطان” (Memorial Sloan Kettering)، في مدينة نيويورك، على تجربة سريرية متواصلة لجهازه متناهي الصغر في مرضى سرطان الثدي.

وشغَل جوناس مناصب في هيئة التدريس بكلية هارفارد للطب وفي مستشفى “بريغهام آند ويمين” في بوسطن في مايو/أيار الماضي. (ساعده لانجر في الحصول عليها). تعتزم مستشفى “بريغهام” البدء في التجارب السريرية على جهازه متناهي الصغر مع مرضى يعانون من سرطان المبيض والرئة، في الربع الثاني من هذا العام. يقول جوناس “محور تركيزنا الأساسي الآن هو إيصال هذا إلى المرضى على نحو أوسع، وسيكون علينا فعل أكثر من ذلك، وهذا هو أحد أسباب انتقالي إلى بريغهام، إذا تكلّلت التجارب السريرية بالنجاح، فربما يأتي تحويل ذلك إلى سلعة تجارية لاحقاً”.

واعتباراً من يناير/كانون الثاني كان جوناس يقضي عدة ساعات كل يوم على مشاريع في مختبر لانجر، فهو الآن عالم زائر هناك. ويقول “ربما ينظر بعض الناس إلى شخص ما يغادر على أنه خسارة للمختبر، لكنني لا أعتقد أنّ بوب يرى ذلك الأمر بهذه الطريقة مطلقاً، إنه يمتلك الحكمة ليرى ما هو أبعد من الخسارة الفورية لمنفعة تخرجي من أن أكون طالباً إلى أن أصبح جزءاً من شبكته، وهذا جزء من سبب امتلاكه لشبكة من الخريجين الذين يُعتبرون أوفياء جداً له”.

مارك تيبت

عندما التحق مارك تيبت بالدراسات العليا في جامعة “كولورادو بولدر” (University of Colorado Boulder) عام 2007، اعتزم السعي إلى تطوير مصادر طاقة متجددة. يقول “شعرتُ أنّ ذلك شيء يحتاج العالم إلى التعامل معه، لكن بعد فترة وجيزة من وصولي إلى “جامعة بولدر” قابلت كريستي أنسيث، التي ركّز عملها على المواد الحيوية، وخصوصاً هندسة الأنسجة وإيصال الأدوية. وألهمه شغفها ببحثها، إضافة إلى نهجها فيما يتعلق بالعلم، وغيّر وجهته ليعمل معها، كان مختبرها متعدد التخصصات ويتسم بتعاون عالٍ، مثل مختبر لانجر، حيث كانت من حملة الدكتوراه هناك. يتذكر تيبت، الذي حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية، أنه أحبّ البيئة التي صنعتها كريستي، خصوصاً في البحوث في هندسة الأنسجة.

مارك تيبت مع نماذج القصبة الهوائية الاصطناعية التي يطورها

عندما كان يقترب تيبت من نهاية الدراسات العليا ويفكّر أين يقدّم للعمل في منصب لحملة شهادة الدكتوراه، اقترحتْ عليه أنسيث مختبر لانجر، وقامت بمراسلة لانجر عبر البريد الإلكتروني. يقول لانجر “أخبرتني أنّ مارك كان أبرز المتميزين”، وطلب من تيبت أن يرسل له خطاباً تعريفياً وسيرة ذاتية.

تيبت، البالغ 31 عاماً الآن، يقول “كانت العملية سريعة جداً وتتسم بالكفاءة، أرسلتُ المطلوب مني، واتصل بي بوب وقال تعال إلى هنا”. ومرة أخرى جاءت شبكة لانجر من الخريجين والمساعدين بباحث يتمتع بإمكانيات كبيرة في مختبره.

أخبر لانجر تيبت عن المجالات التي توفر فيها تمويل من المختبر لمناصب شاغرة، وقال “سأتركك تختار أيها يبدو مدهشاً بالنسبة لك، إذا راعيتَ الوقت، فما الأفضل بالنسبة لك؟ أريد أن تكون ناجحاً، إذا كانت ثمة أمور عليك إنهاؤها هناك، فافعل ذلك، نحن جاهزون عندما تكون كذلك”.

بدأ تيبت العمل على مشروع لابتكار أنظمة إيصال أدوية قابلة للزراعة لمعالجة أمراض صمامات القلب، إذ يمكن لهذه الأنظمة إطلاق الدواء ببطء مع مرور الوقت. ويتضمن النهج الأصلي استخدام الجراحة في وضع مادة تحتوي على الدواء بالقرب من الموقع المستهدف. وقد توسع البحث منذ ذلك الحين إلى تصميم مواد قابلة للحقن يمكن تطبيقها بطريقة أقل خطورة، وعلى تطبيقات تشمل معالجة أمراض العيون والسرطان.

كما أصبح تيبت مساهماً في بحث يهدف إلى تحديد كيفية تنظيم البنى المعقدة في مساحة ثلاثية الأبعاد، وأحد المشاريع التي يتواصل العمل عليها هو مشروع بناء قصبة هوائية اصطناعية. وعن هذا الموضوع يقول تيبت “للقصبة الهوائية احتياجات ميكانيكية مدهشة، لا تستطيع أن تضمر عندما تعطس، ويجب أن تكون قادر على التمدد عندما تميل برأسك إلى الخلف، إذا كانت قصبتك الهوائية قصيرة جداً، فقد يسبب ذلك إشكالية”. يقوم تيبت وهيلوسي راغيل، وهي أيضاً من حملة الدكتوراه في المختبر، بتطوير مواد حيوية فريدة يمكن أن تفي بالغرض.

ومن المشاريع الأخرى بناء نماذج لمسارات الأمراض، مثل كيفية تفاعل الخلايا المناعية مع خلايا السرطان في مراحله المبكرة. يقول تيبت “إذا كان بوسعنا بناء نماذج صغيرة خارج الجسم، يمكنها مساعدتنا على فهم هذه العمليات على نحو أفضل”.

الحرية في اغتنام فرص لا تُعد هي أحد الجوانب التي يقدّرها تيبت في مختبر لانجر إلى حد كبير. وبالمقارنة مع أماكن أخرى، حيث قد يكون مقتصراً على مجال محدد أو تعلم أسلوب واحد فحسب، يقول تيبت إنه “لم تكن ثمة قيود محددة على ما قد أفعله هنا، هذا المكان يمتلك ثقافة التعامل مع المشاكل الكبيرة التي تركز بشكل كبير على الصحة وعلم المواد، يريد بوب من الموظفين أن يركزوا على أشياء سيكون لها بالفعل أثر على المجتمع، وموقفه هو التشجيع على طرح الأسئلة الكبيرة، وأنه سيأتي بالموارد للتعامل معها، وسيضعنا مع الأشخاص المناسبين لمساعدتنا على التعرف عليها”.

كيف ينتهي الأمر بشخص ما بالعمل على عدة مشاريع؟ يقول تيبت “حسب خبرتي، قلّما كان ذلك رسمياً، غالباً ما اتخذ الأمر شكل دردشة في قاعة الطعام، وإيجاد شخص ما تود التفاعل معه.

بالطريقة نفسها، بدأ التعاون لسنتين ونصف على إنتاج جل [مواد بروتينية تستخرج من الأنسجة الحيوانية] ويمكن حقنه لإيصال الأدوية. كان تيبت يتبادل أطراف الحديث مع إريك أبل، وهو كيميائي بالممارسة، وواحد من حملة الدكتوراه الآخرين في المختبر. (وقد أصبح منذ ذلك الحين أستاذاً مساعداً في ستانفورد). يقول “وجدنا أنّ لدينا خلفيات بحثية متشابهة في تصميم الهلام المائي البوليمري (polymeric hydrogels) وتطبيقه، وكنا في واقع الأمر نعمل على شيئين منفصلين: كان إريك يصنع بوليمرات حيوية معدّلة كيميائياً، وكنت أصنع جسيمات نانونية محمّلة بالدواء. وقرأ كلانا بعض الأوراق العملية التي تشير إلى أنه من خلال جمع البوليمرات التي كان إريك يصنعها والجسيمات النانونية التي كنت أصنعها، فإنّ باستطاعتنا اختراع صنف جديد من الهلام المائي المتوافق حيوياً بخصائص تجعل الجل مناسباً لأنظمة إيصال الأدوية القابلة للحقن، قلنا لنجرب هذا معاً، ونجح الأمر، واعتمدناه”.

ألم يكن عليهم الحصول على إذن من لانجر؟ يقول تيبت “احتجنا أن نطلب من بوب المال لتجربة الفكرة في المقام الأول، لكنها لم تكن لتكون باهظة، وعادة ما يمتلك بوب تمويلاً جيداً”. وبعد أن أثبتَ البحث الأولي أنّ ذلك المفهوم قابل للتطبيق، قام الفريق، بمساعدة من لانجر، بتأمين التمويل من شركة “هوفمان-لاروش”.

يؤكد تيبت أنّ لانجر هو العكس تماماً من “الهوس بالسيطرة”، ويقول “يمتلك بوب قدرة رائعة على تأطير تحدٍّ بحثي، ولديه حدس ممتاز لنوع مجموعة البيانات التي تحتاج إليها لنشر ورقة بحثية أو للوصول إلى مستثمرين وإقناعهم أنّ فكرة ما هي فكرة جيدة. لكن عندما تناقش الأفكار، يكون سقراطياً إلى حد ما، وقلّما يقول في الحال إنها فكرة عظيمة، وإنّ عليك أن تفعلها. وبالتأكيد لن يقول لك لا، إنها فكرة سيئة، لا تفعلها. وبدلاً من ذلك، فإنه سوف يطرح الأسئلة ليجعلك تُقيّمها بدقة أكبر، ويدفعك لمراعاة ما سيكون له الأثر الأكبر على حياة الناس.

إذا كنت مقتنعاً أنها فكرة جيدة، ولم تسمع كلمة لا، فسوف تذهب لفعلها، وربما سوف تُثبت لنفسك أنك على حق، لكن الأهم أنّ نهجه يعلمك كيفية تحليل أفكارك الخاصة، ويعلم أقرانك كيف تسألون بعضكم البعض مختلف الأسئلة”.

أثناء عمل تيبت وأبل معاً خطرت لهما فكرة استخدام هلامهما القابل للحقن في المعالجة المناعية للسرطان، وقال لانجر إنه يفتقر إلى المعرفة لتقييم هذه الفكرة، واقترح أن يتواصلا مع غلين درانوف، وكان آنذاك اختصاصي أورام ومناعة بارز في معهد “دانا فاربر” للسرطان (Dana-Farber Cancer Institute) (الآن في شركة “نوفارتيس”). يتذكر تيبت ذلك “مثل شاب يحمل شهادة الدكتوراه، لم أكن لأشعر بارتياح في مراسلته دون مقدمات، لكن بوب قال إنني سأرسل بريداً تعريفياً سريعاً، وبالطبع، عندها قال غلين إنه سيكون سعيداً بالمساعدة، قرأ مقترحنا في تلك الليلة وأعطاني بعض الملاحظات، وكان قادراً على القول إنّ التحديات تبدأ من هنا، وأنّ الناس جربوا هذا وذاك. ربما وفّرت علينا خبرة غلين ورؤاه أشهراً من الوقت الضائع”.

وبعكس كثيرون من الباحثين في المختبر، يتبع تيبت بشكل مباشر لانجر. ورغم أنّ لانجر يعطيه قدراً كبيراً من الاستقلالية يكون هو حاضراً حال احتاجه. يقول تيبت “ألتقي بوب بشكل رسمي حوالي مرة شهرياً، وهو دائماً مستعد لعقد مقابلات أكثر، هو لا يتوانى عن الخدمة عند مراسلته عبر البريد الإلكتروني أو مقابلته في الأروقة وفي اجتماعات الفريق. بطريقة ما يبدو أنه دائماً يعرف تطورات المشاريع التي يعمل عليها الجميع، وما يدور في حياتهم. سوف يسأل عن مجريات المشاريع المختلفة، لكنه لا يهدف لأن يشكّل ضغطاً أبداً، والسبب الرئيس في ذلك هو أنه متحمس”.

سوف يترك تيبت مختبر لانجر في يونيو/حزيران للعمل ضمن هيئة التدريس في “المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا” (Swiss Federal Institute of Technology) في زيورخ. يقول “سأدرّس مختبري الخاص، وأديره، وبدأتُ التفكير بشأن ما يجعل الأشياء تسير على ما يرام هنا”. ويضيف “الفوضى المثمرة التي تسمح بتوسيع نطاق العملية الإبداعية بشكل أكثر سلاسة”، والمساواة والثقافة المفتوحة، إذ يستطيع الأشخاص من خلفيات علمية وهندسية مختلفة العمل معاً كأفراد متساوين، يساعدون بعضهم البعض في التغلب على الصعوبات.

وأخيراً وليس آخراً القيادة اللطيفة من لانجر، والطريقة التي يعتني من خلالها حقاً بالباحثين، حسب تعبير تيبت الذي قال إنّ لانجر كان “مساعداً جداً” عندما كان يُقدم لوظائف هيئة التدريس. ويقول “إحساسي هو أنّ كل ما يهتم لأجله ليس ما أستطيع فعله له بل أين سوف أذهب خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة، يريد أن تكون وجهتي مكاناً رائعاً، ويريدني أن أنجح، وهذا إحساس جميل حقاً. تأتي إلى مكان تشعر فيه أنك موضع ترحيب ودعم، وتريد أن تبلي بلاءً حسناً مقابل ذلك”.

[/su_expand]

يعامل لانجر جاكلينك وترافيرسو كمحققيْن أساسيين، وهذا خروج عن القاعدة. السلطة موزّعة في المختبر، وتتراكم حسب أفكار الأشخاص وتحليهم بروح المبادرة والتمويل الذي تجذبه بحوثهم، ويعطي لانجر الباحثين، وخصوصاً طلاب الدراسات العليا، الكثير من الإرشاد في البداية، لضمان انطلاقة جيدة لهم، والتأكد من تحقيق الهيكلية الأفضل لمشاريعهم، كما أنه يساعد في تحديد الخيارات التي يتعين أخذها بالحسبان. فمثلاً، في مستهل مشروع لتطوير جهاز لإيصال الأدوية يبقى في المعدة لفترة طويلة، قرر هو وترافيرسو استكشاف احتمالين: الأول هو أنّ الجهاز سيطفو في المعدة، والثاني هو أنه سيلتصق بجدار المعدة. وبعد إجراء دراسة حول قابلية التطبيق، اختارا الذهاب مع خيار الطفو، وتعرفنا على المشاكل الرئيسة التي يلزم حلها، ثم انسحب لانجر بصورة كبيرة. يقول “بعد ذلك لا أقول للأشخاص ماذا يفعلون، من المدرسة الإعدادية إلى الثانوية والكلية الجامعية، وحتى إلى حد معين في الدراسات العليا، يُحكم عليك بمستوى إجابتك على أسئلة شخص آخر، ويعطيك هذا علامة ما في اختبار ما. لكن إذا فكرتَ بشأن الطريقة التي يُحكم عليك بها في الحياة، لا أعتقد أنها من خلال مدى حُسن إجاباتك، بل بمدى حسن أسئلتك. أريد مساعدة الناس على القيام بذلك التحول من تقديم إجابات جيدة إلى طرح أسئلة جيدة”.

يرى غاري بيسانو أنّ هذه الفلسفة هي سر نجاح المختبر، ويوضح ذلك بقوله “يكون التوجه هو القول سأخبرك ماذا تفعل حتى يكون أداؤك أفضل وأداء المختبر أفضل، لكن إذا فعلت ذلك، فإنك تصنع مكاناً مختلفاً، وسوف يقول الناس حسناً يا بوب أخبرنا ماذا نفعل، وهو لا يريد ذلك النوع من المختبرات. في مختبره يحل الأشخاص مشاكلهم الخاصة، ولهذا ينتهي بهم المطاف أن يكونوا أساتذة رائعين وعلماء في عالم الأعمال”.

وفي الوقت ذاته، يحرص لانجر على أنّ يعرف الباحثون أنّ بإمكانهم الاعتماد عليه وعلى الأشخاص في شبكته من العلاقات إذا واجهوا أي مشكلة، وهذا نهج تطلق عليه أيمي هاملتون، وهي أستاذة مساعدة للإدارة في جامعة “دينفر” (the University of Denver)، وقد درست في مختبر لانجر، اسم “الاستقلالية الموجّهة” (guided autonomy). تجاوبه أسطوري، يبدو جهازه اللوحي ملتصقاً به، ويستخدمه للرد على رسائل البريد الإلكتروني في غضون دقائق. يتذكر كاتو لورينسن، وهو أستاذ في جامعة “كونيتيكت” (University of Connecticut) حصل على شهادة الدكتوراه بإشراف لانجر في الثمانينات، أنّ واحدة من تلاميذه بحثت ذات مرة عن رقم هاتف لانجر واتصلت به لسؤال حول ورقة كتبها لانجر، وعاود الاتصال بها من فنلندا بعد 10 دقائق”.

يبذل لانجر أقصى ما بوسعه لمساعدة الأشخاص الذين يغادرون مختبره للحصول على وظائف جيدة، ويبقى على تواصل مع مئات الخريجين، يقدم لهم المساعدة إذا احتاجوا إليها. (في اجتماع الوداع الذي أجراه مع جيمس دولمان، عرض أن يراجع طلبات المنح الخاصة بداهلمان). وهو مرتبط بعمق بالأشخاص الذين في شبكته، فمثلاً، هو يشير إلى الكثير من أصحاب رأس المال المغامر الذين موّلوا شركاته الناشئة، وهم مجموعة تتضمن تيري مكغوير من شركة “بولاريس”، ونوبار أفيان من شركة “فلاغشب” (Flagship)، ومارك ليفن من شركة “ثيرد روك” (Third Rock)، على أنهم أصدقاؤه ويعني ذلك بالفعل. (لانجر ومكغوير وابنتيهما خرجوا في عطلة معاً في العام الماضي في مدينة بوردو الفرنسية، وكانت ابنة لانجر حاضرة في حفل زفاف ابنة مكغوير).

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”80″ link_color=”#66abe8″ link_align=”right”]

النتائج في العالم الحقيقي

منذ 1987، ساعد بوب لانجر والباحثين الذين عملوا تحت إشرافه في تأسيس 40 شركة، وغالباً ما كان ذلك بالتعاون مع علماء في مختبرات أخرى في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” ومؤسسات أخرى، وقد نجحت جميعها إلا واحدة حتى اليوم. وفيما يلي أمثلة عليها.

الشركة: “إنزيتيك” (Enzytech) (استحوذت عليها “ألكيرمس” (Alkermes))

سنة التأسيس: 1987

المنتجات/التكنولوجيا: كريّات مجهرية لإيصال الأدوية.

التطبيقات القائمة أو المحتملة: الانفصام، إدمان المخدرات، السكري من النمط الثاني.

القيمة السوقية: 7.2 مليارات دولار (ألكيرمس).

 

الشركة: “موديرنا” (Moderna)

سنة التأسيس: 2011

المنتجات/التكنولوجيا: الأدوية المستندة إلى الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA).

التطبيقات القائمة أو المحتملة: السرطان، مرض القلب، اللقاحات، الأمراض المعدية، مرض الرئة.

القيمة السوقية: 5 مليارات دولار.

 

الشركة: “مومنتا” (Momenta)

سنة التأسيس: 2001

المنتجات/التكنولوجيا: سلسلة علاجات مستندة إلى السكريات المعقدة.

التطبيقات القائمة أو المحتملة: التصلب المتعدد وأمراض ذاتية المناعة أخرى، أمراض القلب والأوعية الدموية، السرطان.

القيمة السوقية: 840 مليون دولار.

 

الشركة: “أدفانسد إنهاليشن ريسيرش” (Advanced Inhalation Research) (استحوذت عليها “أكوردا” (Acorda))

سنة التأسيس: 1997

المنتجات/التكنولوجيا: بخّاخات موصلة للأدوية تعتمد على جسيمات كبيرة تقاوم تكدس الجراثيم.

التطبيقات القائمة أو المحتملة: السكري، الربو، داء باركنسون “الشلل الرعاشي”.

القيمة السوقية: 525 مليون دولار.

 

الشركة: “سيليكتا” (Selecta)

سنة التأسيس: 2007

المنتجات/التكنولوجيا: لقاحات ومعالجات مناعية مستهدفة ومستندة إلى الجسيمات النانوية.

التطبيقات القائمة أو المحتملة: النقرس، اضطرابات وراثية، حساسية، أمراض ذاتية المناعة، سرطانات مرتبطة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، إدمان النيكوتين، الملاريا.

القيمة السوقية: 228 مليون دولار

 

المصادر: روبرت لانجر، شركة “بولاريس بارتنرز”، معلومات عامة.
ملاحظة: القيمة السوقية اعتباراً من منتصف سبتمبر/أيلول 2016 أو تاريخ الحصول عليها. تعتمد قيمة الشركات الخاصة على تمويل رأس المال المغامر.
[/su_expand]

الاستثمار في شبكته الخاصة يأتي بنتائج قيّمة في شكل تعاون مثمر في البحوث، وإحالات لتلاميذ استثنائيين إلى مختبره، وأيدٍ عاملة للشركات الناشئة. ولا يُمهد لانجر الطريق لأعضاء مختبره لتأسيس شركات ناشئة فحسب، بل يستفيد من شبكته إذا كانت هناك حاجة لها في المستقبل. تقول أيمي شولمان، الرئيسة التنفيذية أو رئيسة مجلس الإدارة التنفيذية في ثلاث شركات خرجتْ من رحم مختبر لانجر “غالباً ما يمتلك بوب فكرة رائعة حول شخص ما سيكون ملائماً، وفي أحوال كثيرة يتواصل أشخاص مع بوب عندما يفكرون في تغيير وظائفهم، لأنه حكيم جداً ويعرف الكثير من الفرص. لذا فالمنفعة متبادلة”.

عندما يتحدث الأشخاص الذين عملوا مع بوب لانجر عنه، نسمع عبارة مشتركة “هو جزء لا يتجزأ من نموذجه الخاص بتحويل البحوث إلى منتجات، وهو شخص لامع لا يمكن أن يتكرر”. لكن هذا لا يعني تعذر تكرار نموذجه، بما في ذلك نمط القيادة الذي يتبعه “الشخص اللطيف”. ماذا لو صممتْ الشركات مختبراتها بهذه الطريقة؟ وماذا لو اهتمت بالخبرات العميقة في مجموعة من المجالات حتى يأتي الزبائن إليهم بمشاكلهم الأكثر إلحاحاً؟ وماذا لو شجّعت الباحثين المتميزين من خلال تقديم فرص للعمل على قضايا يمكنها تغيير العالم؟

يقول غاري بيسانو “ربما تستطيع الشركات وضع عملية بحث تشارك فيها النخبة المختارة من بين الأفضل، في محاولة لفعل شيء جريء خلال بضعة سنوات بدلاً من إنفاق 30 عاماً هناك في قلق بشأن ترقيتهم التالية”. ويضيف زميله “ويل شيه” (Willy Shih) إنّ مثل هذا النهج لن يسمح للشركات فقط بالتعامل مع المشاريع الأكثر طموحاً، بل سيساعدها أيضاً في التخلص من المشاريع متدنية المستوى أو السيئة على نحو أسرع. ويشير إلى أنّ “تدفق الأشخاص في المختبر سيكون له نتيجة طبيعية تتمثل في انتهاء الأفكار التي لا تصمد أمام اختبار معاينتها من منظور آخر”.

ويقول بوب لانجر “أريد معالجة المشاكل التي يمكنها تغيير وجه العالم، وأن أجعل هذا العالم مكاناً أفضل، وهذا هو المسار الذي عملتُ عليه طوال حياتي في مجال العلم، وتبدو الشركات التي ساعدتُ في إنشائها مثل امتداد طبيعي، أردت رؤية ما أخرجته إلى العالم، وهذا ما شكّل فارقاً بالنسبة لي”. بالاعتماد على قيم مختبر لانجر ونموذجه، تستطيع الشركات أن تجعل العالم مكاناً أفضل وأن تجني الكثير من المال في الوقت نفسه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!