لكي تنتج بيانات جيدة عليك أن تبدأ من المصدر؟

5 دقائق
خصائص البيانات الجيدة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يمكننا إنجاز شيء مهم في شركاتنا من دون خصائص البيانات الجيدة ذات الجودة العالية، ويظن معظمنا، في أعماقه، أن البيانات التي نملكها ليست بالمستوى المطلوب. ولذا، نبذل قصارى جهدنا لتنقية بياناتنا، وتطبيق برامج قادرة على اكتشاف الأخطاء بصورة تلقائية، والبحث عن التأكيد من مصادر خارجية. أطلق على هذه الجهود كلها اسم “معمل البيانات الخفي”، ولكن، هذا العمل يستهلك كثيراً من الوقت والمال، وفي معظم الأوقات لا يؤدي إلى نتيجة جيدة.

حل مشكلة سوء مصادر البيانات

لن تنتهي عملية التنقية أبداً. تخيل أنك نقيّت بياناتك المتوفرة كلها بصورة تامة، ولكنك لم تعالج مشكلة رداءة الجودة لدى مصدر البيانات، وعندما تأخذ بيانات جديدة، سوف تأخذ معها أخطاء جديدة تؤثر على عملك، وسوف تهدر وقتك ووقت فريقك من جديد في التعامل مع الأخطاء. لقد تجاوز عمل تنقية البيانات، باعتباره وسيلة لتحقيق جودتها، تاريخ صلاحيته منذ وقت طويل.

اقرأ أيضاً: لماذا يحتاج علم البيانات إلى موظفين ذوي خبرة عامة وليس إلى موظفين متخصصين؟

بدلاً من تصحيح جودة البيانات بالعثور على الأخطاء وتصحيحها، يجب أن يتبنى المدراء والفرق عقلية جديدة تُركز على إنشاء البيانات بالصورة الصحيحة منذ البداية، من أجل ضمان الجودة أثناء العمليات. يجب أن يُشكل هذا النهج الجديد، والفحص النافي للجهالة لتنفيذه، الخطوة الأولى لأي قائد يسعى على نحو جدي لغرس عقلية مستندة إلى البيانات في الشركة، أو تطبيق علوم البيانات فيها، أو تحويل بياناتها إلى نقود، أو يسعى ببساطة إلى زيادة كفاءتها. وهذا يستدعي أن تنظر إلى نفسك ودورك في التعامل مع البيانات بطريقة جديدة، وأن تتعرف على الأسباب الأساسية للأخطاء، وتقضي عليها بحزم، لتختفي نهائياً.

من السهل بشكل مدهش القضاء على معظم الأسباب الجذرية. خذ مثلاً إحدى العيادات الطبية، كان الموظفون عادة يعانون من صعوبة في الاتصال بالمرضى بعد زيارتهم العيادة في حال استدعت الحاجة إضافة بعض التحاليل إلى جداولهم، أو تغيير أدويتهم، وما إلى ذلك. لم يعرف أحد مدى تكرار هذه الأخطاء، ولا مقدار الوقت الذي تتسبب في هدره، ولكنها كانت تؤثر على صحة المرضى وتتسبب باستياء الموظفين.

لذا، تفحّص الموظفون بيانات آخر 100 مريض زار العيادة، ووجدوا أن أرقام هواتف 46 منهم كانت خاطئة، فراجعوا إجراءاتهم، واكتشفوا عدم وجود موظف مسؤول عن أخذ هذه البيانات، وأجروا تغييراً بسيطاً. عند دخول المريض، يطلب منه موظف الاستقبال تأكيد رقم الهاتف المسجل لديه، كان ذلك أول ما يُطلب من المريض فور وصوله، فيقول موظف الاستقبال “مرحباً سيد مهند، تسرنا رؤيتك مجدداًـ هلا أكدت لنا رقم هاتفك”. أُجريتْ عملية قياس جديدة في العيادة بعد مضي أسبوعين، وتبين أنه قُضي فعلياً على أخطاء أرقام الهواتف كلها.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يمكن لدول العالم الاعتماد على تشريعات الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات؟

يبدو أنه من الممكن تعميم الطريقة التي اتبعتها العيادة الصحية، فيمكنك ترتيب البيانات التي تحتاج إليها، ثم قياس جودتها، ثم التعرف على المواضع التي يمكن تحسين الجودة فيها، ثم تحديد الأسباب الأساسية للأخطاء والقضاء عليها. تتمتع هذه العملية بمرونة شديدة، وهي سهلة التعليم واستخدامها بسيط للغاية.

وإذا تمعّنت في المثال ستجد أن العيادة الطبية تمثل دورين مهمين في جودة البيانات، وهما دور عميل البيانات، ودور منشئ البيانات. العميل هو الشخص الذي يستخدم البيانات، في حين أن المنشئ هو الشخص الذي يُنشئ البيانات اللازمة أو يُدخلها للمرة الأولى (من الجدير بالذكر أن الآلات والأجهزة والخوارزميات أيضاً تستخدم البيانات وتنشئها. وبذلك يكون العميل أو المنشئ هو أيضاً الشخص المسؤول عن هذه الآلات والأجهزة والخوارزميات).

خصائص البيانات الجيدة

من الضروري أن يُدرك الشخص أنه عميل للبيانات، ويوضح ما يحتاج إليه، ويخبر منشئ البيانات عنه. كما يجب أن يُدرك الشخص أنه منشئ، ويجري التحسينات على عملياته ليقدم بيانات متسقة مع احتياجات عميله. وفي العيادة الطبية، لم يدرك موظفو ما بعد الزيارة أنهم عملاء للبيانات، ولم يدرك موظفو الاستقبال أنهم منشؤون لها، ولكن ما أن أدركوا ذلك، تمكنوا من تطبيق مشروع التحسينات مباشرة.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تكون البنوك هي الحامي الأساسي لبيانات العملاء الخاصة؟

أرى أن الجودة تتحسن بسرعة عندما تتبنى الفِرق والشركات هذا النهج، وتتقلد هذه الأدوار، وتتبع هذه الخطوات. وقد اتبع الموظفون في شركات كبيرة، وصغيرة، وفي قطاعات شديدة التنوع مثل الخدمات المالية والنفط والغاز وتجارة التجزئة والاتصالات، هذه الخطوات من أجل إجراء تحسينات أكبر حجماً في بيانات الفواتير والعملاء والموظفين والإنتاج، وغيرها من البيانات، وتمثلت النتيجة المباشرة في تحسين أداء الفرق. في بعض الحالات، وصلتْ المبالغ التي تم توفيرها إلى مئات ملايين الدولارات سنوياً.

إذاً، لماذا لا يُصبح هذا النهج قاعدة عند البحث عن خصائص البيانات الجيدة والمدروسة؟

تَبيَّن وجود مشاكل تنظيمية وثقافية كثيرة تعيق استخدام هذا النهج، كما هو الحال في العيادة، كان كثير من الموظفين يدركون بصورة مبهمة أن هناك مشكلة، فكانوا يعتقدون أن البيانات تابعة لقسم تقنية المعلومات، أو كانوا خائفين من إجراء الاتصالات التي يحتاجون إليها مع الأقسام المنعزلة من المؤسسة. وبالفعل، اكتسب الموظفون عادات سيئة فيما يتعلق بجودة البيانات، والعادات السيئة يصعب كسرها.

ومن أجل توضيح كيف تترسخ هذه العادات السيئة وتنمو، لنأخذ يارا مثلاً، وهي موظفة مبيعات تتلقى بيانات الاتصال بالعملاء من قسم التسويق، وهي تعي تماماً أن البيانات ليست جيدة، وتمضي ساعتين تقريباً في تصحيحها كل يوم. يعتمد أداء يارا على عدد اتصالات المبيعات الناجحة التي تجريها، وحصتها من الاتصالات كبيرة. وكان تصحيح الأخطاء أسهل بالنسبة لها من التواصل مع قسم التسويق، رغم أن استثمار مقدار قليل من الوقت في ذلك سوف يمنحها مزيداً من الوقت فيما بعد.

من السهل تبرير الإجراء الذي اتبعته يارا، فهي تحتاج إلى إنهاء حصتها من الاتصالات، ولو كانت البيانات سيئة. ولكن توليها مسؤولية تصحيح أخطاء البيانات بنفسها وعدم التواصل مع قسم المبيعات وإخبارهم عما تحتاج إليه، يعني توليها مسؤولية جودة البيانات التي يُنشئها أشخاص غيرها، وهي بذلك تُدخل عادة سيئة إلى روتينها اليومي. أضف إلى ذلك أنه إذا اضطر أي موظف آخر لاستخدام بيانات قسم التسويق هذه، فهو لن يتمكن من الحصول على التصحيحات التي أجرتها يارا، وهكذا تستمر حلقة الأخطاء في مكان آخر.

ولكن، يوجد كثير من الموظفين من أمثال يارا في كل وظيفة وقسم وعلى المستويات كلها، وهم لا يترددون في اتباع الأسلوب الخاطئ، وإدخال ممارسات سيئة فيما يتعلق بجودة البيانات إلى أعمالهم.

رغم أن هذه المشكلات دقيقة وقوية في الوقت نفسه، إلا أنه بإمكان أي مدير تولي مسؤوليتها وتبني العقلية التي تقول إن “جودة البيانات تتمثل في إنشاء البيانات بصورة صحيحة منذ البداية” ضمن نطاق نفوذه. ابدأ بطرح سؤال على نفسك عما إذا كنتَ قد أصبحت شديد التسامح مع البيانات السيئة، وتحمّل مسؤولية ما تولده من عمل إضافي، ثم ادخل في دور العميل عندما تمر بمشكلة بعد ذلك. لا تتذمر، ولا تقل “ليس هذا ما أردته” فحسب، بل فكر ملياً بشأن ما تحتاج إليه فعلاً، وتحاور مع منشئ البيانات، واعملا معاً لإجراء التحسينات واحداً تلو الآخر، وبعد فترة قصيرة، سوف تُصبح هذه عادة لديك.

اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج المستشفيات إلى التخصص في مجال البيانات؟

وعلى مستوى الشركة، يجب أن يُصرّ كبار القادة على أن يأخذ الجميع هذين الدورين، ومن أجل تحقيق ذلك، أُوصي بتشكيل فريق صغير وقوي من أخصائيي جودة البيانات، ليدير برنامجاً شاملاً، ويدرب الموظفين على طريقة تنفيذ العمل، ومساعدة عملاء البيانات ومنشئيها على التواصل فيما بينهم، ومساعدتهم في حال وجود صعوبات.

من الصعب تغيير النماذج المتعلقة بموضوع خصائص البيانات الجيدة بسبب المصادر، ولكن لحسن الحظ، فإن إنشاء البيانات على النحو الصحيح منذ البداية يُثمر مكاسب عظيمة، فهو يوفر الوقت والمال، وقد ينقذ الأرواح أيضاً كما هو الحال في العيادة الطبية، كما يبني الثقة في البيانات، ويؤدي إلى قرارات أفضل. جميعنا مستخدمون للبيانات أو منشؤون لها، وتولي هذين الدورين يساعد الموظفين في بناء العقلية المناسبة حول جودة البيانات ومنع مشاكل البيانات قبل أن تنشأ.

اقرأ أيضاً: لكي تنطلق في عمل مستند إلى البيانات ابحث عن شريك متفهم

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .