لتولي زمام حياتك المهنية عليك البدء ببناء قبيلة خاصة بك

6 دقائق
كيف أنجح في متابعة حلمي

أرني شخصاً يعتبر عدم الاستقرار وعدم الوضوح كفرصة له، وسأخبرك أنه هو ذلك الشخص الذي يتقن العمل في عالم العمل الجديد، فما هي إجابة سؤال كيف أنجح في متابعة حلمي بشكل صحيح؟

انظر على سبيل المثال إلى شخصية نور (اسم وهمي) التي وصفت فترة زمنية مرهقة من حياتها المهنية كفترة "حماسية لدرجة غير مقبولة".

كيف أنجح في متابعة حلمي

لقد تركت نور عملاً بدوام كامل في القطاع العام للسعي وراء شغفها بالنحت. كانت مهاراتها بدائية. لم تمتلك أية خبرة لتأسيس شركة لبيع أعمالها الفنية. كانت بمفردها في أغلب الأحيان. قالت: "لقد شعرت أنني صادقة ومحقة وحقيقية تماماً". شعرت بالتشويق الذي ينتج عن الحرية، والخطر الذي جاء معها. "كنت فقيرة جداً، وفي بعض الأحيان، لم أكن أعرف حتى كيف سأقوم بشراء مواد البقالة. سيحصل شيئاً ما. سيأتي أحد ما ويشتري تمثالاً صغيراً، فأستطيع الذهاب للتسوق".

يعتبر معظم الناس أنّ الكفاح من أجل تأمين احتياجاتهم المادية (حتى لو كان من خلال عمل يحبونه) هو بمثابة الكابوس. لكن نور كانت تشعر بوجود توافق بين كفاحها وحبها لعملها. كانت متأكدة أنها لو كانت ناجحة في وقت مبكر، مثل بعض أقرانها، لما كان سيبدو عملها قوياً ومبتكراً كما اتضح لاحقاً. بعد عدة سنوات، رفضت عرض إقامة مدفوعة في كلية مرموقة، خوفاً من أن تؤثر وسائل الراحة ومطالب الارتباط بالمؤسسة على عملها بشكل سلبي.

إنّ القصص التي تشبه قصة نور لطالما كانت شائعة في عالم الفن. ولكن اليوم، يمكن لأشخاص من مختلف الصناعات أن يربطوا قصتهم بقصتها، أو أن يشاركوا قصتهم المشابهة. قمنا أنا وسو آشفورد وإيمي جشنيفسكي بجمع العديد من القصص المشابهة في السنوات القليلة الماضية، وذلك من أجل إجراء دراسة بشأن عمّال المعرفة والعمّال المبدعين، الذين قاموا بإنشاء عمل مستقل لأنفسهم. استمعنا إلى صحافيين واستشاريين ومصممين ومهندسي برمجيات ومدربين تنفيذيين مستقلين يعملون لحسابهم الخاص، وجميعهم شاركوا قصصاً مشابهة لقصص الفنانين الذين تحدثنا معهم. قصص الكفاح الخلاق والوحدة المؤلمة وعدم الاستقرار وعدم الوضوح المزمن. ومع ذلك، قام معظمهم بما قامت به نور وزعموا أنهم لما كانوا سيحصلون على ما يريدوه بأية طريقة أخرى. ربما لم يرتاحوا في مسار حياتهم المهنية، لكنهم كانوا أحراراً.

يجب أن أعترف أنني كنت مرتاباً في بادئ الأمر. اعتبرت أنّ هذه القصص مجرّد أوهام تُشعرنا بالارتياح وتملأ الفراغ الذي يتركه العمل المضمون. في حين أنّ عدم الاستقرار موجود في المؤسسات أيضاً، إلا أنه غالبا ما يكون مؤقت، ويترافق مع المراحل الأولى من حياة الشخص المهنية أو مع تغيير مفاجئ. أما بالنسبة للعمال المستقلين فيعتبر عدم الاستقرار كحالة دائمة- بغض النظر عن المدة التي قضاها الشخص في عمله، ومدى النجاح الذي قد حققه في الماضي.

في حينها كنت أفكر فقط في أنني أقضي وقتي بسكون في الجامعة، منغمساً في مجتمعات البحث والمثقفين الذين لا يزالون يعتبرون عدم امتلاك عمل بدوام كامل في مؤسسة ما هو بمثابة حرمان من بعض الأمور.

ولكن إذا فكرنا مرة أخرى، ألا يمكن أن يكون معظم ما نتوق له بشدّة (الأمان والحب والاحترام والحرية) هو مجرّد أوهام؟ ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، هل تستحق الحياة أن نعيشها إذا لم نشعر فيها بهذه المشاعر؟ علاوة على ذلك، لماذا نحن عازمون على نسيان أنّ المؤسسات يمكن أن تحرمنا أيضاً، وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون مسيئة لموظفيها؟

كلما تعلمت أكثر أن أرى العالم من وجهة نظر العمال المستقلين، كلما شعرت أنّ قصصهم هي أوهام فقط. قد تكون هذه القصص مجرد أوهام، لكنها كانت تكشف حقيقة الأشخاص الذين قاموا برواية هذه القصص وتظهر أيضاً واقع العمل الحديث.

كتب عالم الاجتماع أنتوني جيدينز ذات مرة، في ظل عالم عمل متقلب، "إنّ القدرة على الحفاظ على إبقاء مسار القصة التي نرويها هو الذي يمنحنا هوية". قد نكبر ونحن نظن أننا نستطيع أن نحقق ما نطمح له وأن نصبح أي شخص نود أن نكون، لكن هذا نادراً ما يكون صحيحاً. يمكننا فقط أن نصبح الشخص الذي يمكننا أن نواصل سرد قصته وتطبيقها في عالمنا.

وبهذه الطريقة، فإنّ القدرة على تصديق أوهامنا، وجعلها حقيقية، هي موهبة مفيدة وقيّمة. (ويعبّر عن تلك القدرة بالقوة). إنّ السؤال الأهم هو ليس عما إذا كانت قصصنا المفضلة عن أنفسنا هي أوهام، ولكنه عن ماهية فوائد هذه القصص، أي ماذا تفعله هذه القصص لنا، وماذا يتطلب الأمر لجعلها حقيقية؟

تشير أبحاثي إلى أنّ أكثر الأمور المفيدة والقيّمة من بين أوهامنا، هو توهّمنا بأنّنا بارعون قادرون على تحمل الشدائد، والشعور بالحرية، وتقديم الخدمة للآخرين. إنّ النفس البارعة ليست مجرد مدعاة للفخر الشخصي. هي بوليصة تأمين وشيء ثمين في عصر يرتبط فيه معظمنا بأعمالهم ارتباطاً عميقاً، ولكننا من دون أن نكون مخلصين لأصحاب العمل.

يتوقع البعض فقط قيام مؤسسات العمل بتأمين وظيفة دائمة لهم في هذه الأيام. ويعني هذا أننا جميعاً عمال مستقلون، سواء كنا نعرف ذلك (ونحبه) أم لا. تُعرّف المؤسسات القدرة على الانتقال من العمل على أنّها موهبة: الأشخاص الذين يشعرون بالأمان هم أولئك الذين يعرفون أنه بإمكانهم المغادرة، والأشخاص الذين غالباً ما تكون مؤسسات العمل في أمس الحاجة إلى إبقائهم هم أولئك الذين لديهم خيارات كثيرة في أماكن عمل أخرى. يحاول هؤلاء الأشخاص الحفاظ على هذه الخيارات مفتوحة باهتمام كبير، كما أنّهم يحاولون توسيع خياراتهم أكثر. على سبيل المثال، في حين أنّ المؤسسات تقدّم في كثير من الأحيان فرص تطوير قيادية للأشخاص الذين يرغبون في الاحتفاظ بهم داخل المؤسسة، وجدنا أنا وجنيفر بيترييري وجاك وود في إحدى الدراسات أنّ هؤلاء المدراء استخدموا مبادرات تنمية المهارات القيادية كوسيلة لجعل أنفسهم أكثر قدرة على التنقل، ما جعلهم يشعرون بأنهم أكثر أماناً وقيمة في السوق.

قد يبدو العمال المستقلون ومدراء الشركات مختلفين كثيراً، لكنهم يمتلكون الكثير من القواسم المشتركة. يكمن وراء سعيهم للاستقلال وقابلية التنقل في العمل تطلعهم المشترك لتصميم شخصية بارعة. شخصية فرد مسؤول عن إنتاجيته في العمل أو مساره الوظيفي. أي في نهاية المطاف، امتلاك شخصية بارعة في الحياة العملية.

تفيدنا الشخصية البارعة من خلال حمايتنا من الوحدة وعدم الاستقرار وعدم الوضوح إثر العمل بمفردنا أو الانتقال من عمل إلى عمل آخر (أو من مدينة إلى مدينة). كما تدفعنا إلى تحمل مسؤولية تعلمنا وإنتاجيتنا. وتجعلنا أكثر ثقة وفعالية. هذه الشخصية لا تقدر بثمن، لأنها تحولنا من أسرى لظروفنا إلى أشخاص قادرين على تصميم مصيرهم.

ولكن المثير للاهتمام في موضوع سؤال كيف أنجح في متابعة حلمي بشكل صحيح أنّه لا يمكننا خلق هذه الشخصية البارعة والتمسّك بها بمفردنا. قمت بدراسة كلتا المجموعتين أنا وزملائي ووجدنا أنّ أفراد هاتين المجموعتين يفخرون بشخصيتهم البارعة، ويحرصون على تنمية العلاقات التي ساعدتهم على الاستمرار والاستمتاع بعملهم المستقل والمتنقل. ربما كانوا كالبدو الذين يرتحلون من مكان لآخر، لكنهم كانوا بحاجة إلى قبيلة.

وثق معظمهم كل الثقة بقيمة إدامة العلاقات والارتباطات، لكنهم اعتبروه شر لا بدّ منه. لطالما أدركوا أنهم بحاجة إلى الاستمرار في القيام بذلك، وأنّ كل محادثة جديدة قد تساعد في تطوير أعمالهم أو تراجعها، وقد تتحول إلى مصدر للإيرادات أو الدعم أو خيبة الأمل. يشعرهم عدم التيقن هذا بالاضطراب دائماً.

على عكس شبكات علاقاتهم الموسعة، أشار الأشخاص الذين كانوا عينة في دراستنا إلى امتلاكهم لمجتمع ضيق، مجتمع فيه عدد محدود من الأشخاص الذين قاموا بكبح حياتهم المهنية. فكانوا بارتباطهم مع هؤلاء الأشخاص ليسوا أمام أعين الناس وغير مروّج لهم.

المجتمعات الضيقة في المسيرة المهنية

وبدلاً من المطالبة بالامتثال مقابل الأمان، تحافظ هذه المجتمعات على الإثارة في حياتنا المهنية وتبقينا في حالة من الاستقرار، ما يساعدنا في النهاية على أن نكون بارعين في حياتنا المهنية. سنشعر بالرتابة والقلق في حياتنا المهنية لو لم يوجد هؤلاء الأشخاص بقربنا. بعد النظر من خلال عملي إلى هذه المجتمعات عن قرب، وامتلاكي لمجتمع مماثل، برز أمامي ثلاث ميزات:

إنها مساحة قوة، وليست مجرد مساحة آمنة

 تشجعنا هذه المساحة على الظهور دائماً في هذا العالم، بالإضافة إلى تمكيننا من تقبل أنفسنا كما نحن. تعطينا الشجاعة وكذلك الراحة. فينتهي بنا الأمر ونحن نشعر أنّ هذا المجتمع هو بمثابة قبيلتنا الخاصة، وليس قبيلة تمتلكنا.

إنها مجتمعات مهتمة بالتعلّم، وليس فقط بالأداء

 تُمكننا هذه القبائل من المجازفة لتجربة شيء جديد، بدلاً من إجبارنا على مواصلة بذل قصارى جهدنا في عمل معين. توجد القبيلة هناك، عندما يكون ما نقوم به صعباً على وجه الخصوص ويشعرنا بالخوف ولم يظهر أي نتيجة بعد.

إنها مجتمعات تطرح الأسئلة، وليس النصيحة فقط

 تُعتبر هذه القبائل أكثر من مجرد مجموعة خبراء يعملون كمورد للمعلومات عندما تحتاجها، يطرحون الأسئلة التي تساعدنا على استكشاف جوانب كفاءاتنا وهويتنا، أو حتى توجهنا نحو مسارات جديدة.

تفيد خبرتي أنه لا يمكنك العثور على مثل هذه المجتمعات. يجب أن تبني هكذا مجتمع بنفسك.

غالباً ما ترغب مؤسسات العمل في التأثير على هذه المجتمعات. يحاول البعض تشكيل هذه المجموعات عن سابق تصميم. على سبيل المثال، من خلال إنشاء شبكات توجيه رسمية أو مجموعات تعليمية، ولكنها لن تتحول إلى مجتمعات ما لم يقرر أعضاء المجموعة أن يجعلوها كذلك. ويبقى الكثير منها مجرد شبكة، أو قبيلة تقليدية، حيث يشعر الناس بالقلق الشديد من القيام بالتحدي أو التشجيع أو طرح الأسئلة على بعضهم البعض، خشية ألا يكون مرحّب بهم.

تتوجه المؤسسات الأخرى نحو الاتجاه المعاكس، محاولة تشتيت المجتمعات الضيقة (التي يطلقون عليها اسم الصوامع) خوفاً من أن تؤدي إلى القضاء على أشكال التعاون. تقاوم هذه الأنواع من المجتمعات، بطبيعتها، مثل هذه المحاولات المسيطرة لأنها تشعرنا بالارتباط من دون أن تطلب منا التضحية بحريتنا. هي قبائل منفتحة.

ربما تكون أماكن العمل المعاصرة والتي تحتفل بالاستقلال، تؤجج النظام القبلي الذي يجعل منها مؤسسات ضعيفة. إنّ ارتباطاتنا الضعيف بمؤسسات العمل، يزيد من ضرورة العثور على قبيلة لأنفسنا. ولكن أفضل ما ذكرته هنا عنها أنها تجعلنا أكثر استقراراً وانفتاحاً. وأسوأ ما ذكرته أنها مزعجة وتحد من عقولنا.

وفي نهاية الإجابة عن سؤال كيف أنجح في متابعة حلمي بطريقة صحيحة، قد يجد القادة الذين يفتقرون إلى وجود قبيلة حولهم صعوبة في القيادة، أما القادة الذين يعملون في مؤسسات تمتلك الكثير من القبائل فقد يعانون من بعض الصعوبات أيضاً. ومع ذلك، نحن نحتاج إلى تلك المجتمعات المنفتحة، تلك القبائل المتمايزة. من دونهم، سيستحيل تذكر من نحن وتخيّل ماذا سنصبح لاحقاٌ.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي