قد يبدو أن مؤسسي الشركات مناسبون تماماً بطبيعتهم لبرامج إدارة التغيير، فهم بارعون في الإقناع، ويمتلكون الرؤى الثاقبة، كما أنهم ينتبهون للفرص ويقتنصونها سريعاً. إذ نجح رواد الأعمال في اقتحام المجالات المختلفة واحداً تلو الآخر، بدايةً من شركات الطيران إلى المركبات، ومن أجهزة التلفاز إلى سيارات الأجرة. وتمثل هذه السمات شريان الحياة لريادة الأعمال واقتحام الأسواق، في حال وُجهت بشكل سليم. لكن ما هي الأسباب المؤدية إلى فشل الشركات الناشئة في التغيير؟
مع الأسف، عندما يحاول المؤسسون تطبيق هذه المهارات التي يمتلكونها على شركاتهم الخاصة، فإنهم غالباً ما يخفقون في ذلك. فيبدو أن مميزات اقتحام المجالات التجارية، تمثل في حد ذاتها المعوقات التي تواجه مدراء التغيير المؤسسي. فنجد أن بعض الخصائص الضرورية لقيادة الشركات خاصةً عبر مراحل التحول الأساسيّ - مثل الصبر، وبناء التوافق، والالتزام بالإجراءات الدقيقة - قد لا يتحلى بها أفضل رواد الأعمال بطبيعتهم.
فشل عمليات التغيير المؤسسي في الشركات الناشئة
تذكرت هذه التحديات خلال حديثي مع أحد أصدقائي، مؤسس إحدى شركات إدارة المحافظ الاستثمارية الخارجية الحديثة، والذي كشف لي عن الصعوبات التي واجهها خلال إطلاق عملية للتغيير المؤسسي مع أفراد فريقه. فقد كان محبطاً للغاية، لأن أفراد الفريق، الذين من المفترض أنهم سيحققون أقصى إفادة من هذه التغييرات البناءة، وجهوا إليه نظرات فارغة متعجبة عند سؤالهم "ما الذي يمكن أن يجعل مهام وظائفكم أكثر سهولة؟"، أو "ما الذي تقترحون تغييره في إجراءات العمل؟".
وعلى الرغم من الرغبة الصادقة في تحسين المسار المهني للموظفين وتطوير مستوى أداء الشركة، فإن أفضل فكرة مؤثرة وأصلية، ولكنها غير عملية، تم تقديمها بهذا الصدد، كانت تقترح إحضار حيوان أليف إلى الشركة! تحدثنا كثيراً بشأن هذه العملية وآلياتها. وفي الحقيقة، كان المؤسس، في معظم الأمور، يتصرف بشكل صحيح: إذ كانت أهدافه واضحة وعقلانية، وكان يؤدي الأمور بشكل أكثر ذكاءً، ويدعم تجارب الموظفين لتكون أكثر شمولاً وإنجازاً، كما قام بتحديد مواعيد منتظمة للنقاشات، وحرص باستمرار على أن ينقل للموظفين مدى اهتمامه بثقافتهم وجودة حياتهم، بالإضافة إلى أنه اهتم بكافة الأقسام المختلفة داخل الشركة، وحرص على طلب الآراء والملاحظات من كافة المستويات الإدارية ضمن التسلسل الهرمي للشركة.
ولكن، كانت هناك مشكلة واحدة فقط: إذ لم يكن هذا المؤسس نفسه هو الشخص المناسب لهذه المهمة. ففي كل الحالات التي اطلعت عليها، كان المزيج المكوّن من السمات الشخصية للمؤسس، وعدم توازن الصلاحيات بين المدراء وموظفيهم، هو تقريباً العائق الأكبر الذي يواجه عوامل التفكير البناء والحوار الصريح المتبادل. وبدون هذه العوامل، أعتقد أن إدارة التغيير في الشركة ستكون مستحيلة.
ورغم ذلك، لا يعد هذا الوضع مفاجئاً، بالنظر إلى ما قد يواجهه الموظفون في مواقف إدارة التغيير. جرّب أن تضع أي موظف في غرفة مع مؤسس الشركة، واطلب منه المشاركة في نقاش صريح حول كيفية تحسين أعمال الشركة، وسيتسارع فوراً معدل ضربات قلب هذا الموظف، ويرتفع ضغط دمه، وتبدأ يده في التعرّق. ثم اطرح بعض الموضوعات المتعلقة بسياسات الشركة، وإدارة مصالح العمل، وستحصل على تعليقات عديمة الجدوى، أكثر مما تتخيل.
إذاً، كيف يحقق المؤسسون النتائج التي يرغبونها، بينما يكونون، ربما لأول مرة، خارج موضع القيادة المؤثرة على الشركة؟ والجواب هو: لا يمكنهم ذلك، وحتى لو استطاعوا، لا يتعيّن عليهم فعل ذلك. فإذا كان المؤسسون جادين بخصوص إدارة التغيير في شركاتهم، ينبغي عليهم أن يفسحوا المجال لشخص آخر، ويفضل أن يكون شخصاً من خارج الشركة، لتسهيل هذه المهمة.
ولكن، بمجرد عرضي لهذه الفكرة على المؤسسين، أتلقى اعتراضات منهم جميعاً تقريباً، وتحديداً بشأن تسليم إدارة هذه العملية الهامة إلى شخص خارجي. وكانت أكثر جمل الاعتراضات شيوعاً هي "لا أحد يفهم أعمال الشركة جيداً مثلنا، فكيف يمكن لشخص قادم من خارج الشركة أن يساعد في عملية التحول المرغوبة؟".
ولكن، في الوقع، يخلط هذا الاعتراض تماماً بين الخصائص التنافسية الفريدة للشركة، والقدرات المؤسسية اللازمة لإعادة تصور الشركة وتغييرها. وهناك قطاع كامل من المهنيين المتخصصين الذين يتمتعون بخبرة عقود كاملة من التدريب المتخصص، والاطلاع على مختلف الأوضاع والتصورات التنافسية، والأهم من ذلك، أنهم يملكون المنظور الخارجي الشامل الذي لا يتوافر إلا لشخص من خارج الشركة. بل إنه بالنسبة لهؤلاء المتخصصين، فإن عدم معرفة تفاصيل المجال يعتبر ميزة رئيسية.
أربع مهارات أساسية لإدارة التغيير في الشركات الناشئة
فقد لا يكون خبراء إدارة التغيير على علم بالتفاصيل والفروقات الدقيقة في قطاع أو مجال معين، إلا أنهم يقدمون للمؤسسين الراغبين في التغيير أربع مهارات أكثر قيمة من مجرد معرفة هذه التفاصيل الدقيقة:
خلق الموضوعية
قليل من المدراء التنفيذيين ينتبهون إلى عدم رغبتهم في تبني أفكار جديدة وحل المشكلات بطرق إبداعية، ونتيجة لذلك، غالباً ما تؤدي التوجهات الشخصية إلى تعقيد عملية التغيير. على العكس من ذلك، يمكن لمدير التغيير الناجح الذي ستستعين به من الخارج أن يخلق ويطبق المساحة اللازمة لاستكشاف الإمكانات المتاحة بشكل موضوعي، بدون تجاهل أي من الأشخاص المعنيين.
الحفاظ على سلامة الإجراءات
يقوم مدراء التغيير الناجحون بفرض القواعد وضمان تحرك الفريق نحو أهدافه الصحيحة، وهم بارعون بشكل خاص في هذه المهارة، لأنه بخلاف أي من موظفي الشركة، فإن مدير عملية التغيير تكون له مهمة واحدة وهي: إدارة هذه العملية. وعلى النقيض من ذلك، فإن أي موظف يشارك في عملية التغيير بينما يقوم بمهام مدير التغيير، يكون مطالباً بتنفيذ الوظيفتين في آن واحد، أي أن يقدم آراء إبداعية، وأن يضمن سلامة العملية في نفس الوقت. وفي تلك الحالة، لن يتمكن من أداء أي من المهمتين على النحو الصحيح.
تنفيذ الأساليب المثبتة علمياً لحل النزاعات
إن إعادة النظر في جميع القرارات السابقة التي اتخذتها الشركة يمكن أن يمهد لظهور خلافات طويلة الأمد. وحينما يظهر هذا النوع من الخلافات في أي اجتماع، تتوقف على الفور كافة الخطوات البناءة والداعمة لسير العمل. لذلك، يكون مدير التغيير المؤهل مدرباً بما يكفي لمعالجة هذه المواقف وتجاوزها بنجاح، وعادةً لا يكون المؤسس مؤهلاً لذلك.
ضمان المتابعة والتنفيذ والمساءلة
تعد العبارة الشائعة القائلة التالية "إذا كان الجميع مسؤولين عن المتابعة، فلن يكون أي شخص بعينه مسؤولاً عنها" ملائمة، بشكل خاص، لضمان التزام المشاركين بمسؤولياتهم في تغيير أسلوب تنفيذ الأعمال بعد انتهاء الاجتماعات المبدئية. ووجود شخص واحد لا مصلحة له في أي نتيجة معينة يكون بمثابة مورد أساسي لمعرفة الدروس المستفادة من كل خطوة في عملية إدارة التغيير.
لم يكن التغيير أبداً عملية سهلة، وإنما هو أمر يتطلب الوقت للتنفيذ، والصبر على النقاش، والرغبة في الخلاف بشكل بنّاء. وعلى الرغم من استعداد المؤسسين لفعل كل ما يمكن من أجل نجاح شركاتهم، فإن استمرار النجاح قد يتطلب أحياناً تسليم زمام الأمور لشخص آخر، لمساعدة المؤسسة على التطوّر، ولتجنب فشل الشركات الناشئة في التغيير.
اقرأ أيضاً: فشل الشركات الناشئة في التغيير.