أصبحت تقنيات المراقبة في وقتنا الحالي غير مكلفة بشكل متزايد ومتوسعة بشكل مذهل؛ ما سهل الأمر على المدراء أكثر من أي وقت مضى لمراقبة الموظفين في العمل بشكل مكثف. تتنوع هذه التقنيات من الكاميرات التي يمكن ارتداؤها والدوائر التلفزيونية المغلقة إلى بطاقات الهوية التي يمكن تتبعها وبرامج مراقبة لوحات مفاتيح الحواسيب. أصبح بإمكان المدراء في البنوك والمستشفيات وإدارات الشرطة ومراكز الاتصال ومنافذ البيع بالتجزئة، الذين يريدون معرفة ما يمكن أن يصل إليه الموظفون، القيام بذلك بسهول الآن.
يعد الهدف الإداري من مثل هذه المراقبة المتزايدة واضحاً: ضمان سوء تصرف أقل وأداء أفضل. لكن ما هو أقل وضوحاً هي السلوكيات الأخرى التي قد تعززها مثل هذه المراقبة. تشير أبحاثنا، المستندة إلى مقابلات أُجريت مع 89 موظفاً في إدارة أمن النقل الأميركية ومدرائهم بعد مرور عقد من الزمن على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، إلى أنه يمكن أن تؤدي المراقبة المتزايدة إلى حلقة من المراقبة القسرية المتزايدة. في نهاية المطاف توصلنا إلى أنه ربما يكون أرباب العمل غير مدركين أنّ آثار المراقبة (التي غالباً ما تكون غير ضارة نسبياً) قد تتجاوز إلى حد كبير الأسباب الأولية التي دفعتهم لمراقبة الموظفين.
وقبل بدء دراستنا مباشرة في العام 2011، تم تثبيت كاميرات مراقبة جديدة في جميع نقاط التفتيش بالمطارات؛ لتغطي تقريباً جميع المواقع المختلفة التي يتمركز بها الضباط، بدءاً من فحص وثائق المسافرين إلى تشغيل آلات مسح الجسم الإلكترونية. لم تكن هذه استجابة مباشرة لقضايا الأمن القومي، لكن هذه الزيادة في المراقبة كانت ناجمة جزئياً عن شكاوى المسافرين المتكررة من فقدان أمتعتهم في أثناء عمليات الفحص. وقبل ذلك بسنتين، كانت إدارة أمن النقل قد تلقت أكثر من 7,000 شكوى حول فقدان ممتلكات الركاب من الأمتعة المسجلة وعند نقاط التفتيش.
ومن المنطقي إذن أن يقرر المدراء تثبيت كاميرات لضبط الموظفين في أثناء السرقة أو للإثبات للمسافرين أنّ السرقة لم تُرتكب بواسطة الموظفين في نقاط التفتيش. وكان العديد من ضباط ومدراء إدارة أمن النقل يشتبهون في حدوث السرقات بمكان آخر، مثل عندما يتعامل طاقم شركة الطيران وليس ضباط إدارة أمن النقل مع أمتعة المسافرين.
ولكن حتى لو كان المدراء يخططون أن تحمي جهودهم في المراقبة الموظفين من الاتهامات الباطلة، فإنّ المشاعر السائدة التي أعرب عنها موظفو إدارة أمن النقل عكست أنّ المدراء كانوا يراقبونهم للتحكم بهم والتأكد من أنّ كل شيء بسيط يفعلونه كان يتم كما هو مخطط له بالضبط وبدقة. أعرب ضباط إدارة أمن النقل عن شعورهم بالمراقبة المستمرة من مدرائهم. على سبيل المثال، أوضح أحد الضباط قائلاً: "إنهم ’الإدارة’ يريدون رؤية ما تفعله وأنت جالس على هذا الكرسي ـ ويريدون رؤية ما تفعله عندما تجلس أمام هذا الحاسوب، ويريدون رؤية ما تفعله عندما تشغل هذه الآلة...". واستخدم الضباط كلمات مثل "الأخ الأكبر" و"التجسس" للتعبير عن كيفية مراقبة المدراء لهم؛ ما يؤكد بقوة أنهم بالفعل لم يعجبهم شعور مراقبتهم باستمرار.
لكن في الوقت ذاته، أعرب الضباط أنهم على الرغم من مراقبتهم باستمرار، لم تتم ملاحظتهم قط. في البداية اعتقدنا أننا أسأنا فهمهم وكان من شأننا أن نسأل "ألم تقولوا للتو أنكم شعرتم بمراقبتكم باستمرار"، ومن شأنهم أن يجيبوا عنا قائلين "نعم"، لكن "مراقبتهم" لم تعنِ "ملاحظتهم" ببساطة. في الواقع، كلما راقب المدراء كل خطواتهم، شعر الضباط أنهم لم يعد يمكن اعتبارهم متميزين وفريدين. تحدث الضباط عن عدم النظر إليهم كـ"أشخاص" في العمل. في الواقع، اعتقد الموظفون أنهم يتم النظر إليهم كأفراد فقط عندما يقومون باقتراف خطأ أو عند وضع شارات بطاقات هوياتهم بطريقة خاطئة. وقال أحد الضباط إنه شعر كأن المدراء "يبحثون عن أعذار لتوقيع عقوبات مخففة عليك".
وفي ظل هذه الظروف، شعر الضباط أنّ أفضل طريقة للتعامل مع سياق العمل هذا كانت هي محاولة المشاركة في ما نطلق عليها ممارسات الخفاء. فعلوا ذلك أولاً من خلال بعض التحايل على أنظمة المراقبة بأساليب بارعة، إذ ذكر بعض الموظفين أنهم كانوا يذهبون إلى دورات المياه كثيراً أو يستغرقون وقتاً أطول قليلاً في السير بالمناطق غير المراقبة بين أوقات المهام الموكلة لهم.
ثانياً، حاول الضباط أيضاً ألا تتم ملاحظتهم كثيراً، إذ قال أحد الضباط: "قد يتم لفت نظرك لأسباب خاطئة؛ لذلك كنت أفضل أن أؤدي وظيفتي فحسب وأعود لمنزلي بدلاً من أن تتم ملاحظتي كثيراً، ثم ربما أقع في مأزق بسبب شيء ما لاحقاً".
وأضاف الضابط قائلاً: "من الصعب أن تتم ملاحظتك كعامل جيد. فهناك أشخاص يؤدون وظائفهم بشكل أفضل من غيرهم، وأحياناً لا تتم الإشادة بك بسبب ذلك؛ لذلك في معظم الاوقات لا يهم حقاً أن تتم ملاحظتك؛ لأنه أحياناً يكون من الأفضل ألا تتم ملاحظتك وألا تجعل الآخرين يعلمون أين أنت". ويعني البعد عن الملاحظة استخدام أساليب مثل عدم ذكر تفاصيل حياتك الشخصية في العمل. وبالتالي لا يحصل المدراء على أية معلومة شخصية أو خاصة ليتذكروها، إضافة إلى ذلك، تجنب المحادثات مع المدراء من أجل أن يتركوك وحدك وتظل مجهولاً.
وما يثير السخرية من ممارسات الخفاء هذه، أنه يسعى الموظفون المشاركون فيها إلى الحصول على بعض الراحة مما يفسرونه كمراقبة قسرية. ولكنهم كلما فعلوا ذلك أكثر، يمكن أن يلاحظ المدراء أنّ موظفيهم كانوا يحاولون الهروب من أنظمة المراقبة. ونظراً لأنه كان من الصعب على المدراء التعرف على الموظفين كأفراد؛ أصبح انعدام الثقة بين الطرفين خارجاً عن السيطرة. ونتيجة لذلك، اعتبرت الإدارات أنّ إضافة المزيد من إجراءات المراقبة أمراً يمكن تبريره.
وهذا هو ما نسميه دورة المراقبة القسرية: أي زيادة في المراقبة الإدارية التي يمكن تفسيرها بواسطة الموظفين كجهود مراقبة قسرية؛ ما يعزز ممارسات الخفاء بين الموظفين التي تؤدي في ما بعد إلى انعدام ثقة المدراء في موظفيهم ويسمح للمدراء بالشعور أنهم محقون في طلب المزيد من أنظمة المراقبة.
وبالطبع، لا تتعثر جميع الشركات في هذه الدائرة، وإذا كان يمكن أن يدرك المدراء مقدمات العواقب غير المقصودة للمراقبة المتزايدة، قد يساعدوا في تعطيل هذه الآليات. ولكن ينبغي لهم توقع أنه ربما تؤجج المراقبة المتزايدة حدوث ممارسات الخفاء أيضاً. وذكرت بعض دوائر تطبيق القانون بالفعل أنّ ضباط الشرطة ينسون أو يغلقون كاميراتهم القابلة للارتداء عندما يُفترض بهم أن يشغلوها. وفي القرن العشرين، استفادت بعض المصانع من تقنيات المراقبة لتنسيق إضرابات العمال بحيث تتم في أوقات التوقف عن العمل. وفي القرن الواحد والعشرين، ربما نشهد حدوث عواقب في أماكن العمل الخاضعة للمراقبة المشددة. فبدلاً من القدرة على التعامل مع المشاركين في الإضرابات وكشفهم عبر الكاميرات، قد يلجأ العمال في وقتنا الحالي إلى الاختفاء عن مرأى الجميع.