متى تخطئ الشركات في تصنيف الموظفين على أنهم متعاقدون مستقلون؟

9 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُمكن تشبيه تاريخ شركة “أوبر” الحديث بإحدى مآسي شكسبير. وفي حين تكثر الآراء حول المواضع التي أخطأت فيها الشركة وما الذي تعين عليها القيام به للمضي قدماً، فإنني على عكس كثيرين، لست هنا لأشيد “بأوبر” أو أنتقدها، بل أنا هنا للتفكير في مسألة أعمق يعتمد عليها الكثير من أعمال الشركة.

من بين القائمة الطويلة من المخالفات التي اتهمتْ بارتكابها، تشبثت “أوبر” بقرارها تصنيف شبكتها الواسعة من السائقين كمتعاقدين مستقلين. توصلَ ما يقرب من 400,000 سائق متعاون مع “أوبر” في كاليفورنيا وماساتشوستس إلى تسوية بلغت قيمتها 100 مليون دولار مع الشركة في عام 2016 (تسوية رفضتها لاحقاً محكمة فيدرالية على اعتبار أن التعويض الممنوح لأصحاب المطالبات غير كافٍ). في أواخر عام 2016، حصل سائقان في نيويورك على إعانات بطالة عندما قضت الجهات التنظيمية في تلك الولاية باعتبارهما موظفَين وليسا متعاقدَيْن مستقلَيْن. وواجهت “أوبر” تحديات مماثلة خارج الولايات المتحدة الأميركية عندما قضى ثلاثة قضاة في المملكة المتحدة بأن يحصل سائقان لدى “أوبر” على الحد الأدنى للأجور.

“أوبر” لا تمثل مع ذلك حالة فريدة من نوعها

فالنقاش الدائر حول سوء تصنيف الموظفين، ومعاملتهم كمتعاقدين مستقلين وليس كموظفين، أمر منتشر في أماكن العمل الحديثة المتصدعة. لقد ثبت قطعياً أنه موضوع متكرر في أثناء عملي في قسم الأجور والساعات في وزارة العمل الأميركية في عهد الرئيس أوباما. وقد كنت شاهداً، أسبوعاً بعد آخر، على تحقيق تُجريه مكاتبنا المحلية يتصل بالتصنيف غير الصحيح لمختلف فئات العمال: من عمال النظافة إلى مقدمي خدمات التمريض المنزلي وعمال الطلاء والدهان وتركيب الكابلات والطهاة وسائقي شاحنات الموانئ وعمال التحميل في مراكز التوزيع. في إحدى الحالات ذات الصلة، عاد عمال البناء إلى منازلهم في نهاية الأسبوع كموظفين ليتم إخطارهم يوم الاثنين التالي، ربما بفعل قوة غامضة، أنهم أصبحوا “أعضاء أو مالكي” مئات الشركات ذات المسؤولية المحدودة، وبذلك جُردوا عملياً من الحماية الوظيفية التي يحصلون عليها على مستوى الولاية وعلى المستوى الفيدرالي.

على الرغم من اختلافها في الشكل، غير أن تأثيرات التصنيف الخاطئ هي نفسها تقريباً على الدوام: أجور أقل وفوائد وتأمينات معدومة وعمال أكثر عرضة لمجموعة متنوعة من المخاطر. وعندما تتبنى بعض الشركات التصنيف الخاطئ كاستراتيجية أعمال، فإن هذا سرعان ما يضعف موقع أصحاب العمل الآخرين الذين يتصرفون بمسؤولية ويجدون أنفسهم في مواجهة تكاليف غير مؤاتية ناجمة عن الامتثال للمعايير والمسؤوليات المطلوبة حيال العاملين.

عادت جميع هذه المشكلات إلى الأذهان مؤخراً عندما تراجعت القيادة السياسية في وزارة العمل الأميركية (في 2017) عن وثيقة إرشادية تتعلق بتعريف الموظفين مقابل المتعاقدين المستقلين التي صدرت تحت إشرافي (يمكن العثور على نسخة على هذا الرابط). لقد أذهلني هذا فهو خطوة غريبة، نظراً لأن الوثيقة لم تكن سياسية أو حزبية بطبيعتها، وبدلاً من ذلك، سعت إلى أن تشرح بلغة واضحة ومن خلال العديد من الأمثلة ما ينص عليه قانون معايير العمل الفيدرالي وكيف فسرته المحاكم. من وجهة نظر عملية، لم تغير إزالة التوجيه أي شيء يتعلق بمسؤوليات صاحب العمل، فالقانون ما زال هو القانون. لكنها تشير إلى نية محتملة لعدم التصدي لتصنيف العمال الخاطئ كمشكلة أساسية تستحق معالجتها. وهذا مثير للقلق حقاً. ومن أجل فهم واضح للسبب، من المهم أن نفهم ما التصنيف الخاطئ، وكيف وصلنا إلى هذه اللحظة، وما الذي على المحك بالنسبة إلى جميع الأميركيين.

شرح التصنيف الخاطئ للعاملين

نما استخدام التعاقد المستقل بشكل كبير على مدار العقد الماضي، ويشير أحد التقديرات إلى أنه زاد بنسبة 40% تقريباً، إذ ارتفع من 6.9% في عام 2005 إلى 9.6% في عام 2015. ويفيد تقرير صدر عام 2009 عن مكتب المساءلة في حكومة الولايات المتحدة، أن جزءاً كبيراً من التعاقد المستقل يثير الكثير من الشكوك ويمثل في الواقع خطأ في تصنيف العمال. على سبيل المثال، يُقدر أن حوالي ثلث عمال البناء في شركة “يو إس ساوث” (U.S. South) وهو قطاع تعد المشكلة فيه راسخة منذ أمد طويل، يُصنفون خطأ. وهذا العدد ليس استثنائياً، إذ تشير البيانات على مستوى الولاية إلى أنه من 10% إلى 20% من أصحاب العمل يخطؤون في تصنيف موظف واحد على الأقل.

تجربتي في وزارة العمل خير شاهد على هذا. في الكثير من القطاعات وفي العديد من أنحاء البلاد، رأينا ممارسات التوظيف الراسخة تتقوض مع انتشار التصنيف الخاطئ بسرعة عبر قطاعات مثل المطاعم وبناء المساكن والنقل بالشاحنات والخدمات اللوجستية.

إذن، ما الخطأ بالضبط في تصنيف العاملين؟

إنه ينبع من التمييز الأساسي ولكن الحاسم في قوانين العمل ومكان العمل. معظم الأفراد الذين يعملون في شركة ما هم موظفون بموجب القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات. ويختلف تعريف الموظف بين القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات، وهو ما يطرح بالتأكيد تعقيدات تتعلق بأصحاب العمل والعاملين على حد سواء. ومع ذلك، يُقصد بهذا التمييز بصورة عامة تحديد المسؤولية في المواقف التي يستأجر فيها شخص ما عمل شخص آخر لإنشاء شيء ذي قيمة.

علاوة على ذلك، تعرِّف القوانين التعاقد المستقل على أنه الحالة التي يمارس فيها الطرف المستأجَر الاستقلالية في تحديد السمات الأساسية للعلاقة مثل معدلات الأجور، وكيف ومتى سيؤدي العمل المطلوب، وفرص توسيع هذا العمل أو التعاقد عليه بناءً على مهارات الفرد الخاصة وقدراته وشركته أو مشروعه. وما يكتسي أهمية خاصة، وهو مبدأ توجيهي له جاذبية خاصة لي بصفتي فرداً درَّس الاقتصاد لطلبة الماجستير في إدارة الأعمال، هو أن قرارات المتعاقد المستقل وأفعاله لها تأثير كبير على فرص الأرباح أو الخسائر.

على النقيض من ذلك، عند التعامل مع موظفين، يتحكم صاحب العمل بشكل أساسي ويقرر كل الخطوات الواجب اتباعها: ما الذي يقوم به الأفراد، وكيف يقومون بعملهم، ومتى يقومون به، وما يُسمح لهم بالقيام به وما لا يُسمح لهم، وما الأداء المقبول، وبالطبع معدل الأجور. (للاطلاع والحصول على نظرة أعمق على الفروقات بموجب قانون معايير العمل العادل Fair Labor Standards Act ووثيقة الإرشادات 2015 guidance document).

هذه الفروقات مهمة

الفرد الذي يعد متعاقداً مستقلاً لا تشمله معايير العمل الأساسية مثل الحد الأدنى للأجور وساعات العمل الإضافية والمبدأ الأساسي المتمثل في وجوب التعويض عن ساعات العمل. كما أن المتعاقد المستقل غير مشمول بحماية شبكة الأمان الاجتماعي، مثل تعويض العمل والتأمين ضد البطالة، ولا بتشريعات الحماية الأخرى مثل متطلبات قانون السلامة والصحة المهنية (Occupational Safety and Health Act) وفرصة التمثيل من قبل منظمة عمالية بموجب قانون علاقات العمل الوطني (National Labor Relations Act). وأخيراً، يكون المتعاقد المستقل مسؤولاً عن دفع جميع الضرائب الفيدرالية المفروضة على الأجور (مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية) وكذلك ضرائب الولاية، ومن ثم، يدفع الضرائب والمساهمات الواجبة عليه بصفته صاحب عمل وموظفاً في الوقت نفسه. ويعرضه عدم إيفائه بذلك لعقوبات كبيرة (كما يحرم الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات من المساهمات الضريبية. سأتناول هذا الأمر بمزيد من التفصيل لاحقاً).

عندما يكون للعاملين قليل من السيطرة على عملهم، ولكنهم يصنفون على أنهم متعاقدون مستقلون، يمكن أن تكون خسائرهم هائلة. في حالة نموذجية إلى حد ما تولاها قسم الأجور والساعات، وتتعلق بشركة لخدمات التنظيف في شيكاغو، على سبيل المثال، حُرم 55 عاملاً من أجور بقيمة 185,000 دولار بسبب سوء تصنيفهم. هذا يعادل في المتوسط دخل ​​أكثر من 8.5 أسابيع.

وفي بعض الأحيان، تتعدى خسائر العمال الأجور. يوضح هذا بعبارات صارخة تقرير استقصائي صدر عن صحيفة “يو إس أيه توداي” (USA Today) عن سائقي الشاحنات الصغيرة العاملين في الموانئ المزدحمة في ساذرن كاليفورنيا، حيث أُرغم سائقو الشاحنات هؤلاء المصنفون على أنهم مالكون-مشغلون مستقلون من قبل الشركات التي يعملون معها على شراء شاحنات جديدة للامتثال للقيود المشددة المتصلة بانبعاثات العوادم. ونظراً لعدم توفر رأس المال لديهم، اشترى سائقو الشاحنات مركبات جديدة عبر التمويل المقدم من شركات النقل بالشاحنات ذاتها. ثم خُصمت مدفوعات المركبات من أجورهم فلم يتبق لهم سوى القليل من التعويضات. في كثير من الحالات، لم يتكبد السائقون فقط خسائر كبيرة في أجورهم (بعضهم خسر مئات الآلاف من الدولارات) ولكنهم فقدوا أيضاً شاحناتهم بسبب حالات طارئة طبية أو عائلية اضطرتهم للتغيب عن العمل. كل هذا لأنهم مدينون للشركات التي يعملون من أجلها دون أن يكونوا موظفين عملياً لديها. وبشكل استفزازي، ولكن بكل بدقة، يشير التقرير إلى هؤلاء العمال وغالبيتهم من المهاجرين الفقراء على أنهم خدم بالسخرة في العصر الحديث.

ولكن سيكون من الخطأ الاعتقاد أن الآثار السلبية للتصنيف الخاطئ تقتصر ببساطة على العمال الذين تؤثر عليهم مباشرة. فالمجتمع ككل يدفع الثمن أيضاً.

في البداية، الفرد الذي يجب اعتباره موظفاً ولكنه يُصنّف خطأ على أنه متعاقد مستقل لا يساهم في تأمين البطالة أو تعويض العمال. ونتيجة لذلك، تقلل هذه الممارسة التمويل الذي تتلقاه أنظمة التأمين الاجتماعي.

في كثير من الأحيان، لا يدفع العاملون المصنفون خطأ الضرائب المفروضة على دخلهم، وهو ما يؤثر على الضرائب الفيدرالية وضرائب الولاية. ويشكل هذا مصدر قلق كبير للإدارات الحكومية المحلية، وهو ما يساعد على توضيح لماذا انضمتْ إلينا، خلال عملي كمسؤول عن قسم الأجور والساعات، 36 ولاية مختلفة (سواء كانت تابعة للجمهوريين أو الديموقراطيين) للعمل معاً على معالجة سوء التصنيف. شمل ذلك تبادل المعلومات والتدريب، وفي بعض الحالات التعاون في إجراء تحقيقات استقصائية تتمحور حول مشكلة التصنيف الخاطئ. وبالمثل، أرسينا جهوداً في التعاون مع أصحاب العمل الذين شعروا بقلق عميق نتيجة التهديد الذي يشكله المنافسون الذين أخطؤوا في تصنيف قواهم العاملة على الشركات التي كانت تصنف بشكل صحيح القوى العاملة لديها كموظفين.

بطبيعة الحال، يصبح النقاش الدائر حول تصنيف مكان العمل بصورة حتمية معقداً وتفصيلياً اعتماداً على الموقف. وما من شك في أن الاختلافات بين القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات حول كيفية تقييم العوامل المختلفة في تصنيف العاملين تقود إلى الإرباك، سواء أكان باستخدام اختبارات ظروف “الوقائع الاقتصادية” المرتبطة بقانون معايير العمل العادل أم باستخدام التمييز في القانون العام المبني على علاقات “السيد بالخادم” الذي استُمد منه العديد من قوانين الولايات. وهذا الذي جعلنا في عام 2015 نصدر التوجيهات التي سُحبت في حينها.

لكن هذه المشكلة بالكاد تقتصر على مجال قانون العمل. فالمبادئ القانونية تتعارض على الدوام مع وقائع العالم الحقيقي. في حين أنه من الأهمية بمكان فهم بعض الاختلافات القانونية ذات الطابع التقني المعقد حول تصنيف العمل، غير أنه لا يمكننا أن ننسى المشكلة الكامنة وراء إساءة استخدام ذلك. يتعلق التصنيف في الحقيقة بحماية الناس مما هو، بصورة لا مفر منها، علاقة تفاوضية غير متساوية: أي التوظيف.

يعيدنا هذا إلى “أوبر” واقتصاد المنصات الرقمية الناشئ 

عندما أصدرنا مستندنا التوجيهي فيما يتعلق بتعريف التوظيف في عام 2015، لم يكن مستهجناً أن تعرب نقابة الدفاع عن أصحاب العمل، وهي شركات المحاماة المتخصصة في الدفاع عن شركات الأعمال في الدعاوى القضائية التي يرفعها الأفراد والدعاوى الجماعية وتلك التي ترفعها الحكومة، عن قلقها إزاء تأثيره، بالنظر إلى انتشار هذه الممارسة. ومع ذلك، حظيت الوثيقة التوجيهية بمستوى غير متوقع من الاهتمام من الشركات العاملة في العالم الرقمي. وعلى وجه الخصوص، رأى فيها كثير من المراسلين الصحفيين وكذلك العاملون في القطاع رداً مباشراً على التقاضي الجاري في العديد من الأماكن في جميع أنحاء البلاد من قِبل سائقي “أوبر” الذين أكدوا أنهم صُنفوا خطأ كمتعاقدين مستقلين. وكما لاحظتُ في كثير من الأحيان في المقابلات، ركزتْ إرشاداتنا على ملايين العاملين الذين يُحتمل أنهم صُنفوا خطأ كمتعاقدين مستقلين في مكان العمل المتصدع، وليس فقط على أقل من 1% من العاملين في اقتصاد الأعمال المستقلة عبر المنصات الرقمية.

لقد أدهشني كذلك تعليق من قادة في المنصات الرقمية في وادي السيليكون، وكذلك مناقشاتنا مع المدراء التنفيذيين وشركات رأس المال الاستثماري والعاملين. لقد أشار معظمهم إلى أنهم ينظرون إلى حالة المتعاقد المستقل بصفتها الخيار التلقائي للتوظيف. وفي حالات ليست بالكثيرة، ربما كانوا على حق. تخدم بعض نماذج المنصات حقاً وظيفة توصيل المستخدمين النهائيين الباحثين عن خدمات معينة بمجموعة من مقدمي الخدمات الذين يعملون كشركات مستقلة تبحث عن العملاء (من الأمثلة على ذلك شركة “تاسك رابيت” (Task Rabbit)). ويواجه مقدمو الخدمات الذين يستعينون بهذه المنصات حالات الصعود والهبوط المحتومة المتصلة بتشغيل شركة أعمال ولديهم مستوى معين من التحكم بعملهم.

ولكن في الجزء الأكبر منه، ما يثير القلق هو الافتراض القائل إن مجرد وجود تطبيق يعمل كوسيط إداري يزيل بطريقة أو بأخرى الحماية الطويلة الأمد المنصوص عليها في قوانيننا. ومن الأهمية بمكان أن نولي الاهتمام لهذا التحول في العقلية لأن استخدام المنصات لمساعدة المستهلكين على أداء المهام وإجراء عمليات الشراء من المرجح أن يزداد مع اختفاء وظائف البيع بالتجزئة والخدمات التقليدية عن طريق التعامل وجهاً لوجه مع العملاء. فحتى المنتجات الموجودة في محال البقالة التي كان يُعتقد أنها تواجه تهديداً محدوداً من التجارة الإلكترونية، باتت مستهدفة، كما يتضح من حيازة شركة “أمازون” على شركة “هوول فودز” (Whole Foods). بالتأكيد، يمكن أن يؤدي التحول في طريقة التسليم إلى زيادة الوظائف في مراكز التوزيع ولدى شركات مثل شركات الطرود السريعة مثل “فيديكس” و”يو بي إس”. ولكن كما اتضح من إعلان ماكدونالدز عن شراكته مع “أوبر” للتوصيل المنزلي لوجبة بيغ ماك والبطاطس المقلية، يمكن القيام بذلك أيضاً من خلال متعاقدين مستقلين. يعد التفكير في طبيعة هذه الوظائف ومسؤوليات الشركات المعنية أمراً مهماً الآن كما كان في اقتصاد أُنجز فيه العمل داخل أربعة جدران لدى صاحب عمل معين.

بطبيعة الحال، ستؤثر التقنيات الجديدة والتوقعات المتغيرة للموظفين والطبيعة الديناميكية للأعمال باستمرار على طبيعة العمل. هذا ما شهدناه عبر التاريخ الاقتصادي. ولكن هذا لا يعني أنه ينبغي لنا أن ننسى أو نتغافل عن المنطق الأساسي الكامن وراء قوانين مكان العمل لدينا التي تعود إلى مطلع القرن الماضي، ألا وهي: الاعتراف بأن العاملين بحاجة إلى الحماية لأن القدرة على المساومة تميل على الدوام نحو كفة صاحب العمل. هذا الاختلال لم يختفِ من بيئة العمل المرنة اليوم، ولن يتغير في المستقبل القريب. وعلى الرغم من أننا قد نحتاج إلى تقييم ما إذا كانت طرق توفير الحماية فاعلة، يجب أن يبقى الالتزام الأساسي تجاه العمال قائماً.

مع سحب المبادئ التوجيهية الموجهة لأصحاب العمل وسط مناخ من الأعمال يُعد فيه التعاقد المستقل هو الأمر الطبيعي، هل يتلاشى هذا الالتزام؟ لقد واجهنا بالفعل عقوداً شهدنا خلالها جموداً في الأجور الحقيقية وتدهوراً في ظروف العمل الخاصة بكثير من القوى العاملة واتساعاً في عدم المساواة في الدخل بالنسبة إلى الاقتصاد ككل. والسماح بتخفيف مزيد من المسؤولية عن كاهل صاحب العمل في أماكن العمل الفعلية والرقمية لن يؤدي إلا إلى تكثيف تلك الاتجاهات المثيرة للقلق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .