غالباً ما ينظر المدراء إلى العواطف باعتبارها شيئاً غير مادي ليس بإمكانهم قياسه، إلا أنه بوسعك رصد العواطف من الناحية الكمية - وينبغي لك فعل ذلك - على النحو ذاته الذي ترصد به مواقف الموظفين وأنماط سلوكهم، وذلك عبر إجراء الدراسات الاستقصائية، لكنّ هذا النهج ينطوي على بعض الاختلافات.
ففي الدراسة الاستقصائية التي استخدمناها في العديد من البيئات التنظيمية، لا يخبرنا الأشخاص بحقيقة شعورهم. وبالأحرى، يلاحظ الموظفون أو المقيِّمون من خارج الشركة الثقافة العاطفية المحيطة بهم، المتمثلة في الأعراف والقيم والنتاجات الإنسانية والمسلَّمات التي تحدد نوعية المشاعر التي بوسع الأشخاص أن يتحلوا بها والتي ينبغي لهم إبداؤها في مكان العمل. ويساعدنا ذلك في إلقاء نظرة فاحصة على الأمور التي تجري في المجموعة بأسرها. إذ نطرح في الدراسة الاستقصائية السؤال التالي: إلى أي مدى يُفصح الأشخاص الآخرون في هذه المؤسسة (أو هذا القسم أو هذه الوحدة) عن العواطف التالية؟ وتتضمن الخيارات: الحماس، والاهتمام، والتعاطف، والإحباط، والقلق، والغضب. على سبيل المثال لا الحصر. ومن ثم نسأل بشأن أي من هذه العواطف ينبغي للأشخاص أن يُفصحوا عنها أو ألا يُفصحوا عنها في مؤسساتهم.
كما نقيس أيضاً كيفية تداخُل هذه العواطف الأساسية، المتمثلة في الغضب والشفقة والألفة والخوف والسعادة والحزن، مع بعضها البعض. وذلك لأن البحوث التي أجريناها على مدار العقد الماضي تُبيّن أن المجموعات يمكن أن تكون ذات ثقافات عاطفية متعددة في الوقت نفسه. على سبيل المثال، تبيّن لنا في أحد مستشفيات المدن الكبرى التي درسناها، أن ثقافة الألفة القوية داخل أقسام محددة شكلت حاجزاً أمام وجود ثقافة القلق القوية بالقدر نفسه. ومن المرجح أيضاً أن يجد المدراء ثقافات فرعية مختلفة في جميع مستويات مؤسساتهم، وحالما يحددون أي ثقافة من هذه الثقافات هي السائدة، سيكون بوسعهم تحديد الثقافات التي يجب عليهم إيلاؤها القدر الأكبر من التركيز لبلوغ أهدافهم الاستراتيجية. على سبيل المثال، عندما حلّلنا البيانات التي جمعناها من الدراسة الاستقصائية للثقافة العاطفية التي أجريناها على شركة "سيسكو فاينانس" (Cisco Finance)، تبيّن لنا أن تعزيز السعادة كان أولوية نظراً للأثر الذي تُحدثه على التزام الموظفين وعلى رضاهم. ولذا، فقد ضاعف المدراء المبادرات التي من شأنها أن تعزز جانب المرح في مكان العمل، بينما يُعتبر الحد من مشاعر الغضب أو الخوف، في شركات أخرى، أكثر أهمية من زيادة السعادة. لأن الاحتياجات تتباين بشكل شاسع حسب الظروف المحيطة.
ولا تُعد الدراسات الاستقصائية للموظفين، بطبيعة الحال، السبيل الوحيد لرصد الثقافة العاطفية في الشركات، لأننا استخدمنا، كذلك، المقابلات والملاحظات الميدانية، وتبدأ المقابلة المتعلقة بالثقافة، عادة، بطرح أسئلة عن الوظيفة (مثلاً: ما التحدي الأكبر الذي يشكله عملك في هذه الشركة؟)، تعقبها أسئلة بشأن ما يتطلبه الأمر من الموظفين ليبلوا بلاءً حسناً في المؤسسة والمعوقات التي يمكن أن تعرقل عملهم (وهي طريق مختصرة ناجعة لفهم الثقافة)، ومن ثَم طرح أسئلة مباشرة بقدر أكبر بشأن الثقافة (مثلاً: ما الكلمات التي ستستخدمها لوصف ثقافة القسم الذي تعمل فيه أو شخصيته؟). ونظراً لأنه من المهم تحديد جوانب الثقافة العاطفية الواضحة والخفية للغاية على حد سواء، فإننا نبحث أيضاً عن الإشارات اللفظية العفوية مثل تعبيرات الوجه ووضعية الجسم والإيماءات ونبرة الصوت. بل إننا حللنا ديكور مكان العمل وعاداته وأعماله الاعتيادية. ومن واقع البحوث التي أجريناها وممارستنا العملية، فإن هذه المؤشرات ترتبط بصورة وثيقة ببيانات الدراسة الاستقصائية، وهو ما ساعد في تأكيد الدقة في جميع النواحي.
ويمكن أن تتساءل: على أي مستوى ينبغي لك قياس الثقافة العاطفية؟ هل تقيسها على مستوى فريق العمل المباشر أم على مستوى القسم أم على مستوى الوظيفة؟ أم تقيسها على مستوى المؤسسة بأسرها؟ ويعتمد القرار على طائفة من العوامل الظرفية، مثل المستوى الذي توجد فيه أولوياتك الاستراتيجية والمجالات أو الأقسام التي تتلمس فيها مشكلات تتعلق بالأداء. وأياً يكن المستوى الذي تختار التركيز عليه، فمن الأهمية مواصلة رصد الثقافة العاطفية بمرور الوقت، بعد تحديد هويتها الحالية وتحديد ما يتعين أن تكون عليه. وتقيس شركة "سيسكو فاينانس" في الوقت الحاضر ثقافتها العاطفية على أساس سنوي، وهو ما يُتيح لكبار المدراء قياس مدى نجاح مبادراتهم المتعلقة بالتغيير الثقافي.
وتذكّر أنه بعد قياسك للثقافة العاطفية لفريقك، فإن سلوكك بصفتك مديراً يعتبر إحدى أكثر أدواتك فعالية لتغيير هذه الثقافة. وعندما نسمع أن أحد الفِرق يعاني من تدني الروح المعنوية لأعضائه، فإن السؤال الأول الذي نطرحه هو: ما نوع التعبير والمسلك العاطفيين اللذين يُبديهما المدير أو القائد على نحو يومي؟ فإن التأثير الذي يُحدثه مسلك القائد هو تأثير هائل، ولذا، يتعين قياسه وإدارته هو أيضاً، ربما قبل أي شيء آخر.