التقنية والتفاعل والنزاهة في التعلم عن بعد أثناء الأزمة

5 دقائق
shutterstock.com/Juliya Shangarey
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثل فيروس “كوفيد-19” أكبر أزمة مزعزعة يواجهها قطاع التعليم في العصر الحديث. إذ تأثر ما يزيد عن 1.5 مليار طالب بإغلاق المنشآت التعليمية، وهو ما يساوي 91.3% من جميع الطلاب المسجلين في التعليم في 188 دولة، وهذه هي أوسع حالة إغلاق للمدارس والجامعات يشهدها العالم في تاريخه المعاصر. فكيف يمكن التعلم عن بعد أثناء الأزمة الراهنة؟

على الرغم من أن التعليم عن بعد بدأ منذ وقت طويل، فقد أصبح اليوم بمثابة الأوكسجين اللازم لاستمرار التعليم في العالم. فقد وجد المعلمون أنفسهم بين ليلة وضحاها مضطرين لتحويل موادهم الدراسية إلى محتوى رقمي وإتاحته على المنصات الإلكترونية وتدريسه لطلابهم عن بعد، بدءاً من المراحل الابتدائية وصولاً إلى التعليم العالي ومراكز التدريب المهني.

وفي حين يخوض العالم معركته مع فيروس “كوفيد-19″، يخوض المعلمون معركة من نوع آخر مع حداثة تقنيات منصات التعلم التي لم يألفها كثير منهم، والطلاب الذين قد لا يكون بإمكانهم الوصول إلى المنصات الخاصة بفصولهم الدراسية بسبب الانقسام الرقمي، والمواد والمناهج التي يجب عليهم اكتشاف طرق تكييفها كي تتناسب مع التعلم عن بعد، والاختبارات، والضغط والتوتر، والقائمة لا تنتهي.

التعلم عن بعد أثناء الأزمة

في الإمارات العربية المتحدة وحدها، بدأ ما يزيد عن مليون طالب ومدرسيهم وأهاليهم برامج التعلم عن بعد منذ منتصف شهر مارس/ آذار. وفي حين لا يواجه بعض المدرسين أي مشكلة، يستمر الضغط الذي يتعرض له الآخرون في سعيهم لتحضير محتواهم للمنصات الرقمية، وفهم احتياجات الطلاب والصعوبات التي تواجههم. أضف إلى ذلك احتمال استمرارنا بالتعلم الرقمي حتى نهاية العام الدراسي، وذلك يزيد الضغط لإعداد الاختبارات الملائمة التي ينبغي أن تقيّم بطريقة موضوعية وعادلة ونزيهة ما إذا كان الطلاب قد حققوا أهداف التعلم في موادهم.

وفي المقابل، تمكن مدرسون كثر من التعامل مع الأمر بسهولة أكبر من غيرهم، إذ شق التعلم المختلط طريقه إلى قاعاتهم الدراسية منذ زمن، فأصبحوا اليوم القادة الرقميين الذين يمهدون الطريق للآخرين ويؤدون أدوارهم في هذا العمل الجماعي.

لن يزول هذا الوضع ببساطة، وحتى أننا لسنا واثقين من الطريقة التي سيغير بها هذا الوضع الجديد العالم بأكمله، ورؤيتنا للتعليم على وجه الخصوص. ولكن مع استمرار هذه الأزمة، من الضروري أن يتذكر المدرس ضرورة البقاء على سجيته، والاعتناء بصحته النفسية والعثور على طرق للحفاظ على معنوياته مرتفعة. قد يصبح التعامل مع القاعات الدراسية الرقمية يوماً بعد يوم مرهقاً، ولذلك من المجدي أن يتذكر أنها ممتلئة بطلابه الذين يعرفهم ويدرس لهم منذ زمن. وعلى الرغم من أن الوقوف أمام الكاميرا ليس سهلاً، فإنه سيتمكن من تحديد وتيرة الدروس ومزاجها إذا أبقى نصب عينيه أن عليه الحفاظ على هدوئه وأنه قدوة لطلابه، وأن شعوره بالخوف أو التوتر أو الارتباك الشديد سينتقل إلى طلابه ويزيد من صعوبة تدريسهم.

وإحدى الخطوات الهامة نحو النجاح في التدريس على الإنترنت هي فهم التقنية التي تستخدمها المدرسة أو الجامعة والاعتياد على التعامل معها. بيد أن كثير من المدرسين ينجرفون في محاولة استخدام الأدوات المذهلة التي يشيد بها زملاؤهم من مدارس أو جامعات أخرى، أو التي تقدمها بعض الشركات مجاناً لجذب المدرسين إلى تقنياتها في أثناء الأزمة وزيادة حجم قاعدة زبائنها، أو يحاولون استخدام مجموعة الأدوات المفيدة التي تقدمها الهيئات الحكومية وغير الحكومية، مثل اليونيسكو. لكن في الحقيقة، قد يكون استخدام الأدوات البسيطة التي تقدمها كل منشأة تعليمية لمدرسيها كافية لنجاح الدروس على الإنترنت. إذ لا يتوقف نجاح التعليم على التقنية، بل على معرفة المدرس لطلابه وفهمهم، وقدرته على تحديد الأساليب التي تفيدهم، كما أن بعض المواد وبعض الفئات العمرية من الطلاب تحتاج إلى دعم “مباشر” أكبر من المدرسين. وفي كل الأحوال، مهما كانت درجة “حيوية” القاعة الدراسية الرقمية، فمن الضروري أن ندرك ضرورة توفير المحتوى والمهمات على نحو يمكّن الطلاب من الوصول إليها كل حسب وقته وسرعته.

وبهذا، نصل إلى المحتوى الفعلي الذي يتم طرحه. إذ يتطلب تعلم المدرسين لأساليب التعليم على الإنترنت الوقت والتدريب والممارسة، ولكن لم يفسح لنا فيروس “كوفيد-19” مجالاً لأي من هذه. لذلك، يجب أن تدرك أنك لست مطالباً بأن تكون ساحراً، لكن في نفس الوقت، تذكر أن الدروس على الإنترنت مختلفة عن الدروس التقليدية التي تدوم 40 أو 60 دقيقة في القاعات الدراسية التقليدية.

ففي القاعة الدراسية التقليدية، نعطي المادة ونسرع أو نبطئ استناداً إلى استجابة الطلاب وتقبلهم للمحتوى، وهذا أمر يمكننا رؤيته ومراقبته والتكيف معه. كما يمكننا طرح 10 مسائل على 10 طلاب مختلفين ودفعهم لمشاركة الحلول مع زملائهم في القاعة.

لكن على الإنترنت، ليس من السهل معرفة وتيرة تلقي الطلاب للمحتوى، وخصوصاً الصغار بالعمر أو الذين لا يمكنهم التجاوب مع المدرس. وإذا حاولت حل 10 مسائل ضمن الإطار الزمني للدرس على الإنترنت وطلبت من جميع الطلاب حلها، فستولد ضغطاً هائلاً عليهم وتزيد عبء العمل عليهم 10 أضعاف.

لذا، بإمكانك تحضير بعض المهمات التي يمكن للطلاب أداءها بمفردهم خارج أوقات الدرس كي تمكنهم من الاستمتاع بوقتهم بعيداً عن الشاشة واستيعاب المفاهيم التي تدرسهم إياها في الحصة الدراسية، وكي تتمكن أنت أيضاً من طرح المحتوى الذي ترغب في إيصاله أثناء هذه الحصة.

عقبات التعلم عن بعد أثناء الأزمة

إن تقييم الطلاب في القاعة الدراسية التقليدية هو أمر شديد الصعوبة. فكل طالب له أسلوب تعلم خاص به وقدرة على استيعاب المفاهيم والتجاوب معها أو تحقيق إنجاز جيد في أهداف التعلم. وتقييم الطلاب افتراضياً هو مهمة أصعب بكثير، لذا يجب على المدرسين أخذ الوقت اللازم لإعادة تقييم ما يجب أن يدخل في الاختبار من المواد التي درسوها لطلابهم، والوقت المناسب لهذه الاختبارات وطريقتها. يمكن إعادة تصميم الاختبارات التقليدية وتحويلها إلى عروض تقديمية أو مسابقات ونشاطات على الإنترنت، كتصميم الصور والبطاقات مثلاً وكتابة إجابات قصيرة وإدخالها، إلخ. بالطبع، تعتبر الاختبارات المنزلية خياراً متاحاً، ويمكن إعدادها مع بعض التفكير العميق من أجل وضع أسئلة تحليلية أكثر، وكذلك الأمر بالنسبة لامتحانات الكتاب المفتوح. وحتى أنه من الممكن إجراء امتحانات على الإنترنت خاضعة للرقابة الفعلية إذا استدعت الحاجة.

مهما كان شكل الاختبارات، يجب التفكير بمحاولة الحفاظ على نزاهة التقييم واختيار المفاهيم التي تم تدريسها في القاعات الدراسية الافتراضية. ليس من المرجح أن يلجأ الطلاب إلى الغش في الاختبارات على الإنترنت أكثر مما في الاختبارات التقليدية، ويجب أن تدرك أن القدرة على إجراء تقييم دقيق لتمييز الطلاب المتميزين عن المتوسطين أو الضعفاء ليست أولوية في أثناء الأزمة. بذلك، ستتمكن من التركيز على ما يجب تقييمه، وهذا بدوره سيساعدك على فهم طريقة نجاح الاختبارات. لذا، ابتعد عن التركيز على الغش وركز على النزاهة.

من الجيد دائماً الحرص على مراجعة سياسة المدرسة أو الجامعة حول سوء السلوك الأكاديمي وشرح القوانين للطلاب مجدداً وتذكيرهم بأن المسافة الفاصلة بينكم هي في الحقيقة امتداد لحرم المدرسة أو الجامعة، وأن قوانين السلوك ما زالت كما هي. وخصص ما يكفي من الوقت كي تشرح للطلاب سبب أهمية التمسك بالنزاهة. لا تشدد التركيز على الغش أو على طريقة منع الطلاب من الغش، لأنك قد توحي لهم بأفكار أو طرق لا لزوم لها للالتفاف حولها. عوضاً عن ذلك، قد تكون الثقة والاحترام أكثر قدرة على تحقيق النتيجة المرجوة للمدرس والطلاب، وخصوصاً إذا فهم الطلاب سبب أهمية تركيزهم على التعليم لا على الدرجات حتى في أزمة كالتي نعيشها. سيساهم تقليص الخطورة التي ينطوي عليها حصول الطلاب على درجات عالية في مساعدتهم على التركيز على المحتوى وعلى عملية التعلم.

يملك المدرسون القدرة على تحديد عناصر وتيرة التعلم والبيئة والمزاج التي تساهم في توجيه عملية التعلم. ولذلك، أنشئ البيئة الملائمة لطلابك ولنفسك، وارأف بهم وبها.

هذه الفترة صعبة وخطيرة ومربكة للجميع، ولسنا وحدنا من يعاني منها، على الرغم من أن التباعد الاجتماعي قد يجعلنا نشعر وكأننا وحدنا بالفعل. تذكروا أن تتواصلوا مع نظرائكم وزملائكم وأصدقائكم وأسركم وحتى مع المجتمع الأوسع، واطلبوا مساعدتهم، وستتفاجؤون بحجم الدعم الذي ستحصلون عليه للاستمرار في عملية التعلم عن بعد أثناء الأزمة وبعملكم العظيم كمدرسين وسعيكم لاستكمال عملية التعليم لجميع الطلاب في كل مكان.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .