ما الذي تعلمته من التحدث عن إصابتي بالاضطراب ثنائي القطب في العمل؟

7 دقائق
الاضطراب ثنائي القطب

قبل عدة أعوام، اضطررت إلى أخذ إجازة من العمل بسبب الاكتئاب. لقد حصلت على تقرير طبي من الطبيب واكتشفت أنّ الأمر متعلق بصحتي العقلية بسبب الاضطراب ثنائي القطب. وبعد أسبوعين، حين بدأت أشعر أنني قادر على المواجهة مرة أخرى، دعاني أصدقائي للخروج مساء، ومع أنني لم أكن أرغب بالخروج، إلا أنني قررت أن أذهب كطريقة لتسهيل رجوعي إلى الحياة الروتينية السابقة.

عدت إلى عملي في اليوم التالي، حيث قام مديري بتوبيخي أمام كل من في المكتب لأن البعض رآني في الخارج، بينما كنت في إجازة من العمل بسبب مرضي.

تشخيص الاضطراب ثنائي القطب

أعمل حالياً في شركة مختلفة جداً. وأُعاني من الاضطراب ثنائي القطب أيضاً. ومع أنني أتعالج بشكل جيد، ولكن هذا لا يعني أنني بحالة جيدة طوال الوقت.

في الصيف الماضي، اقترح الطبيب النفسي الخاص بي تعديلاً دوائياً ليتناسب مع مزاجي العام. وبعد تفكير طويل، قررت أن أبدأ بالتنفيذ. بعد أكثر من ثمانية أعوام على تناول الأدوية المختلفة، بت أعلم الآن كيف يمكن لتعديل صغير في الدواء أن يؤدي إلى الازدهار أو الانهيار، أو إلى كليهما في حالات خاصة. لقد عملت على ضمان أنّ مديري وفريق الموارد البشرية على اطلاع بالأمر وأنهم قادرين على توفير الدعم لي خلال هذا الإجراء. شرحت لهم الآثار الجانبية المحتملة وجمعت رسائل إلكترونية أولية بهدف تسليم بعض المهام في حال احتجت إلى الخروج من العمل فجأة. افترضت أنني مستعد قدر الإمكان.

لكن، ما لم أفعله هو أنني لم أخبر فريقي عن التعديل الدوائي. على الرغم من أنّ جميع من يتواصل معي على علم بالاضطراب ثنائي القطب الذي أعاني منه، إلا أنني لم أشعر أنني جاهز لأن أكون منفتحاً لهذه الدرجة. وأنا الآن أفكر في السبب وراء هذا.

مشكلة واضحة يتم تجاهلها

في العام 2009، أظهرت دراسة أنّ شخصاً واحداً من بين كل أربعة أشخاص تقريباً سيعانون من تدني الصحة العقلية خلال فترة حياتهم (كما يشير استبيان أُجري في العام 2014 أنّ واحداً من بين كل ستة بالغين في المملكة المتحدة انطبقت عليه معايير اضطراب شائع في الصحة العقلية). وهذا يعني أنه يجب على الكثير منا أن يتعلم كيفية التعامل مع مشاكل الصحة العقلية ضمن سياق العمل. ولكن في جميع الأحوال، لن يشعر أحد تقريباً بحرية مناقشة مثل هذه الأمور في مكتب العمل ولن يستطيع الحصول على الدعم من أصحاب العمل أو الزملاء.

تشير إحصائيات مؤسسة الصحة العقلية، وهي مؤسسة خيرية تدرس الصحة العقلية مقرها المملكة المتحدة إلى التالي:

- يواجه 15 في المئة من الناس تقريباً مشاكل تتعلق بالصحة العقلية أثناء وجودهم في مكان العمل.

- احتمالية إصابة النساء اللواتي تعملن بدوام كامل بمشكلة شائعة تتعلق بالصحة العقلية تقارب الضعف مقارنة بالرجال (19.8 في المئة مقابل 10.9 في المئة).

- تُعزى 12.7 في المئة من أيام الإجازة المرضية في المملكة المتحدة إلى ظروف تتعلق بالصحة العقلية.

كفرد ضمن القوى العاملة التي تعاني من مشاكل في الصحة العقلية، أُعد محظوظاً لكوني أعمل في شركة متفهمة جداً وقادرة على الاستيعاب ومهتمة بإضفاء الطابع الإنساني على العمل، إذ أنني أحصل على دعم كامل من زملائي في الفريق. ويطبّق الجميع هنا في شركة أولارك (Olark) (مورّدة برمجيات محادثة فورية) "افتراض حسن النية". فعندما أحتاج إلى وقت ومجال إضافيين للتركيز على احتياجات صحتي العقلية أحصل على ما أريد دون أية نتائج سلبية أو التعرض للأسئلة.

ولكن للأسف قلة من الناس محظوظين مثلي. وفقاً للتقرير المتعمق الذي أعدته الكلية الملكية للأطباء النفسيين في المملكة المتحدة (UK Royal College of Psychiatrists) بعنوان "الصحة العقلية والعمل":

يعتقد الكثير من مدراء الموارد البشرية أنّ الأشخاص الذين عانوا من أمراض نفسية سيكونون الأسوأ في أداء عملهم، ونتيجة لذلك فإنهم من المرجح أن يطلبوا "مزيداً من المعلومات" إذا كشف الموظف المعين عن مثل هذا التاريخ المرضي (غلوزير Glozier، 1998). لا يرغب نصف أصحاب العمل تقريباً بتوظيف أحد له تشخيص بمرض نفسي (مانينغ ووايت Manning and white، 1995). كما أفاد ثلثا أصحاب العمل في القطاع الخاص وفي الشركات الصغيرة والمتوسطة أنهم لم يوظفوا أبداً مثل هؤلاء الأشخاص عن دراية (معهد تشارترد لشؤون الموظفين والتنمية Chartered Institute of Personnel and Development 2007).

وتابع التقرير مشيراً إلى أنه حتى إذا تمكن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية من إيجاد عمل ما، فإنه من المحتمل أن يواجهوا التحديات التالية:

كثيراً ما يفيد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية عن حرمانهم من فرص التدريب أو الترقية أو النقل (ميشالاك وآخرون Michalak et al، 2007). يميل زملاء العمل للنظر إلى المرض العقلي باعتباره فشلاً شخصياً (هيرمان وسميث Herman and Smith، 1989)، ويفيد الكثيرون منهم عن عدم راحتهم في العمل مع أشخاص يعانون من مشاكل في الصحة العقلية، وتحديداً إذا كانت حالتهم غير مستقرة (مانينغ ووايت Manning and white، 1995، وشايد  Scheid، 2005).

لا يقتصر التأثير السلبي لهذه الميول على الموظفين الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية وحسب، بل على أصحاب العمل أيضاً. إذ يقدر أحد التقارير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية أنّ بحلول العام 2020 قد يكون الاكتئاب المسبب الرئيسي الثاني للإعاقة، إذ لا يسبقه سوى أنواع معينة مثل مرض القلب. وتشير أدلة منظمة الصحة العقلية أنّ تحسين دعم الصحة العقلية في مكان العمل يمكن أن يوفر على الشركات في المملكة المتحدة ما يصل إلى 8 مليارات يورو سنوياً. كما يقول تقرير الحكومة البريطانية:

تشير التقديرات إلى أنه في حال استثمرت شركة لديها 500 موظف، مبلغاً أولياً قدره 40 ألف يورو، فإنه سوف يُسفر عن عائد صافي يبلغ 347,722 يورو في المدخرات، ويرجع هذا بسبب رئيسي إلى انخفاض نسبة الحضور إلى العمل في حال المرض (انخفاض الإنتاجية الذي يحدث نتيجة عمل الموظف أثناء مرضه) والتغيب عن العمل (التغيب عن العمل بسبب المرض).

نتيجة القيام بهذا، هو الحصول على عائد استثمار أكبر بثمان مرات. وكل ما علينا فعله هو مواجهة المشكلة والبدء بالحديث عن الصحة العقلية في مكان العمل بانفتاح، ولكن مما تعلمته في الصيف الماضي، أقول أنّ الأمر أصعب مما يبدو.

ادفع الحواجز وامض قدماً

اتخذت قراراً واعياً بعدم إخفاء إصابتي بالاضطراب ثنائي القطب. عملت مع زميلتي في الفريق مادالين باركر على تطبيع مشاكل الصحة العقلية هنا في شركة أولارك (Olark). وشاركت في برنامج وثائقي مدته ساعة في المملكة المتحدة يستكشف رحلة إصابتي بالاضطراب بهدف زيادة الوعي تجاه الصحة العقلية. ويُعد سبب انفتاحي الذي أنا عليه الآن، هو خبرتي المباشرة مع قادة لا يوفرون مجالاً آمناً للحديث عن الصحة العقلية، وأنا لا أرغب في أن أكون من هذا النوع من القادة.

ولكنني امتنعت عن إخبار فريقي بالتعديل في الدواء، فإنني امتنعت عن الأمر لسبب ما. لم يكن التغيير سلساً ولكنني علقت في العمل. يرجع هذا جزئياً إلى كوني عنيداً، ولأنني أعتقد بمجموعة مبادئ تمنعني من القيام بذلك. ومن جهة أخرى لم أرغب في أن أخذل أحداً، بالإضافة إلى أنّ العمل بالنسبة لي هو طريقة نافعة فعلاً لإجبار دماغي على التركيز.

في البداية، كنت راضياً عن نفسي لأنني استطعت إقناع الناس بتقبل الأمر. ولكنني بدأت أيضاً أشعر بمستوى طبيعي جداً من عدم الأمان والشك. لقد قضيت الكثير من الوقت في تمحيص أشياء قلتها وكتبتها والتدقيق في قلقي تجاه قدرة الناس على معرفة ما إذا كنت أشعر بشعور سيء أو بهوس اكتئابي. لم أكن حاضراً تماماً في الاجتماعات، وسمحت لبعض الأمور بأن تفلت مني. ومن الممكن أنني أضفت أعباء إلى أعمال الآخرين دون إدراك مني. كان عدم إخبار الناس بالتأكيد أسوأ من إخبارهم.

من شبّ على شيء شاب عليه

إذاً، لماذا لم أخبر فريقي؟ يفتح هذا السؤال ملفات قديمة. وتتعلق الإجابات البسيطة والغريزية بالمخاوف و"القدرات" و"الاحتمالات":

  • الخوف من أن يُنظر إلي كقائد ضعيف.
  • الخوف من أن يُرجع الناس سبب اتخاذي لبعض القرارات إلى التعديل الدوائي في حال علموا بالأمر.
  • الخوف من نظرة الناس المختلفة إلى قدرتي على أداء المهام، والتعامل مع التوتر والقرارات المعقدة في المستقبل (هل هو مستقر الآن؟).
  • الخوف من أن يتم الحكم علي بناء على حالتي الطبية، على الرغم من سنوات المكافحة والانفتاح والدفاع عن القضية.
  • الخوف من خذلان الناس أو خلق انطباع بخذلان الناس.

لقد نبع كل هذا الخوف من عدم ثقتي بقدراتي الشخصية وبنظرة الناس إلى قدرتي على القيام بالعمل. لم تعد صورتي الذاتية مبنية على أمور حقيقية مثل البيانات أو السجل الخاص بذاتي أو رد الفعل الذي أتلقاه. كنت أبدأ من إحساسي لا من الحقائق. بدا الأمر وكأنني أحدق إلى واحدة من تلك المرايا المشوهة التي تعكس ممراً لا نهاية له بقلقي الدائم تجاه ما أظن أنّ الآخرين يتصورونه عني.

ولكن معظم الأحاسيس متأصلة في مكان ما في الواقع، ولم تكن هذه المرة مختلفة، إنها ترتبط بالخبرة التي بدأت بها قصتي مع صاحب العمل السابق الذي لم يقدّم لي الدعم الذي احتجت إليه.

حدث هذا في أوائل القرن الحالي، في بيئة قلما تُناقش فيها الصحة العقلية، حيث كنا نعمل لساعات طويلة. اعتقدت أنّ مكان العمل لم يكن آمناً للحديث بانفتاح عن الصحة العقلية، وأثارت هذه الحالة خوفي من كون الاكتئاب ضعفاً ومصدراً للفشل وسراً يتوجب علي أن أبقيه مخفياً. ولهذا تطلب الأمر وقتاً طويلاً قبل أن أتحدث عن الصحة العقلية مرة أخري في بيئة عمل.

لست وحدي في هذه المعاناة، وفقاً لتقرير "الصحة العقلية والعمل" المشار إليه أعلاه:

لن يصدق ثلث أصحاب العمل المعلومات المذكورة في تقرير طبي لموظف يعاني من مشكلة في الصحة العقلية (مانينغ ووايت Manning and white، 1995) مقارنة بأولئك الذين يعانون من اضطرابات "جسدية"، فمن المرجح أن يتعرض الموظفون العائدون من فترة إجازة مرضية "نفسية"  إلى مساءلة دقيقة أو أن يتم تخفيض رتَبهم أو إخضاعهم لرقابة أكثر تشدداً. تم فصل العديد من وظائفهم (ميشالاك وآخرون Michalak et al، 2007)، فقد أفاد 6.3 في المئة من الموظفين الذين يعانون من مرض عقلي خطير في إحدى الدراسات  بأنهم طُردوا أو سرحوا أو طلب منهم أن يقدموا استقالتهم. (بالدوين وماركوس Baldwin and Marcus، 2006). من المفهوم أنّ الناس الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية قد يقلقون تجاه نظرة الآخرين للإجازة المرضية وبالتالي يستمرون في العمل وأحياناً يزداد مرضهم نتيجة لذلك.

بالتفكير في تجربتي بعد عدة أعوام، أرى أنها كانت بداية إدراكي لفكرة أنه قد تكون هنالك طريقة مختلفة لكي أكون قائداً، طريقة أكثر تعاطفاً. على الرغم من أنه من شبّ على شيء شاب عليه. كمدير جديد في أولارك، أفتقر إلى الثقة بنفسي وقدراتي وخوفي من أن يُنظر إليّ كفاشل، لذلك لجأت إلى السلوك المكتسب.

الخطوات التالية

كوني في وظيفة قيادية، أرغب في أن يشعر أعضاء فريقي أنّ بإمكانهم أن يتحدثوا معي عن أي شيء يؤثر عليهم أو على عملهم، وأن يشعروا أنّ مكان العمل آمن، إذ ما يكشفونه لن يؤثر على نظرتي إليهم.

يُعتبر كل فرد حراً تجاه ما يريد أن يكشفه والتوقيت الذي يرغب أن يكشف الأمر فيه. ينطبق هذا الأمر على كل أعضاء فريقي، وعلى كل من يقرأ هذا المقال، بغض النظر عن دوره المهني أو حالته الشخصية. ولكن بالنسبة لي، وفي بيئة العمل هذه تحديداً، أعلم أنه علي أن أكون نموذجاً للشفافية والثقة. يتوجب علي أن أترك بناء الأمور انطلاقاً من الأحاسيس.

في المستقبل، سوف أقوم بالأمور التالية:

  • السماح لنفسي بأخذ الإجازة التي سأقبل أن يأخذها أحد أعضاء الفريق.
  • إخبار فريقي أنني قد أكون خارج الخدمة بشكل مفاجئ، والتأكد من أنهم على علم بمن سيتولى القيادة أثناء فترة غيابي.
  • إعلام الجميع بالسبب.

لا أتوقع أن يكون هذا سهلاً، ولكنني واثق أكثر من أي وقت مضى أنّ الأمر يستحق بذل الجهد من أجل معالجة الاضطراب ثنائي القطب. آمل أن تُلهم قصتي قادة آخرين للتعبير عن تحدياتهم أيضاً. كلنا بشر، وكلما تقبلنا هذه الحقيقة أكثر وكنا أكثر صدقاً تجاه نقاط قوتنا وضعفنا، كلما عززنا الاحترام والثقة في مكان العمل أكثر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي