إليك حوار مع جيريمي كينغ من شركة "بنترست" عن تأثير التجريب
عمل جيريمي كينغ في مجال التكنولوجيا قرابة ثلاثة عقود، وأمضى معظم السنوات الخمس عشرة الماضية في مساعدة الشركات على استخدام البيانات ومعرفة تأثير التجريب بغرض الارتقاء بعملية صناعة القرار. ومؤخراً، أجرى كينغ، النائب الأول لرئيس شركة "بنترست لشؤون التكنولوجيا"، حواراً مع مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" حول الفوائد المترتبة على المنهج التجريبي ونوعية الثقافة اللازمة لدعمه. وفيما يلي مقتطفات محررة من هذا الحوار:
هارفارد بزنس ريفيو: متى أصبح اختبار "أ/ب" (أ/ب) جزءاً أصيلاً من عملك؟
كينغ: عملت لدى مؤسسة "إيباي" منذ 2001 حتى 2008، وخلال النصف الثاني من فترة عملي هناك، أصبحت منصات التجريب واختبارات "أ/ب" ذات أهمية محورية. وقد ركزت الكثير من التجارب اهتمامها في البداية على محرك البحث الخاص بالشركة. وحين عملتُ لدى "إيباي"، كان هناك 100 مليون سلعة معروضة للبيع عبر الموقع، وكنا نسعى باستمرار إلى تحسين ما يُعرض للمستخدمين عندما يبحثون بعبارات وصيغ مختلفة. لم يكن هدفنا يقتصر على تحسين عملية البحث فقط، بل تعزيز دور المصادفة أيضاً. وبالنسبة لمنصات مثل "إيباي" و"إتسي" و"بنترست"، لا تحتاج إلى أن تكون وظيفة البحث دقيقة للغاية، فأنت تريد أن تشجع المستخدمين على التجول واكتشاف أشياء جديدة. لذلك سوف نُجرب نتائج بحث مختلفة، ونقيس أشياء مثل المعاملات ومعدلات النقر ووقت الاستكشاف للوصول إلى أفضل مزيج منها.
هل تحتاج الشركات إلى فرض ثقافة بعينها لكي تتميز في معرفة تأثير التجريب تحديداً؟
لكي ينجح الأشخاص في تحقيق هذه الغاية عليهم أن يلتزموا باتخاذ قراراتهم استناداً إلى البيانات. وهو ما يستوجب إجراء تغيير جذري من قِبَل معظم الشركات القائمة حالياً. ففي الكثير من المؤسسات ينفرد رأس السُّلطة أو الخبير المختص أو المسؤول المباشر بعملية اتخاذ القرار، وغالباً ما يكون قراره مبنياً على الحدس الذاتي والفطرة. أما في الشركات التي تعتمد على البيانات، فنادراً ما تسمع عبارات، مثل: "أعتقد أن...." أو "أراهن على أن....".
عندما انضممت إلى شركة "بنترست"، كان أكثر ما أثار إعجابي هو أن 65% من الموظفين قد استعلموا عن نظام البيانات الضخمة الخاص بالشركة خلال الأيام الستة الماضية. ولم يقتصر ذلك على مهندسي المنتجات أو الموظفين التنفيذيين فقط، بل أشركوا أيضاً موظفي قسم الموارد البشرية والفريق القانوني. وخلال اجتماعاتنا، إذا طرح أحدهم سؤالاً، تكون الاستجابة المعتادة هي فتح أجهزة حواسيبهم المحمولة والبحث ضمن معاملات الزبائن للوصول إلى إجابة تستند إلى البيانات، بدلاً من التخمين في إجابة قد لا تكون دقيقة.
ما مدى صعوبة تحول المؤسسات القديمة غير الرقمية إلى هذا النوع من البيئات؟
المشكلة الأولى في هذه الشركات هي عدم قدرة الأفراد على الوصول إلى البيانات. تُحب المؤسسات التحدث عن حرية تداول البيانات، إلا أن هناك عقبات مثل الخصوصية. وقد تلقيت العديد من الاستفسارات من أشخاص يعملون في مختلف القطاعات تساءلوا متشككين: "هل يجب عليّ السماح لكل موظفي الشركة بالاطلاع على كل هذه البيانات؟". تتطلب حرية تداول البيانات توجيه بعض الاستثمارات وإجراء عملية تحول ثقافي، إلا أن المنافع المُكتسبة من السماح لمزيد من الأشخاص في شركتك بالوصول إلى هذه البيانات كبيرة للغاية، نظراً لدورها في صناعة قرار أفضل.
لقد قضيت ما يقرب من ثماني سنوات في "وول مارت". صِف لنا ثقافة التجريب فيها.
ما زال الموظفون يتحدثون في "وول مارت" عن المتجر رقم 8 الذي كان سام والتون قد استخدمه عندما أراد تجربة طريقة جديدة. وما زالت ممارسة اختيار عدد قليل من الأماكن التي يتم فيها تجريب طرق جديدة مستمرة: تمتلك "وول مارت" ما يقرب من 10 متاجر مخصصة للتجريب، بمعدل متجر واحد على الأقل في كل منطقة. وعادةً ما تشتمل التجارب على عناصر مثل مخططات الطوابق والأجهزة التفاعلية. وخلال فترة عملي لدى الشركة، أجرينا اختباراً في متجر يحتوي على ممرات للدفع الذاتي ويخلو من الصرافين. ولك أن تتخيل أن التجريب في المتجر المادي أبطأ بكثير من نظيره في البيئة الرقمية. وقد تأثرت ثقافة "وول مارت" ببائعيها الذين يمتلكون خبرة واسعة إلى حدّ أنهم يعتمدون في معظم الأحيان على فطرتهم الغريزية أكثر من اعتمادهم على البيانات. قد ينجح هذا النهج الغريزي في تحقيق نتائج إيجابية، ولكن إلى حين، وخاصة عند العمل على نطاق واسع وإطلاق آلاف المنتجات الجديدة يومياً، كما هو الحال في Walmart.com، إذ تتضاءل قدرة الفرد على فهم كل عنصر جديد يندرج تحت فئة معينة وحجم مبيعاته في كل منطقة. لذلك يُفضل ترك هذه المهمة للكمبيوتر.
هل يتعين عليك توظيف نوعيات مختلفة من الأفراد لدعم الثقافة القائمة على التجريب؟
لا أظن أن المسألة تستلزم اتباع نهج مختلف في التوظيف، بل تتطلب نوعاً مختلفاً من إعداد الموظفين الجدد. تشتهر شركات، مثل "جوجل" و"فيسبوك" و"بنترست" بعملياتها طويلة الأجل لإعداد الموظفين الجدد. لدي أصدقاء في شركة "فيسبوك"، حيث يقضي الموظفون الجُدد أسبوعين كاملين في مطالعة البيانات كي يتفهم كل منهم نوعية البيانات المتاحة، وآلية الوصول إليها، والطرق المثلى للاستفادة منها في دعم صناعة القرار. وهذا النوع من التدريب يتطلب استثمارات ضخمة.
هل يُمكن للشركات أن تُركز على التجارب بصورة أكبر إلى الحد الذي يُبطئ حركة صناعة القرار؟
لدينا شيء من هذا النقاش الداخلي في "بنترست". ولتجنب اعتراض التجارب لمسار صنع القرار، نتبع تقنية تُطلق عليها تسمية "الممتنعون". لنفترض أن حدسك الداخلي يقول لك إن تغييرات معينة في الموقع ستكون لها آثار إيجابية، وتشعر بثقة كبيرة في هذا، نلجأ أحياناً - بدلاً من الانتظار أسبوعين لإجراء اختبار أ/ب- إلى القيام بالتغيير على الفور لنسبة 99% من المستخدمين، ونستثني 1% من المشتركين في الموقع من هذا التغيير. ثم نُجري اختباراً للتأكد أن تجربة نسبة 99% تتجاوز تجربة المجموعة الصغيرة التي استثنيَت. وهذا يسمح لنا بإجراء التغيير بشكل فوري، ولكن يبقى علينا اختباره أيضاً للتأكد من صحة حدسنا.
هل تشعر بالقلق حيال ما إذا كانت تكاليف جميع هذه التجارب تستحق الاستثمار؟
تُعتبر عملية التجريب مكلفة نسبياً، إلا أن تأثير التجريب يستحق العناء المبذول فيها، كما إنها تحقق مكاسب كبيرة. سبق أن أجرينا، في "بنترست"، على سبيل المثال، بعض التجارب لدراسة مدى قدرة تعلم الآلة على اكتشاف المحتوى الذي يتعارض مع المبادئ التوجيهية لمجتمعنا. كما أنشأنا نظاماً جديداً يُظهر زيادة بنسبة 20% في القدرة على اكتشاف مثل هذا المحتوى. لا توجد طريقة مُحددة تُمكننا من الحصول على هذا النوع من التحسين دون اختبار منهج مقابل آخر، والقيام بذلك مرات كثيرة. فعلى سبيل المثال: طورنا تقنيات تعلم الآلة بغرض تحديد المحتوى المسيء وإخفائه، وبالتالي تضاءلت نسبة هذا المحتوى في "بنترست"، وتراجعت البلاغات المقدمة من المشتركين بنسبة 88% مقارنة بالعام الماضي. وإذا أبلغ أحدهم عن وجود محتوى مسيء، فإننا الآن أسرع ثلاث مرات في التخلص من هذا المحتوى، ما يعني انخفاض عدد الأشخاص الذين اطّلعوا عليه. وكان الفضل في ذلك للتجارب التي ساعدتنا في تحقيقه.
هل هناك خطر محتمل أن يكون اختبار أ/ب هو مجرد بدعة أخرى؟
لا أعتقد ذلك. لقد بدأت استخدام هذا المنهج في عام 2004، وبذلك يكون قد مرّ عليه 15 عاماً بالفعل، وما زال تأثير هذه التقنيات يزداد قوة. فقد أصبحت المنصات المستخدمة لإجراء هذه التجارب متاحة على نطاق واسع وأكثر كفاءة. وأتوقع أننا بمرور الوقت سنرى في أغلب الشركات مزيداً من قرارات الأعمال المتخذة من خلال إجراء التجارب ومعرفة تأثير التجريب عليها.
اقرأ أيضاً: