إذا كنت خريجاً جامعياً حديثاً، فمن المرجح أنك درست عدة مواد دراسية تعتقد أنها ستساهم في تأهيلك لوظيفتك الأولى. لكن لسوء الحظ، فإن معظم ما تحتاج إليه للنجاح في حياتك المهنية ينطوي على مهارات لم تتعلمها في أي مادة دراسية. وهو ما يمكن أن يعقّد عملية التقدم للوظائف.
عندما تعاين المؤهِلات المطلوبة في وظائف المبتدئين، ستجد أن العديد من المتطلبات المذكورة فيها قد تكون مهارات لم تصادفها بعد. حتى عندما تنطوي وظيفتك الجديدة على مهارات تقنية درستها من خلال الفصول الدراسية التي حضرتها، فمن المحتمل أن يستعمل رب عملك المستقبلي أدوات لم ترها من قبل، ويعتمدَ على أساليب تتجاوز مستوى تحصيلك الدراسي.
ومع ذلك، يجب أن تتيقن أن عدم امتلاكك جميع المؤهلات لا يعني أنه يجب عليك عدم التقدم لهذه الوظيفة.
إحدى القصص التي ذكرتها في كتابي "وظف عقلك في العمل" (Bring Your Brain to Work)، هي أن ابني الأكبر، ومباشرة بعد تخرجه من الجامعة، مُنح فرصة للتقدم لشغل وظيفة في شركة عادة ما تمنح مثل هذه الفرص لأشخاص لديهم سنوات قليلة من الخبرة. عندما سألني ماذا أفعل، كانت إجابتي: "إذا كان لديك كل مؤهلات الوظيفة التي تتقدم لها، فطموحك محدود جداً". وقد حصل على المنصب في نهاية المطاف، وبالرغم من وجود الكثير ليتعلمه، كان يحقق أداءً جيداً.
تتوقع الشركات من شاغلي المناصب الجدد (وخاصة الموظفين الجدد في الشركة) أن يتطوروا في هذا المنصب. حيث تريد هذه الشركات من الموظفين الجدد طرح الكثير من الأسئلة، والبحث عن التوجيه، وحتى ارتكاب بعض الأخطاء خلال تأقلمهم مع المنصب.
هذا يعني أنه يجب عليك البحث عن المناصب التي توسع دائرة خبراتك، وليس تلك التي تعرف أنه يمكنك أداء جميع المهام المتعلقة بها بكل أريحية.
لسوء الحظ، يركز الكثير من الأشخاص (وخاصة النساء) على الوظائف المحتملة التي يمتلكون مؤهلات أكثر من المطلوبة فيها. هناك جوانب إيجابية في القيام بذلك، حيث "سيشرعون في القيام بالمهام الجديدة بكل حماس وشغف"، مما يجعل رب العمل سعيداً في أغلب الأحيان ويمكن أيضاً أن يعزز ثقة الموظَف بنفسه. لكن من غير المرجح أن تؤدي تلك الوظيفة إلى تطور كبير على صعيد المسار المهني، وهذا التطور البطيء يصعب الانتقال إلى المنصب التالي. على وجه الخصوص، يتطلب ارتقاء السلم الوظيفي اكتساب مجموعة من المهارات اللازمة لتولي المنصب التالي بشكل منتظم. لكن عندما تكون في منصب مؤهلاتك أعلى منه، فإن تعلم هذه المهارات يتطلب تخصيص وقت "خارج الدوام" بدلاً من التعلم أثناء الأداء اليومي لوظيفتك.
أحد العوامل التي تمنع الأفراد في كثير من الأحيان من التقدم للوظائف هو متلازمة المحتال، وهو الشعور أن المنصب الذي وصلت إليه لم يكن بمجهودك الخاص وأنك لا تستحقه. يشعر الموظَفون الذين يعانون من هذه المتلازمة بالقلق، فيظنون أنه لو اكتشف زملاؤهم مدى عدم أهليتهم لمنصبهم، لن يتمكنوا من الحفاظ على وظائفهم.
لكن متلازمة المحتال عادة ما تكون غير منطقية. فلا يمكنك الاطلاع على أفكار الآخرين، لذا قد تفترض أن لديهم درجة من الثقة في قدراتهم أعلى مما لديهم فعلاً. لذلك، فأنت لا تدرك كم من الموظفين الآخرين قد اضطر أيضاً إلى تعلم مهارات جديدة ومهمة أثناء تأدية عمله، وبالتالي تتجنب الوظائف التي تشعر أنك غير مؤهل لها.
بدلاً من ذلك، من الأفضل التعامل مع المناصب الجديدة على أنها تحدٍّ. تناولت الأبحاث التي أجرتها كارول دويك وزملاؤها مفهوم "عقلية النمو" حيثما تُعد أفضل طريقة للحفاظ على التوجه القائم على التعلم المستمر هي إرجاع صعوبة المهام إلى افتقار المهارات (التي يمكن اكتسابها) وليس إلى نقص المواهب (التي لا يمكن اكتسابها). ويرى متخصصو علم النفس التنظيمي أن عقليات النمو تؤدي أيضاً إلى الالتزام والاندماج في العمل.
من الناحية العملية، من المفيد للجميع تقريباً التعامل مع إعلانات الوظائف كما لو كانت مجموعة من المبادئ التوجيهية لما تنطوي عليه الوظيفة، وليس قائمة صارمة بالمتطلبات التي يجب أن يتوفر عليها أي متقدم للوظيفة. بطبيعة الحال، من المهم التوفر مقدماً على بعض المهارات التي تتطلبها الوظيفة. لكن لا ينبغي لأحد أن يقتصر اهتمامه على المناصب التي تفوق فيها مؤهلاته متطلبات هذه المناصب.