لماذا لن يمنحك حجب المعلومات في العمل أفضلية؟

6 دقائق

لعل التواصل المفتوح والشفافية تمثلان أهم السمات اللازمة لنجاح بيئة العمل. ووفق تقرير حديث، فإن بيئة العمل التي يسود فيها مستوى عال من الثقة، ويتبادل فيها الموظفون المعرفة بشكل تعاوني ويتسم بالشفافية، تحقق عائدات على الأسهم أعلى بضعفين إلى ثلاثة أضعاف من المتوسط السائد في القطاع، وتتسم بمعدلات أقل لدوران الموظفين مقارنة بالمنافسين. ومن الناحية الأخرى، يمكن أن تكبّد الثقافة العقيمة في تبادل المعرفة الشركات في الولايات المتحدة ما يصل إلى 47 مليون دولار من الإنتاجية المفقودة سنوياً.

ومع ذلك، فليس جميع الموظفين يرغبون في الانخراط في ثقافة تبادل المعرفة. إذ تشير دراسة استقصائية حديثة إلى أن 60% من الموظفين واجهوا صعوبة في حمل زملائهم على تبادل المعلومات الحيوية لعملهم. وعندما نتعمد حجب المعلومات أو كتمها عن بعضنا البعض، فإننا نقوم بفعل يسمى "إخفاء المعرفة"، وهو تصرف يمكن أن يتخذ عدة أشكال. إذ يمكن أن نتظاهر بأننا نجهل المعلومات المطلوبة، أو نقدم معلومات غير دقيقة للذين يطلبونها منّا، أو أن نعِدهم بتقديم المعلومات التي يطلبونها لكننا، في الواقع، لا نعتزم ذلك، أو التماس أعذار لإخبار الأشخاص أننا لا نستطيع مدّهم بالمعلومات في حين أننا نستطيع أن نعطيها لهم.

ويبقى السؤال الذي يُطرح في هذا الشأن: لماذا يخفي الكثيرون منّا المعرفة؟ يشير أحد الأبحاث إلى أن السبب يمكن أن يعود إلى أننا نخشى فقدان القوة أو المكانة التي حصلنا عليها من خلال معرفة معلومات لا تتوفر للآخرين. وتشمل الأسباب الأخرى اعتبار المعرفة ملكية تخصنا، والقلق من تقييمنا بناءً على ما نعرفه، أو عدم حبنا للأشخاص الذين يطلبونها أو عدم ثقتنا بهم. وبصورة أساسية، فإننا نخفي المعرفة لأننا نخشى التكاليف المحتملة الناجمة عن مشاركتها مع الآخرين. بل إنه إذا كانت هذه التكاليف ذات طابع شخصي، يمكن أن نحجب المعرفة لحماية أنفسنا وتوقُّع حصولنا على أفضلية أو احتفاظنا بها عند قيامنا ذلك. لكن مسألة ما إذا كنا سننجح في ذلك أم لا ظلت موضع تساؤل، حتى وقت قريب.

وقد تمثل مسعانا، أنا وزملائي، عبر البحث الذي أجريناه، في الإجابة عن السؤال التالي: هل من شأن إخفاء المعرفة فعلاً أن يوفر الحماية للأشخاص الذين يخفونها ويعود عليهم بالفائدة؟

وأجرينا ثلاث دراسات لبحث ما إذا كان لإخفاء المعرفة نتائج عكسية وكيفية تأثيرها العكسي على الأشخاص الذين يخفونها. ووفق النتائج التي توصلنا إليها، فقد كانت الإجابة عن السؤال الوارد آنفاً بالنفي.

ففي دراستنا الأولى، استطلعنا 214 موظفاً في الصين يعملون بدوام كامل في أدوار وظيفية مختلفة تشمل البحث والتطوير والإدارة والمحاسبة والمبيعات والموارد البشرية، باستخدام استبانة عبر الإنترنت. وقدّمنا لهم قائمة تتكون من 12 تصرفاً من تصرفات إخفاء المعرفة، بما في ذلك تقديم معلومات غير دقيقة والتظاهر بعدم معرفة ما يسأل عنه الآخرون والرفض المباشر لإعطاء المعلومات. ومن ثم، سألنا الموظفين: إلى أي مدى ينخرطون في كل تصرف من هذه التصرفات على مقياس يتكون من سبع درجات، بحيث تشير الدرجة 7 إلى أعلى مستوى انخراط وتشير الدرجة 1 إلى أدنى مستوى انخراط.

وفضلاً عن ذلك، قام المشاركون في الدراسة بتقييم مستوى الأمان النفسي الذي يشعرون به في العمل. واعتمد التقييم على عوامل مثل: ما إذا كانت بيئة عملهم تنطوي على مهددات وما إذا كانوا يشعرون بالأمان عندما يكونون على طبيعتهم وما إذا كانوا يشعرون بالراحة في التفاعلات الاجتماعية.

وأخيراً، أجاب المشاركون عن أسئلة تتعلق بمدى تطورهم في وظائفهم، من حيث تعلّمهم أشياء جديدة وشعورهم بالأهمية والحيوية.

وما توصلنا إليه هو أنّ الأشخاص الذين ينخرطون في ممارسات إخفاء المعرفة يقل احتمال تطورهم في العمل أو تحقيقهم للتعلم والنمو بنسبة 17%. ونعتقد أن هذه النتيجة تعزى إلى أن إخفاء المعرفة من الزملاء لا يؤدي إلى تحقيق ميزة تنافسية. بل إنه، بالأحرى، يجعل الموظفين يشعرون بعدم الأمان النفسي. وحسبما يشير أحد الأبحاث السابقة، يمكن أن يكون الصعب للموظفين - دون الأمان النفسي - التركيز على المهام وإقامة علاقات مجدية واستكشاف وسائل جديدة للعمل دون خوف من تحمّل عواقب جراء الأخطاء أو الإخفاقات. وغالباً ما يجد الموظفون صعوبة، في هذه المواقف، في اتباع مسلك إيجابي والانخراط في فرص التعلم.

وقد دفعتنا نتائج دراستنا الأولى إلى مواصلة بحث هذا الموضوع بصورة أعمق. إذ أردنا أن نعرف ما إذا كانت التأثيرات العكسية لإخفاء المعرفة تحدث أيضاً في ثقافات العمل خارج الصين.

وأجرينا دراسة ثانية استطلعنا فيها 392 موظفاً يعملون بدوام كامل، جُلهم من أوروبا وأميركا الشمالية، ويعملون في مجالات عمل متنوعة بما في ذلك التعليم والبيع بالتجزئة والضيافة والرعاية الصحية والتصنيع والنقل وغيرها من القطاعات. ولمواصلة استكشاف آثار الأمان النفسي على إخفاء المعرفة، قمنا بتنقيح تصميم الدراسة وطلبنا من المشاركين الإجابة عن استبانتين عبر الإنترنت، بفارق أسبوعين بينهما. وأجاب المشاركون، في الاستبانة الأولى، عن أسئلة بشأن تصرفات إخفاء المعرفة ومستويات الأمان النفسي في العمل، على غرار ما فعل المشاركون في الدراسة الأولى. ومن ثم، أجاب المشاركون بعد أسبوعين عن أسئلة بشأن المتغيرات نفسها مجدداً وبيّنوا مدى التطور الذي حققوه ما بعد الإجابة عن الاستبانة الأولى.

وتبيّن لنا أن الموظفين الذين قاموا بإخفاء المعرفة شعروا بمستوى أقل من الأمان النفسي في العمل بعد أسبوعين. لكن الموظفين الذين شعروا بعدم الأمان النفسي في البداية لم يزيدوا من تصرفاتهم في إخفاء المعرفة. وخلُصنا إلى استنتاج مفاده أن بيئة العمل التي تتسم بعدم الأمان النفسي لا تدفع الموظفين إلى إخفاء المعرفة، بمثلما أن بيئة العمل التي تتسم بالأمان النفسي لا تمنع الموظفين من إخفاء المعرفة. لكن إخفاء المعرفة يجعل الموظفين بالفعل يشعرون بعدم الأمان النفسي في العمل بدرجة أكبر، ولذا، فمن المستبعد أن يحقق هؤلاء الموظفين التطور في العمل.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display("DFP_IC_pos3"); });

ولتعزيز هذه المعلومات، أجرينا دراسة ثالثة استطلعنا فيها 205 موظفين من ثلاث مؤسسات صينية في قطاعات الطيران والبريد والتعليم. وكان الهدف من هذه الدراسة بحث ما إذا كان الموظفون الذين يخفون المعرفة يعانون بدرجة أكبر عندما يتّبعون مسلكاً ينزع إلى التشكك تجاه مؤسستهم. وكنا نتساءل عما إذا كانت الشكوك تجاه المؤسسة وإخفاء المعرفة يتفاعلان على أي نحو للتأثير على الأمان النفسي للموظفين وعلى تطورهم في العمل. وعلى غرار ما جرى في الدراسة الثانية، جمعنا استبانتين ضمن فترة زمنية معينة قدرها أسبوعان. بيد أننا أضفنا، في هذه المرة، خمسة أسئلة للاستبانة الأولى لاختبار شعور الموظفين حيال بيئات عملهم، حيث سألنا المشاركين بشأن مدى موافقتهم على عبارات مثل "من الصعب التفاؤل بشأن المستقبل لأن الأشخاص في مؤسستي يتصفون بسلوكيات سيئة" و"لقد تخليت بشكل كبير عن محاولة تقديم اقتراحات فيما يتعلق بأوجه التحسين في مؤسستي". فيما طرحت الاستبانة الثانية أسئلة بشأن التطور في العمل فحسب.

وخلُصنا إلى استنتاج مفاده أن الموظفين الذين يخفون المعرفة، بشكل عام، يعانون نتيجة لذلك من الآثار التي بينّاها في الدراستين الأوليين. لكننا توصلنا أيضاً إلى تحذير. إذ إن من المرجح أن يكون لإخفاء المعرفة نتائج عكسية إذا كانت لدى الشخص الذي يخفيها شكوك تجاه مؤسسته. فعندما كان لدى المشاركين الذين يخفون المعرفة شكوك أيضاً تجاه مؤسساتهم (مثلاً، أولئك الذين يرون أن مؤسستهم تفتقر إلى النزاهة والإنصاف والأمانة، أو شهدوا مشكلات خطيرة عالقة في شركتهم)، كان لديهم شعور أقوى بعدم الأمان النفسي، ونتيجة لذلك، وجدوا صعوبة في التطور في العمل. وعلى النقيض من ذلك، فالأشخاص الذين يخفون المعرفة ولم تكن لديهم شكوك تجاه مؤسستهم لم يشعروا بالقدر نفسه من عدم الأمان النفسي بعد حجبهم المعلومات. بل كان من السهل لهم، بالأحرى، إيجاد سبل للتطور في العمل في جميع الأحوال. بيد أنه ينبغي ملاحظة أن النتائج التي توصلنا إليها لا تشير إلى أن ضعف مستوى الشكوك تجاه المؤسسة يمنع الموظفين من إخفاء المعرفة في المقام الأول.

ما الذي يمكن للمؤسسات فعله لوقف تصرفات إخفاء المعرفة؟

نعرف الآن، من واقع نتائج الدراسات التي أجريناها، أن إخفاء المعرفة يلحق ضرراً كبيراً عندما يكون لدى الأشخاص الذين يخفون المعرفة موقف سلبي تجاه مؤسستهم على عكس ما إذا كان لديهم موقف إيجابي تجاهها. وبالتالي، يتمثل أحد الحلول بالنسبة إلى الشركات في العمل بغية خلق ثقافات يشعر فيها الموظفون بالاطمئنان إزاء التحدث بصراحة عن مخاوفهم. فإذا كان بمقدورك معالجة المشكلات التي تدفع موظفيك إلى التشكك في المؤسسة، سيكون بوسعك دعم ثقتهم والمساعدة في تخفيف حدة بعض هذه الشكوك.

وأنصح المؤسسات باستخدام الدراسات الاستقصائية التي تخلو من الأسماء، التي يقوم بها طرف ثالث، لمعرفة ما إذا كان لدى موظفيها مواقف متشككة تجاه المؤسسة وسبب هذه المواقف. ويمكن استخدام هذه الآراء في تصميم عمليات موجهة وتنفيذها ليكون من شأنها ضمان أن يتسم مكان العمل بالإنصاف والموثوقية والأمل. وينبغي للشركات أيضاً الاستثمار في تعليم المدراء كيفية التعرف على العلامات التي تدل على أن الموظفين ربما يواجهون صعوبات وتعليمهم كيفية استهلال حوارات صعبة بشأن أسباب ذلك.

ختاماً، ثمة قيمة تنطوي عليها توعية الموظفين بشأن العواقب المترتبة على إخفاء المعرفة. ويمكن ألا يفهم الموظفون الذين يخفون المعلومات لحماية أنفسهم أنهم في واقع الأمر لا يحمون أنفسهم بل يعرّضونها للخطر. لذا، يجدر بالمؤسسات استخدم البرامج التدريبية والنشرات التوعوية ولوحات الإعلانات وقنوات التواصل الأخرى لنشر هذه المعلومات.

ولن يكون من السهل إجراء هذه التغييرات. إذ إن تصرفات إخفاء المعرفة منتشرة على نطاق واسع في أماكن العمل، وستستغرق وقتاً للتصدي لها.  لذا، يلزم المؤسسات التحلي بالصبر في التعامل معها. وتتمثل الخطوة الأولى في الإقرار بهذا الواقع، ومشاركة ما تعلمته مع الآخرين لكي يتسنى لنا إجراء التغييرات اللازمة لتخفيف المشكلة مع بعضنا البعض.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي