الطريقة المثلى لاكتساب عادات جديدة

18 دقيقة
كيف أبدأ عادات جديدة
shutterstock.com/Orawan Pattarawimonchai
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع جيمس كلير، رائد أعمال ومؤلف كتاب “العادات الذرية: تغييرات طفيفة ونتائج باهرة حول موضوع: “كيف أبدأ عادات جديدة بطريقة صحيحة”.

يقول كلير إن الطريقة التي نحاول بها اكتساب عادات جديدة ونقلع بها عن عادات سيئة قديمة – في محل العمل أو في البيت – خاطئة تماماً. فكثيرون يركزون، بحسب قوله، على الأهداف الكبيرة دون التفكير في الخطوات البسيطة التي يتعين عليهم أن يخطوها على طول الطريق. إن العادات، شأنها شأن ادخار الأموال، تتراكم فائدتها المركبة: فعندما تمارسها بنسبة 1% أكثر أو بشكل مختلف كل يوم أو كل أسبوع، فهي تؤدي إلى تحسن هادف في نهاية المطاف. ولذلك، إذا اتخذت قراراً للعام الجديد أو كانت لديك فكرة بشأن كيفية دفع عجلة مسارك المهني في أي وقت، فستساعدك هذه الاستراتيجيات.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

حوار حول موضوع: كيف أبدأ عادات جديدة بطريقة صحيحة؟

النص:

أليسون بيرد: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.

النجاح يتطلب الانضباط. وهو الأمر الذي شهدناه مراراً وتكراراً في قصص القادة العظماء. لعلهم يستيقظون كل يوم في الرابعة صباحاً، أو يطالعون كتاباً واحداً كل أسبوع، أو يتبنون منظومة مثبتة ومجربة للوصول إلى الزبائن أو إجراء المقابلات الشخصية.

ويبدو أن كثيراً من هؤلاء لديهم طموحات وآداب مهنية خارقة. ولكن، إليكم طريقة أخرى لنضع الأمور في منظورها السليم: لقد اكتسبوا عادات عظيمة. في الوقت الذي ننزلق فيه إلى هوة العادات السيئة، فننجز الأعمال الأسهل أولاً، ونتخذ قرارات تستند إلى حدسنا، ونشاهد التلفزيون بدلاً من أن ندرس فكرة جديدة أو أن نحصل على قسط كاف من النوم، يلتزم الناجحون بخطة محددة ويستفيدون بقدر أكبر من مسارهم المهني وحياتهم.

يقول ضيفنا اليوم إن هناك سبلاً بسيطة وسهلة لاكتساب عادات أفضل. وها أنا قمت بمحاورته في نهاية عام 2019 في الوقت الذي يفكر أغلبنا في قرارات العام الجديد الخاصة بنا. على الصعيد المهني، قد تتعلق تلك القرارات بالالتحاق بكلية جديدة أو استكمال مشروع محدد أو حضور المزيد من فعاليات بناء العلاقات. لدى ضيفنا الآن وفي أي وقت بعض النصائح السديدة فيما يتعلق بما يقتضيه الأمر لتنفيذ قراراتنا.

جيمس كلير هو رائد أعمال ومؤلف كتاب “العادات الذرية: طريقة سهلة ومثبتة لاكتساب العادات الطيبة والإقلاع عن العادات السيئة”. شكراً جزيلاً لانضمامك إلينا يا جيمس.

جيمس كلير: مرحباً، يسعدني الحديث إليكِ.

أليسون بيرد: كما ذكرت في المقدمة، فإننا على أعتاب عام جديد، بل حتى عقد جديد. بالنسبة لهؤلاء الذين يتخذون قرارات للعام الجديد من بيننا ثم سرعان ما يخفقون في الالتزام بها، كيف يمكننا الارتقاء بأدائنا؟

جيمس كلير: هناك الكثير من المداخل لمناقشة العادات من خلال سؤالكِ. سأعطيكِ مدخلين. تكمن الفكرة الأولى في أننا غالباً ما نبدأ بأهداف أو طموحات أو قرارات طموحة جداً بحق. ولا شك أن تقليص عاداتك ببساطة أو تحجيم تلك السلوكيات إلى شيء يسهل إنجازه هي الطريقة الأكثر فعالية في العام الجديد لزيادة احتمالية التزامك بها.

اقرأ أيضاً: طريقتان لمساعدة الموظفين على تغيير العادات الراسخة

وأشير إلى هذه الظاهرة باسم “قاعدة الدقيقتين”. ومفادها أن تقومين بتحجيم العادة التي تحاولين اكتسابها أياً كانت إلى شيء يستغرق دقيقتين أو أقل لإنجازه. وعليه، تتحول عادة مطالعة 30 كتاباً في العام القادم إلى مطالعة صفحة واحدة. أو تحويل ممارسة اليوغا لأربعة أيام أسبوعياً إلى إخراج بساط اليوغا.

وأحياناً ما يقاوم الناس ذلك بعض الشيء لأنهم يحدثون أنفسهم قائلين: “حسناً، أعلم أن الهدف الحقيقي لا يكمن في إخراج بساط اليوغا كل يوم. وأعلم أنني أريد بالفعل ممارسة التمارين الرياضية”. وأعتقد أن هذه حقيقة راسخة تتعلق بالعادات، ولا شك أنها تنطبق على قرارات العام الجديد، ألا وهي أن العادة لا بد أن ترسخ أولاً قبل أن يتسنى تحسينها. ويجب أن تصبح قاعدة قياسية في حياتك قبل أن يساورك القلق بشأن الارتقاء بها أو تطويرها.

والخطوة الثانية تكمن في التركيز بقدر أكبر على هويتك بدلاً من النتيجة. جزء كبير من النقاش الدائر حول قرارات العام الجديد يتعلق بعدد الكتب التي نستطيع قراءتها، أو الوزن الذي نريد فقدانه، أو الأموال الإضافية التي نريد كسبها العام التالي، أو أياً كانت الغاية. لكنني أعتقد أنه من المجدي أن نسأل أنفسنا ما يلي: “مَن هو الشخص الذي بوسعه تحقيق تلك النتائج؟”.

وأي شخص ذاك الذي يمكنه أن يفقد 20 رطلاً من وزنه؟”. حسناً، لعله الشخص الذي لا يفوت التمارين الرياضية. وبعد ذلك، يتحول تركيزكِ على اكتساب عادات تعزز تلك الهوية، بدلاً من التركيز على تحقيق نتيجة محددة. وثقي بأن النتائج ستتحقق بشكل بديهي إذا حضرتِ بصفتك ذاك الشخص كل يوم.

أليسون بيرد: أجل، من الغريب أن تأتي على ذكر الجانب المتعلق بالهوية. في كتابك، قلت إننا نقيد أنفسنا بقولنا أشياءً على غرار… ثم سردت قائمة بالأمثلة: أنا لست عاشقاً لفترة الصباح. يصعب عليّ أن أتذكر أسماء الأشخاص. دائماً ما أتأخر عن موعدي. لست بارعاً في استخدام التقنية. أنا فاشل جداً في الرياضيات.

وكدت أضحك بصوت عال لأنني دائماً ما أحدث نفسي بهذه الأشياء. على الرغم من أنني أعلم أن الاستيقاظ مبكراً واستدعاء الأسماء والحرص على المواظبة والتفوق في الرياضيات والتقنية بصفتي صحافية متخصصة في الأعمال ستجعلني أؤدي عملي بشكل أفضل بكثير. إذاً، كيف يمكنني تغيير الطريقة التي أفكر بها في نفسي؟

جيمس كلير: أعتقد أنه ربما السبب الحقيقي وراء أهمية العادات هي أنه بوسعها تغيير خطابك الداخلي. ويمكنها أن تغير تصورك عن ذاتك. وفي المرة الأولى التي تنجزين فيها شيئاً، أو المرة العاشرة، أو ربما حتى المرة المائة، قد لا تفكرين في نفسك بهذه الطريقة، أو ربما لا تتبنين ذاك التصرف بالكامل.

ولكن، في مرحلة ما، عندما تواصلين المثابرة والالتزام، فإنك تَعْبرين تلك العتبة الخفية، وتحدثين نفسك قائلة: “أجل، ربما أنا إنسان مجتهد، أو ربما أنني شخص حريص على النظافة والنظام”.

وكل فعل تقدمين عليه هو بمثابة تصويت لصالح شخصيتك الجديدة التي تريدين التحول إليها. وبالتالي، كلما التزمتِ ومارستِ عادات أكثر، زاد عدد أصواتك التي تدلين بها لصالح كونك شخصية محددة. وتراكم لديكِ المزيد والمزيد من الأدلة التي تثبت أنك أنتِ ذاك الشخص.

وأعتقد أن هذا هو ربما الذي يجعل أسلوبي مختلفاً نوعاً ما عما يتناهى إلى مسامعك غالباً بشأن التغيرات السلوكية، وهو شيء على غرار “تصنعي حتى الإتقان”. ومبدأ “التصنع حتى الإتقان” يلزمكِ بالإيمان بشيء إيجابي عن نفسك دون أن يكون لديكِ دليل يثبته. ولدينا كلمة تصف المعتقدات التي ليس عليها دليل. ألا وهي “الوهم”.

في مرحلة ما، لا يروق لعقلك هذا التنافر بين الهوية التي تواصلين إقناع نفسك بأنها هويتك وسلوكك الفعلي. وبالتالي، فالسلوكيات والمعتقدات طريق ذو اتجاهين، غير أن حجتي تتطلب منك إطلاق العنان للسلوك بأن يقود المسيرة. ابدئي بتمرين ضغط واحد. ابدئي بكتابة جملة واحدة. ابدئي بالتأمل لمدة دقيقة واحدة. أيّاَ كان ما تفعلينه.

لأنك على الأقل في تلك اللحظة لا تستطيعين إنكار أنك كنتِ مؤلفة، أو أنك كنتِ الشخص الذي لم يفوت التمارين الرياضية أو أنك كنتِ عاشقة للتأمل. وهذا هو الهدف الحقيقي على المدى البعيد. الهدف ليس المشاركة في سباق ماراثون. الهدف هو أن تصبحي عداءة. وما أن تشرعين في نسبة هذه الهويات إلى ذاتك، ستكتشفين أنكِ لا تسعين إلى تغيير سلوكي بعد. وإنما تتصرفين وحسب بما يتفق مع الشخصية التي ترين أنها تمثلِك. وعليه، فأنا أعتقد أن بهذه الطريقة يتماهى التغيير السلوكي الحقيقي مع تغيير الهوية حقاً.

أليسون بيرد: كيف يمكننا نقل هذه التجربة إلى سياق العمل؟ وكيف رأيت العادات العقيمة وهي تحيد بالناس عن مسارهم والعادات الطيبة وهي تدفع الناس إلى الأمام؟

جيمس كلير: حسناً، فيما يتعلق بالعمل تحديداً أعتقد أن بوسعنا تصنيف العادات عموماً ضمن فئتين. الفئة الأولى لعلها تضم عادات شحذ الطاقة. ومثال عليها اكتساب عادات نوم طيبة. وهذه عادة عُليا إذا جاز التعبير. وإذا أتقنها الإنسان، فسيكون في موقف أفضل لاكتساب كل ما عداها من عادات تقريباً. إذا لم تكوني مرتاحة، فستعرقلين نفسك عن الأداء كل يوم.

إن أي عادة صحية تقريباً تندرج تحت تلك القائمة. وعليه، فإن ممارسة التمارين الرياضية أو الحد من التوتر أو العادات المرتبطة بالتغذية كلها تندرج تحت فئة عادات شحذ الطاقة تلك. لكن الفئة الثانية التي ربما كانت أكثر ارتباطاً بشكل مباشر بالعمل المعرفي هي التي أطلق عليها اسم “عادات الانتباه”.

بالنسبة لنا جميعاً تقريباً، وبالتأكيد بالنسبة للذين يمضون وقتهم في مزاولة أعمال معرفية، أو الذين يحصلون على ثمن نظير قيمة إبداعهم، الأفكار التي نطلع بها هي عادة ما تكون نتاج الجوانب التي نخصص لها انتباهنا. ولذلك، فإن ما تقرأه وما تستهلكه غالباً ما يكون مؤشراً على الأفكار التي تدور بخلدك، أو على الأفكار الإبداعية أو المبتكرة التي تتوصل إليها.

وبالارتقاء بعادات استهلاكك، أو العادات التي تستحوذ على انتباهِك، يمكنكِ تحسين النتائج التي تحصل عليها في سياق العمل أيضاً بنفس القدر. إننا نعيش جميعاً في هذا العالم الذي تتدفق فيه المعلومات تدفقاً هائلاً. ومن ثم تنبع القدرة على انتقاء وتحرير وتنقيح وترشيح موجز معلوماتكِ، سواء كان مصدرها الأشخاص الذين تتابعينهم على موقع تويتر أو المقالات التي تطالعينها كل يوم أو مصادر الأخبار التي يقع اختياركِ عليها أو الكتب التي تطالعينها. وتلك قرارات بالغة الأهمية تحدد النتائج القادمة من المنبع. وهذا هو ما تستحضرينه تقريباً.

اقرأ أيضاً: طبّق هذه الخطة للتوقف عن عاداتك السيئة

ولكن، هناك أيضاً عادات أخرى يمكنك اكتسابها، وأعني تلك التي لا تكون غايتها جلب عنصر جديد، وإنما استبعاد عناصر قديمة. الغاية منها الحد من الملهيات. ولذلك، على سبيل المثال، ثمة عادة عكفت على مراقبتها العام الماضي تقريباً ربما أمارسها 90% من الأيام. ألا وهي أنني أترك هاتفي في غرفة أخرى حتى وقت الغداء كل يوم.

لدي مكتب بالبيت، وإذا جلبت هاتفي معي ووضعته على المكتب، فسيكون حالي حال الجميع. وسوف أتحقق منه كل ثلاث دقائق لمجرد أنه موجود إلى جواري. ولكن، إذا تركته في غرفة أخرى، فستفصلني عنه 30 ثانية. لكنني لا أذهب لجلبه أبداً. وما يثير اهتمامي للغاية دائماً هو رغبتي فيه من عدمها. فمن ناحية، اكتشفت أنني كنت أريده بشدة لدرجة أنني كنت أتحقق منه كل ثلاث دقائق عندما كان إلى جواري. ولكن، من ناحية أخرى، لم أجد في نفسي رغبة كافية فيه تدفعني إلى أن أمشي لمدة 30 ثانية لإحضاره.

وأعتقد أننا كثيراً ما نرى هذه الظاهرة في العادات المرتبطة بالتقنية والعادات المرتبطة بسبل الراحة والمجتمع العصري، وخاصة مع الهواتف الذكية أو التطبيقات. وهذه الأفعال سلسلة ومريحة وبسيطة وسهلة جداً حتى أننا نكتشف أننا ننجذب إليها لأبسط الأسباب، فيكاد يكون شبح أبسط رغبة كافياً ليحيد بنا عن الطريق.

وبالتالي، إذا كان بوسعك إعادة تصميم بيئتكِ، سواء كانت مكتبك في محل العمل، أو مكتبك في البيت، أو طاولة المطبخ، واتخاذ الإجراءات التي تقاومينها أقل من غيرها، وأعني الإجراءات المستحسنة والمثمرة، وزيادة مقاومتك للأشياء التي تشتت انتباهكِ، فأعتقد أنكِ غالباً ستكتشفين أن هذه العادات المرتبطة بالانتباه سيبدأ تخصيصها لجوانب أكثر فعالية أيضاً. لكن، ربما سأقول إن عادات شحذ الطاقة والعادات المرتبطة بالانتباه هما الجانبان اللذان يتعين التركيز عليهما إذا أردتِ زيادة إنتاجيتك في العمل.

أليسون بيرد: أجل. ماذا عن العادات المرتبطة باستباق الأحداث؟ أعني إجبار نفسك على إجراء المزيد من مكالمات البيع، والتردد على المزيد من فعاليات بناء العلاقات، وما شابه ذلك؟

جيمس كلير: أجل، بالتأكيد التحلي بالقدرة على الاستباق هو بالفعل جانب بالغ الأهمية من جوانب الحياة. وأعتقد أن هذه خصلة رائعة يمكن أن يتحلى بها المرء. الأسلوب الذي استخدمتِه إذ تحدثتِ عن إجبار نفسك على إجراء مكالمات البيع، أو إرغامها على حضور فعاليات بناء العلاقات، أو أياًَ ما كان …

أليسون بيرد: أسلوب تحفيزي. أستطيع أن أصفه بالتحفيزي.

جيمس كلير: أجل، بالتأكيد. أعتقد أن هذه الصياغة – وأعني الأسلوب التحفيزي – ربما كانت وسيلة أفضل للنظر إلى المسألة. ويبدو أن هناك عدة سبل لإنجاز ذلك، أو لتحقيق النتيجة ذاتها. وبالتالي، فأسئلة على غرار “ما الهدف الحقيقي هنا؟ كيف سيبدو ذلك لو كان سهلاً؟ ما وسيلة تحقيق ذلك دون إضافة ضغوط إلى حياتي؟”.

وتلك أسئلة من المهم طرحها والرجوع إليها بصرف النظر عن المهمة التي تحاولين إنجازها. لأنني أعتقد أن ما يكتشفه السواد الأعظم منا هو أننا نعلم ضمناً أن هناك العديد من السلوكيات التي تجذبنا إليها بشكل بديهي. سواء كان السبب وراء ذلك هو أنها سلوكيات جذابة ومريحة أو لأنها تتوافق بطبيعة الحال وحسب مع شخصيتنا أو مع نقاط قوتنا. يمكن أن تكون هناك أسباب متنوعة. غير أن التركيز على تلك الأشياء التي تستقطبكِ بشكل طبيعي بدلاً من الأشياء التي يتعين عليكِ فرضها على ذاتك هو التوجه السليم عموماً الذي يتعين تبنيه.

وكمثال على ذلك، ذكرتِ التعارف وبناء العلاقات. حسناً، لا شك أن إقامة شبكة علاقات قوية أمر بالغ الأهمية في بيئة العمل الحديثة. ولكن، بالنسبة للبعض، خاصةً إذا كانوا يشعرون بأنهم أكثر تحفظاً وانغلاقاً أو يشعرون بأنهم لا ينجذبون ببساطة إلى الدردشة أو أيّاً ما كان، يبدو حضور فعالية بناء العلاقات أشبه بالكابوس.

الخبر السار هو أننا نعيش في عصر تتوافر فيه عدة سبل في واقع الأمر للتواصل وبناء العلاقات. وأكثر استراتيجيات بناء العلاقات فعالية تتمثل في إنجاز عمل رائع ومشاركته علناً مع الآخرين. ويمكن أن يكون ذاك العمل كتابة مقالة مثيرة، أو تسجيل لقاء إذاعي أو تصوير مقطع فيديو على موقع يوتيوب. أياً كان الأمر، افعلي شيئاً مثيراً للاهتمام واعرضيه على العالم وحسب. وسيصبح ذلك الإنجاز أشبه بمغناطيس للأشخاص الذين يملكون عقلية شبيهة بعقليتك والمهتمين بالأشياء عينها التي تهتمين بها. ويصبح إنجازك ذلك شكلاً من التواصل وإقامة العلاقات أقوى بكثير من حضور حفلات الكوكتيل.

وقصدي هنا أنه بطرح الأسئلة التالية: “ما الهدف الحقيقي؟ كيف سيبدو ذلك لو كان سهلاً؟ هل هناك طريقة لإضافة هذا أو إنجاز أو تحقيق ذاك دون أن تفرض ضغوطاً على حياتي؟”. غالباً ما تجدين أن هناك مسارات بديلة ومثيرة لتحقيق النتيجة نفسها.

أليسون بيرد: أجل. والشيء بالشيء يُذكر، بخصوص ربط الأحزمة استعداداً لكتابة شيء ما، أو العمل على أهم مشروعاتك، ما هي بعض السبل التي يمكنك بها تشجيع نفسك على إنجاز هذا العمل أولاً وتخصيص أغلب وقتك له؟

جيمس كلير: حسناً، ثمة قصة في كتاب “العادات الذرية” عن تويلا ثارب، مدربة ومصممة الرقصات الشهيرة. وهي من أشد المعجبين بالعادات، ولديها أكثر من روتين عظيم جداً طوال مسارها المهني. ولديها روتين تمريني تمارسه كل صباح، حيث تمارس التمارين الرياضية لساعتيْن. لكنها تقول دائماً إن العادة ذاتها لا تتمثل في التدريب في صالة الألعاب الرياضية. وإنما في استدعاء سيارة الأجرة خارج شقتها.

وأعتقد أن هذه عادة مفيدة جداً في حقيقة الأمر لأي شخص يسعى إلى إنجاز هذا النوع من العمل المهم الذي ذكرتِه. على سبيل المثال، كيف لي أن أركز على الجانب الأهم، أو على الاستخدام الأمثل لوقتي؟ والجواب يكمن في جعل العادة نقطة الانطلاق لا نقطة الانتهاء. انظري إلى عاداتك بوصفها منفذ دخول إلى طريق سريع.

ما هي الأمور المثمرة التي ينبغي أن أنفق وقتي في إنجازها؟ ما هي المهام ذات القيمة الأعلى على الإطلاق؟ راجعي سلسلة السلوكيات، وحاولي العثور على السلوك الأهم. ما هي نقطة الدخول؟ وبعد ذلك، إذا استطعت التوصل إلى الشكل الذي ستكون عليه الدقيقة الأولى أو الدقيقتين الأوليين، فسيكون بوسعك أتمتة تلك العملية، وستكتشفين أن الجزء التالي من الوقت سيسير بسلاسة وبتلقائية.

اقرأ أيضاً: تغيير العادات يستدعي تغيير السلوكيات

أليسون بيرد: لقد كتبت عن فيكتور هوغو وكيف أنه ابتكر طريقة أكثر إبداعاً لتشجيع نفسه وشحذ قواه للجلوس والعمل.

جيمس كلير: أجل. حسناً، القصة تتناول هوغو ذاك المؤلف الشهير الذي وضع مجموعة متنوعة من الكتب، وملخصها أنه عندما وقَعَ على عقد لتأليف رواية “أحدب نوتردام” (The Hunchback of Notre Dame)، حصل على نسخته الموقعة من العقد وراح يفعل ما يفعله كثيرون منا. فقد أمضى العام التالي في المماطلة والتسويف. وراح يدعو أصدقاءه لتناول العشاء معه. وغدا وراح وارتحل. وخرج لتناول الطعام. وفعل كل شيء تقريباً عدا العمل على الكتاب.

أليسون بيرد: وكان ذلك قبل ظهور التقنية التي يمكن أن تشتته.

جيمس كلير: صحيح. أعتقد أننا ربما ننجذب وحسب بقدر أكبر إلى التوظيف الممتع والمُشبع والمسلي للوقت بغض النظر عن الحقبة الزمنية التي نعيش فيها.

وفي النهاية، نما إلى ناشره العلم بهذا الوضع، فما كان منه إلا أن خاطبه وطلب منه تغيير الأوضاع. فإما أن ينهي الكتاب في ستة أشهر، وإما سيطالبونه برد المبلغ الذي استلمه. وها هو ذا يواجه إنذاراً نهائياً. استدعى هوغو مساعده إلى غرفته، وطفقا يجمعان كل ملابسه ووضعاها في صندوق ضخم، وأغلقاه وأخرجاه من البيت. وبذلك، لم يتبقَ له سوى شال كبير كهذا المعطف.

فجأة، لم تكن لديه الملابس المناسبة لاستضافه الضيوف. ولا الملابس الموائمة للسفر. ولا الملابس المتماشية مع الخروج لتناول الطعام. لقد وضع نفسه أساساً تحت الإقامة الجبرية، ونجحت الفكرة. فقد وضع كتابه في خمسة أشهر ونصف، وخرج الكتاب للنور، حيث سلمه قبل موعده النهائي بأسبوعين.

والآن، في المجتمع الحديث، يشير الباحثون أو العلماء إلى ما فعله بآلية الالتزام. وأعتقد أن آليات الالتزام قوية لأنها يمكن أن تكون وسائل لإضفاء جاذبية أكثر على العادات. وبالتالي، على سبيل المثال، لنفترض أنك تأوين إلى فراشكِ الليلة، وتحدثين نفسك بأن غداً سيكون اليوم الموعود. سأستيقظ وسأخرج لأركض في تمام الساعة السادسة. وتدق عقارب الساعة السادسة، غير أن سريرك دافئ والجو بالخارج بارد. فتحدثين نفسك بأنك ربما ستغفين لبعض الوقت.

ولكن، إذا أعدتِ عقارب الساعة إلى اليوم وأرسلتِ رسالة نصية إلى صديقتك مفادها أن “لنلتقي في المتنزه في السادسة وخمسة عشر دقيقة، ونركض سوياً”، ستدق عقارب الساعة السادسة، وسريرك ما زال دافئاً، والجو بارد بالخارج، لكنك إن لم تنهضي وتنطلقي للركض، ستكونين حمقاء لأنك تركتِ صديقتك في المتنزه وحدها. لقد جعلتِ عادة النوم فجأة أقل جاذبية وعادة الاستيقاظ والخروج للركض أكثر جاذبية في آن واحد.

أليسون بيرد: حسناً، ها أنت قد اتخذت تلك الخطوة الأولى. وأصبحت تمارس نقطة الانطلاق السهلة بشكل مثالي صباح كل يوم. كيف تطور أدائك انطلاقاً من تلك المرحلة ووصولاً إلى تحقيق تقدم ملموس؟ وأعني تقدم ملحوظ.

جيمس كلير: في مرحلة ما، ستريدين أن ترتقي. وهذا هو ما أطلق عليه اسم “الترقي في العادات”. تريدين الانتقال إلى المستوى التالي. وقاعدتي العامة الصارمة أو قاعدتي الذهبية التي أحب أن أضعها نصب عيني هي محاولة التحسن بنسبة 1% كل يوم. وبالتالي، بالطريقة عينها التي تتضاعف بها الأموال عن طريق الفائدة المركبة، فإن آثار عاداتك تتضاعف كلما أعدتِ الكرة مراراً وتكراراً. وعليه، فأنا أحب أن أطلق عليها اسم “عادات الفائدة المركبة لتحسين الذات”.

والقراءة مثال. فقراءة كتاب وحيد لن تجعلكِ عبقرية. ولكن، إذا رسختِ عادة القراءة كل يوم، فلن تنهي كتاباً تلو الآخر فقط، وإنما مع كل كتاب تستكملينه، سيتشكل لديك منظور جديد، أو طريقة جديدة للنظر إلى جميع الكتب السابقة التي قرأتِها.

وكلما زادت نقاط التماس لديكِ، زادت الرؤى والمنظورات التي تملكينها، وبدأت تلك المعارف تتراكم فوق بعضها. وكثير من العادات تسير على المنوال ذاته. إضافة 10 دقائق لوقت العمل كل يوم. ولعلها تمثل مكالمة بيع واحدة إضافية. ولعلها رسالة بريد إلكتروني واحدة إضافية. وربما كانت 10 دقائق إضافية لاستعراض الأشياء التي كتبتها أو راجعتها، أو للتنقيح أو التحسين.

وإضافة عشر دقائق إضافية في يوم واحد لن تكون بالمهمة الشاقة بحق. لكن الفارق بين شخص لا يفعل ذلك وآخر يضيف 10 دقائق إضافية كل يوم طوال مسيرته المهنية الممتدة 30 عاماً، أن تلك الفترة يمكن أن تتضاعف فيها التراكمات وصولاً إلى درجة مدهشة بحق. مكالمة البيع تلك الإضافية يومياً يمكن أن تتمخض عن الكثير على مدار سنين وعقود.

وإذا كنت تتحلين بعادات طيبة، فسيصبح الوقت حليفاً لكِ. يكل ما تحتاجين إليه هو الصبر ليس إلا. وتحتاجين إلى السماح لعملية التراكم هذه بأن تصب في صالحكِ. ولكن، إذا كنت تتبنين عادات سيئة، فسيكون الوقت خصماً لكِ. وفي كل يوم يمر عليكِ، فإنك تحفرين لنفسك حفرة أعمق وأعمق وتضعين نفسك فيها، وتضعين نفسك في موقف لا تُحسدين عليه.

أليسون بيرد: لكن هذا لا يجعل الموقف أشبه بأنه قاصر على هذا التقدم الخطي، وسرعان ما تحتج بأنه ليس كذلك. ستمر عليك أوقات ستتلكأ فيها، وأوقات ستنتكس فيها. أنت تتحدث إلينا عن التقلبات صعوداً وهبوطاً. كيف تتعامل مع تلك التلقبات من الناحية الوجدانية وتواصل المضي قدماً بإصرار ومثابرة؟

جيمس كلير: هذه وجهة نظر رائعة بحق. فالجانب الوجداني واقعي جداً. وكثيراً ما تسمعين الناس يتحدثون عنه. وكثيراً ما تأتيني استفسارات من القراء بخصوص هذه المسألة. يقولون أشياء على غرار “واظبت على الركض لشهر كامل، فلم لا ألاحظ أي تغير في جسدي؟”. أو “عكفت على تأليف هذه الرواية لخمسة أشهر ونصف، وما زالت مسودتها بائسة. هل سأنتهي من تأليفها أبداً؟”.

وعندما تكونين في قلب الحدث، عندما تكونين في خضم العمل، من السهل حقاً أن تخالجكِ هذه المشاعر. وبالتالي، ففي بعض الأحيان يطيب لي تشبيه عملية بناء العادات بعملية تسخين مكعب من الثلج. لنفترض أنك تدخلين غرفة باردة تبلغ درجة الحرارة فيها 25 درجة فهرنهايت (حوالي -4 مئوية). وتستطيعين رؤية أنفاسك إذ تزفرين، وكان هناك مكعب من الثلج مستقر على طاولة أمامك. وأنك بدأت في تسخين الغرفة على مهل مروراً بالدرجات 26 و27 و28 فهرنهايت (-3.8 و-2.7 و-2.2 مئوية). وما زال مكعب الثلج مستقراً مكانه بلا تغيير. بلغت درجات حرارة 29 و30 و31 فهرنهايت (-1.6 و-1.1 و-0.5 مئوية)، ثم تنتقلين من درجة 31 إلى 32 درجة فهرنهايت (-0.5 إلى 0 مئوية)، وتكتشفين أن هذا التحول بمقدار درجة واحدة لم يختلف عن غيره من التحولات بمقدار درجة واحدة السابقة له. ولكن، فجأة تصلين إلى نقطة التحول المرحلي، ويذوب المكعب الثلجي.

وعملية بناء عادات أفضل والحصول على نتائج أفضل غالباً ما تكون أشبه بذاك المثل. وكلما التزمتِ كل يوم، تزداد الدرجات شيئاً فشيئا. إنكِ تجرين هذه التحسينات الطفيفة. وتتحسنين بنسبة 1%. لكن المحصلة التي تحاولين الوصول إليها بالتراكم ليست بين يديكِ. ولم تتجلَ تلك المكافآت المتأخرة بعد.

وبالتالي، تشعرين برغبة في الاستسلام، غير أن عملية الاستسلام بعد ممارسة العادة لمدة شهر أو ثلاثة أو ستة أشهر تشبه نوعاً ما التذمر بشأن عدم ذوبان مكعب الثلج بعد تسخينه من 25 إلى 31 درجة فهرنهايت (-4 إلى -0.5 مئوية). عملكِ لم يضيع هباءً، كل ما في الأمر أنه محفوظ لأجلك. والرغبة في التمسك والالتزام به.

إنني أعشق فريق “سان أنطونيو سبرز” (San Antonio Spurs) جداً. فهم يتحلون بهذه الرغبة، حيث فازوا خمس مرات ببطولة الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين. ولدى الفريق اقتباس معلق داخل غرفة تغيير الملابس، وأعتقد أنه يلخص هذه الفلسفة ببراعة. وينص على وجه التقريب على أنه كلما شعرت برغبة في الاستسلام، أفكر في قاطع الأحجار الذي يضرب بمطرقته على الصخر 100 مرة دون أن يظهر له شق واحد. وفي الضربة المائة وواحد، ينفلق الصخر إلى نصفين. وأنا أعلم أن الضربة المائة وواحد ليست هي التي أنجزت المهمة، وإنما المائة ضربة التي سبقتها.

وأعتقد أن هذا هو بالضبط الأسلوب الذي يجب التعامل به مع عاداتكِ. فالجملة الأخيرة ليست هي التي ستنهي الرواية، وإنما كافة الجمل التي سبقتها. والتمرين الرياضي الأخير ليس هو الذي يمنحك قواماً رشيقاً لائقاً، وإنما جميع التمارين التي سبقته. وإذا كنت مستعدة للمثابرة ومواصلة الطرق على الصخر، وحشد تلك الطاقة الكامنة، وتقبل فكرة أنها ليست مهدرة وإنما مخزنة، فربما كان باستطاعتك البدء في خوض المعركة الوجدانية لبناء عادات أفضل وجني الثمار التي كنت تنتظرين تراكمها في نهاية المطاف.

أليسون بيرد: أجل. وأنا أعلم أنك كنت رياضياً، لم تكن لاعب كرة سلة، وإنما لاعب بيسبول. ومن الواضح أن الرياضة مجال يتعين على ممارسيه اكتساب عادات حميدة وروتين جيد. أنت ترفع الأثقال كل يوم. وتزداد قوة على المدى البعيد. وتضرب ضربة الإرسال مائة مرة كل يوم، فتصبح أدق من ذي قبل. وحتى لو تراجعت أو انتكست، فسترى ذاك التطور نوعاً ما. لكن الأمر يبدو أصعب بكثير في سياق العمل، حيث العلاقة الترابطية بين المجهود الذي تبذله ثم الإنجاز أو المكافأة التي تحصل عليها أقل وضوحاً.

جيمس كلير: الرؤية الثاقبة المستخلصة هنا هي أنك تريدين أن يكون المردود واضحاً وسريعاً. وأعتقد أن هذا أمر بالغ الأهمية حتى أنني أطلق على هذه الظاهرة في كتاب “العادات الذرية” القاعدة الجوهرية لتغيير السلوك. ومفادها أن السلوكيات التي يتجلى مردودها على الفور تتكرر. والسلوكيات التي يُعاقب عليها المرء تجتنب.

في مجال الرياضة على سبيل المثال، فور أن تضربي ضربة الإرسال، يتبين لك على الفور ما إذا كانت دقيقة أم لا. هل ستسقط داخل الملعب أم خارجه؟ وهذا المردود السريع يسمح لكِ بإجراء تعديل، على أمل أن يكون تعديلاً طفيفاً في المرة المقبلة. ثم تواصلين تكرار تلك العملية. وتحصلين على المردود على الفور تقريباً.

ولكن، في بيئة العمل الحديثة، خاصةً في الشركات الكبرى، يتأخر المردود جداً. ويكون مبهماً نوعاً ما. ومن الصعب جداً أن ترين مردود مساهمتك لصافي المبيعات أو أن تحصلين على هذه النتيجة.

وبالتالي، أعتقد أنه من بين الدروس المستفادة من ذلك هو أن أحد أكثر المشاعر تحفيزاً للعقل البشري هو الشعور بالتقدم. وفي حالة حياتك كفرد، يمكنكِ الاستقرار على ما تريدين رصده. ويمكن أن يتخذ ذلك عدة أشكال. بالنسبة لعملي الخاص مثلاً، أجري مراجعة أسبوعية، حيث أرصد كل جمعة المقاييس والإيرادات والنفقات والأرباح الأساسية، وما إلى ذلك.

ويعشق أبي السباحة مثلاً. وفي كل يوم يخرج من حمام السباحة، ويبدو قوامه على الشكل الذي كان عليه عندما دخل حمام السباحة. ولا يوجد مردود بصري. وبالتالي، فما يفعله هو أنه يُخرج جدول أعمال الجيب ويضع علامة “X” على ذاك اليوم. وهو إجراء بسيط للغاية، لكنه مؤشر على التقدم. إنه مؤشر على أنه التزم وفعل الصواب ذاك اليوم.

وأعتقد أنه يكشف أيضاً عن درس ربما يستطيع كثير من المديرين ورواد الأعمال الاستفادة منه أيضاً، ألا وهو أنك تريدين وتيرة المردود ووتيرة القياس أن تضاهي وتيرة العادة.

أليسون بيرد: وماذا لو كان لدي هدف كبير كأن أصبح مديرة أفضل؟ كيف يمكنني تقسيم هذا الهدف إلى خطوات أصغر؟ كتلك التي تتحدث عنها؟

جيمس كلير: فور أن أحدث نفسي أنني أريد أن أكون مديراً أفضل. عظيم. هذه رؤية جيدة. ما الذي يفعله المدير الأفضل؟ وكيف تبدو تلك السلوكيات اليومية؟ وما هي العادات التي يتحلى بها المدير الأفضل؟ وما طبيعة الشخص الذي يمكن أن يكون مديراً أفضل؟

وبعدها تشرعين في تشجيع نفسك على طرح إجابات على غرار: “المدير الأفضل يثني كل يوم على الآخرين”. وبعدها، ربما ترسخين بداخلك عادة قول شيء إيجابي لاستهلال كل اجتماع لفريق العمل. أو المدير الأفضل قدوة ويحاكي سلوكيات ثقافة الشركة. حسناً، إننا نتحدث غالباً عن الشفافية، والآن أنا بحاجة إلى اكتساب عادة إنجاز عمل يتسم بالشفافية كل يوم أو كل أسبوع أو خلال الاجتماعات الفردية مع الموظفين، أو أيّاَ ما كان. وربما أبدأ كل اجتماع فردي بمشاركة شيء عن حياتي الشخصية بحيث أوحي للآخر بأنني إنسان له نقاط ضعفه، ثم يقتدي موظفيي بأسلوبي. تفهمين قصدي. ستتجلى لك أي السلوكيات التي ترتبط بها تلك الهوية، ثم يكون لديك شيء ملموس أكثر يمكنك التركيز عليه. ويمكنكِ التركيز على بناء تلك العادات بدلاً من أن تجدي نفسك محاصرة في هذا الوضع المتعالي الذي تحدثين فيه نفسك قائلة: “أريد حقاً أن أكون مديرة أفضل، ولكن هذه مهمة من الصعب جداً ترجمتها إلى شيء عملي”.

أليسون بيرد: إذاً، لماذا يبدو من الصعب جداً بناء العادات الطيبة، ولكن من السهل الإقلاع عنها، ومن السهل جداً اكتساب العادات السيئة ومن الصعب الإقلاع عنها؟

جيمس كلير: أجل، هذا سؤال رائع. حسناً، فكرت في هذه المسألة طويلاً عندما كنت عاكفاً على كتاب “العادات الذرية”، لأنني أعتقد حقاً أن طرح هذا السؤال يمكن أن يكشف اللثام عن الكثير فيما يختص بما نريد إنجازه لاكتساب عادة طيبة أو الإقلاع عن عادة سيئة.

اقرأ أيضاً: تعرّفوا على العادات اليومية للعباقرة

لنفترض مثلاً أننا نريد اكتساب عادات طيبة. حسناً، ما السر وراء تشبث العادات السيئة بنا بسهولة شديدة؟ وتكتشفين أن العادات السيئة تتسم بالعديد من الصفات. الصفة الأولى هي أن العادات السيئة غالباً ما تكون واضحة جداً. على سبيل المثال، لنفترض أن تناول الطعام في مطاعم الوجبات السريعة عادة سيئة أو عادة لا تريدين الالتزام بها كثيراً.

حسناً، من الصعب في أميركا أن نجوب الشوارع لأكثر من خمس عشرة دقيقة دون أن نمر على القليل من مطاعم الوجبات السريعة أو العشرات منها. فهي واضحة جداً. ومنتشرة جداً في محيطنا. وبالتالي، فهذا درس يمكننا الاستفادة منه وتطبيقه على عاداتنا الطيبة. إذا أردت أن تلازمك العادة الطيبة، فينبغي أن تجعليها جزءاً كبيراً من بيئتك ومحيطك.

وثمة صفة أخرى غالباً ما تتصف بها العادات السيئة، ألا وهي أنها مريحة بشكل مذهل. وفي غاية السلاسة. والراحة المذهلة التي تكفلها كثير من العادات السيئة سبب وجيه جداً لالتزامك بها بشدة. ولذلك، إذا أردتِ أن تلازمك عاداتك الطيبة، فلا بد أن تكون سهلة ومريحة قدر الإمكان.

ثمة صفة أخرى غالباً ما تتصف بها العادات السيئة، ألا وهي أن مردودها عادةً ما يكون فورياً وعاقبتها عادةً مؤجلَة. والعكس صحيح غالباً فيما يتعلق بالعادات الطيبة. كمردود التردد على صالة الألعاب الرياضية لأسبوع الذي لا يكون ملموساً. فلا تشعرين سوى بآلام في جسدك. ولم يتغير فيكِ شيء في حقيقة الأمر. ويبدو شكلك سيان في المرآة. والمقياس واحد تقريباً. لن تحصلي على المردود الذي تريدين إلا إذا التزمتِ لعام أو عاميْن أو ثلاثة أعوام.

وبالتالي، لدينا هذه الفجوة. لدينا ما يشبه “وادي الموت” في البداية في ظل عدد كبير من العادات الطيبة التي تشرعين في ممارستها، لكنكِ لا تحصلين على المردود المتأخر الذي تلتزمين لأجله وتعقدين الآمال عليه. بينما فيما يتعلق بالعادات السيئة، هناك تنافر بين النتيجة الفورية التي تحصلين عليها، وذاك الشعور الرائع الذي يخالجك لحظياً. وتقررين أنه ينبغي عليكِ أن تفعلي هذا، ثم يتبين لكِ أن تلك العادة تلحق بكِ ضرراً على المدى البعيد.

فثمن عاداتك الطيبة تدفعينه في الحاضر. وثمن عاداتك السيئة تدفعينه في المستقبل. وجزء كبير من السبب وراء سهولة اكتساب العادات السيئة وصعوبة اكتساب العادات الطيبة أو استبعاد أو مقاومة اكتسابها يتعلق بتلك الفجوة في الوقت والمردود.

أليسون بيرد: رائع. شكرأً جزيلاً على حديثك معي اليوم. أشعر أنني تعلمت الكثير، وآمل تنفيذ جميع قراراتي للعام الجديد.

جيمس كلير: عظيم. كان الحوار معك شائقاً. شكراً لكِ.

أليسون بيرد: جيمس كلير رائد أعمال ومؤلف كتاب “العادات الذرية: طريقة سهلة ومثبتة لاكتساب العادات الطيبة والإقلاع عن العادات السيئة”.

هذه الحلقة التي كانت حول موضوع: “كيف أبدأ عادات جديدة بطريقة صحيحة” من إنتاج ماري دوي. وقدم لنا الدعم الفني روب إيكارت. أما مدير الإنتاج الصوتي لدينا فهو آدم باكولتز. شكراً لاستماعكم إلى برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.

اقرأ أيضاً: كيف تحارب التسويف؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .