كيف يبدو العمل بالنسبة للنساء في الخمسينيات من العمر

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“كانت الخمسينيات من عمري العقد الأكثر إثارة في مسيرتي المهنية إلى الآن، ويبدو أن الخيارات أمامي لا تنفك تصبح أفضل مع دخولي سن الستين”، كما تقول بابيت بيترسون، بابيت هي واحدة من عدد متزايد من الأشخاص –خاصة النساء- الذين تسارعت مسيرتهم المهنية مع اقترابهم مما يعتبر سن التقاعد.

قضت بيترسون سنوات منتصف مسيرتها المهنية مع شركة “داو كورنينغ”. مكّنها امتداد مسيرتها المهنية على مدى 22 عاماً، بما في ذلك الثلاثينيات والأربعينيات من عمرها، من “التقدم رويداً رويداً وخطوة خطوة مع المحافظة على توازن معقول بين الحياة والعمل” بينما كانت تعمل على تنشئة أولادها. لكن الخمسينيات تحديداً شهدت تغيراً كبيراً. أولاً، تم اقتناصها من قِبل شركة “دوتش دي إس إم” (Dutch DSM)، وهي شركة علمية عالمية، لتكون إحدى النساء القليلات ضمن فريق هيئة الإدارة التنفيذية للشركة. انضمت بعدها ببضع سنوات إلى شركة ناشئة اسمها “بيو آمبر” (BioAmber) تنتج الوسائط الكيميائية باستخدام السكر بدل الوقود العضوي. وقد كانت تلك نقلة مؤثرة سمحت لها بالدفع نحو بدائل للبتروكيماويات أكثر استدامة. تقول بيترسون: “كأنني عشت مسيرتي المهنية سائرة من الوراء إلى الأمام”، وتضيف ضاحكة “أتى كل التغيير واكتسبت خبرة العمل مع الشركات الناشئة في النهاية، بدل أن يحدث ذلك في البداية”.

ليس المسار “التقليدي” في العمل إلا مسار عمل “ذكوري تقليدياً”. معظم الشركات ترى في حوالي الثلاثينيات من العمر الوقت المناسب للتركيز على تطوير وتسريع المواهب الواعدة من خلال التنقل الوظيفي والانتدابات الموسعة -وكأن المسار المهني يُصنع (أو لا) قبل سن الأربعين. لكن هذا النهج لم يخدم النساء أو (الآباء والأمهات) في يوم من الأيام. فمع امتداد معدل الأعمار إلى حد المائة عام (انظر إلى كتاب “حياة المائة عام” (The 100-year Life) لليندا جراتون وأندرو سكوت) قد يكون هناك حاجة إلى إعادة تعريف سن الخمسين على أنها فعلاً النقطة في منتصف المسيرة المهنية.

تدرك بعض الشركات أن توازناً أكثر بين الجنسين في مخزون المواهب لديها يتطلب إعادة التفكير في مراحل المسار المهني، لهذا تعمل هذه الشركات على تمديد العمر التعريفي للموهبة من العشرينيات إلى الأربعينيات.

في شركة “يونيليفر”، أطلقت لينا ناير في مرحلة سابقة من مسارها المهني – هي مسؤولة الموارد البشرية في مجموعة “يونيليفر” حالياً- برنامجاً في الهند اسمه “مسار مهني على مقاسك” (Career By Choice). يسمح البرنامج للموظفين –الآباء والأمهات من الشباب خاصة- العمل بصفة استشاريين داخليين لفترة من الزمن بتوفير أوقات عمل مرنة لهم. “يهمنا كثيراً إدارة دورات المسار المهني للموظفين بحيث تكون مرنة وتسلك مساراً منحنياً غير خطي، هذا يسمح لموظفينا بالاستمرار بالنمو والتطور بينما يوازنون أولوياتهم الشخصية التي تختلف صلتها بحياتهم من مرحلة إلى أخرى. وقد وجدنا أن خيار المرونة لاقى رواجاً أكثر لدى النساء اللواتي يُنشئن عائلات واللاتي سيعملن على تسريع مسارهن الوظيفي في مرحلة لاحقة”.

عُيِّنت أوديل دي داماس نوتين في عمر 52 عاماً نائباً أول لشؤون الموارد البشرية في قسم التسويق والخدمات في مجموعة “توتال” للبترول”، ثم رُقّيت لتنضم إلى فريق التنفيذيين في مجموعة “توتال” (32 عضواً) بعمر 54 عاماً. عندما تعود أوديل للوراء بالذاكرة إلى الشكل الذي اتخذه مسارها المهني، تقرّ بأنه كان الأنسب لها. أولاً، كان هناك منحنى تعليمي متنوع جداً ومُسرَّع في الجانب التجاري من عملها في العشرينيات من عمرها، تبعته “مرحلة مستقرة” في الثلاثينيات أشرفت فيها على تدريبات عمليات الشركة في فرنسا عندما كان لديها 3 أولاد. تذكر أوديل كيف رفضت عرضاً للانضمام إلى برنامج تعزيز المقدرات القيادية قبيل ولادة طفلها الثالث. “لم يكن الوقت مناسباً” تقول أوديل، وتعترف بالدعم الكبير الذي تلقته من مدرائها حينها، فقد رحبوا بالفكرة عندما عادت في سن الثامنة والثلاثين وطلبت منهم إرسالها إلى ذلك البرنامج الحصري وهو الأمر الذي أعاد تسريع مسيرتها المهنية. أوديل الآن في سن الـ 56، وهي عضو في فريق الإدارة العليا في واحدة من كبرى شركات النفط في العالم، وتتطلع قدماً لبلوغ مناصب قيادية أوسع في العقد القادم الأكثر تحدياً في مستقبل المجموعة. شهيتها للقيادة آخذة بالتزايد أكثر، وهي تتطلع بسعادة إلى الستينيات لنقل خبرتها إلى مجالس إدارة شركات أخرى أيضاً.

بالنسبة للنساء والرجال على حد سواء، ليست الحياة العملية وحدها التي تبلغ أوج عطائها في الخمسينيات من العمر. فبعد مضي سنوات منتصف العمر المتوترة، تُظهر البيانات أن مستوى السعادة يرتفع في بداية الخمسينيات، وتبرز مهارات عقلية جديدة. “لدى الأشخاص الأكبر سناً مشاكل أقل ويأتون بحلول أفضل للصراعات”، كما ذكرت “ذي إيكونومست” في عام 2010 في استعراضها للبحوث حول هذا الموضوع، “هم أفضل بالتحكم بعواطفهم وأفضل في تقبل العثرات وأقل عرضة للغضب”.

لقد عرف أبناء الخمسينيات كيف يلعبون اللعبة، وكيف يمكنهم التأثير في مردود العمل بدلاً من الشعور بالتعب والتقدم بالسن. وبينما لا يزال كثيرون يدعون أن المسار المهني يبلغ نهايته بشكل أو بآخر بعمر الخمسين، فإن عصبة أبناء الرخاء (المولودون في فترة طفرة المواليد بين أعوام 1946 و1964) يعيدون كتابة القوانين. لقد اجتمعت لديهم عوامل عديدة، منها منزل خالٍ من الأبناء، وسمعة قوية، وعقارات اكتمل سداد مستحقاتها، ما يعني أن هذا العقد الفضي يوفر مزيجاً غير متوقع من النفقات المخفضة والمرونة وحتى وفرص عمل جديدة مثيرة بالنسبة للبعض. وهذا كله يشكل مفاجأة سارة لم تكن بالحسبان. “تصبح الأمور أسهل” تقول بيترسن، وتضيف: “لديك وقت أكثر للتفكير، ومرونة أكثر للتحرك، وطموح أكبر من أي وقت مضى. لم أتوقع هذا أبداً”.

على أي حال، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن النساء والرجال قد يسلكون مسارات مختلفة خلال هذا العقد من الحياة. فمع الانخفاض المطرد في معدلات الزواج والطلاق على حد سواء خلال العقود القليلة السابقة بين المتعلمين في الولايات المتحدة، يزدهر الزواج والطلاق لدى عصبة ما بعد الخمسينيات. والنساء هن من يقدنَ هذا التوجه الجديد حيث إن ثلثي من يهجرون علاقة زوجية استمرت لعقود هم من النساء. فمع بلوغهن أوج عطائهن في العمل، تبدأ النساء بالبحث عن شريك داعم لهن – أو لا شريك- يُمكّنهن من الاستفادة من أقصى إمكاناتهن. أما المسار المهني لأزواج هؤلاء النساء فعادة ما يكون مساراً مهنياً كلاسيكياً وخطياً، الرجال فيه على وشك إبطاء عجلة تطورهم في الوقت الذي يكون المسار المهني لزوجاتهم قد أقلع لتوه. “يُصاب (الأزواج) بالإنهاك بعد أن أعطوا كل ما لديهم خلال العقود الماضية. كل ما يريدونه هو لعب الغولف”. بهذه الكلمات وصفت إحدى المديرات التنفيذيات هذه الحالة.

لكن ما الفائدة أصلاً من اتخاذ المسار المهني للرجال والنساء الشكل نفسه؟ ألن يكون من المجدي أكثر للشريكين الأبوين لو يتخذ مسارا عملهما نمطاً تكاملياً؟ على الأزواج الشباب الأذكياء التخطيط لعائلات أكثر شمولية وذات مسار مهني مزدوج بدل مسارات فردية، بحيث يكون مسار كل شريك مختلفاً قليلاً عن الآخر لكن داعماً له في نفس الوقت. على هذا الأساس، فقد يعمل شريكٌ من سن 30 إلى 50، ليأتي آخر ويكمل الماراثون الأطول.

غالباً ما تعتقد النساء (وبعض الرواد من الرجال) اللواتي أخذن استراحة خاطفة من عملهن في الثلاثينات ليصبحن أمهات أنهن آذين أنفسهن بهذا الفعل. لكنهن لو سرّعن من مسارهن المهني في الأربعينيات، ووجدن شركات مستعدة للاحتفاظ بهن في العمل، سيجدن أنفسهن أمام فرص من النخب الأول في الخمسينيات من عمرهن فما بعد. ليس بالاكتشاف الجديد، حيث دافعت فيليس سشوارتز عن المرونة في العمل منذ عام 1989، كذلك أعادت آن مارس سلاوتر تجديد النقاش مع بداية هذا القرن. كل ما في الأمر هو أن الأرقام والضغط على النساء يستمران بالنمو مع تحول النساء إلى الأغلبية في القوة العاملة المثقفة -وتحول الرجال للعب دور أكبر في تربية الأولاد.

لطالما كانت النساء تقليدياً المربّي الأساسي للأبناء، لكن هذا النمط آخذ بالتغير مع بدء الشركات والدول باستبدال إجازة الأمومة بإجازة أبوّة للأب والأم تسمح لهما بتقرير خيارات مسارهما المهني وأسلوب رعاية أطفالهما. في هذه الأثناء، هناك موجة متصاعدة بطلاتها نساءٌ ذوات تعليم ومهارة عالية تظهرن الجانب الآخر من أزمة العائلة، وهنّ أكثر طموحاً من أي وقت مضى. تُبدي اليوم بعض الشركات ما يكفي من المرونة لتمكين الموظفات اللواتي تأخر (نسبياً) عطاؤهن، وهو ما يسمح لهذه الشركات بالاستفادة من قوة عاملة جديدة فعّالة على المستوى العالمي. ومن يدري، قد يعود هذا العقد الفضي بالذهب على أصحاب الأعمال المبتكرين والأذكياء هؤلاء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .