الجدل القائم حول كيفية تصنيف العمال المستقلين يفتقر إلى الصورة الشاملة

5 دقائق
كيفية تصنيف العمال المستقلين

تبنّت المحكمة العليا في كاليفورنيا، عام 2018، اختباراً حول كيفية تصنيف العاملين المستقلين. وخلص القرار المتعلق بشركة دايناميكس (Dynamex) إلى أنه يفترض أن يُعتبر العاملون موظفين إلا إن استطاع صاحب العمل إثبات أن هذا العامل غير خاضع لسيطرته وتوجيهاته، وأن العمل الذي يقدمه خارج نطاق عمل الشركة الاعتيادي، وأنه يعمل كمستقل. إلا أن هذه المعايير، التي يشار إليها عادة بفحص أي بي سي (ABC test)، لا تقدم إرشاداتٍ قاطعةً حول الطريقة التي يجب أن يُصنف وفقها العاملون المستقلون. لكن بحسب التقارير، قد تحمل المفاوضات الجارية في كاليفورنيا بين كل من شركات النقل حسب الطلب، واتحادات العمال، والجهات التنظيمية، وغيرهم من أصحاب المصلحة المزيد من التوضيح في هذا الشأن.

وإن أمكن التوصل إلى اتفاق حول الأسلوب الذي يمكن أن يمنح العامل حمايةً كافيةً مع الحفاظ على المرونة التي يتمتع بها المتعاقد المستقل، فإن ذلك من شأنه أن يمثل بداية عهد جديد بالنسبة إلى خدمات المنصة متعددة الجوانب، ما يسمح لهذه الخدمات أن تبقى منافسة، في الوقت نفسه الذي تحقق فيه هدف الإنصاف بالنسبة إلى العاملين المستقلين.

كيفية تصنيف العمال المستقلين

ولقد ناقشت في بحثي حول اقتصاد العمل الحر والمنصات الرقمية فكرة أن ذلك الجدل القائم حول كيفية تصنيف العاملين إلى موظفين أو مستقلين هو أمر مضلِّل ومشتِّت. وإنما القضية الأهم ينبغي أن تكون كيفية تحديث قوانين حماية العمل والعمالة بحيث تلائم واقع العمل اليوم. إذ يتعيّن علينا أن نسعى جاهدين للحصول على لوائح تنظيمية صحيحة وملائمة ضمن القانون الخاص بالعمل والعمالة، بحيث لا تكون أقل من المستوى المطلوب لتترك العاملين دون حماية، وفي الوقت نفسه لا تكون مبالغاً فيها لدرجة تفسد السوق وتخلق عقبات في مجال التوظيف.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب التعامل مع العمال المستقلين على أنهم جزء من الواقع والمستقبل؟

وإنما يجب على المشرعين المحليين ألا يقتصر دورهم على شرح اختبارات التصنيف الفضفاضة والمرنة بشكل ملحوظ، وتبسيطها فقط، بل يتوجب عليهم خلق فئات من الحماية لا تستند إلى حالة الموظف. فأولاً: يجب توسيع نطاق بعض الحقوق لتشمل كل العاملين الذين يقدمون خدماتهم في السوق، بغض النظر عن كيفية تصنيفهم. على سبيل المثال، يجب حماية كل العاملين الذين يتعرضون للتمييز أو المضايقات أو يشهدون فساداً، وذلك عبر القانون وكذلك تأمين جهة يلجؤون إليها عند اتخاذهم أي إجراء.

ثانياً: نحن بحاجة لوضع قواعد محددة خاصة بمنصات العاملين المستقلين، لأنه لا يمكن تطبيق كل القوانين المتعلقة بالأجور وساعات العمل بسلاسة على عمل المنصة، فيجب مثلاً أن يتلقى السائقون في شركة أوبر (Uber) وليفت (Lyft) وغيرهم ممن يقدمون خدماتهم عبر منصات رقمية حداً أدنى من الأجور الساعية توازي الحد الأدنى للأجور المنصوص عليها في القوانين. على سبيل المثال، تفرض حالياً وكالة نيويورك سيتي تاكسي آند ليموزين كوميشن (New York City Taxi and Limousine Commission) قواعد تحتم على "شركات النقل حسب الطلب" أن تقدم حداً أدنى من الأجور الساعية لسائقيهم. وعلى نحو مهم، تطبق هذه القواعد على الجميع بلا استثناء، سواء صُنف السائق موظفاً أو متعاقداً مستقلاً. وبالمثل، فإن الأحكام المتضمنة في قانون علاقات العمل الوطنية لعام 1935 الذي يمنح الموظفين حق تشكيل اتحادات عمالية، وحق التفاوض الجماعي لا تلائم حالة التباين والمرونة التي يتمتع بها العاملون المستقلون اليوم. ومع ذلك، يجب أن يكون لهم حق التعبير عن مخاوفهم بطريقة منسقة وتعاونية.

اقرأ أيضاً: اقتصاد العمل الحر: هل سيجعل المكتب من العهد البائد؟

ثالثاً: يجب أن نوفر إمكانية الحصول على المعونات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية، وإعانات البطالة، وصناديق التقاعد للعاملين المستقلين غير المرتبطين بمنصة عمل واحدة. وبالفعل، هناك بعض المبادرات لمساعدة العاملين المستقلين على الحصول على التأمين بنفس المعدل حتى عند انتقالهم من عمل حر لآخر.

رابعاً: قبل وضع القواعد التي تنطبق على الجميع، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الدوافعَ المختلفة الكامنة وراء توجه الأشخاص نحو العمل الحر. فبالنسبة للعديد من الأشخاص، يشكل العمل الحر الذي يجدونه عبر المنصات الرقمية وظيفتهم الكاملة. في حين يقدم بعض العاملين خدماتهم عبر المنصات، على وجه التحديد، ليتجنبوا الالتزام بالدوام بحد أدنى من الساعات يومياً أو أسبوعياً. فعلى سبيل المثال، قد يقرر بعضُ السائقين في تطبيقات أوبر (Uber) أو ليفت (Lyft) عدم تشغيل التطبيق الخاص بهم لأسابيع في فترة ما. وكان من بين سائقي "أوبر" الذين قابلتهم طلاب جامعة، ورواد في التكنولوجيا، ومتقاعدين، وأولياء أمور مقيمين في المنزل. وينطوي تصنيف كل هؤلاء السائقين بصفتهم موظفين على مخاطر تنفير بعض العاملين الذين يسعون للتمتع بالمزيد من الاستقلالية والتحكم بوقتهم.

حالة التباين في صفوف العاملين المستقلين

ويوجد في ألمانيا أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام عن كيفية التعرف على حالة التباين في صفوف العاملين المستقلين. ففي أوروبا، أبرمت شركة هيرميس (Hermes)، وهي شركة توصيل ألمانية، مؤخراً صفقةً ضمن إطار اتفاق تفاوض جماعي مع اتحاد جي إم بي (GMB) في المملكة المتحدة. وفي هذه الشركة، يمكن لسائقي هيرميس (Hermes) أن يختاروا لأنفسهم حالة تدعى بـ "يعمل لحسابه الخاص بامتيازات"، وهي حالة تمنحهم الحد الأدنى من الأجور، وإجازة مدفوعة الأجر لمدة تصل إلى 28 يوماً. في المقابل، لا يمكن للسائقين الذين اختاروا هذه الحالة انتقاء مساراتهم، وإنما يتعيّن عليهم قيادة الرحلات التي تحددها لهم الشركة. أما أولئك الذين لم يقرروا الانضمام للخيار السابق يمكنهم الاستمرار في العمل بصفتهم مستقلين مع مزيد من المرونة، لكن دون الحصول على المزايا نفسها.

في الولايات المتحدة، هناك العديد من الحلول المطروحة، والتي تعد حلولاً شاملة، وتحمل قواعد تناسب كل الحالات. إن مطالبة جميع السائقين ليصبحوا موظفين سيقلل من مرونة عملهم، ويتجاهل احتمالات أولئك الذين يضعون استقلاليتهم في المقام الأول. وفي هذه الحالة، سيتعين على الشركات جدولة عمل السائقين ضمن مناوبات إلزامية، وستنخفض حينها القوة العاملة لديها لتقتصر على توظيف من هم على استعداد للالتزام بساعات عمل أطول وأيام أكثر. علاوةً على ذلك، أن تكون مستقلاً يعني أنه بإمكانك العمل لدى العديد من الشركات في الوقت نفسه دون انتهاك أية واجبات تتعلق بالولاء لأي منها. وسيساعد هذا على خلق المزيد من التنافسية بين جهات التوظيف في سوق العمل. وفي الحقيقة أظهر البحث الذي أجريته مع كين بامبيرغر، أستاذ جامعة بيركلي (Berkeley)، أن القوانين العريضة يمكنها أن تعود بالنفع على الشركات الكبرى المسيطرة على السوق مثل "أوبر" و"أمازون"، إذ يمكن لهذه الشركات التي توصف بـ "ملوك الفئات" أن تستوعب التكاليف التي تفرضها الأحكام والقواعد الصارمة، في مقابل خروج المنافسين الصغار من السوق.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد المستقل يجعل السلع أرخص... لماذا إذن لا نشعر بهذا؟

ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يسعون لزيادة دخلهم أو كسب رزقهم من خلال تأمين العمل عبر منصة رقمية، فلدينا الفرصة لإعادة النظر في الأغراض والأهداف الكامنة وراء حماية العمل والعمالة بالنسبة إلى كل العاملين. وقد صممت العديد من قوانين الحماية لحماية الموظفين ولضمان أجور المعيشة لهم وتأمين ظروف عمل لائقة، ويجب أن يتسع نطاقها لتشمل كل العاملين حتى مع تغير العلاقات الرسمية التي تربطهم بعملهم. وفي الوقت نفسه، يجب ألا تحُد القوانين من الابتكار، ولا أن تُفرض بطرق تعود بالنفع فقط على جهات التوظيف المهيمنة على السوق. والأهم من ذلك كله، يجب أن تدرك الجهات التنظيمية حالة التباين الكبير في سوق العمل وأن تعميم تصنيف الموظف على كل العاملين لن يعود بالنفع عليهم جميعاً.

وسواء كنا نتحدث في العمل لصالح هذه المنصات عن سائقين أو مهندسين أو مصممين أو مبرمجين، فإن النمط الذي يرفض المبالغة في تبسيط تصنيف العاملين سيحقق توازناً أفضل بين الأهداف المزدوجة المتعلقة بالحماية والمرونة. وبغض النظر عن التصنيف، يجب أن يضمن العاملين حصولهم على الحد الأدنى من الأجور، وإمكانية الحصول على مزايا مثل تعويضات العاملين، وطريقة محددة للتعبير عن قضاياهم وشؤونهم. وقد أدرك القادة في شركتي "أوبر" و"ليفت"، خلال المفاوضات التي أجروها في كاليفورنيا، الحاجة إلى حلول تنظيمية لتلبية هذه الشروط. وهنا لابد أن ننوه على ضرورة ألا تغفل الجهات التنظيمية والمحاكم عن أن التصنيف قد يعود بنتائج عكسية وغير مقصودة، وأنه عليهم العمل مع كلٍّ من المنصة والعاملين لخلق حلول هادفة، وتحديثها دوماً من أجل معرفة كيفية تصنيف العمال المستقلين.

اقرأ أيضاً: النجاح في اقتصاد العمل الحر

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي