رسالة إلى الآباء والأمهات العاملين: امنحوا أنفسكم وقتاً للراحة

5 دقائق

تُعتبر ولادة الطفل الأول مرحلة تحوّل بالنسبة إلى الوالدين، إذ لم تعد الحياة تدور حولهما بعد اليوم، بل يوجد كائن صغير يعتمد عليهما بنسبة 100% في كل شيء، ولا بدّ لهما من ضمان نموه بصحة وعافية.

ومن الطبيعي بصفتك أماً أو أباً أن تولي جلّ اهتمامك لطفلك بدلاً من الاهتمام بنفسك وأن تضع احتياجاته في مقدمة احتياجاتك في هذه المرحلة الجديدة من الحياة. لكن بعض الآباء والأمهات يولون جلّ اهتمامهم لأطفالهم إلى درجة تجعلهم يتغاضون تماماً عما يجعلهم أشخاصاً سعداء وأصحاء، خاصة إذا كانوا أزواجاً عاملين. وقد يُسفر هذا الافتقار إلى الرعاية الذاتية عن إنهاك الوالدين، والذي قد يؤدي بدوره إلى ممارسة الوالدين أساليب تربية خاطئة، والتي تتراوح من ممارسة سلوكيات عدوانية إلى الإهمال، كما أنها قد تجعل الوالدين يشعران بالعزلة العقلية داخل المنزل وفي العمل.

إن إبداء حبك لأطفالك واهتمامك بهم يتطلّب منك حب نفسك واهتمامك بها أولاً. وبصفتي مدرباً متخصصاً في إدارةالوقت وأعمل مع العديد من الآباء والأمهات، أقدّم إليكم بعض الخطوات التي تقودكم إلى المسار الصحيح.

ركّز على قضاء وقت ممتع مع أطفالك

إن مقدار الوقت الذي تقضيه مع أطفالك مهم جداً، ومن المنطقي أن تخصص وقتاً محدوداً تقضيه معهم وتستفيد منه إلى أقصى حد.

إلا أن قضاءك كل وقتك مع أطفالك عندما لا تكون في العمل أو عندما تكون مستيقظاً قد يجعلك حاضراً معهم جسدياً، وبعيداً عنهم عقلياً وعاطفياً. بل من الأفضل بالنسبة إليك أن تقضي بعض الوقت بمفردك وأن تنعزل عنهم أو تمارس الرياضة أو تتحدث مع شريكك أو صديقك، وأن تعود إليهم بعد ذلك وأنت على استعداد تام للتواصل معهم، بدلاً من أن تقضي وقتاً طويلاً معهم وعيناك مركزة على الهاتف أو التلفاز أو الكمبيوتر، أو أن تكون مشتت الفكر من الناحية العقلية.

وتتمثّل إحدى أعظم الهدايا التي يمكن أن تقدمها لأطفالك في أن تبدي لهم أنهم مصدر سعادتك، وأن تكون حاضراً معهم، وأن تعي احتياجاتهم، وأن تكون سعيداً بقضاء الوقت معهم. ويمكنك إظهار ذلك من خلال إبداء شعورك بالبهجة عند دخولهم الغرفة، وأن تمارس التواصل البصري معهم وأن تلاحظ وتقدّر ما يفعلونه. وغالباً ما يحدّق الأطفال بوالديهم عندما يرتّبون قطع البازل أو يركضون حوالي الحديقة أو يمارسون هواية ما أملاً في البحث عن إجابة عن الأسئلة التي تدور في خلدهم: "هل تراني؟ هل لاحظت ما قمت به؟ هل تهتم بما أقوم به؟ هل أنت فخور بما صنعت؟".

ولا يمكنك في الواقع منح طفلك إجابة نابعة من القلب إذا كنت منهكاً وتحاول أخذ قسط من الراحة منهم في أثناء وجودهم معك. لذلك، من الضروري أن تمنح نفسك قسطاً من الراحة حتى تكون حاضراً معهم تماماً.

حدّد ما تحتاج إليه لتجديد شعورك بالطاقة

من المهم أن تحدد ما قد يساعدك في تجديد طاقتك بمجرد أن تتقبّل فكرة الاهتمام بنفسك. وأورد لكم فيما يلي بعض أوجه الرعاية الذاتية الشائعة التي رأيت الآباء والأمهات يتّبعونها:

  • ممارسة التمارين الرياضية
  • القيلولة
  • قضاء وقت في الطبيعة
  • القراءة
  • قضاء وقت مع الزوج
  • قضاء وقت مع الأصدقاء
  • قضاء وقت بمفردك، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الانطوائيين.
  • إعادة تنظيم الوقت
  • الصلاة
  • كتابة اليوميات
  • التعبير الفني كالرسم

حدّد الأنشطة اليومية البسيطة التي تساعدك في استعادة نشاطك حتى تكون حاضراً مع أطفالك عند وجودك معهم. وقد تصبح بعض هذه الممارسات روتيناً منتظماً من نمط حياتك يتيح لك تجديد طاقتك باستمرار قبل أن تضمحل قواك.

ابدأ بالتحولات الصغيرة

إذا شعرت أن وقتك غير كاف، فابدأ بإجراء بعض التغييرات الصغيرة التي تتيح لك تخصيص وقت لنفسك، وقد يشتمل ذلك على إجراء تمارين التمدد مدة 5 إلى 10 دقائق في الصباح أو الصلاة أو التأمل أو أي شيء آخر تكون أنت محوره. وقد يعني ذلك أيضاً قضاء 10 دقائق في قراءة كتاب ما وقت الغداء، أو ممارسة المشي السريع في فترة ما بعد الظهر لتجديد طاقة جسدك وعقلك. عندما يكون لدي جدول مواعيد ممتلئ، أمارس المشي مدة 5 دقائق حول البناء، ذلك أن ممارسة القليل من النشاط البدني في الخارج قد يحدث فارقاً ملموساً في الصحة العقلية.

تحدّ نفسك في تخصيص أوقات قليلة مدتها 5 إلى 10 دقائق في اليوم لممارسة الأنشطة الصغيرة التي تجدد طاقتك، فلن يحصل شيء إن تأخرت عن الرد على البريد الإلكتروني أو عن غسل الأطباق في المطبخ. ومن الضروري أن تدرك أن أخذ فترات راحة كافية طوال يومك يقلّل من شعورك بالإنهاك في المساء.

وكلما أخذت فترات استراحة أكثر، ستلاحظ قدرتك على تخصيص فترات أطول من الوقت لتكريسها للرعاية الذاتية. وقد تحتاج إلى إشراك بعض الأطراف الخارجية لضمان التزامك بهذه الممارسات، مثل أداء التمارين الرياضية مع مدرب، أو الاشتراك في صالة ألعاب رياضية، أو الانضمام إلى فريق ما، أو التخطيط للقاء صديق، أو الانضمام إلى نادٍ للكتاب، فالالتزام بممارسة الأنشطة الجماعية التي تعزز الاستثمارات الإيجابية التي تحاول تحقيقها في نفسك قد يحثك على مداومة هذه الأنشطة عندما تواجه إغواء وضع احتياجاتك جانباً.

اغتنم الفرص الخاصة

قد ينطوي نهجك على الاستثمار في جوانب صغيرة من الرعاية الذاتية معظم الوقت، لكن قد تتاح لك في بعض الأحيان فرصة الحصول على قدر كاف من الوقت لتجديد طاقتك، ومن الضروري أن تستغل هذه الفرص إن أمكن! فإذا كانت أسرتك قادرة على رعاية أطفالك، فكّر في قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مكان ما مرة واحدة كل حين. أو أضف يوماً إضافياً عند سفرك إلى بلد ما من أجل العمل حتى يتسنى لك قضاء بعض الوقت في تجديد طاقتك. وابحث عن فعاليات ترفيهية للعائلات في المطاعم أو النوادي تتيح لأطفالك قضاء وقت ممتع مع أطفال آخرين مقابل رسوم رمزية أو مجانية في بعض الأحيان، وتتيح لك أخذ قسط من الراحة في الوقت نفسه. واطلب من مديرك الإذن في العمل من المنزل في بعض الأيام حتى لا تضطر إلى الخروج من المنزل ويكون لديك كثير من الوقت تقضيه بمفردك.

وقد تساعدك هذه الفرص في ممارسة مسؤولياتك العائلية بطاقة متجددة بدلاً من أن تهيمن عليك فكرة أنك لا تحظى براحة أبداً.

تقديم الدعم المتبادل

من المهم أن يدعم الأزواج بعضهم البعض من خلال توفير أوقات راحة كافية، فالتناوب على رعاية الأطفال يُجنّب كلا الزوجين الشعور بالإرهاق من الواجبات الأسرية، وهو ما يساعدهما في تحسين الرعاية التي يقدمانها لأطفالهم، وفي تكوين علاقة أكثر سعادة وصحة معهم.

وقد لاحظت اتباع بعض عملائي أساليب تعاونية مع أزواجهم للعناية بالأطفال أتاحت لهم قضاء بعض الوقت الإضافي بمفردهم. ففي إحدى الحالات، قضى أحد عملائي ليلة الاثنين في التدرب مع فريقه، في حين قضت زوجته ليلة الأربعاء في التدرب على ركوب الخيل. وتمكّنا مع زوجين آخرين من قضاء ليال مختلفة مع أصدقائهم خارج المنزل، حيث خصّصت الزوجة ليلة تخرج فيها مع صديقاتها مرة واحدة في الأسبوع، وخصّص الزوج ليلة يقضيها مع أصدقائه مرة واحدة في الأسبوع. في حين تبادل زوجان آخران مسؤولية الواجبات الصباحية، وهو ما أتاح لكل منهما قضاء بعض الأيام الصباحية في المكتب أو ممارسة الرياضة في وقت مبكر. أخيراً، كان لدى أحد عملائي جليسة أطفال تأتي بضع ساعات في عطلة نهاية الأسبوع، وهو ما أتاح له قضاء بعض الوقت مع زوجته أو إنجاز المهام الشخصية دون تحمل المسؤولية الكاملة عن الأطفال.

هل تقضي وقتاً كثيراً مع أطفالك؟ بالطبع، ولكن هل تندم على تصرفك بتهكّم معهم عندما تسترجع أيام طفولتهم؟ بالتأكيد. أطفالك بحاجة إلى أن يكونوا سعداء وأن يشعروا بالقرب منك حتى تتمكن من التواصل معهم بطريقة تُشعرهم بالحب. لذلك، امنح نفسك وقتاً من الراحة حتى تتمكن من تقديم أفضل رعاية لهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي