كيف يؤثر جنس رواد الأعمال على التمويل الذي تتلقاه شركاتهم؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ثمة ثغرة كبيرة في مجال تمويل الاستثمار المغامر (الاستثمار الجريء) للشركات الناشئة في الولايات المتحدة الأميركية، فرائدات الأعمال يحصلن فقط على 2% تقريباً من هذا التمويل على الرغم من أنهن يمتلكن 38% من الشركات في البلاد. ساد الأمل بين الأكاديميين وصناع السياسات والعاملين في هذا المجال بأن هذه الفجوة ستضيق مع زيادة نسبة النساء بين المستثمرين المغامرين (الجريئين)، ولكن هذا لم يحدث ويبدو أن الهيموفيليا (الخوف من الوحدة) ليست السبب الوحيد في فجوة التمويل هذه. فقد اتسعت فجوة التمويل على الرغم من أن الولايات المتحدة شهدت خلال السنوات الماضية زيادة في عدد النساء بين المستثمرين المغامرين (حيث ارتفعت نسبتهن من 3% في عام 2014 إلى 7% حالياً).

يقدّم البحث الذي أجريته أنا وزملائي دليلاً جديداً على سبب استمرار حصول رائدات الأعمال على تمويل أقل من نظرائهن الذكور. دققنا في جلسات الأسئلة والأجوبة بين 140 مستثمراً مغامراً من البارزين (40% من الإناث) و189 رائد أعمال (12% من الإناث)، وانعقدت هذه الجلسات على هامش فعالية “تك كرانش ديسرابت” (TechCrunch Disrupt) في نيويورك، وهي مسابقة سنوية لتمويل الشركات الناشئة. رصدت الدراسة التي أجريناها جميع جولات تمويل الشركات الناشئة التي انطلقت خلال المسابقة. كانت هذه الشركات الناشئة متشابهة من حيث الجودة واحتياجات رأس المال، ولكن مبالغ التمويل التي جمعتها بمرور الوقت تباينت كثيراً: تبين في العينة التي درسناها أن الشركات الناشئة التي يقودها ذكور جمعت تمويلاً يزيد بخمسة أضعاف عما جمعته تلك التي تقودها النساء.

عندما حلّلنا محاضر جلسات الأسئلة والأجوبة المصورة (باستخدام برمجية لغوية وكتابة الشيفرة البرمجية يدوياً)، لاحظنا أن المستثمرين المغامرين طرحوا أسئلة تختلف باختلاف جنس رواد الأعمال: كان المستثمرون يميلون إلى طرح أسئلة عن إمكانية تحقيق المكاسب على الرجال، وأسئلة أخرى عن احتمال حدوث الخسائر على النساء، وقد وجدنا دليلاً على هذا التحيز لدى المستثمرين المغامرين ذكوراً وإناثاً.

وفقاً للنظرية النفسية للتركيز التنظيمي، تبنى المستثمرون ما يطلق عليه “التوجه التشجيعي” عند طرح الأسئلة على رواد الأعمال الذكور، أي أنهم ركزوا على الآمال والإنجازات والتقدم والمثل العليا. وعلى العكس من ذلك، عند طرح الأسئلة على رائدات الأعمال، تبنّى المستثمرون توجهاً وقائياً يركز على السلامة والمسؤولية والأمن والحذر. وجدنا أن 67% من الأسئلة المطروحة على رواد الأعمال الذكور كانت ذات توجه تشجيعي، وأن 66% من الأسئلة المطروحة على رائدات الأعمال كانت ذات توجه وقائي.

ويوضح الجدول الآتي الاختلافات الرئيسة بين الأسئلة الترويجية وتلك الوقائية. لنأخذ موضوع العملاء على سبيل المثال، سيركز السؤال التشجيعي على اكتساب العميل بينما سيستفسر السؤال الوقائي عن كيفية استبقاء العميل.

يطرح المستثمرون المغامرون أسئلتهم بطريقتين مختلفتين

تركز الأسئلة التشجيعية على المكاسب المحتملة، بينما تركز الأسئلة الوقائية على الخسائر المحتملة، والمستثمرون المغامرون من جهتهم يميلون إلى طرح النوع الأول من الأسئلة على الذكور، والنوع الثاني على الإناث.

موضوع السؤالالسؤال التشجيعيالسؤال الوقائي
العملاءاكتساب العملاء،
مثال على السؤال: "ما الطريقة التي تريد أن تكسب بها العملاء؟"
استبقاء العملاء،
مثال على السؤال: "كم لديك من المستخدمين النشطين يومياً وشهرياً؟"
بيان الدخلالمبيعات:
"ما خططك لجني المال؟"
هوامش الربح:
"كم من الوقت يلزمك لتحقيق نقطة التعادل؟"
السوقحجم السوق:
"هل تظن أن سوقك المستهدفة هي سوق متنامية؟"
حصة الشركة في السوق:
"هل تعتبرين أعمالك أمراً يمكن الدفاع عنه، بحيث لا يتمكن الآخرون من دخول المنافسة وأخذ حصة من السوق؟"
التوقعاتالنمو:
"ما المنجزات الرئيسة التي تستهدفها هذا العام؟"
الاستقرار:
"ما مدى إمكانية التنبؤ بالتدفقات النقدية الخاصة بك؟"
الاستراتيجيةالرؤية:
"ما الرؤية التي تتبناها العلامة التجارية؟"
التنفيذ:
"هل تخططين لإخضاعها لاختبار تورينغ؟"
الإدارةرائد الأعمال:
"هل يمكنك أن تحدثنا قليلاً عن نفسك؟"
رائد الأعمال:
"هل يمكنك أن تحدثنا قليلاً عن نفسك؟"

يبدو أن لهذا التفاوت في طرح الأسئلة تأثير كبير على فرص تمويل الشركات الناشئة. أخضعنا شركات متشابهة للاختبار فوجدنا أن رواد الأعمال الذين طُرحت عليهم أسئلة وقائية جمعوا تمويلاً لشركاتهم الناشئة متوسطه 2.3 مليون دولار خلال عام 2017، وهو أقل بسبع مرات من المتوسط الذي جمعه رواد الأعمال الذين طُرحت عليهم أسئلة تشجيعية والذي بلغ 16.8 مليون دولار. في الواقع، مقابل كل سؤال وقائي طُرح على رائد الأعمال انخفض مجموع ما تلقته الشركة الناشئة من تمويل بمقدار 3.8 ملايين دولار في المتوسط. وبعد وضع العوامل التي قد تؤثر على نتائج التمويل في الاعتبار، مثل احتياجات الشركات الناشئة من رأس المال، ونوعية هذه الشركات وعمرها، بالإضافة إلى الخبرة السابقة لرواد الأعمال، اكتشفنا أن كمية الأسئلة الوقائية تفسر العلاقة بين جنس رائد الأعمال وتمويل الشركة الناشئة.

لاحظنا أيضاً أن أغلب رواد الأعمال (85%) أجابوا عن الأسئلة بطريقة تتوافق مع طريقة توجيه السؤال: فأجابوا عن السؤال التشجيعي إجابة تشجيعية، وعن السؤال الوقائي إجابة وقائية. يخلف هذا النمط من السلوك دورة دائمة من التحيز في عملية الأسئلة والأجوبة التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة التفاوت في نسب التمويل، إذ يعزز رواد الأعمال الذكور ارتباطهم بالمجال المناسب لتحقيق المكاسب من خلال الرد على الأسئلة التشجيعية، أما رائدات الأعمال اللواتي يُجبن عن الأسئلة الوقائية، فيعاقبن شركاتهن الناشئة دون قصد عن طريق البقاء في مضمار الخسائر. وفيما يخص التمويل المغامر، ينبغي لرواد الأعمال إقناع المستثمرين المحتملين بالإمكانات “الرائعة” لشركاتهم الناشئة، إذ لا يكفي أن يثبتوا فقط أنهم لن يخسروا أموال المستثمرين.

هناك جانب مشرق للنتائج التي توصلنا إليها: فإذا غيّر رواد الأعمال طريقة استجابتهم للأسئلة الوقائية، فقد يتمكنون من جمع المزيد من الأموال. رواد الأعمال في فعالية “تك كرانش ديسرابت” الذين سُئلوا غالباً أسئلة وقائية، وكانت إجاباتهم تشجيعية في الغالب، استطاعوا جمع تمويل إجمالي وصل إلى 7.9 ملايين دولار في المتوسط. وعلى العكس، رواد الأعمال الذين أجابوا عن معظم الأسئلة الوقائية بإجابات وقائية في الغالب جمعوا ما متوسطه 563 ألف دولار فقط. ولذلك، من الأفضل لرائدة الأعمال التي يُطلب منها الدفاع عن حصة شركتها الناشئة في السوق أن تصوغ إجابتها حول حجم حصة شركتها وإمكانات نموها، بدلاً من الحديث عن خططها لحماية حصتها.

كانت نتائج الدراسة الميدانية التي أجريناها مترابطة، ولذلك أجرينا تجربة لتحديد ما إذا كانت العلاقة بين طريقة توجيه الأسئلة والأجوبة والتمويل علاقة سببية. استعنّا بمستثمرين مغامرين محترفين (194 مستثمراً ملاكاً تبلغ نسبة النساء منهم 30%) وأشخاص عاديين (106 أشخاص من مستخدمي منصة “أمازون ميكانيكال تورك” (Amazon Mechanical Turk) تبلغ نسبة النساء منهم 47%).

عملنا على محاكاة جلسات الأسئلة والأجوبة التي طُرحت في “تك كرانش ديسرابت”، وطلبنا من المشاركين الاستماع إلى 4 ملفات صوتية من 6 دقائق لجلسات أسئلة وأجوبة بين مستثمرين ورواد أعمال. كان كل ملف صوتي يشتمل على شركة مختلفة، ويتضمن مزيجاً محدداً من طرق توجيه الأسئلة والأجوبة، بحيث اشتمل أحد الملفات الصوتية على أسئلة تشجيعية وإجابات تشجيعية، والآخر على أسئلة تشجيعية وإجابات وقائية، وهكذا دواليك. ونظراً لأننا استخدمنا مَحاضر “تك كرانش ديسرابت” الفعلية أساساً للملفات الصوتية، فقد عمدنا إلى صياغة الحوار بحسب تفاصيل الشركة الناشئة، ووحّدنا المعايير الخاصة بالمقاطع الصوتية لكي نضبط الاختلافات في مستوى جودة الشركة الناشئة والمرحلة التي تمر بها. وبعد ذلك طلبنا من المشاركين تخصيص أموال لكل شركة من الشركات الأربعة (باستخدام ما مجموعه 400 ألف دولار) وذلك بناءً على ردود أفعال رواد الأعمال.

عززت نتائج التجربة من نتائج البحث التي توصلنا إليها: رواد الأعمال الذين سُئلوا أسئلة تشجيعية تلقوا ضعف التمويل الذي حصل عليه أولئك الذين طُرِحت عليهم أسئلة وقائية. والأهم من ذلك أيضاً أننا أكدنا على فوائد تبديل طريقة توجيه الإجابات، فقد خصص المستثمرون التأسيسيون ما معدله 81,113 دولاراً للشركات الناشئة في حالة الأسئلة الوقائية والإجابات التشجيعية، وكان ذلك المبلغ أكبر بـ 1.6 مرة من مبلغ 52,369 دولاراً المخصص للشركات في حالة الأسئلة الوقائية والإجابات الوقائية. وبالمثل، منح المستثمرون العاديون ما متوسطه 96,321 دولاراً للشركات في حالة الأسئلة الوقائية والإجابات التشجيعية، وكان ذلك أكبر بـ 1.7 مرة من مبلغ 55,377 دولاراً الممنوح للشركات في حالة الأسئلة الوقائية والإجابات الوقائية.

وعليه، يمكن لرواد الأعمال الذين يعرفون مزايا الإجابات التشجيعية مقابل الإجابات الوقائية التعرف على طريقة توجيه الأسئلة ووضع إجاباتهم في إطار يصب لصالح شركاتهم الناشئة.

تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الفجوة بين الجنسين في التمويل من غير المحتمل أن تتقلَص بمجرد زيادة عدد النساء بين المستثمرين المغامرين. وذلك لأن كلاً من الرجال والنساء الذين يقيّمون الشركات الناشئة يظهرون التحيز نفسه في عملية طرحهم للأسئلة، ويفضلون دون قصد رواد الأعمال الذكور على رائدات الأعمال الإناث. بالإضافة إلى ذلك، فإن إدراك هذه الظاهرة يمكن أن يساعد المستثمرين في التعامل مع عملية الأسئلة والأجوبة بطريقة أكثر توازناً. وعن طريق تحقيق التوازن بين الأسئلة التشجيعية والأسئلة الوقائية التي تُطرح على الرجال والنساء، يمنح المستثمرون فرصاً متساوية لجميع الشركات الناشئة كي تُظهر جدارتها وتُحسّن عملية صنع القرار لديها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .