مقابلة مع البروفيسور كلاوس شواب مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي

7 دقائق
كلاوس شواب
هناك الكثير من الزخم الإصلاحي الإيجابي في المنطقة وتحديداً في دول الخليج وأشجع على الاستثمار أكثر في التعليم

هنا مطبخ الاقتصاد العالمي، حيث تجتمع المعادلة الصعبة مقارنة بأي مكان آخر: كبار المسؤولين في العالم والكبار من أصحاب رؤوس الأموال مع كبار الفلاسفة والمفكرين في الاقتصاد، وصولاً إلى جيش من قادة الفكر الريادي وأصحاب المشاريع الصغيرة التي تسجل حضورها على خارطة الكبار في فترات ربما ليست بعيدة. إنه المنتدى الاقتصادي العالمي وإنّه المؤسس والرئيس التنفيذي كلاوس شواب، الذي أطلق هذه المؤسسة عام 1971 التي باتت محجة ومرجعاً للقرارات الاقتصادية حول العالم، ينعقد بنسخته الخاصة بالشرق الأوسط على ضفاف البحر الميت في الأردن، ويتحدث مع أصحاب القرار ورواد المشاريع عبر هارفارد بزنس ريفيو العربية.

سبق لك أن قلت مع بداية العام الحالي: "إذا تحققت الآمال القائلة باستقرار منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة المقبلة، فمن الضروري جدّاً تحفيز الاقتصاد من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص لكي تكون أي جهود رامية إلى إحلال السلام واقعية ومستدامة،" فماذا لو لم يحصل هذا التعاون؟ إلى أين سيسير اقتصاد المنطقة بسبب حالة عدم اليقين هذه؟

يُعتبرُ الازدهار الاقتصادي والسلام وجهان لعملة واحدة. فلا يمكن لأحدهما أن يكون موجوداً بمعزل عن الآخر، كما أنهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً وكأنهما يكملان حلقة مفرغة. ورغم أنّ هناك نظرة تقليدية شائعة ترى بأنّ السلام من اختصاص الدولة، وبأنّ الازدهار من اختصاص القطاع الخاص، إلا أنني مقتنع بأنّ الشراكات بين القطاعين العام والخاص هي أفضل سبيل يمكن للمنطقة أن تسلكه مستقبلاً.

وتقديراً لحالة الترابط هذه، فإن المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأردن سيتطرّق إلى هذه المسألة من خلال طرح مسائل من قبيل "الترابط بين السلام والازدهار" و"إعادة بناء السلام".

تعيش المنطقة أيضاً في مرحلة انتقالية وهي تشهد تحوّلاً من نموذج اقتصادي إلى آخر، حيث لم يعد النفط هو العامل الأساسي كما كان تاريخياً. فما الذي تقترح بأن تركّز عليه حكومات المنطقة، ولاسيما دول الخليج، على المديين القصير والطويل؟

نحن نرى أنّ هناك الكثير من الزخم الإصلاحي الإيجابي في المنطقة، وتحديداً في دول الخليج، وليس بوسعي إلا أن أشجّع قادة المنطقة على المزج بين الإصلاحات الاقتصادية وعناصر أخرى مثل الاستثمار في التعليم، وتعزيز الأنظمة الداعمة لريادة الأعمال، واتخاذ خطوات لتحقيق المساواة بين الجنسين، ولاسيما أنّ هذا المجال كان تقليدياً من المجالات التي يمكن إدخال تحسينات عليها.

يبدو أنّ هذه النسخة من المنتدى الاقتصادي العالمي تركّز أكثر فأكثر على التعاون بين القطاعين العام والخاص. فما هو شكل التعاون الذي تقصدونه في هذا الصدد؟ هل تقصدون "مشاريع الشراكة بين القطاعين والعام والخاص (PPP)، وأمثالها؟ وما هي العوامل التي يجب أخذها بالحسبان عند تقرير شكل هذا التعاون؟ وما هي الخسائر المترتّبة على التخلي عن هذا النوع من التعاون؟

منذ أن ظهر هذا المنتدى إلى حيّز الوجود وهو يروّج لفكرة التعاون بين مختلف الأطراف والجهات المعنيّة. ورغم عدم وجود حل سحري أو وصفة وحيدة صالحة للتطبيق، إلا أنّ هناك بعض المعايير التي تحدّد شكل التعاون الناجح: التفكير البعيد المدى، والشفافية، وخضوع جميع الأطراف المعنية إلى المساءلة، والتشارك في حمل عبء المخاطر.

كيف ترى دور الهجرة واللاجئين في إعادة رسم خارطة العالم، وهذه المنطقة تحديداً، فيما يخص بيئة ممارسة الأعمال والقوى العاملة؟

ليست منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غريبة على موضوع الهجرة. لكنّ المنطقة تواجه اليوم تحدّيات غير مسبوقة في التعامل مع حجم أزمة اللجوء وضخامتها وإلحاحها، وهي تتركّز في سوريا والعراق لكنّها تمتد فعلياً إلى خارج حدود المنطقة. فإضافة إلى مأساة الهجرة القسرية نتيجة للنزاع العنيف والتي تحتاج إلى اهتمامنا الفوري، نحن نرى اتجاهات بعيدة المدى في مجال الهجرة جرّاء ندرة المياه، وتأثيرات التغيّر المناخي، والتي سلّط "تقرير المخاطر العالمية" الصادر عن المنتدى الضوء عليها.

أوصيتم القادة بوضع خمس أولويات على جدول أعمالهم خلال العام 2017. ويبدو بأنّك تطلب من العالم أن يعيد صياغة كل القيم الثقافية والتجارية التقليدية (استعادة النمو، الرأسمالية، الهوية والمعايير..)، فلماذا نحتاج إلى هذا التغيير الدراماتيكي على جميع المستويات ولماذا تُعتبرُ كلها أولويات؟

إنّ القادة في جميع دول العالم موضوعون تحت المجهر اليوم، وليس فقط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أنّ النجاح الذي أحرزته الحركات الشعبوية والمناطقية، ورأيناه خلال الأشهر القليلة الماضية ناجم جزئياً عن انتشار حالة واسعة النطاق من تكشّف الأوهام بين صفوف جميع الفئات الاجتماعية تجاه قادتهم. والسؤال الجوهري المطروح هو؛ كيف يمكن أن نجعل الرابحين من العولمة يُظهرونَ تضامنهم مع الأشخاص الأقل حظاً.

لكنّ القيادة هي أكثر من مجرّد سياسات اجتماعية. فلكي تكون القيادة مستدامة فإنّها يجب أن تعمل وفق مجموعة من القيم التي يجب أن تحدّد سلوك القادة، وأن تضمن بأن نتصرّف بطريقة مسؤولة ومتجاوبة مع الظروف في المقام الأول، وليس العمل على معالجة العيوب السابقة فقط.

يبدو بأنّ العالم كلّه، بما في ذلك منطقتنا، يرحّب علناً بالمبادرات الشبابية الريادية، ولكن من الناحية العملية، لازال الإطار التشريعي والتنظيمي في معظم أنحاء العالم متأخراً وغير قادر على مواكبة تأثيرات الزعزعة التي تسببت بها الروح الريادية، فما الذي يجب على الحكومات فعله لمعالجة هذه القضية؟

أوّل شيء تحتاج إليه الحكومات هو الإصغاء. فهي يجب أن تصغي إلى روّاد الأعمال الشباب والشركات الناشئة التي قد لا تكون ممثلة في النقابات التقليدية وفي أوساط الخبراء الذين يعتمد عليهم أعضاء البرلمانات عادة للاستماع إلى وجهات نظر قطاع الأعمال. وبالمناسبة، هذا الأمر لا يشكّل تحدّياً للقطاع العام فحسب. فحتى الشركات الكبيرة والراسخة تجد صعوبة كبيرة مشابهة في فهم هذه الشركات الجديدة المُزعزعة وفي العمل معها.

وبمساعدة مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، نحن دعونا أكثر 100 شركة ناشئة مثيرة للاهتمام في العالم العربي إلى اجتماعنا في الأردن. فنحن نريد إطلاق شرارة الحوار. وفي نهاية المطاف نريد إيجاد حالة من التعاون بين مختلف الجهات المعنية. وفي منطقة تبحث فيها جماهير غفيرة من الشباب عن فرص عمل ذات معنى، فإنّ هذه الجهات القادرة على إيجاد فرص العمل يجب أن تجلس إلى المائدة وأن يكون صوتها مسموعاً.

تنافس دول عديدة في المنطقة، بما في ذلك دولة الإمارات، والتي تعمل على أن يكون لها دور في احتضان الثورة الصناعية الرابعة التي تتحدّثون عنها دائماً. فما هي العناصر الأساسية التي سوف تحدّد نجاحها برأيكم؟

يسرّني أن أرى العديد من دول المنطقة تتّخذ الإجراءات الضرورية والملحّة التي تمكّنها من التجاوب مع التحدّيات الجديدة. فمن المهم ألا يغيب عن ذهننا بأنّ هذه المهمّة ليست مهمّة تقنية أو تكنولوجية فحسب، وإنما هي تستدعي إصلاح الاقتصاد، والأطر التشريعية، وفوق كل ذلك، إصلاح المجتمعات. وليس هناك من دولة واحدة قادرة بمفردها على "ربح" الثورة الصناعية الرابعة. وإنما سيكون النجاح حليف المناطق التي تتمكّن من الاستفادة من نقاط قوّة جميع الناس، ومن عكس طبيعة العالم الرقمي الجديد وهو عالم بلا حدود.

وحدة الحكم الرشيد سيكون قادراً على المحافظة على ديمومة النمو الاقتصادي الشامل للجميع

بعد مرحلة ما أطلق عليه "الربيع العربي"، بدأ قطاع الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يستكشف فرصاً استثمارية جديدة كان يتمّ تجاهلها سابقاً في المنطقة، ولكن ليس هناك من رؤية واضحة بعد لدى صنّاع القرار بخصوص كيفية التركيز على سوق محدّدة أو مجال محدّد واستقطاب المستثمرين، فما الذي تنصح به القادة في هذه المنطقة في هذا الصدد؟

توصيتي الأولى هي وبكل بساطة طرح الأسئلة التالية على النمط الجديد من روّاد الأعمال: ما الذي تحتاجونه؟ ما الذي تتوقعونه منّي؟ فكلّما كان الحوار بين الجهات الناظمة والجهات الخاضعة للتنظيم أفضل، كلما كانت النتائج أفضل. وفي الوقت ذاته، يحتاج روّاد الأعمال إلى التعبير عن رغباتهم أمام القطاع العام وتسليط الضوء على إسهاماتهم في المجتمع. فمن خلال هذا النوع من التعاون فقط ستتمكن المجتمعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تسخير كل القدرات الكامنة لشبابها.

وسط حالة الاستقطاب الشديد في المنطقة، تصدر بعض الأصوات الداعية إلى الفصل بين السياسة وقطاع الأعمال. فمن وجهة نظرهم، يمكن للنظام السياسي في البلد ما أن يكون سيئاً، لكنه قد يتمتع مع ذلك ببيئة أعمال طبيعية. ما رأيك بذلك؟ هل هذه الصيغة قابلة للنجاح؟ وضمن أي ظروف؟

وحده الحكم الرشيد سيكون قادراً على المحافظة على ديمومة النمو الاقتصادي الشامل للجميع والتوزيع العادل للثروة على المدى البعيد. وما تعلمناه خلال سنوات من تحليل للتنافسية وعوامل نجاح الاقتصاد الكلي، هو أنّ الدول الأفضل أداء هي تلك التي تحطم الحواجز الفاصلة بين القطاعات وتشدّد على الحاجة إلى وجود مساءلة متبادلة بين الجميع. وفي المشهد النهائي أرى بأنّ الجهود الإصلاحية التي تسعى إلى معالجة دور الشركات الكبيرة المملوكة من الدولة في المجتمع هو علامة إيجابية.

الجانب الشخصي لتجربة شواب الإدارية

هارفارد بزنس ريفيو العربية مهتمّة بتسليط الضوء على الجانب الخاص بالإدارة لدى البروفيسور كلاوس شواب من خلال بضع أسئلة إضافية:

ما هو برأيك أهم تأثير تركه المنتدى الاقتصادي العالمي ويجعلك تشعر بالفخر؟

مهما كان القرار صعباً، وإذا ما خُيِّرتُ، فإنني أودّ تسليط الضوء على أهم عمل أنجزناه وهو العمل على حصول "تحوّل عبر الأجيال"، ولد عبر مجموعتين خرجتا من رحم المنتدى الاقتصادي العالمي: الأولى هي "مؤسسة شواب لريادة الأعمال الاجتماعية" (Schwab Foundations for Social Entrepreneurs)، وهو عبارة عن تجمّع مميز من المختصين الذين يستخدمون تقنيات الإدارة الحديثة لتوفير الخدمات والمنتجات التي يحتاج إليها الكثير من الناس المهمّشين والأقل حظاً حاجة ماسّة. وهناك تجمّع آخر باسم منظمة «المشكلون العالميون» (Global Shapers) الذي يضمّ أكثر من 5000 شخص من جيل الألفية الجديدة في أكثر من 400 مدينة يحاولون ترك بصماتهم على المستوى المحلي في وقت يرتبطون فيه بشبكة عالمية. ويضمّ هذان التجمّعان نمطاً من الأشخاص القياديين يجعلني مفعماً بالأمل والتفاؤل حيال المستقبل.

أنت تزور المنطقة منذ فترة طويلة وتجتمع مع صنّاع القرار فيها، فكيف تصف التغيّر الحاصل في المقاربات المستعملة في مجال الإدارة واتخاذ القرار؟

لا أكشف سرّاً إذا قلت بأنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تكن تخلو يوماً من التحديات الاقتصادية أو السياسية أو المجتمعية. لكنّ ما أبهرني خلال السنوات الماضية وخلال رحلاتي المتعدّدة إلى المنطقة هو براعة قادة المنطقة، وقادة قطاع الأعمال وممثلي المجتمع المدني وحيلتهم الواسعة في التعامل مع المِحَن والصمود في مواجهة الظروف الصعبة. فإذا ما أضفنا إلى ذلك أسلوباً في الإدارة يعتمد على قدر أقل من الضغط من الأعلى إلى الأسفل، وهيكليات أقل هرمية، ومقاربة تساعد على دمج النساء والأقليات، وخاصّة الشباب، فإن المنطقة ستكون قادرة على تحقيق قفزات عظيمة باتجاه تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والازدهار.

كيف تنجح في إقناع الخصوم في الجلوس على المنصّة ذاتها لمناقشة القضايا التي تخصّ قطاع الأعمال والتجارة على الرغم من تبنّيهم لآراء سياسية متعارضة؟

نحن منفتحون على جميع الأشخاص المهتمّين بإقامة حوار بنّاء، وأنا أؤمن بأنّنا قد أثبتنا قيمتنا بوصفنا منصة موثوقة للقادة من جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك، أنا لم اجتمع مع سياسي أو قائد في قطاع الأعمال لم يكن قد واجه آراء مناقضة. فأنت لا تستطيع الارتقاء إلى المنصب الأعلى دون أن تثبت نفسك في النقاش والسجال أو في تنافس الأفكار.

بهذا المعنى، أنا أتطلّع قدماً إلى اجتماعنا في الأردن والذي نأمل أن يكون عبارة عن نقاش حيوي وبنّاء على مدار ثلاثة أيام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي