سؤال من قارئ: حضرت الشهر الماضي جلسة مراجعة الأداء السنوي لتقييم أدائي. لقد كان عاماً حافلاً بالإنجازات الناجحة بالنسبة لي، غير أن لجنة التعويضات التابعة لشركتي لم تكافئني بسوى التشجيع والتحفيز على مواصلة العمل الجيد. وكان لذلك أثر سلبي عليّ، إذ ما زلت أعمل مع شركتي منذ تسع سنوات. لذلك، قررت البحث عن فرص عمل أخرى، ولفت نظري أحد عروض العمل. إن قبولي هذا العرض يعتبر بمنزلة ترقية كبيرة في المسؤولية والمسمى الوظيفي والأجر. كما أنه سيجمعني مع مرشد سابق. حصلت على العرض وأرسلت إلى مؤسستي إشعاراً بترك العمل. وكان مديري والرئيس التنفيذي غير سعيدين بقراري. وقدما لي عرضاً مضاداً بعد العديد من المناقشات المتتالية. أعلم أن العرف السائد بين الأفراد لا يشجع على قبول العرض المضاد، إذ سينتابك شعور عدم التقدير مرة أخرى عاجلاً أم آجلاً، إلا أن مديري والرئيس التنفيذي سمحا لي بصياغة الوصف الوظيفي بنفسي. ورافق ذلك علاوة ضخمة ومكافأة للأداء الأعلى، ولهذا فسؤالي هو:
هل من الجنون قبول هذا العرض المضاد والبقاء في الشركة؟ إن التوازن بين العمل والحياة مثالي لدي. كما أن علاقتي جيدة مع زملائي. سأتقاضى أجراً أكبر بكثير مقابل أدائي المهمات التي تحمسني للعمل في حال بقائي في الشركة، غير أن المشورة حول العرض المضاد لا تزال تتردد في ذهني. هل سأشعر بالندم في حال قبولي هذا العرض المضاد؟
يجيب عن هذه الأسئلة:
دان ماغين: مقدم برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
أليسون بيرد: مقدمة برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
لي طمسون: أستاذة المفاوضات في كلية "كيلوغ للإدارة" في جامعة "نورث وسترن".
لي طمسون: إن الأمر الذي قاد كاتب السؤال إلى شعوره بالاستياء هو ذلك التشجيع على أدائه دون حصوله على مكافأة مالية. ومن ثم يشير إلى بعض الموارد غير الملموسة الرئيسة في وظيفته الحالية. إنه يحب الأشخاص الذين يعمل معهم، كما أنه يشعر بتوازن جيد بين العمل والحياة، وسيحصل على أجر مادي كبير مع هذا العرض المضاد. ولا يحقق الموظفون عادة هذا الانتصار المبهر. لذلك أعتقد أن الوضع جيد حقاً هنا. لقد عمل مدة 9 سنوات، لديه الكثير من التاريخ المهني في هذه الشركة. إن حقيقة عمله مدة تسع سنوات يعني أنه يؤدي مهماته على نحو جيد. لكن شخصاً ما أفسد الأمور في السنة التاسعة، ومن ثم خاب ظن كاتب السؤال بهم وقرر أن يخطو هذه الخطوة الهامة، وقدّم إشعاره بترك العمل. وكانت الخطوة الحاسمة هي أن يقول: لقد حصلت على عرض عمل خارجي، وأحببت هذا العرض جداً. غير أنني أحب الأفراد الذين أعمل معهم هنا. وأتساءل ما إذا كنت تريد الرد؟
أليسون بيرد: وهل تعتقدين أن هذا النهج ناجع؟ أعتقد أن صاحب العمل الحالي قد شعر بتهديد أقل.
لي طمسون: إن السعي والحصول على عرض خارجي ومن ثم تقديم أوراق الاستقالة في الشركة يضع كلا الطرفين في موضع نزاع. أليس كذلك؟ لقد وضع الشركة في موقف صعب ولا بد لهم من الاستجابة.
دان ماغين: إن العرف السائد بين الأفراد لا يشجعهم على قبول عرض مضاد. لماذا يعتقد الأفراد ذلك؟ ما مصدر هذا العرف؟
لي طمسون: أنا أشك في صحة هذا العرف. ولن أؤيد فكرة عدم قبول الموظف للعرض المضاد من شركته لمجرد أن العرف السائد بين الأفراد لا يشجع قبوله، وأسمي هذا تأثير مطاردة قوس قزح. وأتساءل عما إذا كانت الوظيفة الجديدة قادرة بالفعل على تقديم مزايا أفضل للموظف، إذ كما تعلمون قوس قزح ليس موجوداً.
دان ماغين: لقد نشرنا بحثاً في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" يشير إلى أن 50% من الأشخاص الذين يقبلون عرضاً مضاداً ينتهي بهم الأمر بترك العمل في الشركة خلال العام المقبل بعد أن يكونوا قد مروا بكل تلك المراحل من السعي والعثور على وظيفة وإجراء مقابلة عمل والحصول على عرض. أعني أنهم حققوا بالفعل هذه القفزة العقلية، وتصدعت علاقتهم بالشركة، وسيغادرون في مرحلة ما على أي حال بمجرد قبول العرض المضاد.
لي طمسون: أنا أفكر أيضاً في مبدأ التنافر المعرفي الشهير، إذا بعد العزم على ترك العمل في الشركة وقضاء ساعات وساعات في إعداد السيرة الذاتية والحصول على عرض عمل آخر، ثم عدم المضي قدماً والسير نحو المستقبل، يجعل الأمر يبدو وكأنه مضيعة كبيرة للوقت.
أليسون بيرد: لقد نشرنا بالفعل مقالة أجرتها شركة "هيدريك آند ستراجلز" (Heidrick & Struggles) حول هذا الموضوع. وشملت المقالة استبانة لكبار المسؤولين التنفيذيين وقادة الموارد البشرية الذين يعتقد 40% منهم بتأثر المسيرة المهنية للشخص الذي يقبل عرضاً مضاداً بشكل سلبي بسبب تضاؤل الثقة بينه وبين المدير المباشر وبين المؤسسة، حيث يشعر الموظفون بالابتزاز بشكل أساسي.
دان ماغين: ويوجد بعض الشركات التي تتبع سياسات شاملة تمنعها من تقديم عروض مضادة لأي شخص لتجنب هذه المشكلة بالتحديد. حيث تنطوي سياستهم المتبعة في حال حصل شخص ما على عرض آخر على تهنئة الموظف وتمني الخير له وعدم التحدث حول الموضوع.
لي طمسون: تحاول الشركات التي لا تبدي أي رد فعل تجاه هذا الموضوع تجنب حرب المزايدة هذه، لأنه إذا شاع خبر داخل الشركة أن الطريقة الوحيدة للحصول على علاوات مغرية هي توليد عروض مضادة، فأنا أشجع هذا النوع من السلوك. وأعتقد أن الموقف من وجهة نظر الموظف سيكون قائماً على العلاقة، حيث سيتعين عليه التفكير في كيفية بناء شعور الثقة المتبادلة من جديد.
أليسون بيرد: لكن أعتقد أن الخبر السار لكاتب السؤال يتمثّل في عدم شعور المدراء في الشركة بتهديد العلاقة بينهم وبين الموظف، بل يريد المدير منه البقاء بالفعل. وقد قدموا له عرضاً مذهلاً.
دان ماغين: أشعر بالتفاؤل تجاه قبوله العرض المضاد، إذ يبدو أن المشكلة الحقيقية الوحيدة التي كان يعاني منها في وظيفته الحالية هي مسألة التعويض المالي، وأعتقد أن من السهل حل هذه المسألة. إلا أنني أشعر بالقلق إزاء موظف ما يحاول الاستفادة من عرض معين مع وجود علاقة سيئة مع مديره، أو عند طلبه الحصول على المزيد من الإجازات، أو رغبته في أداء المزيد من المهمات سهلة التنفيذ. أعتقد أنه ينبغي قبول العرض وفقاً للشروط الواردة في العقد، وليس وفق الوعود الوردية التي تعد بتغيير هذا البند وذاك في غضون ستة أشهر من الآن. ومن الصعب حقاً جعل الموظفين يقبلون ذلك. أظن أن هذه المسألة تبدو أشبه بالفرق بين اللون الأبيض والأسود، كما أن حقيقة أن الأمر يتعلق في التعويضات المالية يجعلني أعتقد أنه من الأسلم قبول العرض المضاد.
أليسون بيرد: لقد شهدت بالتأكيد استغلال بعض الأصدقاء والزملاء العروض المضادة، بغية الحصول على ما يحتاجون إليه في وظائفهم، سواء أكان تولي مسؤولية أكبر أم تقاضي أجر أعلى أم الحصول على مكافأة أكبر، وينجحون في الواقع في البقاء في شركاتهم فترة طويلة جداً، ويشعرون بالسعادة بعد ذلك أيضاً.
لي طمسون: عندما قرأت سؤاله قال إن لجنة التعويض في الشركة التي من تسببت في إزعاجه. وقد تكون لجنة التعويضات هذه مجموعة من البيروقراطيين، ولا يبدو أن مديره مسؤول عن هذه اللجنة.
أليسون بيرد: يبدو أن مديره والرئيس التنفيذي للشركة يريدان منه البقاء.
لي طمسون: وهذا ما يفسر استجابتهم السريعة لإشعار ترك العمل. وأعتقد أن هناك ما يكفي من التاريخ المهني الطويل الذي يمكنهم من تجاوز هذه المحنة معاً، كما أنني لا ألتمس في رسالته شعور القلق. لا أعتقد أنه قلق من تهديد العلاقة بينه وبين المدير والرئيس التنفيذي. بل أعتقد أنه يفكر أن الوضع في المستقبل قد يكون مماثلاً. إنه مجرد تخمين فقط.
لي طمسون: لقد قدموا له علاوة كبيرة، لكنه أظهر لهم عزمه على ترك العمل من خلال تقديم أوراق استقالته، وطلبوا منه التراجع عن قراره.
دان ماغين: ما الذي ينبغي له أن يقول لمرشده السابق حيال رفضه عرض العمل الجديد إذا افترضنا أنه سيقبل العرض المضاد؟
لي طمسون: أعتقد أن ما يجب أن يقوله للمرشد السابق هو ما يلي: لقد كان هذا القرار أصعب قرار اتخذته على الإطلاق. أنا لا أعرف بكل صراحة ما إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح. لقد عملت مع الشركة فترة طويلة وعلاقتي جيدة معهم، كما أنهم استجابوا لإشعاري بترك العمل بطريقة صادقة للغاية، وشعرت أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به. لكن لا أحد يعرف ما قد تحمله الأيام لنا، وأنا أقدر بعمق منحي هذه الفرصة.
أليسون بيرد: لقد حدث هذا الموقف بالضبط مع صديق لي ولم يتفهم المرشد موقفه. هل هناك أي شيء إضافي يجب عليه القيام به عند إبلاغ شركته بقبول العرض المضاد، بهدف جعل العلاقة سلسة، وطمأنة الإدارة أنه لن يكرر هذا النمط مرة أخرى؟
لي طمسون: أعتقد أنه ينبغي أن يقول: أنا أقدر مدى سرعة استجابتكم لإشعاري بترك العمل بالغ التقدير، وهذا يعني لي الكثير. ثم أعتقد أن عليه أن يؤكد ذلك مجدداً بقوله: أنا أحب هذه الشركة، وأحب الموظفين وأحب العمل وأحب المسؤولية. وقد يكون من الجيد أن يقول: لقد اتخذت خطوات سريعة لأنني تأثرت قليلاً بالأحداث التي حصلت. أعتقد أننا على وفاق الآن، وأنا أتطلع حقاً إلى العمل في مشروع العام المقبل وتحقيق الإنجازات الرائعة معاً، وسأكون معكم بكل جوارحي.
دان ماغين: نعتقد أن القرار واضح هنا نسبياً. نعتقد أنه يجب عليه قبول العرض المضاد والبقاء في الشركة التي تشعره بالسعادة. لقد كانت القضية الحقيقية هنا هي الرغبة في الحصول على علاوة في الأجر، وقد حقق العرض المضاد رغبته. لكن لا نعتقد أن كاتب السؤال أحسن التصرف تماماً هنا. أولاً، ربما كان من الأجدر به إجراء محادثة مباشرة مع مديره قبل البحث عن وظيفة ليخبره عن استيائه من العلاوة المنخفضة المقدمة من قبل لجنة التعويضات. وهذا من شأنه أن يوفر الكثير من الوقت ومن تصعيد الأمور. ثانياً، بدلاً من الاستقالة من وظيفته فعلاً وتقديم إشعار بترك العمل، كان من الممكن أن يقول لمديره: لقد حصلت على عرض عمل خارجي، هل ترغب في تقديم عرض مضاد؟ ونعتقد أنه من المهم في هذه المرحلة إجراء محادثة صادقة ومخلصة مع المرشد السابق الذي قدم لك عرضاً حول سبب عدم قبولك العرض، وبعد ذلك إجراء محادثة شكر مع صاحب العمل الحالي، وقبول العرض المضاد والتمتع بالمسؤوليات الجديدة والزيادة الجديدة في الأجر، ونأمل أن يسير كل شيء على ما يرام.