بين الساعة 8:30 وحتى 09:05 صباحاً من كل يوم، تقدم شركتي طعام الإفطار مجاناً لجميع الموظفين في مقرها في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة. أنا لا أتحدث هنا عن حلوى المافن والبيغل فحسب، بل عن فطائر "سلابي جو" الدسمة، وبيض مخفوق بالجبن وبطاطا مقلية وشرائح لحم مقرمش وسجق. كما تقدم الشركة أيضاً خيارات صحية مثل اللبن الزبادي والفاكهة وخيارات خاصة بالنباتيين وحتى تلك الخالية من الغلوتين، لا سيما أنّ كاليفورنيا مقر الاتجاهات الصحية المختلفة.
أعرف ما تفكر به، يعتبر الطعام المجاني أحد الأمور الشائعة المنتشرة في وادي السيليكون مقر شركات التكنولوجيا. تقع شركتنا الناشئة بيفوتال (Pivotal) في منطقة توجد فيها شركات متميزة مثل إير بي إن بي ودروب بوكس وأدوبي وسلاك وسايلسفورس وأوبر. بالتالي، يعتبر تقديم شركتنا لطعام مجاني أمراً طبيعياً.
قد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، لكن حتى لو لم نكن محاطين بشركات ناشئة تقدم طعام إفطار مجاني لموظفيها، كنا سنقدم وجبات طعام. يعود ذلك إلى عدة أمور، لكن في البداية علي أولاً شرح آلية عمل شركة بيفوتال المتخصصة في البرمجة المعقدة والعمليات الرشيقة. تعمل شركتنا على مبدأ البرمجة الثنائية، بمعنى آخر، يوجد مطورين اثنين يعملان مع بعضهما على الدوام. يملك كل منهما شاشة ولوحة مفاتيح وفأرة خاصة به، لكنهما يشتركان في الحاسب نفسه. الأمر أشبه بالطيار ومساعد الطيار خلال تحليق طائرة. صحيح أنّ لكل منهما أجهزته المستقلة، لكنهما يحلقان بنفس الطائرة. بالتالي لنفترض أنّ المطور (أ) يكتب، وخطر على بال المطور (ب) فكرة. بدلاً من قيام الأول بتسليمه لوحة المفاتيح والفأرة، يتوقف المطور (أ) ببساطة عن الكتابة ويرفع يديه عن لوحة المفاتيح ليبدأ المطور (ب) الكتابة على الفور. لا يوجد هناك توقف أو استراحة في تدفق قطار الأفكار.
يعني هذا النوع من التعاون وجودين شخصين متاحين على الدوام للمساعدة في حل مشكلة برمجية. كما أنه في حال فاز المطور (أ) باليانصيب وترك عمله في اليوم التالي، هناك المطور (ب) الذي يعرف كل الخطوات والتعليمات البرمجية. وهذا هو الأمر الذي يعيدني إلى وجبة الإفطار.
السبب الأول: الجميع يتناول إفطارنا المجاني في وقت واحد.
يقدّم الطعام المجاني على فترة محددة مقدارها نصف ساعة، وهو ما يوفر على الناس بعض المتاعب ويجعلهم يبدؤون عملهم كلهم في نفس الوقت.
لفهم سبب أهمية ذلك البالغة، تخيل بيفوتال من دون وجبة إفطار مجانية. لنبدأ بالبديهيات. يفضل معظم المطورين النوم حتى وقت متأخر لو كان الأمر يعود إليهم، وكانوا ليأتوا إلى المكتب حوالي الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً، سيتناولون القهوة، وربما يردون على بعض الرسائل الإلكترونية، ثم ينضمون إلى فرقهم.
وهكذا، وقبل أن تعرف، سيكون الصباح قد انتهى وحان وقت تناول الغداء. لكن مهلاً، لا بأس بذلك، صحيح؟ فنحن نعيش في عالم رقمي يمكنك فيه القدوم وقتما يحلو لك طالما أنك تنجز عملك على أكمل وجه. في شركتنا، لن يصلح هذا، وذلك كون ثنائي البرمجة يعملان فقط عندما يكونان معاً. بالتالي، أنت بحاجة إلى مزامنة جداولهما معاً.
نملك جرساً كبيراً تقليدياً نقوم بقرعه الساعة 9:05 صباحاً. في حين يملك مكتب تورونتو "غونغ ذهبي" (golden gong) يقومون بطرقه بمطرقة! يشير الصوت إلى انتهاء الإفطار وبدء اجتماع على مستوى المكتب. بعد اجتماع مدته 5 دقائق، تعقد الفرق اجتماعاتها الخاصة، ثم تذهب أزواج المبرمجين إلى أماكن عملها.
السبب الثاني: يؤدي الإفطار المجاني إلى تزامن مستويات طاقة مبرمجينا
لنفترض أننا أنا وأنت نعمل معاً. أنت ممن يستيقظون الساعة 6 صباحاً وتركض 10 كيلومترات، ثم تتناول وجبة فطور صحية متوازنة، وتصل إلى المكتب الساعة 8:45 صباحاً.
أما أنا على عكس ذلك، لا أملك ذاك الدافع (من ناحية اللياقة البدنية) ولا الانتظام (من ناحية إدارةالوقت). استيقظ الساعة 8 صباحاً مع وقت بالكاد يكفي للاستحمام واللحاق بمترو الأنفاق. لا بأس بذلك كوننا وصلنا في ذات الوقت للوصول إلى العمل، لنبدأ البرمجة معاً حال انتهاء الاجتماع العام القصير. صحيح؟
ما الذي سيحدث برأيك حوالي الساعة 10:30 صباحاً؟ الأمر واضح. لم أكن قد تناولت وجبة إفطار، بالتالي سأشعر بالجوع، وأبدأ بالتفكير في الحصول على شيء ما لتناوله وأبدأ بفقدان التركيز. ربما وأصبح متعكر المزاج بسبب الجوع.
سأترك شريكي وأتوجه إلى المطبخ لجلب شيء ما، وقد أضيع الوقت في البحث عن بقايا طعام أو اتخاذ قرار بشأن ما يمكن تناوله كوجبة خفيفة. في هذه الأثناء، قد أرى شخصاً لم أتحدث إليه منذ فترة وسأدردش معه قليلاً. فجأة، سأكتشف أنّ 30 دقيقة قد مرت! في نفس الوقت، كان شريكي يعمل لوحده من دون وجود من يقوم بمراجعة عمله أو تنقيح أفكاره. كما أنه نظراً لأنه تناول وجبة إفطار صحية، فإنه قادر على أن يعمل حتى وقت الغداء، ثم سيذهب لتناول طعامه بينما أنا سأبقى في مكتبي نظراً لأنني تناولت طعاماً للتو.
من جديد، لن ينجح العمل الثنائي ما لم يكن الزوج متناغماً. لا يفيد الإفطار المجاني في تحسين جداول موظفينا فحسب، بل وأيضاً مستويات السكر في دمهم.
السبب الثالث: الإفطار المجاني يشجع التعاون عبر الشركة
لنفترض أننا عملنا معاً على مشروع ذات مرة، لكننا الآن في فرق مختلفة في بيفوتال. أنت تعمل على شيء متصل تماماً بما أعمل عليه، بالتالي سيكون من الرائع الدردشة ومشاركة الأفكار. لكن متى قد يحدث ذلك؟
بسبب طريقة عمل بيفوتال، تعمل فرقنا الصغيرة والمركزة ضمن أزواج مدة 8 ساعات يومياً. يكون يوم العمل مكثفاً ومثمراً للغاية، ولا يوجد هناك الكثير من الوقت للتفاعل مع الآخرين. وبالتالي سنضطر أنت وأنا لجدولة اجتماع وهو ما يستغرق دائماً بعض الوقت، نظراً للجداول الحافلة للجميع. يمكننا ربما انتظار لحظة مصادفة، كأن نلتقي في المترو أو في الحمام أو في المصعد، لحظة قد لا تأتي أبداً.
لكننا نريد تلك اللقاءات والمشاركة، ونريد جواً تعاونياً يعزز نقل المعرفة داخل وعبر التخصصات، وهذا الأمر لن يحدث ما لم يتواصل الناس ويتشاركون مع بعضهم البعض.
هذا هو السبب الثالث لخدمة الإفطار المجاني. يمكنك أنت وأنا جلب الطعام والجلوس على إحدى الطاولات في الكافتيريا. تعطي فترة الإفطار للموظفين نافذة يومية لمناقشة ما يعملون عليه حالياً، ويتبادلون قصص العمل، ويساعدون بعضهم البعض.
ما هو "إصدار" شركتك من الإفطار المجاني؟
لا تفهمني خطأ. قد يكون هناك من يشكك في تلك الأفكار قائلاً إنه لا يوجد شيء اسمه: إفطار مجاني! لن أخوض في التفاصيل، لكنني متأكد من أنك قمت بحساباتك لمعرفة ما قد يكلفه تقديم طعام ساخن لحوالي 2,300 شخص عبر 21 موقع للشركة يومياً.
في البداية، ربما كان تقديم وجبة إفطار أمراً جاذباً للمواهب ضمن الشركات الناشئة، إلا أننا بتنا نراه الآن أمراً يغطي تكاليفه بسهولة، وذلك لأننا أعددناه بطريقة تساعدنا على القيام بأعمالنا بشكل أفضل. صحيح أنه يأتي في القاع من ناحية الأهمية، إلا أنه يدفع أعمالنا إلى الأعلى بشكل أفضل.
كما أنني لا أقترح قيام شركتك بالبدء بتقديم إفطار مجاني، فقد لا يكون الأمر مناسباً لها. بل أقترح فكرة أخرى: في بيفوتال، نحن نقدم إفطاراً مجانياً ليتمكن موظفونا من القيام بعملهم بأفضل شكل، تماماً كقيامنا بشراء أجهزة حاسب لهم. ماذا يمكن لشركتك القيام به لكي تصبح شركة أكثر قدرة على المنافسة؟