ابتكارات ثورية تغير قواعد اللعبة

4 دقائق

لماذا لا تصمم الأبقار رقصات خاصة بها؟ ولماذا لا تخترع التماسيح قوارب سريعة؟ هذان سؤالان طرحهما كلٌّ من الملحن أنطوني براندت، وعالم الأعصاب ديفيد إيغلمان، واستهلا كتابهما الجديد "الكائنات المنقرضة" (The Runaway Species) بالإجابة عنهما في أول فصوله. فبحسب ما جاء في الكتاب لا تستطيع الحيوانات أن تضاهي براعة الإنسان، وهو ما يعزوه المؤلفان إلى "آلية تطورية في الخوارزميات التي تعمل بها أدمغتنا"، كما أننا مختلفون لأننا ننظر إلى العالم متفكرين فيما يمكن أن يتحول إليه، ولا نكتفي بتأمل ما هو عليه على أرض الواقع، نذهب بتفكيرنا إلى التساؤل: ماذا لو..؟ وبذلك يمكننا أن نصنع مستقبلنا بأنفسنا، ولك أن تتأمل العالم الذي صنعناه عبر العصور من اللغات وعلم الحساب، العجلة والمحراث، الأمصال والعقاقير الدوائية، السينما وناطحات السحاب، الأقمار الصناعية والهواتف الذكية.

وبالطبع، حتى الأفكار التي جادت بها وطوّرتها قرائح ألمع العقول لم تؤدّ إلى تقدم ملموس على هذا المستوى إلا في أحوال نادرة، إذاً، ما هي الاختراعات التي كان لها أكبر الأثر، ولماذا؟ وما الذي تستطيع تعليمنا إياه حول الابتكارات الثورية التي تغير قواعد اللعبة؟ وكيف سيطور العلم والتكنولوجيا حياتنا ويحدثان ثورة فيها بعد ذلك؟

تلقي بقية فصول الكتاب الضوء على هذه القضايا، على نحو ما تقدمه ثلاثة كتب أخرى صدرت مؤخراً: كتاب "تبسيط الكهرباء" (Simply Electrifying) من تأليف رجل الصناعة المخضرم كريغ روش، الذي يتناول التاريخ الكامل للكهرباء، وكتاب "خمسون اختراعاً شكّلت الاقتصاد الحديث" (Fifty Inventions That Shaped the Modern Economy) من تأليف الاقتصادي تيم هارفورد، الكاتب في صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات القصيرة حول عدد من الموضوعات بدايةً من البلاستيك وصولاً إلى سجلات الممتلكات، وكتاب "سونيش" (Soonish) لعالمة الأحياء كيلي وينرسميث وزوجها رسام الكاريكاتير زاك، ويلقيان فيه نظرة متعمقة وفكاهية في بعض المواضع على 10 مجالات بحثية ناشئة (كالتعدين الفضائي، والمواد القابلة للبرمجة، وواجهات الدماغ - الحاسوب (BCI).

وفيما يمكن وصفه بالحصافة، لم يحاول أي من المؤلفين الإجابة عن السؤال الأول: أي من الابتكارات كان أو سيكون له أكبر الأثر؟ وفيما إذا كان السفر إلى الفضاء جاء نتيجة ابتكار المصباح الكهربي والمحرك البخاري، وما إذا كان محرك البحث جوجل مادة لمناظرات الفلاسفة، لأن استكشاف الأسباب التي أدت ببعض الأفكار دون غيرها إلى إحداث تحول في الأعمال والثقافات والمجتمعات سيكون ذا فائدة أكبر.

قد تؤدي قراءة سريعة للكتب الأربعة إلى الاعتقاد بأن الاختراعات المميزة تبدأ وتنتهي بعبقري واحد، إذ تكررت الإشارة إلى بيكاسو في كتاب براندت وإيغلمان، وعنوَن كريغ روش عدة فصول من كتابه بـ "طائرة بنجامين فرانكلين الورقية"، و"تلغراف صمويل مورس"، و"توماس إديسون والمصباح الكهربي"، أما كتاب هارفورد فقد نزع إلى التركيز على الأشخاص الذين استند إليهم في أفكاره الاقتصادية، ثم كتاب الزوجين وينرسميث الذي تضمن عدة لقاءات مع طائفة من العلماء المشهورين بأفكارهم الغريبة.

لكن القراءة المتأنية تكشف عن التركيز على التعاون مع الآخرين، وتلاقح المعارف بين الخبراء في مختلف التخصصات والباحثين والتقنيين ورواد الأعمال والممولين والقطاعين العام والخاص، وهو ما أقره كتاب براندت وإيغلمان بتأكيدهما أن "الإبداع سلوك اجتماعي في جوهره"، وكما تنتج الأعمال الفنية العظيمة من "تطويع وتحويل ودمج" أعمال سابقة، فإن "التقنيات الرائدة... تنتج عن المخترعين الذين يبحثون بين أفضل أفكار الأشخاص الذين يعتبرونهم مثلاً أعلى يقتدون به". (وهذا النقاش مدعوم بوسائل بصرية ممتعة).

يتفق الزوجان وينرسميث تمام الاتفاق، في قولهما إن "القفزات الواسعة غير المتتابعة، كما في الليزر والكمبيوتر، تعتمد غالباً على تطورات غير ذات صلة في مجالات مختلفة"، ويشرح روش في أحد الفصول الأكثر إقناعاً كيف ربط جورج وستنغهاوس خبرته في الأعمال التجارية مع علم نيكولا تيسلا "العبقري غير التقليدي" لبناء نظام توليد الطاقة بالتيار المتردد على نطاق تجاري، ثم يحين دور هارفورد الذي أشار في كتابه إلى أن تكنولوجيا آيفون لم تكن لتكتب لها الحياة لولا عدد من التجارب التي أُجريت بتمويل حكومي.

تتمثل إحدى الأفكار الرئيسية لهذه الكتب في شجاعة خوض المخاطر وتحمل الفشل، حيث يرى هارفورد أن أفضل طريقة لتشجيع الابتكار المستقبلي قد تتمثل ببساطة في إتاحة الفرصة أمام "الأشخاص الأذكياء للانغماس في فضولهم الفكري دون فكرة واضحة حول ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الفضول". بينما يشيد روش بالرجلين اللذين فسرا الكهرومغناطيسية واستخدماها، وهما "محترف التجارب" مايكل فاراداي، و"عبقري الرياضيات" جيمس كليرك ماكسويل، بسبب "استعدادهما لسلوك طريق يتعارض مع النظريات المقبولة في عصرهما".

يتحدث براندت وإيغلمان عن اختبارات الأخوين رايت لـ 38 سطحاً مختلفاً لجناح الطائرة، وعن جيمس دايسون والنماذج الأولية للمكنسة الكهربية البالغ عددها 5,127 نموذجاً، ويقتبسان من إديسون جملته الساحرة: "عندما تستنفد كافة الاحتمالات، تذكر أنك مخطئ ولم تستنفدها بعد"، في إشارة إلى أن الفكرة ليست مجرد تحمل الفشل بل توقعه أيضاً، ولأنك توصلت إلى العديد من الاحتمالات، فهذا سيعني أن بعضها يجب أن يخفق قبل أن يبرز الاحتمال الأفضل.

يحفل كتاب "سونيش" بالمقتطفات التي تسجل هذه الروح على الوجه الأمثل، حيث يشرح كل فصل هدفاً معقداً، والتقنيات المختلفة التي يتم تطويرها لتحقيقه، فمثلاً، يعمل العلماء على ستة احتمالات لخفض تكاليف السفر إلى الفضاء، وهي: الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، والصواريخ/المركبات الفضائية النفاثة، والمدافع الخارقة "mega-superguns" القادرة على إطلاق الصواريخ، والإشعال بالليزر، والإطلاق من ارتفاع شاهق (عبر ميناء فضائي أو منطاد أو طائرة)، والمصاعد/ الحبال الفضائية. ولن يتبين أي من تلك الأفكار سيُكتب له النجاح (إن كان أحدها صحيحاً) إلا بمرور الزمن.

تتضمن التوصيات المنبثقة من هذه الكتب فهم ما يسميه روش "احتياجات وشواغل" وقت المرء، وتوفير فرص تعليمية متكافئة تتمحور حول التدريب على حل المشكلات، وتنظيم مسابقات في الابتكار، وضخ مزيد من الاستثمارات في العلوم البحتة، و"إعادة هيكلة" اللوائح التنظيمية (وهي مهمة ليست باليسيرة).

أخيراً، يشدد كل هؤلاء المؤلفين على أهمية النظر إلى الابتكار من خلال ما يسميه روش "عدسة واسعة الزاوية" تتضمن النشوء والتطوير والنتائج. وكما يوضح هارفورد، فإن "الاختراعات تشكل حياتنا بطرق غير متوقعة، وفي حين أنها تمثل حلاً لمشكلة شخص ما، فإنها غالباً ما تصنع مشكلة لشخص آخر"، ولذلك "من المنطقي- مع أي فكرة جديدة- أن نسأل أنفسنا على الأقل: كيف يمكننا تحقيق أقصى استفادة ممكنة والحد من المخاطر؟"، وهو ما فعله الزوجان وينرسميث، فمع كل تقنية يتحدثان عنها، يحددان أيضاً "الطرق التي قد تجعلها تفسد كل شيء، والطرق التي قد تجعلها تنهض بكل شيء".

إن البشر مشدودون للبحث عن كافة أشكال الحداثة وصورها، ولكن يمكننا دائماً استهداف الأفكار التي من شأنها أن تنفع أكثر من أن تضر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي