عندما تعملين في قطاع يهيمن عليه الذكور

30 دقيقة
المرأة في بيئة عمل ذكورية
shutterstock.com/Leremy

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع جيسيكا تاونسند، أستاذة في كلية أولين للهندسة، وإيلينا وآنا، طالبتان في كلية أولين، وتيريزا كاردادور، أستاذة بجامعة "إلينوي" في أوربانا شامبين حول موضوع المرأة في بيئة عمل ذكورية.

نقدم لكم هذه الحلقة عبر المدونة الصوتية (بودكاست) "النساء في العمل" (Women at Work)

يمكنكم الاستماع إلى برنامجنا وتحميله عبر تطبيقات آبل بودكاستس (Apple Podcasts)  | جوجل بودكاستس (Google Podcasts) |  آر إس إس (RSS)

التعامل معك على أنك غريبة، وشعورك بضرورة إثبات نفسك، ومكافحتك لإيصال صوتك. يمكن أن تشكل القطاعات التي يهيمن عليها الذكور، مثل الهندسة، تحديات للمرأة سواء كان ذلك بالتمييز الصريح أو التحيز الخفي. كما تبين الأبحاث أن المرشدين يوجهون المهندسات إلى أدوار أقل تقنية وأقل قيمة حتى عندما تكون نواياهم حسنة، فلا عجب أن ينتهي الأمر بكثير من النساء إلى ترك العمل في القطاع.

نتحدث مع أستاذة وطالبتين في كلية أولين للهندسة عن تجاربهن في العمل ضمن وسط يسوده الرجال، وما يعنيه "التصرف بلطف"، وكيف يمكن للزملاء الذكور المساعدة (الاستماع!). بعد ذلك، نتحدث مع خبيرة مختصة عن طريقة تقييم الثقافة الجنسانية للشركة قبل قبول الوظيفة فيها، وطريقة التمسك بأهدافك المهنية عندما يعتقد الآخرون أنهم يعرفون ما هو الأفضل لك.

النص:

إيمي غالو: تستمعون إلى المدونة الصوتية "النساء في العمل"، من هارفارد بزنس ريفيو. أنا إيمي غالو.

إيمي بيرنستين: وأنا إيمي بيرنستين.

نيكول توريس: وأنا نيكول توريس. نحن نعلم أن كثيراً منكن يعمل في مجالات يفوق فيها عدد الرجال عدد النساء بشكل ملحوظ. عندما كانت كيلي مهندسة رائدة في أحد المعامل، أخبرتنا أنها عملت بين عدد قليل من النساء، حتى أنها تمكنت من عدهنّ.

كيلي: يوجد في البناء الذي أتيت منه حوالي 200 شخص، 10 منهم نساء. ومنذ شهر ونصف فقط، انتقلت إلى هذا المبنى. وهناك 200 شخص، وأعتقد أن 12 منهم نساء.

نيكول توريس: أخذت كيلي تتنقل بين الوظائف منذ ذاك الوقت، وهي الآن مهندسة بحث وتطوير. ولكنها لا تزال تحصي عدد النساء في عملها. وفي مكتبها الجديد الذي يضم حوالي 60 شخصاً، هناك سبع نساء. ولدينا أيضاً ميريديث. وهي تعمل في علم البيانات، وكانت دائماً واحدة من النساء القلائل، أو ربما المرأة الوحيدة، في المشاريع التي عملت عليها. وراسلتنا عبر البريد الإلكتروني بعد مغادرة اثنتين من المديرات الثلاث في قسمها، وقالت إن خسارتها لهاتين القدوتين فادحة. ثم هناك كاتي، التي تعمل في مجال التأمين. كتبت قائلة: "لطالما آمنت بأن الرجال الذين وظفوني منذ كنت أبلغ من العمر 26 عاماً، والذين ما زال قسم كبير منهم هنا، لا يرونني نائبة كفؤ للرئيس وأنا أبلغ من العمر 41 عاماً. بل ما زالوا يرونني ابنة لهم".

إيمي بيرنستين: أرادت جميع هؤلاء المستمعات الحصول على النصيحة، وأردن معرفة ما يتعلق بالتحيز الخفي الذي شعرن به، والطريقة ليصبحن نموذجاً يحتذى به، وكيف يمكن للنساء العاملات في قطاعات يهيمن عليها الذكور إحضار نساء أخريات معهن. لذلك سنناقش في حلقتنا هذه كل تلك الأمور وأكثر. وسنركز على مجال الهندسة هنا، وهو واحد من المجالات المتعددة للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي لا يتم تمثيل المرأة فيها بما يكفي. لكن فضولنا لم ينحصر بالنساء اللاتي يعملن فعلاً في الهندسة، وإنما شمل النساء اللواتي يتهيأن للدخول إلى المهنة. لأن كثيراً من طالبات كليات الهندسة لا يعملن كمهندسات في نهاية المطاف. وكثير من النساء اللائي يقرّرن العمل في وظيفة في الهندسة، ينتهي بهن الأمر إلى ترك الهندسة والعمل في مجال آخر.

إيمي غالو: تعد كلية أولين للهندسة في نيدهام، ماساتشوستس، واحدة من الأماكن التي ترسم مستقبلاً واعداً للمرأة في الهندسة، فنصف طلابها تقريباً نساء. طلبنا من الكلية التحدث إلى بعضهن، ووافقن على ذلك، لحسن حظنا. لذلك، ذهبت إلى الحرم الجامعي، وجلست مع طالبتين وواحدة من أساتذتهم، وأخبرنني عن التحيز الجنسي الذي رأينه حتى الآن كمهندسات، وما يفعلنه لمحاربته. تقوم جيسيكا تاونسند بتدريس الهندسة الميكانيكية في كلية أولين، وإيلينا وآنا هما طالبتان في سنتهما الأخيرة هناك.

إيمي غالو: إيلينا وآنا، أريد أن أبدأ معكما. هل يمكن أن تخبراني قليلاً عن سبب اهتمامكما بالهندسة؟

اقرأ أيضاً: دراسة: هل تؤثر الدردشة مع المدير على تقدم الموظفين الذكور وتأخر الموظفات في المسار المهني؟

إيلينا: سأبدأ بالحديث، ترعرعت مع والدي، وكلاهما مهندسان. ومنذ نطقت كلماتي الأولى، كان أبي يقول لي إن شهادة الهندسة الميكانيكية هي أساس رائع لأي مهنة، وكان ذلك مزاحاً على الأغلب. دعمني والدي كثيراً عندما رغبت بامتلاك حديقة حيوانات ومخبز وما شابه، ولكني بدأت في تعلم صنع الروبوتات في الصف الرابع، واستمريت في ذلك حتى أنهيت دراستي الثانوية. بدا الأمر وكأنه الشيء الذي يثير حماستي دائماً. وعندما بدأت أفكر بالفرع الذي أريد دراسته في الجامعة وما أريد فعله بعدها، كانت الروبوتات هي ما أفكر به دائماً. كنت أراها مثيرة وممتعة، وأنا أحب الرياضيات. وها أنا ذا.

إيمي غالو: صحيح. ماذا عنك يا آنا؟

آنا: لم أكن أعرف حقاً ما أريد فعله عندما التحقت بالكلية. كان والدي مهندساً كيميائياً، لكنه انتقل إلى مجال التمويل عندما جاء إلى هنا. وعندما كنت طفلة، كان يقول لي أن الرياضيات والعلوم يشكلان أساساً للبدء في أي مجال أود دخوله. وعندما وصلت إلى عام التخرج، كنا قد خضنا كثيراً من النقاشات بشأن هذا الأمر، وأدركنا كعائلة أن الهندسة كانت الأساس الأكثر صلابة كي أتمكن من الانطلاق في أي مجال أريد بعد التخرج.

إيمي غالو: صحيح. جيسيكا، ما هي أول وظيفة لك في الهندسة؟

جيسيكا تاونسند: حسن، خضت تجربة تدريب في شركة تعمل في الصيدلة الإشعاعية، وكانت بيئة مثيرة للاهتمام. بالتأكيد، تعرفت على طبيعة العمل في الشركات بما يكفي لمعرفة أنه ليس ما أريد فعله عندما أتخرج من الجامعة.

إيمي غالو: صحيح. ما سبب ذلك؟

جيسيكا تاونسند: لم يكن الأمر ممتعاً كالدراسة في الكلية، وأعني بالدراسة الممتعة في الكلية، إلى جانب الأجزاء البديهية من متعتها، وجود مجتمع في برنامج دراسة الهندسة الذي كنت فيه، أشعر أنني تعرفت على أساتذتي جيداً، وشعرت أني كنت جزءاً من مجتمع. وعندما دخلت إلى مجال العمل، شعرت أني دخيلة. بدا الأمر غريباً، لم يكن هناك كثير من النساء، كانت هناك بعض المتدربات الأخريات، وكان لدينا شعور أننا في هذا المركب معاً، ولكن لم أستطع الشعور بالمعنى في ذاك العمل. على الرغم من أن العمل في تصنيع المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية له صلة بالرعاية الصحية والرعاية الطبية وأنواع مختلفة من الطرق التي تؤثر في حياة الناس، لكني لم أشعر بالانتماء إليه. لذلك فكرت بالعودة إلى الدراسات العليا لأنني أريد الحصول على المزيد، أريد أن أدرس أكثر وأن أتعلم أكثر، ولكن أريد أن أحصل على التجربة المجتمعية بالطريقة التي بدت أكثر متعة وأكثر إقناعاً وذات معنى أكبر.

اقرأ أيضاً: لماذا تتردد النساء في الترويج لأنفسهن مثل الرجال؟

إيمي غالو: صحيح. إذن، ما مدى ارتباط شعورك بأن هذا العمل ليس مناسباً لك وعدم شعورك بالمعنى فيه، بحقيقة أنك واحدة من نساء قلائل في المجال؟

جيسيكا تاونسند: أعتقد أنها أثرت فيه فعلاً، والسبب الذي يدفعني لقول ذلك هو تجربتي الثانية في العمل في شركة، عندما عملت في وظيفة بدوام كامل. بعد حصولي على شهادة الماجستير، ذهبت للعمل في شركة صغيرة نسبياً في مجال الطيران، أو بالأحرى شركة فرعية صغيرة تابعة لشركة تعمل في الطيران. وكان أول مدير لي امرأة. وعندما بدأت كنت حاملاً في الشهر السادس. كانت مديرتي مذهلة. وأتذكر أنها كانت تتمتع باحترام واضح ويمكن ملاحظة ذلك بمجرد التحدث إليها ورؤية طريقة اندماجها ومشاركتها وتفاعلها. كانت تتلقى الدعم بصورة واضحة، فقد انضمت إلى عدة برامج للإدارة كانت مخصصة نوعاً ما للموظفين الذين ينتمون إلى الفئة العليا. وأتذكر أنها كانت ترتدي أثواباً رائعة أثناء حملها، وكنت أفكر أني سأفعل ذلك أيضاً يوماً ما. لكن حقيقة أن أول مدير لي كان امرأة ساعدتني كثيراً. كانت هناك نساء كثيرات في المستوى الذي أعمل فيه، وربما كنّ يشكلن نصف الموظفين الجدد. كان العمل ممتعاً، وكانت تجربة مختلفة نوعاً ما. كنا نعمل على بناء عنفات غازية صغيرة تعمل كوحدات طاقة مساعدة للطائرات، ولم أشعر قط أن العمل بلا مغزى. كما كان العمل التقني ممتعاً، وحماسياً، وكان يحتاج إلى السفر قليلاً. كنا نجري الاختبارات والتحليلات، وكانت الفرق تتبدل كل ستة أشهر أو ثمانية. كان العمل حيوياً جداً وغير تقليدي، وهذا ما توقعته من شركة طائرات.

إيمي غالو: صحيح. إيلينا وآنا، عندما تفكران بالبحث عن عمل، هل تفكران بمشكلة النوع الاجتماعي وما إذا كنتما سوف تنتميان إلى الأقلية أو الأكثرية في العمل أم لا؟

إيلينا: نعم، بالتأكيد. عندما تفكرين بالمكان الذي ستعملين فيه، فأنت تفكرين بالمكان الذي ستقضين فيه جزءاً كبيراً من وقتك. وخصوصاً بالنسبة لخريجة جديدة، يتوقع منك إثبات نفسك والعمل بجد كبير طوال الوقت. وأنا أرى أن وجود النساء حولك في العمل، ووجود مرشدة أو مديرة تحديداً، أمر يزيدك قوة. ففي كلية أولين، تشكل النساء جزءاً كبيراً من أساتذتي، وعلى الرغم من أن نسبتهن ليست مثالية، إلا أنها أكبر منها في الكليات الأخرى التي زرتها. ومن المذهل رؤيتهن كل يوم يأتين ويدرّسن الطلاب، ومعرفة أني قادرة على القيام بذلك أيضاً. لذلك أرى أنه أمر هام فيما يخص البحث عن عمل.

إيمي غالو: نعم.

آنا: عادة، عندما أفكر في البدء بالعمل، أفكر أني امرأة تعمل في مكان يسوده الرجال. ثم أفكر بالأوجه الأخرى من هويتي وهويات الآخرين، مثل حقيقة أني امرأة سوداء البشرة مثلاً. وعندئذ أفكر بالعمل في مكان يسوده الرجال البيض وكيف سيجعل ذلك التعبير عن رأيي أصعب، كما في بعض الحالات. وحتى الآن، لا يبدو لي أن الأمر سيشكل مشكلة كبيرة دائماً، ولكني أعرف أني ما أن أبدأ بالعمل فعلاً في مكان ما، وأثبت أقدامي فيه، سأشعر بهذا الأمر مهما كان قراري الذي أتخذه.

اقرأ أيضاً: هل الدعاوى القضائية تحسّن من المساواة بين الجنسين وبين الأعراق في العمل؟

إيمي غالو: هل تهيئين نفسك للعمل في مكان يحتمل أن تكوني فيه واحدة من نساء قليلات أو من القلة الملونة؟

آنا: في الحقيقة أدخل الآن إلى الأماكن التي لا أشعر أنها مصممة لي تماماً، أو لا أرى فيها أشخاصاً يشبهونني. الأمر مختلف جداً في الكلية، لأني مع بدء سنة التخرج أشعر أني الأفضل على ما أظن، (يضحكون) وكأن زملائي في السنوات الأدنى ينظرون إلي نظرة إعجاب ويقولون: يمكنني فعل ذلك أيضاً، وهذا يمنحني شعوراً رائعاً ومجزياً. وبما أني قادرة على التعبير عن رأيي، حددت هدفي لهذا العام بأن أتكلم وأعبر عن رأيي إذا ما سمعت الآخرين يتحدثون عن أمر خاطئ أو فيه عدم احترام واضح. وهذا أمر صعب ومرهق حقاً، ولكني أدركت أني أشعر باستياء حقيقي عندما ألتزم الصمت. كما أنه سيساعدني كثيراً في مكان العمل مستقبلاً، أن أكون قادرة على التعبير عن نفسي أو عن الآخرين عندما أرى أمراً يبدو لي غير صحيح.

إيمي غالو: صحيح.

آنا: نعم.

إيمي غالو: يبدو لي ذلك هدفاً رائعاً للعام الجديد، أفترض أنك خضعت لبرنامج تدريب بما أنك في عام التخرج، أليس كذلك؟

إيلينا: نعم.

إيمي غالو: جيد، كيف كانت تجربتك؟ فقد كنت في كلية أولين للهندسة ضمن مجموعة كان تمثيل النساء فيها مساوياً لتمثيل الرجال، وذهبت بعدها للعمل في العالم الحقيقي، هل كان الاختلاف كبيراً؟

إيلينا: عموماً، حالفني الحظ بالحصول على عمل ضمن فرق داعمة بحق، لم يكن تمثيل النساء والرجال فيها متساوياً، وكنت بلا شك من الأقلية في جميع فرق الهندسة التي انضممت إليها. ولكن حالفني الحظ بوجود زملاء داعمين جداً من الرجال. وأدركت نوعاً ما أن ذلك كان بسبب دخولي كمتدربة، فالجميع يشعرون بالحماس للقاء المتدربين، ويشجعونهم كثيراً، ويسلمونهم المشاريع. ولذلك من السهل ألا نلاحظ التفاعلات الحقيقية التي تجري بين النساء والرجال من الموظفين بدوام كامل. عملت في وظيفة أثناء عطلة الصيف وكنت أستمتع بوقتي كثيراً. وكنت محاطة بالرجال، عدا عن امرأة تجلس خلفي، وأخرى في مكان أبعد قليلاً. وفي أحد الأيام أتت واحدة منهما وقالت لي: "أكره تجمع الرجال وتناولهم القهوة معاً دون دعوتنا للانضمام إليهم". تفاجأت بكلامها، فأنا لم أفكر بهذا الأمر من قبل إطلاقاً. وأخذت أفكر بالأمر أكثر، وبدأت بملاحظة التفاعل بين الجنسين، وأدركت أنه أمر لا ينتبه له الجميع، وأنه مشكلة تتراكم مع مرور الوقت، ليست كتلة كبيرة واحدة، بل هي عبارة عن إساءات صغيرة جداً تتضح. وهي ما أفكر به الآن وأنا أحاول ملاحظة هذه اللحظات والتفكير في الطرق المختلفة التي تمكّنني من تحسين هذا الوضع، وخصوصاً عندما أعتزم البقاء في مكان ما أكثر من ثلاثة أشهر. لأنه ليس بالضرورة أن تتراكم هذه الأمور على مدى الأشهر الثلاثة لتصبح مشكلة كبيرة تتسبب باستيائي طوال الوقت.

إيمي غالو: صحيح.

إيلينا: ولكن عندما أفكر بالأماكن التي سأعمل فيها على المدى الطويل، ربما أحاول معرفة طريقة لملاحظة هذه الأمور عندما أوافق على الوظيفة.

إيمي غالو: صحيح. جيسيكا، لماذا غادرت العمل في الشركات وتوجهت للعمل في القطاع الأكاديمي؟

جيسيكا تاونسند: لطالما كنت أخطط للعمل في التدريس، والسبب الذي دفعني للعمل في الشركات بعد تخرجي وبعد حصولي على شهادة الماجستير هو مرشدي وأحد أساتذتي في الكلية. عندما أخبرته عن رغبتي في متابعة الدراسات العليا بعد تدريبي في فترة الصيف، وبعد التعرف على طبيعة العمل في الشركات، قال لي: "جيسيكا، إذا كنت راغبة في تدريس المهندسين، فيجب أن تكوني مهندسة، ويجب أن تعملي في شركة تصنع منتجات للزبائن". بقيت نصيحته هذه معي، ووجدت أنها منطقية جداً بلا شك، وأبقيتها نصب عيني. فأكملت في الدراسات العليا، وبحثت عن عمل في الشركات ووجدت هذه الوظيفة في شركة صنع الطائرات، حيث كانت لدي مرشدة رائعة، وخضت فيها تجربة رائعة. هذا أمر مضحك لأني عندما أستعيد تلك التجربة أدرك أني كنت في مساحات يصعب على المرأة الحضور فيها. كمشغل الآلات مثلاً، كنت أذهب إلى هناك كثيراً، ولكني لم أكن أعمل في تصنيع الآلات، فقد كان مشغلاً نقابياً. ولكني كنت أتعامل مع الميكانيكيين وأوجههم، ولم يكن ذلك مريحاً أبداً، شعرت أنهم لا يحترمونني كثيراً وليس لي سلطة عليهم. كما كنا نعمل مع عدد من الموظفين التقنيين وكانوا يتولون جزءاً كبيراً من العمل في اختبار ما نصنعه. كانوا مختلفين قليلاً، وازداد تعاملي اليومي معهم، ولكن بدا لي أني قضيت عاماً ونصف أو عامين في بناء العلاقات معهم ومحاولة اكتشافهم، فكل شخص لديه نوع خاص من اختبار الثقة السري، ووجب علي محاولة فهم الطريقة لاكتساب ثقتهم، طريقة بناء الثقة بيني وبينهم. وشعرت أني قضيت عاماً ونصف وأنا أحاول التعرف على الموظفين التقنيين هؤلاء، واكتشاف طريقة للتواصل معهم. كما كان هناك شخص محدد عملت معه وكان كثير التذمر طوال الوقت، وأعتقد أنه كان يعتبرني ابنة له طوال فترة عملي معهم. قد لا يكون هذا الشعور ملائماً تماماً لبيئة مكان العمل، ولكنك أحياناً تضطرين للرضى بما يقدم لك فحسب. كانت علاقتي به إيجابية تتيح لي أن أكون منتجة وأن أنجز عملي التقني، وكنت على ثقة بوجود شريك أعمل معه، وهو رجل رائع، ولكن لا يكون العمل بهذا الشكل مريحاً دائماً، فتضطرين للقبول بما يتاح لك.

إيمي غالو: صحيح. هل رأيت الشخص ذاته يتعامل مع زملائك الرجال على نحو مختلف؟

جيسيكا تاونسند: نعم، بالتأكيد.

إيمي غالو: كيف ذلك؟

جيسيكا تاونسند: إنهم ينتمون للمجموعة ذاتها، وقد مرروا اختبار الثقة السري بينهم بطريقة ما.

إيمي غالو: إيلينا وآنا، عندما تسمعان قصصاً كهذه، هل تشعران بالخوف من هذه المواقف أم تعتقدان أنكما قادرتان على التعامل معها؟ ما هو رد فعلكما لدى سماع ما قد يكون واقع العمل بالنسبة لكما؟

جيسيكا تاونسند: كان ذلك منذ زمن طويل جداً.

إيمي غالو: هذا صحيح. من المضحك أني كنت أخبر أماندا ونحن في طريقنا إلى هنا أن أمي كانت تروي لي قصصاً عن محاولاتها لموازنة بناء الثقة عن طريق منحي الأدوات التي أحتاج إليها مع شيء من الحذر مما قد أواجهه. وفيما يتعلق بالحذر، عندما كانت تحذرني من التحيز الجنسي الذي قد أواجهه في العمل كنت أقول: "حسن، أمي تنتمي للجيل السابق، وقد تغيرت الأمور كثيراً الآن، وستكون مختلفة بالنسبة لي". وأتساءل ما إذا كنتما تسمعان هذه القصة وتفكران أن هذا كان في الماضي، أم تشعران أنّ هناك احتمال أن تواجها الموقف ذاته؟

إيلينا: كلاهما معاً، أعتقد أني أشعر بالحماس. هناك عمل كثير يجب القيام به، وأعتقد أننا نحن من سيقوم به. ولكنه يحزنني قليلاً أن أسمع هذه القصص من والدتي عن بداية عملها والتجارب التي خاضتها وأعرف أنه من المحتمل أن أخوض التجارب نفسها في حين ظننت أننا قد تجاوزناها. فقد مر وقت كاف، وأشعر أنه يجب علينا تجاوزها.

آنا: أعتقد أن مفهوم استخدام العلاقات للتحايل على النظام هو أمر تعلمته على مدى الأعوام القليلة الماضية. وأشعر بالسوء لقول ذلك، لأني أحب بناء علاقات صادقة مع الآخرين. ولكني في كثير من الأحيان لا أشعر أني سأنجح بذات القدر إذا تعاملت مع الآخرين ضمن نطاق العمل التقني فحسب، وإذا تعاملت معهم على أساس أني أعرف كيف أقوم بهذا العمل التقني ونجحت فيه من قبل وأن أفرض عليهم تنفيذ ما أقوله. بدلاً من ذلك، أتعامل معهم بلطف، أجاريهم وأدخل في المجالات التقنية في نفس الوقت. لم أتمتع بثقة تامة بقدراتي التقنية لأني امرأة، ولم تكن لدي خلفية تقنية قوية قبل الدخول إلى الجامعة. ولذلك عندما كنت أتعامل مع الموظفين، والرجال أصحاب الخلفيات التقنية القوية على وجه الخصوص، أو القادرين على استخدام مصطلحات كبيرة على الأقل، كنت أشعر أني لا أعرف ما أتحدث عنه وأني سأذعن لما يقولونه لي فحسب. ولكن عندما نبني نوعاً من العلاقة مع موظفين كهؤلاء، فهم يشعرون في بعض الأحيان بالحماس للعمل معنا، ويمكننا تعلم الكثير منهم. وفي أحيان أخرى، يحاولون الهيمنة علينا في مكان العمل. هناك بعض الأشخاص الذين عملت معهم، وكنت أعتقد أنهم يتحدثون معي بتعال، إلا ذلك لم يكن صحيحاً. وهناك أشخاص كنت أتعلم منهم الكثير بمجرد التحدث إليهم، حتى وإن لم أكن مدركة لما أفعله. وفي أحيان أخرى، كنت أعرف تماماً ما أفعله، وكان علي التعلم عندما يتحدث أحدهم بأمور هامة.

اقرأ أيضاً: بحث: المستثمرون يعاقبون رائدات الأعمال على سلوكياتهن

جيسيكا تاونسند: حسن، فكرة أنّ بناء علاقة مع شخص ما يجعل التعاون معه مفيداً أكثر، تجعل الأمر مقنعاً أكثر ويزيد من قيمته بالنسبة لي، وممتعاً أيضاً. ولكن التعامل بلطف، هو إحدى الأدوات التي نستعين بها. وهناك حد لما يستحق القيام بذلك لأجله، وبعد ذلك لا يكون هناك داع للاستمرار بلعب دور الشخص اللطيف. يجب أن يكون هناك حد لذلك، وتطلبت معرفة هذا الحد أعواماً، وأشعر أني لا زلت أحاول الموازنة حتى الآن.

إيمي غالو: نعم.

إيلينا: لدينا مجموعة رائعة على فيسبوك تضم نساء موجودات حالياً في كلية أولين ونساء تخرجن منها، بالإضافة إلى بعض المدرسات أيضاً. وتستخدم هؤلاء النسوة هذه المجموعة كمساحة لمشاركة التجارب وطلب النصائح وما شابه، ولكننا نرى نساء انضممن إلى القوة العاملة ويروين قصصاً عن مواقف واجهنها ويسألن: "ماذا أفعل؟ كيف يمكنني التعامل مع هذا الموقف؟ قد تكون هذه المواقف تحيزاً ضد المرأة أو ما شابه. ولذلك، أشعر أني لست متحمسة جداً لمغادرة الكلية بعد، صحيح أنها غير مثالية ولكن فيها من يتحدث عن أمور كثيرة، ونخوض تجارب جيدة. ولكني كما ذكرت سابقاً، أشعر بشيء من الحيرة، فعلى الرغم من حماسي ورغبتي في إحداث تغيير، إلا أني أشعر في بعض الأحيان أن الحاجة إلى إحداث تغيير في مكان العمل تقع على عاتق النساء. نحاول في كلية أولين أن نحافظ على نقاش صريح للغاية من أجل تحسين هذا الوضع، لأنه ما أن يتحسن سيصبح أفضل للجميع. ولا أعتقد أن هذا النقاش موجود في عدد كافٍ من أماكن العمل حالياً، وليس واجباً على المرأة وحدها محاولة الشعور بالراحة في العمل أو إيصال صوتها أو إثبات نفسها وأخذ مكان على الطاولة. بل هو أيضاً واجب الأشخاص المحيطين بها الذين لا يدعمونها، يجب عليهم تغيير ذلك أيضاً.

إيمي غالو: على اعتبارك مدرسة للمهندسين المستقبليين، إذا كان بإمكانك إيصال رسالة أساسية أو اثنتين للطلاب الذكور الذين ينطلقون في العالم ويرغبون في دعم زميلاتهم المهندسات، ماذا تقولين لهم؟

جيسيكا تاونسند: أصغوا، أصغوا، أصغوا، وآمنوا، وأقِروا. وإذا أمكنكم أيضاً كونوا حلفاء لهن.

إيمي غالو: لاحظت تأييدكما لنقطة الاستماع، وأتساءل عما إذا كان ذلك شيء مهم لكما.

آنا: أجل، الاستماع والمصادقة على مشاعر شخص ما، وليس الاستخفاف بها، بل تفهمها، ومن ثم القيام بالعمل ذاته بأسلوب آخر، فالتعلم من الخبرات التي يحدثك الآخرون عنها هو أمر في غاية الأهمية.

إيمي غالو: ماذا تقولين لزملائك الرجال في الكلية الذين يريدون دعم المرأة عند انضمامهم إلى القوة العاملة؟

إيلينا: كما قالت جيسيكا، استمع وأقر. ربما لم تكن هذه مشكلة عدم تواصل بين الجنسين. وربما كانت هي ذاتها المشكلة لدى مجموعة الموظفين الذين أمضي وقتي معهم تحديداً، فأنا أرى أن كثيراً من زملائي الرجال، وبالأخص الذين يدخلون إلى خط العمل، لا يتمتعون بخبرات تقنية أعلى من خبرة أي امرأة، ولكنهم يتمتعون بالثقة. إذ يتحدث أحدهم عن كثير من الأشياء ويقول: سأذهب إلى ورشة الآلات وأصنع شيئاً ما، دون أن يعرف طريقة صنع أي شيء على الإطلاق. بينما تشعر المرأة أنها لا تعرف طريقة القيام بأي شيء، وتشعر أن الرجال أكثر كفاءة بالفعل، وعلى مدى ثلاثة أعوام ونصف قضيتها في التعامل مع مجموعة الأشخاص ذاتها، شهدت تغير هذه العلاقات مع تزايد ثقة زميلاتي النساء بقدراتهن، وأدركنا أننا بالفعل نتمتع بذكاء شديد. وجدنا أن ما نفعله في غاية الروعة، كانت المشاريع التي نقوم بها مذهلة جداً، وبذلك استطعنا إجراء محادثات أكثر، فنقول، لنذهب ولننفذ هذا الأمر معاً، أو نطلب المساعدة من الآخرين في أداء مهمة ما، ولم نفعل ذلك في البداية. لذلك أقول، استمع لما تقوله زميلتك، وأخبرها أن ما تفعله مثير للإعجاب وأنها تعرف ما تتحدث عنه، لأني أعتقد أننا كنساء لدينا نزعة للحط من شأن أنفسنا وعدم إدراك وقبول مقدار ما نعرفه.

إيمي غالو: أود أن أطرح عليكما سؤالاً، عندما كنت في عامي الأخير في الكلية كنت أكره هذا السؤال، ولكن، ما الذي تتطلعان إلى القيام به في العام المقبل؟

إيلينا: أنا أرجو أن أدخل فوراً إلى العمل في الشركات. أضع الدراسات العليا ضمن مخططاتي، ولكن بعد عامين من العمل ربما، إلى أن أتمكن من معرفة المزيد مما أريد دراسته على الأقل. فأنا أدرس الهندسة الميكانيكية هنا، وهي مجال واسع جداً، لذلك كنت أستغل عطلة الصيف من كل عام كي أتعرف على مجالات القطاع المختلفة، آملة بأن أدخل إلى أحد مجالات قطاع الطيران.

إيمي غالو: عظيم. ماذا عنك يا آنا؟

آنا: حتى الآن، يتغير ما أتطلع إلى القيام به كل أسبوع تقريباً.

إيمي غالو: ما زلنا في بداية العام، ولا زال لديك بعض الوقت.

آنا: فكرت كثيراً في الدخول إلى مجال التكنولوجيا المدنية بعد التخرج. هناك كثير من الأمور المفيدة جداً التي يمكن فعلها. لذلك أرغب في الدخول إلى مجال أستطيع فيه القيام بهذا العمل المفيد وأكون قريبة جداً وأنجز عملاً فعلياً حقيقياً. لا أعرف كيف سيكون شكل هذا العمل، ولكني حتى الآن أقول أني أريد دخول مجال التكنولوجيا المدنية، وربما كان العمل الاستشاري رائعاً حقاً. ولكن ليس بالضرورة أن أبقى في مجال الهندسة بعد التخرج، ربما كان العمل في الهندسة لبضعة أعوام بعد التخرج جميلاً، ولكني لست واثقة ما إذا كان يشبه العمل الذي أريده والمجال الذي أود البقاء فيه طيلة حياتي. رغم أني لا أعتقد أني أرغب في البقاء في مجال ما طيلة حياتي، ولكني لا أعتقد أن الهندسة هي ما أريد العمل فيه بصورة دائمة.

إيمي غالو: شكراً لكنّ جميعاً على هذه المحادثة. لقد استمتعت بها، وأشعرتني بالتفاؤل.

إيلينا: عظيم.

آنا: رائع.

جيسيكا تاونسند: شكراً جزيلاً، شكراً لحضورك.

إيلينا: نعم، أشكرك.

آنا: شكراً لك.

إيمي غالو: لقد استفدت كثيراً من التحدث معهنّ، إيمي بيرنستين، أعتقد أنك من اقترحت أن نلقي نظرة على ما يجري في كلية أولين، شكراً لك.

إيمي بيرنستين: أجل، إنها مكان مميز فعلاً، ويبدو أن الطالبتين واعيتين نوعاً ما للتحيز الجنسي الذي يحتمل أن يواجههما للأسف عند بدئهما العمل في الهندسة.

نيكول توريس: يتطلب البقاء في مجال يهيمن عليه الرجال كالهندسة قدرة على التحمل. كتبت تيريزا كاردادور عن هذا الموضوع في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، وهي أستاذة بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين. وتجري دراساتها على النساء المهندسات، ووثقت الضغط الذي يشعرن به كثيراً جراء العمل مع الرجال أغلب الأوقات وطريقة تأقلمهن مع ذلك.

إيمي غالو: لقد استمعت تيريزا إلى حواري مع نساء كلية أولين من أجل مساعدتنا على ربط ما قلنه مع نتائج بحثها. ولديها بعض النصائح للنساء العاملات في المجالات الأخرى التي يهيمن عليها الرجال.

إيمي غالو: شكراً جزيلاً لكِ تيريزا على انضمامك إلينا اليوم.

تيريزا كاردادور: شكراً لاستضافتي.

إيمي غالو: ينتابني الفضول إزاء ما سمعتِه في حواري مع طالبات كلية أولين بشأن الضغوطات التي تتعرض لها النساء اللاتي تهيئن أنفسهنّ للحياة المهنية في الهندسة. ما الذي جذب انتباهك؟

تيريزا كاردادور: بالتأكيد أثيرت بعض المواضيع المألوفة لدي أثناء تلك المقابلة. والموضوع الأول الذي جذب انتباهي هو الإشارة إلى ما بدا ضغوطات خفية مرتبطة بنوع من الشعور بالانتماء إلى فئة الأقلية أو الدخلاء في مهنة تبدو مقتصرة على الرجال. تحدثت جيسيكا عن الرجال الذين يعتبرون أنهم ينتمون لهذا المجال، والنساء اللاتي يشعرن أنهن دخيلات عليه ويتوجب عليهن بذل جهد لشق طريقهن فيه وهذا أمر صعب، أليس كذلك؟ يبدو ذلك صعباً في بعض الأحيان. وبعض الأشياء التي لفتت نظري والتي أشارت إليها بعض النساء اللاتي تحدثت إليهن، هي صعوبة التعبير عن الرأي، شعورك بعدم وجود من يسمعك، وربما شعورك بأنك مبعدة، وبالتأكيد سيكون لديك شعور بضرورة إثبات نفسك، وقد تشكين بنفسك أيضاً، وبانتمائك إلى هذا المكان، لأنك تشعرين أنك غريبة عن الجميع. التعامل مع هذا النوع من الضغوطات الخفية يحتاج إلى جهد كبير، ويمكن أن يكون غالباً مرهقاً للموظفات.

إيمي بيرنستين: ماذا عن فجوة الثقة التي ذكرت في الحديث؟

تيريزا كاردادور: أجل، أعتقد أن موضوع فجوة الثقة معقد حقاً، ويرجع إلى الموضوع الذي كنت أتحدث عنه، وهو أن النساء يفترضن أن الرجال يعرفون أكثر نتيجة لشعورهنّ بأنهن دخيلات على هذه المهنة. والرجال يتحدثون بثقة أكبر في هذا النوع من البيئات الذكورية التنافسية التي تضم ثقافة الأخوّة. وقد نوهت الطالبة في المقابلة إلى أن المرأة تتعلم مع مرور الوقت أن التحدث بثقة ليس بالضرورة دليلاً على معرفة أكبر، ولذلك فهي تتعلم مع مرور الوقت أن ما تعرفه مساو تماماً لما يعرفه الرجل، ولكن هذان العاملان يجتمعان ويخفضان من ثقتها بنفسها على المدى القصير. كما أشارت الطالبتان إلى بعض الطرق الممكنة لاستجابة المؤسسات لهذه المشكلة. إحدى هذه الطرق هي على ما أظن تقدير المرأة والإقرار بعملها الجيد وفعل ما يبدي لها أن المؤسسة تقدر فعلاً مستوى الكفاءة والخبرة الرفيع لديها. كما أتساءل أحياناً عما إذا كان الحل يتمثل في السماح للرجل بمشاركة نقاط ضعفه أكثر، ولكن ليس هناك أبحاث خاصة بدراسة هذه الفكرة على حد علمي، لأني أظن أن هناك كثير من الرجال الذين يفتقدون الثقة في بعض الأوقات، ولكنهم لا يعبرون عن ذلك أو يشعرون أنه من غير المسموح لهم التعبير عنه بشكل ما. وبذلك، أعتقد أن شعور المرأة بأنها دخيلة وتحدث الرجل بثقة أكبر معاً يشكلان مشكلة فجوة الثقة، حتى لو لم يكن هناك أي دليل على أن أداء المرأة ضعيف مقارنة بأداء الرجل. فالمرأة والرجل متساويان في الإمكانات، ولكنهما ينظران إلى الوضع بطرق مختلفة قليلاً.

نيكول توريس: من خلال دراستك لبعض النساء، ما هي طريقة استجابتهن لهذا النوع من الضغوطات؟

تيريزا كاردادور: كشفنا في الدراسة ما نعتبره ضغطاً خفياً إضافة إلى ما تحدثت عنه طالبتا أولين. سأتحدث عن هذا الضغط قليلاً قبل التحدث عن طريقة تعامل المرأة مع هذه المسائل. وجدنا في الأبحاث التي أجريناها مؤخراً أن أدوار النساء في مجال الهندسة غالباً ما تكون أقل قيمة من أدوار الرجال. أصبح الجميع يعرف أن الهندسة مهنة تفصل بين الجنسين، أليس كذلك؟ بالإضافة إلى فكرة أن الهندسة تناسب الرجال أكثر من النساء. ولكن في البحث الذي أجريته مع زملائي مؤخراً، لاحظنا بعض أنماط الفصل بين الجنسين ضمن الوظائف نفسها، حيث تستلم النساء نسبة أكبر من الأدوار التي تتطلب مهارات مهنية أكثر من الهندسة كالإدارة وتعدد المهام والتواصل، إلخ. وقد يكون التوقف لحظة لمساعدة المستمعين على فهم ما يعنيه ذلك فكرة جيدة. في الهندسة، يوجد نوعين من مجموعات المهارات المميزة التي يجري الحديث عنها، أحدهما هو النوع الذي نفكر به عموماً، وهي المهارات "الصعبة"، أي المهارات التقنية العملية. أما النوع الثاني في الجانب الآخر فهو نوع من المهارات "الناعمة"، أي المهارات المهنية والإدارية. ويحظى النوع الأول بقيمة كبيرة في مجال الهندسة ويترافق مع ما يعنيه "المهندس الحقيقي"، في حين يتضمن النوع الثاني المهارات المهنية والشخصية بنسبة أكبر، وهو يشمل كما ذكرت الإدارة والتواصل والقيام بمهام متعددة، أي من يقوم بإدارة فريق الهندسة أو المدير الهندسي. ويبدو أن المهندسين يعتبرون هذه المهارات ثانوية وأقل ارتباطاً بما يعنيه المهندس الحقيقي. ويبين بحثي وأبحاث أخرى أن المرأة لا تحصل على الأدوار التقنية الصرفة بنسب متساوية مع الرجل، كما تزيد احتمالات استلامها أدواراً تتطلب مهارات مهنية أكثر عنها لدى الرجل. ولكن يجب أن نوضح أن هذه الأدوار التي تتطلب مهارات مهنية في الهندسة هي أدوار تقنية رفيعة المستوى أيضاً، ولكنها تضم مزيجاً من هذه المهارات التقنية العالية مع نسبة أكبر من المهارات المهنية. ولكن بسبب إيلاء الأدوار التقنية قيمة أكبر في الهندسة وترافقها أكثر مع ما يعنيه المهندس الحقيقي، يبدو أن الأدوار الثانوية التي تشغلها المرأة تتسبب بشعورها بأن قيمة دورها واحترامه أقل، وهذا الشعور يؤدي إلى توليد الضغط. والأمر الثاني الذي أود توضيحه في بحثي هو عدم وجود ما يشير إلى أن انتقال المرأة إلى هذه الأدوار الإدارية يؤدي إلى زيادة احتمالات وصولها إلى أدوار في المستوى الإداري الأعلى في المؤسسات الهندسية. وهذه المناصب الإدارية العليا لا تزال تحت سيطرة الرجل، للأسف. إذن فهي لا تمنح المرأة طريقاً سريعاً نحو المناصب الإدارية العليا، بل يبدو أنها تحصل على مناصب إدارية متوسطة مثل إدارة المنتج وإدارة المشاريع، أي مناصب الهندسة الإدارية. ويمكن أن تواجه بعض المطبات فيما يخص الأجور عند الانتقال إلى أحد المناصب الإدارية، ولكن يبين بحثي، بالإضافة إلى دراسة أجريتها مع باتريك هيل، أن المرأة التي تنتقل إلى هذه المناصب الإدارية بدلاً من الأدوار التقنية تشتكي من أمور مثل تقليل زملائها المهندسين لقيمة عملها، وعدم الاعتراف بها كمهندسة. أليس كذلك؟ وقد تكون أحد الأسباب التي تحدثت عنها، مواجهة المرأة صعوبة أكبر في تحقيق التوازن بين الحياة والعمل، ربما كان ذلك لأن مرونة هذه الأدوار الإدارية أقل قليلاً، وقد تتطلب طبيعة عملها حضورها بصورة شخصية. ولذلك فهي تعبر عن رغبة أكبر في ترك العمل في هذه المهنة. كما أنها تعاني عموماً من الحكم على قدراتها التقنية بقسوة، إذ تصنف المرأة في هذه البيئة وفق الصور النمطية على أنها أقل كفاءة تقنياً، ويؤدي عدم وجودها في هذه الأدوار التقنية بنسبة مساوية لوجود الرجال إلى تعزيز هذه الصور النمطية الجنسانية فيما يخص قدراتها التقنية وكفاءاتها بنظر زملائها الرجال. وبذلك، يضم العمل في الوظائف الإدارية نوعاً من الجوانب السلبية الخفية.

إيمي بيرنستين: هل ترين هذه الجوانب السلبية لدى الرجال الذين يتقدمون في المناصب الإدارية؟

تيريزا كاردادور: هذا سؤال جيد بالفعل، فنحن لم ندرس تجربة الرجل في الأدوار الإدارية تحديداً، ولكن يمكنني إخبارك بما تقوله بيانات المقابلات التي أجريناها في البحث. الجواب المختصر هو أن الرجال لا يعانون من الإجحاف نفسه فيما يتعلق بنظرة زملائهم إلى قدراتهم وكفاءاتهم التقنية. ويعتبر الرجل في هذه المناصب عادة أنه يتمتع بالمهارات التقنية إضافة إلى المهارات المهنية الشاملة أيضاً، أما المرأة، فهناك فكرة أنها تتمتع بأحد نوعي المهارات على حساب النوع الآخر، أتفهمين ما أعنيه؟

إيمي غالو: تنتقل المرأة إلى الأدوار الإدارية لأنها لا تتمتع بالمهارات التقنية.

تيريزا كاردادور: بالضبط.

إيمي غالو: بينما إذا انتقل الرجل إلى دور إداري، فذلك لأنه يتمتع بمهارات إدارية إضافة إلى المهارات التقنية.

تيريزا كاردادور: صحيح.

إيمي غالو: نعم. إذن، تجرين بحثاً عن استجابة المرأة لكثير من هذه الضغوطات، سواء كانت توجيهها لاستلام الأدوار الإدارية أو الشعور بثقة أقل أو التحيز الصريح أو الإساءات الدقيقة. ما الذي تقوم به المرأة الناجحة في هذه المجالات على نحو مختلف بحسب ملاحظاتك؟

تيريزا كاردادور: هناك بعض الأشياء التي يمكنني ذكرها، أولها هو أنه من الضروري أن تعي المرأة طبيعة الصور النمطية الجنسانية والتحيزات التي تواجهها في هذه البيئة بالتحديد. فكثير من النساء اللاتي يدخلن هذا المجال يواجهن هذه الصور النمطية والتحيزات التي واجهها أهاليهنّ أو أمهاتهنّ من قبل، ولذلك، لا يتأثرن بها. وهناك كثير من النساء اللاتي يشعرن بالصدمة أو الذهول، وخصوصاً مع تقدمهن مهنياً، لاستمرار وجود هذه الأمور حتى اليوم، ولمواجهتهنّ أشكالاً صريحة من التمييز وأشكالاً أكثر دقة من التحيز. وهناك أمر أقوله دائماً ضمن البحث الذي أجريه على المرأة التي تستلم أدواراً إدارية، وهو أنه على المرأة تقييم تفضيلاتها الشخصية عند التفكير بالأدوار التي ترغب باستلامها في الهندسة. تقول بعض النساء اللاتي قابلتهن في بحثي أنهن مهتمات جداً باستلام مناصب إدارية لأنها تتناسب مع مفاهيمهن، ومع طرقهن المفضلة في العمل واهتماماتهن. في حين تقول أخريات أنهن بدأن فعلياً في مسار تقني أكثر، ولكن مع مرور الوقت، وجدن أن المرشدين والمؤسسات يوجهونهنّ نحو أدوار إدارية أكثر لاعتبارهنّ ذوات مهارات نادرة نسبياً في هذا السياق، كالمهارات الممتازة في التواصل وتنظيم الموظفين الآخرين مثلاً، والتي قد لا يتمتع زملاؤهن الرجال بالقوة فيها. إذن، يقلن أنه تم توجيههن إلى هذه الأدوار ذات الطابع الإداري أكثر، وبالتالي دخلن إلى مسار تصبح فيه هذه الخبرات الإدارية قائمة على المسار. وفي الحقيقة، قالت هؤلاء النساء أن المؤسسات كانت تهيئهنّ لاستلام هذا النوع من المناصب، ولذلك عندما أتحدث مع النساء عن المناصب الإدارية مقارنة بالمناصب التقنية، أشجعهن على التفكير بما إذا كانت الأدوار التي وُجهن إليها تناسب تفضيلاتهن فعلاً، أو أن اختيار هذه الأدوار هو نتيجة تشجيع شخص ما في المؤسسة لهن على السير في هذا الاتجاه حتى إذا لم يكن متوافقاً فعلاً مع اهتماماتهنّ. وفي الحقيقة، عندما تعملين في أدوار إدارية لفترة طويلة من الزمن، تصبح العودة إلى المسار التقني صعبة جداً، لأن المهارات التي يتطلبها متخصصة جداً. ولذلك، ليس من المفاجئ أن تخسري شيئاً من مهاراتك التقنية المتخصصة مع عملك لفترة طويلة في الأدوار الإدارية. لا أقول أنه من الصعب استعادة هذه المهارات بالطبع، ولكن بسبب متطلبات الدور التقني، يقول جزء كبير من المهندسات في بحثي أنه ليس من الضروري امتلاك الكثير من المهارات التقنية المتخصصة لاستلام مناصب إدارية.

إيمي غالو: تبدو لي النصيحة المناسبة هنا، نظراً لما قلته بالنسبة للمرأة التي تشعر أنها دُفعت لاتباع هذا المسار، هي أن تتخذ قراراً سريعاً بشأن ما إذا كان هذا ما تريده أم لا. وإذا كان هو ما تريده فعلاً، ولو من باب التجربة، يمكنها اعتباره تجربة، كي لا يكون الانتقال منه صعباً أو مؤلماً إذا قررت أن تنتقل إلى المسار التقني.

تيريزا كاردادور: نعم. وكثير من النساء في بحثي بقين في المسار التقني، وقال بعضهن ما يتوافق مع ما تقولينه يا إيمي، وهو أنهن يخططن للبقاء في المسار التقني عدة أعوام على الأقل حتى وإن كن راغبات بالمتابعة في المسار الإداري لاحقاً، وذلك من أجل ضمان اكتساب المهارات التقنية أو تطويرها. وبذلك يمكنهن ضمان الاستعداد لأقصى درجة للاستفادة من هذه المرونة في وقت لاحق. ليس بالضرورة أن يعتبرن ذلك استراتيجية لحماية أنفسهن من أن يحتجزن في دور معين فيما بعد، وإنما لشعورهن بالحاجة إلى اكتساب مستوى معين من الثقافة التقنية قبل التفكير بالانتقال إلى دور إداري.

إيمي غالو: أود العودة إلى الحديث مع الطالبتين وما سمعناه منهما، لأن أحد الأساليب التي تحدثتا عنها هما وجيسيكا، كان التعامل بلطف أو "المجاراة" من أجل تسهيل الأمور. ترى، هل رأيت ذلك في بحثك، وما مدى نجاحه مع النساء اللاتي أجريت بحثك عليهن؟

تيريزا كاردادور: أجل، إنه أسلوب تقليدي أسمع عنه طوال الوقت، ذكرت الطالبتان جانباً إيجابياً له، وهو بناء العلاقات، أليس كذلك؟ تحدثتا عن مدى استمتاعهما بالتعامل مع الآخرين في مكان العمل وفي البيئة التعليمية، من ناحية العلاقات. إلا أنهما ذكرتا الجانب السلبي له، وهو أنه نوع من العمل المعنوي، وهو يحتاج لجهد كبير وقد يستهلك كثيراً من الوقت. أجري حالياً بحثاً مع بعض زملائي، وهو يبين أن المرأة تقوم بما ندعوه "اللطف التمثيلي"، وهو مجموعة سلوكيات معينة تستهلك وقتاً كبيراً ويجب عليها اتباعها، ونتيجة لذلك فهي تطيل يومها في العمل بكل معنى الكلمة. إذن هو أمر مجهد ويستهلك الوقت ويستمر على مدى فترة طويلة من الزمن. ويترتب عليه أثر آخر، وهو تقويض سلطة المرأة إذا كانت تعتبر لطيفة أكثر مما ينبغي. إذن، كما قالت الطالبتان، التعامل بلطف هو سيف ذو حدين، أو خيط رفيع تضطر نساء كثيرات للمشي عليه لتجنب العقوبة أو للحصول على ما يردن، وتحديداً في المناصب التي يهيمن عليها الرجال. وذلك بسبب المبالغة في الصور النمطية الجنسانية في هذه المناصب المصنفة حسب الجنس. ولكنه في بعض الأحيان قادر على تقويض سلطتها، ولذلك فنحن بحاجة إلى مزيج من الأمرين. أذكر أن جيسيكا قالت شيئاً أفهمه تماماً عن ضرورة المزج بين الأمرين، أي السلوك الحازم والتعامل بلطف. وتحدثت عن صعوبة موازنة هذا المزيج، وضرورة تفكير المرأة فيه والتعامل معه معظم حياتها المهنية.

إيمي غالو: قلت أنك تفهمين تماماً هذه الحاجة لمزج الأمرين معاً، ما هي طريقتك في تنفيذ ذلك؟

تيريزا كاردادور: نعم، تعلمين، إنه أمر صعب، لقد مررت بهذا الأمر في حياتي المهنية، وسأحاول أن أقول شيئاً إيجابياً أو متفائلاً عنه، أعتقد أن بعض الأبحاث التي أجريها والأبحاث الأخرى تبين أن الأمر يصبح أسهل كلما طالت فترة الخدمة، وهذا أحد العوامل. مع التقدم في فترة العمل، كثيراً ما تشعر المرأة أنها أثبتت كفاءتها، ويمكنها التقليل من هذا النوع من السلوكيات التي تهدف لإثبات نفسها. ولذلك أنا أعتقد أن الأمر يتحسن، وذلك مثبت في بحثي الذي أجريه حالياً. والعامل الثاني الذي يجعل الأمر يتحسن، هو تراجع عدد التحديات التي تواجهها المرأة بعد بناء العلاقات وتوطيدها، وهذا مترابط أيضاً مع طول مدة الخدمة بالطبع. ونتيجة لهذين العاملين، لن تكوني مضطرة لاتباع هذا النوع من سلوكيات إثبات الذات بذات القدر، كما أنه في العلاقات الوطيدة، يمكنك الحصول على شيء من التساهل مع عدم تعاملك بلطف طوال الوقت، أليس كذلك؟ هناك فرق بين العمل في غرفة العمليات طوال الوقت مع أشخاص يعرفونك جيداً، وأن تكوني عضواً في واحد من عدة فرق يتجول مع مجموعة جراحين في غرفة العمليات. عندما تعملين مع زملاء يعرفونك وعملوا معك يوماً بعد يوم، يمكن أن تمري بيوم صعب أو تتعاملي بأسلوب إداري جداً مع أحدهم، أو حتى أن ترفعي صوتك. فتظهرين بذلك نوع من السلوكيات الحازمة التي قد تتسبب لك بالعقوبة في سياق مختلف، ولكن زملاءك سيظهرون رغبة أكبر في تقبل ذلك منك لأنهم يعرفونك، ويعرفون أنك إنسانة صادقة وتمرين بيوم صعب، أليس كذلك؟ لذلك، ما أن توطدي علاقاتك مع الموظفين، سيصبح الأمر أسهل قليلاً.

إيمي بيرنستين: إذن، إذا كنت امرأة تعملين في مؤسسة يهيمن عليها الرجال، أو مجال يهيمن عليه الرجال، كيف يمكنك تقييم ما إذا كان هذا المكان مناسباً لك؟

تيريزا كاردادور: نعم، هذا سؤال وجيه أيضاً، أحد الحلول المناسبة، أو المحتملة، هو أن تحاولي اختيار بيئة لا يسودها التمييز والتحيز وأشكال الإقصاء الأخرى، لأن تواجدك في بيئة تدعم المرأة أكثر يعني تقليص احتمالات تعرضك لهذه الأمور. يمكنك البحث عن النساء في الأدوار القيادية، وأحد الأسباب التي تؤدي إلى وجود النساء في الأدوار الإدارية هو أن المؤسسات ذات النوايا الحسنة ترى أن إيصال عدد أكبر من النساء إلى مزيد من الأدوار الإدارية هو إحدى طرق معالجة مشكلة نقص تمثيل المرأة. فتحظى النساء اللاتي يدخلن إلى المؤسسة بمزيد من المرشدين والقدوات وما شابه، وهذا ليس بالأمر السيئ. ولذلك يجب البحث عن النساء في الأدوار القيادية العليا في المؤسسة، وليس الأدوار القيادية من المستوى المتوسط فقط. فقد يكون ذلك مؤشراً لبعض الأمور الهامة فيما يتعلق بثقافة المؤسسة. بالإضافة إلى وجود سياسات عمل تراعي العائلة، مثل المرونة في أوقات العمل وإجازات الأمومة، ليس للنساء فقط وإنما للرجال أيضاً، هل يحصل الرجال أيضاً على فترات إجازة طويلة كامتياز؟ ستكون هذه الأمور مؤشرات لمدى مراعاة المؤسسة للعائلة، أعتقد أن إيلينا تحدثت عن التمعن والاستفسار عن طريقة تعامل الموظفين فيما بينهم وتواصلهم. وتحدثت عن إدراكها أن النساء والرجال في المؤسسة التي تعمل فيها لا يخالط بعضهم بعضاً، ولذلك، يمكنك بالتأكيد السؤال عن هذه الأمور إذا سنحت لك الفرصة للتحدث مع بعض الموظفين قبل قبول وظيفة ما. يمكنك طرح بعض الأسئلة عما إذا كانت هناك مساحات أو أماكن محددة في المؤسسة مخصصة للرجال مثلاً، تحدثت جيسيكا عن تواجدها في ورشة الآلات حيث شعرت أنها غير مرحب بها، يمكنك البحث عن هذا النوع من الأمور والانتباه لها عند زيارة المؤسسة، أو طرح أسئلة محددة على موظفيها. وبرأيي، في حال وجود أماكن لا تشعر المرأة فيها بالترحيب ضمن مؤسسة ما، من الضروري أن تعي المؤسسة سبب وجودها ومعرفة ما يمكنها فعله حيالها. ولدينا أخيراً الشعور بهذه الأمور في مقابلة العمل. أخبرتني إحدى المهندسات المشاركات في بحثي عن تجربة مرت هي وزوجها المهندس بها عندما أجريا مقابلة عمل في نفس المؤسسة. كانت هي المرشحة الرئيسة، وكانت المؤسسة تنظر في توظيف زوجها أيضاً، وتناولا غداء عمل مع أصحاب العمل وذهبا في جولة في المؤسسة. قالت أن أحد الأمور التي أغضبتها كثيراً هو أن أصحاب العمل كانوا يتحدثون مع زوجها طوال الوقت، ولم يوجهوا الحديث إليها كثيراً ولم يطرحوا عليها كثيراً من الأسئلة، رغم أنها كانت المرشح الرئيس للمنصب. يعتبر هذا النوع من السلوكيات علامة تحذير فيما يتعلق بالمعاملة التي يحتمل أن تتلقيها بمجرد تسلم منصبك في المؤسسة. وهناك كثير من الأمور المشابهة، ولذلك، من الضروري تقييم مدى مراعاة المؤسسة وجو العمل فيها للمرأة أولاً، ومن ثم اختيار نوع البيئة التي تود العمل فيها.

نيكول توريس: وإذا كنت تعملين في مؤسسة ما ولم تري هذه الإشارات منذ البداية، وبدأت تشعرين أنك لست في المكان المناسب وتفكرين بالمغادرة أو محاولة إنجاح الأمر، فما هي نصيحتك في هذه الحالة؟ هل تغادرين العمل ببساطة أم تحاولين تحسين الأمور بنفسك؟

تيريزا كاردادور: كثيراً ما تطلب مني نصائح فيما يتعلق بالحياة المهنية، وأتردد في تقديمها لأن هناك عوامل كثيرة تدخل في الأمر فيما يتعلق باتخاذ الشخص القرار الذي يناسبه. ولكن، في حال كان الوضع غير قابل للاستمرار فعلاً وكانت الموظفة تعيسة حقاً، عندئذ أشجعها على البحث عن بيئة تشعر فيها بأنها تحصل على تقدير مساو لتقدير الرجل وتحظى بأقصى دعم ممكن، وتكون هذه البيئات مراعية للنساء والرجال على حد سواء. إذا شعرت أنها غير قادرة فعلاً على الاستمرار في البيئة التي تعمل فيها، فإما أن أشجعها على المغادرة، أو أن أطرح عليها مجموعة أسئلة لمساعدتها في فهم ما إذا كانت المغادرة مناسبة لها.

نيكول توريس: إذن، إذا كانت ترى أنها تريد المغادرة فعلاً، ونحن نعرف أنه في مجالات مثل الهندسة يكون مستوى استنزاف المرأة مرتفع جداً، فما هي الأمور التي يجب عليها التفكير بها؟ ما هي الأسئلة التي تقترحين عليها التفكير بها قبل اتخاذ خطوة المغادرة؟

تيريزا كاردادور: يبدو أني كنت أدور حول هذه النقطة، والآن سأدخل فيها مباشرة. برأيي، تدور أغلب الحلول التي نفكر بها حول طريقة تجاوز المرأة لهذا الوضع وما فعلته وما يجب عليها فعله، وهذا يحمل المرأة عبء تغيير سلوكها وبيئتها واكتشاف طريقة مختلفة للتحدث مع الآخرين أو طريقة لتغيير موقفها بطريقة ما. ولا يبدو أي من هذه النصائح مرضياً بالنسبة لي، ليس لعدم أهمية هذا الوعي وإجراء بعض التغيرات على السلوك أو حتى على الموقف الشخصي، فذلك قد يكون مفيداً في التأقلم عموماً، ولكن كي تتغير هذه المسائل بحق وصدق، وكي تستفيد النساء فعلاً، يجب أن تتحمل المؤسسات عبء تغيير ثقافاتها وأنظمة مكافآتها أو تغيير طريقة تقييم الرجال ومكافأتهم على حساب النساء في هذا النوع من البيئات. ومن دون...

نيكول توريس: أتمنى ذلك.

تيريزا كاردادور: ومن دون التغيير، ومن دون التركيز على المشكلات الأشمل في الثقافة والسياسات، لن يكون هناك تغيير كبير. ولهذا أحاول تفادي النصائح قليلاً لأني أرى أن التغيير المطلوب أوسع نوعاً ما.

نيكول توريس: أتفق معك تماماً.

إيمي بيرنستين: تيريزا، كان هذا رائعاً. أشكرك مرة ثانية على الانضمام إلينا.

تيريزا كاردادور: شكراً لك. من دواعي سروري.

إيمي غالو: إذن، ترددت تيريزا في تقديم نصائح بشأن ما يمكنك فعله إذا كنت تفكرين بترك العمل، ويقلقها رمي العبء على النساء، وهذا أمر أفهمه تماماً.

إيمي بيرنستين: أجل، وأنا أفهمه أيضاً. ولكن لدي وجهة نظر راسخة بشأن أحد جوانب هذا الأمر، إذا وجدت نفسك في مكان يغلق الأبواب في وجوه أشخاص بسبب جنسهم أو لون بشرتهم أو الجوانب الأخرى التي يجب ألا تحمل أهمية، فعندئذ يكون من واجبك ألا تسكتي عن الأمر، فأنت ستخرجين من المكان في كل الأحوال، ومقابلة الخروج هي فرصة عظيمة جداً للتعبير عن ذلك، يمكنك قول: "إن عمل المرأة في هذه الشركة صعب جداً، وتزداد الصعوبة أربعة أضعاف بالنسبة للمرأة ذات البشرة السوداء".

إيمي غالو: صحيح.

نيكول توريس: هذه نصيحة رائعة.

إيمي غالو: نعم. أفهم ترددها في تحميلك مسؤولية القيام بهذا الأمر، لأنك إذا فعلته ستحرقين جسوراً قد تساعدك لاحقاً في حياتك المهنية. إنه أمر صعب. ولكن أعتقد أن إخبار أصحاب العمل عن التحديات التي يواجهها الموظفون في مؤسساتهم هو أمر مفيد جداً.

إيمي بيرنستين: وإذا كنت تنتظرين أصحاب السلطة في المؤسسة أن يشاركوك سلطتهم، فسيستمر انتظارك وقتاً طويلاً جداً.

إيمي غالو: نعم. هذا صعب، لأني لا أريد أن تشعر المرأة بأنها تحمل ثقل مسؤولية إجراء جميع التغييرات وحدها.

إيمي بيرنستين: تماماً.

إيمي غالو: ولكننا بحاجة إلى النجاح في هذه البيئة الحالية.

نيكول توريس: أعتقد أن هذا السؤال طرح علي من قبل، إذ سمعت أحدهم يسألني عن النصيحة التي أوجهها للمرأة التي تشعر أنها لا تنتمي إلى الشركة، ما الذي يمكنها فعله؟ هل يجب عليها محاولة أي شيء، أم المغادرة فحسب؟

إيمي بيرنستين: صحيح.

نيكول توريس: فهمت الأمر على هذا النحو، إذا كانت امرأة تشعر حقاً بأنها لا تنتمي إلى المكان وأنها غير مرحب بها، وأن أفكارها تستبعد ولا يستمع إليها أحد، وأن هناك من يدفعها نحو مسار لا تريده، فمن الصعب أن تسدي لها نصيحة بتغيير بعض الأمور في وضعها، وتخبريها أنه يمكنها تغيير سلوكها ونظرتها لعملها وعقليتها. من الصعب تقديم هذه النصيحة لأنها ليست فعالة دائماً، بل هي غير فعالة في كثير من الأحيان. وربما كان ترددها يتعلق بالاختيار بين تقديم هذا النوع من النصائح، أو القول صراحة أن عليها مغادرة العمل فحسب.

إيمي غالو: نعم.

إيمي بيرنستين: صحيح. هذا صحيح تماماً. الأمر حساس جداً، ولكن إذا تعرضت لهذا الموقف ولا تشعرين بالراحة ولا السعادة إطلاقاً في العمل لدرجة أنك تفكرين في المغادرة، فما الذي سوف تخسرينه؟

إيمي غالو: نعم. أنا لم أعمل في الهندسة ولا في مجال يهيمن عليه الرجال ولكني جربت الشعور بأني دخيلة، وأعتقد أن السؤال يكمن في تساؤلنا عما إذا كان ما نشعر به حقيقي أم مجرد خيال، هل الأمر بالسوء الذي يبدو عليه؟

إيمي بيرنستين: نعم.

إيمي غالو: أعتقد أن السؤال بالنسبة للكثيرين هو: عند أي نقطة أقرر أني لن أتمكن من الاستمرار بهذا العمل؟

إيمي بيرنستين: نعم.

إيمي غالو: أتمنى لو كانت لدي نصيحة أفضل بشأن هذه الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا.

إيمي بيرنستين: صحيح.

إيمي غالو: ولكن حسب ما فهمته من التحدث مع تيريزا وطالبتي كلية أولين بالتأكيد، أقول للمستمعة التي تعمل في مجال يهيمن عليه الرجال: أنت لست مجنونة، أنت لا تتخيلين هذه الأمور.

إيمي غالو: لا.

إيمي غالو: التحيز مبالغ فيه في هذه المجالات، وما تمرين به حقيقي وهو يؤثر عليك، ويجب أن تعي ذلك.

إيمي بيرنستين: نعم. ولكن لنعد إلى السؤال الذي طرحته منذ لحظات، هل هناك ما يمكن فعله قبل المغادرة؟ أليس كذلك؟ يجب أن ترحلي. ولكن، إذا كنت تشعرين بوحدة كبيرة وأنك تصابين بالجنون، فهل هناك فرصة للتواصل مع نساء أخريات في المؤسسة؟ هذه إحدى الطرق التي تشعرك بأنك لست وحدك. أليس كذلك؟

إيمي غالو: نعم.

إيمي بيرنستين: يمكن أن تكون مجموعات التقارب هذه مفيدة للغاية.

إيمي غالو: وحتى مشاركة أبحاث تيريزا أو الأبحاث التي نشرناها حول الوضع في هذه المجالات مع النساء الأخريات اللاتي يعملن معك، وحتى مع الرجال الذين تشعرين بأنهم سيصغون بتعاطف، وربما يملكون شيئاً من القوة للمساعدة في إجراء بعض التغييرات. مرة أخرى، إذا كانت النية هي نشر الثقافة، فأريد أن يفهم الآخرون طبيعة تجربتي، وعندها سيصبحون أكثر تقبلاً.

إيمي بيرنستين: ولكني أرى أنه يجب علينا أن نقوم بالعمل بأنفسنا، وهذا يتطلب كثيراً من العمل. وهو عمل عاطفي، وهذا النوع من التيقظ المستمر منهك حقاً، مواجهة كل إساءة صغيرة. سيستنزف ذلك طاقتك، كما أنه لا أحد يحب أن يبقى على هذا الحال طوال الوقت.

إيمي غالو: شعرت أن إيلينا وآنا ستكونان مستعدتين على نحو أفضل، ولكن هناك جزء مني أراد حمايتهما وربما تظاهرت بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنهما قد تدخلان إلى ذاك المجال وتعملان في أماكن عمل مثالية.

إيمي بيرنستين: ولكنهما تملكان اللغة، إذا حدث أمر ما، فستنتبهان إليه، وستواجهان هذه الإساءات الدقيقة.

إيمي غالو: ستكونان قادرتين على تمييزها والتحدث عنها، ونأمل أن تتمكنا من تثقيف زملائهما الذين لا يدركون هذا الأمر، و...

إيمي بيرنستين: وبذلك سيكون لديهما ضمان بألا تكون هذه الإساءات مقبولة. أليس كذلك؟

إيمي غالو: هذا أيضاً صحيح.

نيكول توريس: وأن الأمر ليس بسببهما.

إيمي غالو: نعم.

إيمي بيرنستين: نعم. تماماً.

نيكول توريس: كانت هذه حلقتنا لهذا اليوم حول المرأة في بيئة العمل الذكورية. أنا نيكول توريس.

إيمي غالو: أنا إيمي غالو.

إيمي بيرنستين: وأنا إيمي بيرنستين. فريقنا في التحرير والإنتاج هم: أماندا كيرسي ومورين هوك وآدم باكولتز وروب إيكارت وماري دوي وكوري بروزناهان.

المصادر:
يمكنك الاشتراك كي تصلك النشرة الشهرية للبرنامج الصوتي "النساء في العمل".
يمكنكم مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان: [email protected]
الشارة الموسيقة لهذا البرنامج هي مقطوعة "سيتي إن موشن" بقلم مات هيل، وتقدمها شركة "أوديو نتورك".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي