كيف نستفيد من اللعب غير الرسمي داخل المؤسسات؟

4 دقائق
shutterstock.com/G-Stock Studio

بدأ الاهتمام الجدي بالأنشطة المرحة في العمل يظهر في ثمانيات القرن الماضي، وذلك بسبب التطور المستمر لمفهوم الوظيفة وزيادة التقدير لأهمية اللعب في التنمية البشرية والتفاعلات في المؤسسات الحديثة. أشارت عدة دراسات إلى زيادة الرضا الوظيفي وكذلك مستوى الاندماج في بيئة العمل عندما يكون الموظفون قادرين على الاستمتاع في عملهم اليومي أو عند إتاحة الفرصة لهم لممارسة بعضاً من هواياتهم.

اعتمدت الممارسات الإدارية على "اللعب الرسمي" بهدف تحقيق الأهداف المؤسسية وتطوير العمل، ويتم ذلك بوضع ضوابط تحكم هذه الممارسات وتنظمها. ولا يزال التصور الحالي للممارسات المرحة في المؤسسات غير مكتمل، حيث ينظر إلى اللعب كنشاط وظيفي يتم تحت إشراف إداري وذلك في بيئة مجهزة ومحددة سلفاً لهاذ الغرض، حيث يتغاضى مؤيدو اللعب الرسمي عن أشكال اللعب الأخرى التلقائية، ذاتية التنظيم، والتي يقودها الموظف وتتم في بيئة العمل الطبيعية، على الرغم من إشارة عدة دراسات إلى أن اللعب في العمل يساعد الموظفين على أن يعبروا عن أنفسهم بشكل أفضل، ويمنحهم مساحة من التحرر الذاتي ليصلوا إلى مستوى أعلى من الصحة النفسية والسعادة.

هدفنا في هذا البحث طرح اللعب غير الرسمي كبديل للعب الجاد المسيطر في العمل المؤسسي من خلال اقتراح نموذج لكيفية تفاعل عناصر اللعب غير الرسمي مع بعضها البعض، مدفوعين بالعديد من الانتقادات والاقتراحات التطويرية التي طالت ممارسات اللعب الجادة في المؤسسات.

لو نظرنا إلى مفهوم وممارسات اللعب الجادة في العمل المؤسسي نجد أنها تعتمد على ثلاثة محاور هي:

جوهر اللعب: ينقل اللعب إلى الموظفين بشكل عام إحساساً بالأصالة والانتماء إلى مجموعة محددة، وذلك من خلال التجارب الواعية والهادفة وما يتضمنه من أنشطة اجتماعية يتم ممارستها في مكان العمل. ويمكن أن يتم ذلك إما بشكل مادي محسوس كالرسم مثلاً أو بشكل افتراضي كالألعاب الإلكترونية الجماعية، وهو بكلا الحالتين يضمن حصول تفاعل بين الموظفين والمؤسسات.

مخرجات اللعب: تشير الدراسات إلى أن مخرجات اللعب سواء نحو زيادة أو خفض الإنتاجية في العمل تعتمد بدرجة كبيرة على نوع اللعب الذي يتم ممارسته، وهناك أنواع مختلفة من الألعاب كاللعب القسري، واللعب المنضبط، ولعب المتعة الرسمية، وكذلك اللعب بغرض تحقيق الاندماج وقد أظهرت هذه الأنواع قدرة على تحقيق نتائج إيجابية أكثر من أنوع أخرى من اللعب كالألعاب التحويلية، وألعاب التدخل في العمل، والألعاب ذات المقاومة.

والشائع في الألعاب القيام بالإشراف عليها من قبل إدارة المؤسسة عوضاً من أن تكون تلقائية وعفوية، حيث يقوم المدراء ببدئها ويطلب من الموظفين والعمال المشاركة بدلاً من السماح لهم باللعب وفق إرادتهم الحرة.

ممارسة العب: ربطت العديد من الدراسات بين ممارسة اللعب الرسمي وعدد من الأعمال الاستراتيجية داخل المؤسسات كأنشطة إعداد الخطة الإستراتيجية، والتخطيط باستخدام السيناريو، والابتكار في المنتجات، واتخاذ القرارات، وكذلك التغيير المؤسسي.

ويعتبر اللعب الرسمي طريقة يستخدمها المدراء للتدخل في الأعمال التقليدية والروتين المؤسسي من خلال نشر الأنشطة المرحة في ورشة العمل التقليدية أو المراجعات الاستراتيجية لحث المشاركين على وضع استراتيجية ناجحة، ويعتبر هذا التوجه توجهاً جديداً بعد ظهور توجهات أخرى مؤخراً كاستخدام نظرية اللعبة لصياغة الاستراتيجية والتي طرحت في مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو العربية.

اللعب غير الرسمي

يُعرف اللعب غير الرسمي أنه ممارسة يقوم خلالها الموظفون المندفعون بشكل عفوي بممارسة الألعاب خلال العمل للتعامل مع التطورات داخل المؤسسة كالأخبار المفاجئة أو الانهيارات أو التغيرات التي تمسهم والتي تهدد وظائفهم وما يقومون به من أعمال. ويمكن اعتبار اللعب غير الرسمي عالماً مؤقتاً للموظفين يدخلهم في مرحلة ذهنية تدفعهم إلى الارتجال وإلى التكييف مع الأحداث اليومية في مكان العمل.

يؤدي انخراط الموظفين في أنشطة اللعب غير الرسمية إلى الكشف عن قدراتهم الداخلية وحدود إمكاناتهم، والتعلم من كل تجربة وتحقيق مستويات أعلى من النمو الشخصي. الأنشطة غير الرسمية هي اجتماعية بطبيعتها لأنها تتبنى طرقاً غير تقليدية للتصرف والحركة والتفكير والشعور والتي تظهر من خلال الحركات والتعبيرات الجسدية للموظفين.

يُصنف اللعب غير الرسمي كشكل مميز من أشكال الممارسات المرحة والتي تختلف بشكل واضح عن اللعب الجاد الذي عرضنا له سابقاً، ونبرز أدناه هذه الاختلافات والتي تؤسس لاقتراح اللعب غير الرسمي كأحد أنشطة الإدارة المؤسسية.

الممارسة: بالنظر إلى الطبيعة البديهية، العاجلة، وغير المقصودة للعب غير الرسمي، يمكن فهم جاذبية هذا النشاط وتقبله ومرحه من خلال الممارسة عوضاً عن منطق العقلانية العلمية الحديثة. إن الفرضية الأساسية في ممارسة اللعب غير الرسمي هي أن الفهم والمعتقدات والقواعد المشتركة بين الموظفين مبنية على أساس الممارسات المرحة، ونابعة من الانخراط في أنشطة عفوية وذاتية التنظيم بدلاً من الإجراءات الروتينية التي لا تنسجم مع طبيعة النسيج الاجتماعي.

الممارسون: لا يتم التخطيط للعب غير الرسمي مقدماً، ولا تتم ممارسته من خلال التدخل الإداري. وإنما يُنظر إلى اللعب غير الرسمي على أنه مجموعة من الممارسات التي تأخذ شكل أنماط عمل مستمدة من تصرفات شخصية للموظفين العاديين وليست من جهود المدراء المتعمدة التي يتم بذلها عند وضع الاستراتيجية.

التطبيق: ينظر الموظفون إلى اللعب غير الرسمي على أنه أكثر استمرارية ومليء بالمفاجآت، حيث ينخرط الموظفون في ممارسات مرحة غير رسمية بإرادتهم الحرة ويركنون إليها خلال إنجازهم مهام العمل المستمرة. تختلف الديناميكيات الداخلية للعب غير الرسمي عن اللعب الرسمي في أنه عادة ما يتجلى كمسعى عفوي يبدأه الموظفون للتعامل مع التغييرات المستجدة، دون الحاجة إلى تدخل الإدارة أو إلى اللجوء للتنسيق الهرمي المعتمد في المؤسسة.

العناصر: في حالة اللعب الجاد، يحث المدراء الذين يقومون بدور الموجهين الموظفين على اللعب واستخدام بعض الأشياء المادية مثل مكعبات الليغو وبعض الأدوات الأخرى وذلك لتركيب أشكال وأنماط محددة. على خلاف ذلك فإن أدوات اللعب غير الرسمي ليست أشياء مادية وإنما أنشطة تعتبر من سلوكيات التفاعل الاجتماعي.

الإطار: لأن اللعب غير الرسمي يحدث في بشكل ضمني وصامت خلال أيام العمل العادية في المؤسسة، فإن دراسة هذا الشكل من اللعب تسمح بفهم الطريقة التي يفسر بها الموظفون المشاركون المواقف الصعبة، وكيف يخلقون المشاكل ويتعاملون معها في بيئة عملهم الطبيعية.

نظراً إلى الطبيعة الديناميكية للعب غير الرسمي، فهناك احتمال أن يؤدي إلى زيادة أو حتى خفض الإنتاجية داخل المؤسسة، ففي بيئة العمل الإيجابية يشارك الموظفون عن طيب خاطر في أنشطة التعلم والابتكار وإنتاج المعرفة، ومع ذلك فإنه في بعض بيئات العمل غير الصحية يستخدم الموظفون اللعب غير الرسمي في مقاومة السلطات الإدارية والتصدي للمبادرات القمعية لبعض المدراء.

الإطار المقترح: بناء على العناصر الخمسة التي قمنا بتقديمها، نقترح الإطار المدرج أدناه للمساعدة على ترسيخ اللعب غير الرسمي كممارسة واقعية داخل المؤسسات، وذلك بالاعتماد على التفاعل بين هذه العناصر لتحسين الأداء وبالتالي القيمة التي تقدمها المؤسسات، أو على العكس يمكن أن تؤدي هذه الممارسة إلى تشجيع الموظفين على تحدي الأنظمة الإدارية ما يقود إلى تخفيض الإنتاجية.

نحن نعتقد بأهمية هذا البحث كانطلاقة نحو بحوث أخرى ترسّخ مفهوم اللعب غير الرسمي في العمل الإداري، وذلك كخيار بديل للعب الجاد الذي يطبق في العديد من المؤسسات. وبالتأكيد فإنّ مزيداً من البحوث التطبيقية ستساعد في إبراز الفوائد المنتظرة لهذه الممارسة وتشجع على إعادة التفكير في ظواهر اللعب خلال العمل وكيفية دمجها في مجالات وممارسات أوسع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي