كيف تثبت الشركات قدرتها على تحسين العمل وجني الربح؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيّل أنك الرئيس التنفيذي لسلسلة مطاعم تقليدية، تقدِّم لك واحدة من التنفيذيين الذين يعملون معك اقتراحاً: هي تريد تقليص جودة الخدمة في المطاعم، وتقليص معايير سلامة المنتجات، واستخدام ممارسات تسويق احتيالية، وخفض أجور الموظفين، وتبني ممارسات بيئية أسوأ. هل تتوقع أن تؤدي هذه التغييرات إلى ربحية مستدامة ومتزايدة؟

يقول الكثير من المستهلكين الأميركيين الذين يتخيلون هذا الوضع إنّ الإجابة هي “نعم”. وفي صفعة قوية لفكرة الأعمال المسؤولة اجتماعياً، أشار الأميركيون البالغون الذين شاركوا في استطلاعاتنا مقابل أجر، إلى أنهم يتوقعون ممارسات تجارية ضارة لزيادة الأرباح. يبدو أنّ الناس يعتقدون أنّ الأعمال تربح من خلال أخذ القيمة من الزبائن والمجتمع، بدلاً من خلق القيمة ومشاركتها مع الزبائن.

لكن حتى في أحد المجتمعات الأكثر توجّهاً نحو الأسواق في تاريخ البشرية، يبدو أنّ من الصعب جداً جعل معظم الناس يقدِّرون أنّ الممارسات التجارية الأخلاقية والربحية لا تتضارب فيما بينها على نحو أساسي. نحن نصف وجهات النظر هذه على أنها معتقدات معادية للربح.

بحثنا

في دراسة أولية، قدّم الأشخاص منظورهم حول الربحية والمساهمة المجتمعية الشاملة لـ 40 شركة معروفة من الشركات المدرجة على قائمة “فورتشن 500”. وكانت العلاقة التي وجدناها واضحة وضوح الشمس: كان الربح مرتبطاً برابطة سلبية جداً مع القيمة المتصوّرة للمجتمع، بين المشاركين في دراستنا، فقد نظروا إلى الربح باعتبار أنه نتيجة للفوز على حساب الآخرين.

لربما كانت هذه العلاقة لا لبس فيها، لكنها كانت أيضاً خاطئة.

استخدمنا بيانات عامة لتحديد أرقام الأرباح الحقيقية للشركات في مقابل مقاييس موضوعية لأثرها المجتمعي: التقييمات السنوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات الصادرة عن شركة “كيه إل دي رسيرتش آند أناليتكس” (KLD Research & Analytics)، التي تبين أثر شركة ما على المجتمع، إلى جانب أبعاد مثل العلاقات المجتمعية وحوكمة الشركات والتنوع والأثر البيئي ورفاه الموظفين وحقوق الإنسان وسلامة المنتجات وجودتها.

وفي عينة الشركات التي استخدمناها، ارتبطت نتائج شركة “كي إل دي” إيجابياً مع دخل الشركات. وزاد احتمال حصول الشركات ذات السلوك الأحسن على مكافآت أفضل. لم تكن العلاقة المتصوّرة بين القيمة المجتمعية والربح سلبية بشكل مبالغ فيه فحسب، بل أيضاً في الاتجاه الخاطئ تماماً.

لا يبدو أنّ المعتقدات المعادية للربح هي نوع من اتحاد بين علامات معينة أو اهتمام إعلامي سلبي تحصل عليه شركات معينة. افترضَ الأميركيون أنّ الأرباح الأعلى مرتبطة بقيمة مجتمعية أقل على مستوى قطاعات كاملة أيضاً. وعلاوة على ذلك، فقد اعتقدوا أنّ مجموعة من الممارسات التجارية الضارة، بما فيها زيادة السعر على المستهلكين، والإبقاء على معايير متدنية للسلامة، واستغلال الثغرات القانونية، والتقليل من أهمية الثقافة، أكثر انتشاراً في القطاعات الأكثر ربحية. وفي المقابل، اعتقدوا أنّ الممارسات التجارية الجيدة، مثل صناعة منتجات قيِّمة، كانت أقل انتشاراً.

ولا يبدو أنّ عدم تقدير الطريقة التي تتبعها الشركات الهادفة للربح لخلق القيمة مقتصر على أي جماعة سياسية معينة. فحتى عندما نقسِّم عيناتنا إلى مجموعات فرعية تقدّمية ومعتدلة ومحافِظة، تظهر كل مجموعة فرعية الكثير من المعتقدات المعادية للربح.

وقد أظهرت سلسلة من الدراسات اللاحقة أنه حتى عندما اعتقد الناس أنّ الأسواق كانت تنافسية، فهم تجاهلوا كيف تقيِّد المنافسة سلوك الشركة، وبالتالي توقعوا أن تعود الممارسات الضارة بالنفع عليها. وهذا ما جعلهم يفكرون أنّ الربح على الأمد البعيد كان له تأثير قليل. دُفع المبحوثين صراحة إلى الاقتصار على التفكير ملياً في ديناميكيات المنافسة خطوة بخطوة، مثل ما إذا كان المستهلكون سيستمرون في الشراء من شركة تقدِّم منتجات سيئة، وفيما إذا المنافسون قد يُضيّقون الخناق على شركة ترفع الأسعار، وهذا جعلهم أقل ميلاً لتوقع قيام الأسواق التنافسية بمكافأة سلوك سيئ.

لكن هذه الآثار كانت محدودة. الدوافع من هذا القبيل يمكنها أن تُضعف المعتقدات المعادية للربح، لكن لا أحد منها مُجدٍ في جعل الناس يعتقدون أنّ سلوكاً جيداً لإحدى الشركات يمكن أن يكون له أثر إيجابي على الربح.

لماذا تُرسخ معتقدات معادية للربح في مجتمع السوق؟

بالنظر إلى تجارب المستهلكين، فمن غير المفاجئ أنهم يتصوّرون قدرة الربح على تحفيز الضرر بسهولة أكبر من قدرته على تحفيز خلق القيمة. ويخوض معظم الناس تجربة السوق من جانب المستهلك بصورة شبه تامة. وفي كل مرة يشترون شيئاً جديداً، يكون التبادل فوزاً على حساب الآخرين عندما يُنظر إليه بمعزل عن عوامل أخرى: كلما تقاضتْ الشركة ثمناً أعلى، تحقق قدراً أكبر من الربح وتحقق المستهلك قيمة أقل. وبالتالي، كلما زادت ربحية شركة ما، يبدو أنها حققت مكاسب أكثر على حساب المستهلكين.

لكن ما يتجاهله هذا الاستنتاج بالكامل هو قيمة الربح المحفِّزة. يكافئ الربح بناء منتجات يريدها المستهلكون، وتسويق هذه المنتجات وتوزيعها بفعالية حتى يستطيع المستهلكون الحصول عليها، والكفاءة التي تتمتع بها الشركة في إنجاز هذه المهمات حتى تقدِّم صفقة أفضل مقارنة بالمنافسين. وتكون هذه الاستثمارات والعمليات المعقدة والديناميكيات التنافسية غير معتبرة في الوقت والمساحة من أي عملية شراء فريدة، وهي غير مرئية حرفياً بالنسبة للمستهلك. والواقع أنه حتى عندما يجرِّب الناس السوق كبائعين، فهم في العادة يُعيدون بيع شيء يملكونه، مثل سيارتهم أو منزلهم أو بضائع مستخدمة على موقع “كريغزليست” (Craigslist) أو “إيباي” (eBay). تتطلب هذه التجارب عدم وجود استثمارات محفوفة بالمخاطر في الأبحاث أو الإنتاج أو توزيع المنتجات التي ربما تجد تقديراً لدى الآخرين. وباختصار، فهم يُقدمون رؤى قليلة في مهمة خلق القيمة. وربما يُعيدون تعزيز الاعتقاد أنّ الربح هو فوز على حساب الآخرين، من خلال جعل الناس واعين باحتمال الحصول على صفقة أفضل من خلال خداع المشتري.

إلا أنّ المعتقدات المعادية للربح ضيقة الأفق. يعلم رجال الأعمال الأذكياء أنّ الشركة الخادعة ستبني سمعة سيئة بسرعة، وسوف تخسر العمل المتكرر والمستقبلي. وسوف يكون مصير شركة تمتلك منتجات بأسعار مبالغ فيها أو بجودة سيئة هو أن تخسر عملها لصالح منافسين يمتلكون منتجات بأسعار أقل أو جودة أفضل. يجب على الشركات إما أن تتقاضى أسعاراً أقل أو تصنع منتجات أفضل من منافسيها، في سعيها لجذب الزبائن والاحتفاظ بهم. وينطوي ذلك على العمل بكفاءة أكبر أو الابتكار من أجل صناعة منتجات تحظى بتقدير أكبر لدى المستهلكين. ويُمثل ذلك مبدأ تحقيق النفع للطرفين في السوق: توائم المنافسة الدوافع الأنانية للشركات الهادفة للربح مع مصالح المستهلكين والمجتمع. وفي سوق مثالية، سيكون ربح الشركة والقيمة المجتمعية مترابطاً بشكل إيجابي تماماً.

وبالطبع، فالأسواق غير مثالية. وحتى الخبراء الاقتصاديون لا يتفقون حول مستوى عمل الأسواق في ظل ظروف مختلفة، وبالتالي المدى الإيجابي الذي ترتبط به أرباح العمل مع خلق القيمة. إلا أنّ الخبراء يتفقون حول بعض المسائل: يمتلك المستهلكون خيارات في معظم الأسواق، ويحدد العرض والطلب الأسعار (وأخيراً الأرباح) في معظم الوقت. هذا الإجماع بين الخبراء يتعارض مع رؤية عينتنا حول الأرباح باعتبارها نتيجة تكاد تتحقق بالضرورة على حساب الآخرين.

ماذا يعني ذلك بالنسبة للأشخاص الذين يديرون الأعمال؟

أي شخص يمتلك عملاً أو يديره هو على دراية تامة بالمخاطر والتضحيات والضغوط التنافسية ذات العلاقة. وعلى أي حال، فإنّ معظم المستهلكين غير مدركين لها، ويسمح لهم اقتصاد السوق بالحصول على منتجاتهم وخدماتهم المفضلة، مع الاستخفاف بالعمليات التي تؤدي إلى تطويرها وتقديمها. الترويج للربحية ربما يُعجب المستثمرين الذين يفهمونه على أنه مؤشر على الكفاءة والابتكار في مواجهة التحديات، لكنّ المستهلكين قد يرون فقط دليلاً على جشع وقسوة أكبر من المنافسة. المبالغة في حجم النجاح المالي ربما تنفِّر الشركات الصغرى، حتى عندما تُسعد الشركات الكبرى.

والخبر السار؟ يعتقد المستهلكون بالفعل أنّ بعض الأعمال مستعدة للاستغناء عن الأرباح للتركيز على خدمة المجتمع. وربما لا تبدو الأعمال التي تسعى لزيادة الربحية إلى الحد الأقصى على المدى البعيد أكثر صبراً فحسب مقارنة بتلك التي تشغلها الأرباح الفصلية، بل أكثر استقامة أيضاً. ورغم أنّ التحلي بالصبر لا يقل أهمية من ناحية استراتيجية، إلا أنّ المستهلكين ربما يُفسِّرون الاستعداد للتضحية بمكاسب على المدى القصير على أنه دليل بأنّ عملاً ما غير مهتم بالربح ويسعى لتحقيق رسالة مجتمعية. الكلام أسهل من الكرم، لكن تحمّل بعض التكاليف على المدى القصير ربما يؤتي ثماره بشكل كبير من خلال مكاسب تحسُّن السمعة على المدى الطويل ووفاء أكبر من المستهلكين.

تخلُص دراساتنا إلى أنّ تسليط الضوء على المخاطر غير المرئية والتكاليف والقيود على السوق التي تُحفّز خلق قيمة على المدى الطويل من شأنه على الأقل أن يخفف من آثار المعتقدات المعادية للربح. ما العمليات التي أدت إلى تطوير منتج أو خدمة معينة وتقديمها؟ وكيف تؤجّج أرباح اليوم البحث والتطوير المُكلف الذي يدخل في ابتكارات المستقبل؟ رغم أنّ تعليم المستهلك غالباً ما يُركز على منتجات جديدة معينة، إلا أنّ الأعمال قد تنتفع من تبني منظور أشمل. كم عدد المستهلكين الذين يفهمون طبيعة الأبحاث الصيدلانية، أو كيف تؤثر أسعار السوق على شركات النفط، أو كيف يعمل مزوِّدو البطاقات الائتمانية، أو ما الذي تفعله البنوك الاستثمارية حقاً؟ مشاكل العلاقات العامة التي تؤثر في هذه القطاعات ربما يُخففها قدر أكبر من الشفافية فيما يتعلق بعملياتها وأرباحها وهياكل التكاليف فيها.

ومقارنة مع النطاق والقوة المالية للأعمال الكبيرة، فقد يشعر المستهلكون الأفراد بالعجز وعدم القدرة على التأثير، وربما يحتاجون رسائل تذكير بقوتهم وتأثيرهم الجماعي الهائل، فأموالهم هي أصوات تحدِّد على الفور شكل الأعمال التي يجب أن تبقى، وهذه الأصوات تتراكم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .