يكره الناس تقييم الأداء. إنهم يكرهونه حقاً. فوفقاً لاستبيان أجراه مجلس الإدارة التنفيذية (CEB) حول الشركات الواردة في قائمة مجلة "فورتشن" لأكبر 1,000 شركة أميركية، كان 66 في المئة من الموظفين غير راضين بشدة عن تقييمات الأداء التي تلقوها في مؤسساتهم. وما يثير الدهشة أكثر، أنّ 65 في المئة من الموظفين يعتقدون بأنّ تقييمات الأداء لم تكن ذات صلة بوظائفهم.
وهذا أمر مؤسف بالنظر إلى كمية الموارد التي تكرّسها المؤسسات لإجراء تقييمات الأداء. ووفقاً للبحث الذي أجراه مجلس الإدارة التنفيذية، عندما نأخذ في الاعتبار كمية المال التي تستثمرها المؤسسات في تكنولوجيا تقييم أدائها ومقدار الوقت الذي يقضيه مدراء الحسابات لتقييم موظفيهم، تنفق المؤسسات الأميركية حوالي 3,000 دولار في السنة لكل موظف. وهذا يعني أنّ مليارات الدولارات تُنفَق في كل أنحاء البلاد لأن أكثر من 90 في المئة من الشركات الأميركية تقدم تقييم الأداء مرة واحدة في السنة على الأقل.
لماذا يشعر الموظفون بالإحباط من طريقة تقييمهم، على الرغم من كل الوقت والمال اللذين يُنفقان على هذه التقييمات؟ ما الذي لا تدركه المؤسسات؟ نعتقد أنّ أحد القرائن يكمن في حقيقة أنّ 71 في المئة من الموظفين الأميركيين يعتقدون أنّ تقييماتهم تعاني من مشاكل في مجال الإنصاف. فالإنصاف هو جوهر تعزيز خبرات عمل الموظفين. وهو الذي يولّد العديد من الفوائد مثل رضا الموظفين عن وظائفهم والالتزام بشركاتهم. وفي سياق تقييمات الأداء، عندما يعتقد الناس أنّ نتائج تقييماتهم تتناسب مع أدائهم، فمن المرجح أن يعتبروا التقييمات منصفة. لكن في إدراك الناس للإنصاف جوانب أكثر بكثير. يدرك الموظفون الإنصاف في عمليات التقييم، خاصة عندما يشعرون أنهم مشمولون ومحترمون. كذلك يعتبرون الأمر منصفاً عندما تكون تقييماتهم دقيقة وتتم على أساس المبادئ الأخلاقية والمعنوية. وعندما يدرك الموظفون الإنصاف في عمليات التقييم، يُرجّح أن يقبلوا تقييماتهم، وفي هذه الحالة سيستوعبون المعلومات الواردة في التقييمات ويحفزون أنفسهم وفقاً لذلك.
ويبقى السؤال: ما هي الأمور المحددة التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات لزيادة إدراك الإنصاف أثناء عملية تقييم الأداء؟ يقترح بحثنا، الذي قُبل أخيراً للنشر في المجلة الخاصة بعمليات السلوك التنظيمي واتخاذ القرارات (OBHDP)، أنّ محركاً مهماً للإنصاف في تقييمات الأداء يتمثّل في النقاط المرجعية التي يستخدمها المدراء لتقييم أداء موظفيهم. وعلى وجه التحديد، قمنا بمقارنة نوعين من النقاط المرجعية في 4 دراسات تستند إلى البيانات التي جُمعت من 1,024 موظفاً أميركياً وهولندياً.
هناك نقطة مرجعية أولى، وهي الأداء السابق للموظّفين الخاضعين للتقييم. فعند مقارنة أداء الموظفين الحالي بأدائهم السابق، يقيّم المدراء المسار الزمني لإنجازات الموظفين، وبالتالي يقدّمون تقييماً لمدى تقدم الموظفين (أو عدم تقدمهم) مع مرور الوقت. ونحن نطلق على هذه التقييمات اسم تقييمات المقارنة الزمنية.
وثمة نقطة مرجعية أخرى، وهي أداء الموظفين الآخرين خلال الفترة نفسها. فعند مقارنة أداء الموظفين بكيفية عمل الآخرين، يقيّم المدراء مدى تفوق الموظفين (أو عدم تفوقهم) على الآخرين. ونحن نطلق على هذه التقييمات اسم تقييمات المقارنة الاجتماعية.
وتوضح النتائج التي توصلنا إليها أنّ الموظفين يعتبرون تقييمات المقارنة الزمنية أكثر إنصافاً من تقييمات المقارنة الاجتماعية. على سبيل المثال، في إحدى دراساتنا كان لدينا مشاركون يعملون في مهمة من جولتين. إذ تكونت المهمة من مطالبة المشاركين بوضع توقعات متعلقة بالموارد البشرية. وبعد أن أنهوا مهمتهم، قدّم مديرهم في إحدى الحالات تقييمات قارنت أداءهم في الجولة الثانية بأدائهم في الجولة الأولى، أي أجرى تقييمات مقارنة زمنية. وفي الحالة الأخرى، قدّم مديرهم التقييمات التي قارنت أداءهم في كلتا الجولتين بأداء شخص آخر، أي أجرى تقييمات مقارنة اجتماعية. ثم قمنا بقياس إدراكهم للإنصاف في عملية التقييم. ولاحظ المشاركون الذين حصلوا على تقييمات مقارنة زمنية مستويات من الإنصاف أعلى بكثير من أولئك الذين حصلوا على تقييمات مقارنة اجتماعية. وعند مناقشة أدائهم الحالي مقارنة بأدائهم السابق، اعتقد المشاركون بأنّ التقييمات كانت أكثر فردية، اعتقاداً منهم بأنّ المدير أدرج معلومات محددة عنهم. وبالتالي، اعتبروا أنّ التقييمات كانت أكثر إدراكاً ودقة، واعتبروا أنه تمت معاملتهم بطريقة أكثر احتراماً.
وكانت تجربة تلقي التقييمات الفردية أضعف بشكل ملحوظ في حالة تقييمات المقارنة الاجتماعية. فالموظفون الذين تمت مقارنة الأداء الخاص بهم بأداء شخص آخر، اعتقدوا بأنّ مديرهم، أثناء تسليم تقييمات كهذه، فشل في تفسير تفاصيل محددة لأدائهم. وبالتالي، اعتبروا التقييمات أقل دقة. واعتقدوا بأنّ تقييماتهم أقل احتراماً، ربما لأنهم شعروا بأنهم يُعاملون كمجرد أفراد ضمن المجموعة. والمهم، أنّ هذه الاختلافات في الإنصاف والتي تم إدراكها بين تقييمات المقارنة الزمنية والاجتماعية كانت مستقلة عن أفضلية التقييمات: فحتى عندما كانت التقييمات إيجابية، كان الموظفون يعتبرون عملية تقييم أدائهم أكثر إنصافاً عندما تلقوا تقييمات المقارنة الزمنية (كنت أفضل من ذي قبل) بدلاً من تقييمات المقارنة الاجتماعية (أنت أفضل من أشخاص آخرين).
وإذا كانت تقييمات الأداء التي تقارن أداء الموظفين بأداء الآخرين تبدو غير مألوفة، إليك هذا المثال. تحت قيادة جاك ويلش، صنفت شركة جنرال إلكتريك أداء موظفيها من أعلى الهرم إلى أسفله، وأعطت مكافآت إضافية لأعلى 20 في المئة بينما فصلت الـ10 في المئة الأدنى. وقد تكون هذه التقييمات زادت من تركيز الموظفين وقادتهم لبذل مزيد من الطاقة في العمل. ومع ذلك، ربما تكون هناك تداعيات سلبية أيضاً. ربما اعتبر الموظفون في الأعلى وفي الأسفل عمليات التقييم أقل إنصافاً. وتشير بحوث سابقة حول الإنصاف إلى أنّ عواقب كهذه يمكن أن تكون مكلفة للغاية للشركات، وبخاصة على المدى الطويل.
وفي المقابل، فإن شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي، فإنها تشتهر بتقييم أداء موظفيها من حيث المسار الزمني. وتتمثل فلسفة الشركة في رؤية الموظفين يحسّنون القدرات مع مرور الوقت. وعلى الرغم من إمكانية استخدام المقارنات الاجتماعية، إلا أنّ التركيز الرئيسي لعمليات التقييم في هواوي يعتمد على بناء ثقافة تُمكن كل موظف من النمو والتطور. ويعود التركيز الأقل على المقارنات الاجتماعية والتركيز الأكبر على التطوير على مر الزمن بوضوح إلى مؤسس الشركة، رن تشنغ، عندما قال: "لن أحكم على ما إذا كان كل فريق قد قام بعمل جيد أم لا، لأنكم جميعاً تتقدمون. إذا تقدمتم بشكل أسرع من الآخرين وحققتم أكثر، فأنتم أبطال. لكن إذا تقدمتم ببطء، فلن أعتبركم من أصحاب الأداء الضعيف".
ويقدّم بحثنا إرشادات حول كيفية تقديم المؤسسات تقييمات الأداء التي تبدو منصفة. هنا، يجب على المدراء أن يتذكروا أنّ الموظفين لديهم هويات فردية، ويريدون الاعتراف بهوياتهم هذه في العمل. ومن خلال التأكيد على كيفية تغيّر أدائهم بمرور الوقت بدلاً من مدى تقدم الأداء مقابل أداء الآخرين، يمكن للمؤسسات أن تقدم ما يريده الموظفون (المعاملة الفردية)، وبالتالي تحقيق هدف تقديم تقييمات منصفة، من المرجح أن يتبناها الموظفون بدلاً من مواجهتها باحتقار.