عند إجراء مقابلة شخصية لوظيفة جديدة، يكون لديك هدف أساسي واحد عادة: ألا وهو إبهار محاورك بما يكفي لتحصل على الوظيفة. وكثيراً ما نعتقد أننا بحاجة إلى التجاوب لكي ننجح، ما يمكن أن يفضي إلى كثير من الإيماءات من الطرفين، حتى لو لم تكن تؤمن بالضرورة بما يقوله الآخر. وهذا النوع من التحايل حسن النية قد يساعدك على الفوز بالوظيفة، لكنه يمكن أن يؤدي إلى فرضيات ومفاهيم خاطئة تتفاقم وتلتهب فور أن تتولى مهام منصبك، ولكن كيف تخالف الرأي في أثناء مقابلة العمل؟
التعبير عن الآراء الصادقة في مقابلة العمل
بدلاً من ذلك، وحتى تكون ناجحاً على المدى البعيد، فإن عليك التعبير عن آرائك الصادقة أثناء المقابلة الشخصية، وأن تقدم نفسك على حقيقتها، وتحجم عن محاكاة الشخصية التي تريدك جهة التوظيف أن تكونها. والواقع أن المقابلات الأكثر جاذبية - للطرفين - تتمتع بشكل من الخلاف الصحي الذي يدلل على قدرة المتقدم للوظيفة على إبداء حبه للاستطلاع وقدرته على التعاون والتآزر. وبدلاً من النظر إلى نقطة الخلاف على أنها صراع، تعاطى معها كنقطة انطلاق لنقاش صحي ومناظرة ووسيلة لحل المشكلات. وعلى الرغم من أن مقولة "أخالفك الرأي" ستغلق الباب أمام مزيد من التحاور، فالرد الذي يتخذ شكل "هذا رأيي (بعيون شخص ينظر لشركتكم من الخارج)، وهذه هي حصيلة خبرتي (خلال السنوات التي تخصصت فيها في هذا المجال)" يدعو إلى النقاش والتحاور.
على سبيل المثال، إذا قال القائم على إجراء المقابلة الشخصية إن الشركة تستخدم دائماً نموذج الشلال لتطوير البرامج، غير أنك تعتقد أن النموذج الرشيق أفضل لأنه يسمح بإدخال تعديلات بالتزامن مع تطور المشروع، فمن الأفضل أن تقول: "من اللافت أنكم تعتمدون نموذج الشلال لأنني أجد الأسلوب الرشيق يحقق نتائج نهائية أسرع وأدق وأكثر كفاءة للمشروع". وسوف يوحي رد فعل محاورك بالكثير. لو قال لك: "هذا الأسلوب لن ينجح هنا أبداً"، فستكون قد ألممت بما ستتصدى له لو حصلت على الوظيفة وأردت إحداث تغيير.
كيف تخالف الرأي في أثناء مقابلة العمل؟
وبطبيعة الحال، ليس من السهل دائماً مخالفة رأي المحاور في المقابلة الشخصية. فهناك اختلال في ميزان القوى، وإذا خالفته الرأي، فستخاطر بترك انطباع أنه من الصعب العمل معك، أو ستخاطر بجعل المقابلة الشخصية غير مريحة. ولكن، يمكنك أن تشق طريقاً متجاوزاً الجوانب السلبية المحتملة بالالتزام بخطوات قليلة قبل المحادثة وأثناءها وبعدها.
ادرس الأمر جيداً
من الأهمية بمكان أن نفهم مسبقاً ما إذا كانت ثقافة الشركة تتسم بتقبل موظفيها للأفكار الجديدة. وهل تشتهر المؤسسة ومؤسسوها بالاحتواء والانفتاح؟ أم أن لديهم تفكير عتيق بطيء التطور؟ وهل يشجع فريق القيادة التواصل الصريح والابتكار؟ ابحث عن الشركة على مواقع "غلاسدور" (Glassdoor) و"لينكد إن" و"تويتر" و"فيسبوك" و"ريديت". وإذا كنت تعرف أحد موظفي الشركة، فاطرح عليه أسئلة غير مقيدة الإجابة على غرار: "ما الجوانب التي تحبها في هذه الشركة؟ وما الجوانب التي يجوز تحسينها؟" قد تساعدك إجابتهم على التعرف على التفاصيل الداخلية للشركة بشكل أفضل.
امنح نفسك مساحة للتفكير
أثناء المقابلة الشخصية، إذا ذكر القائم على المقابلة شيئاً أو طرح سؤالاً عطلك عن الرد، فعليك مقاومة الرغبة في الإجابة فوراً. بدلاً من ذلك، تمهل للحظة لاستجماع أفكارك وتقديم إجابة مدروسة ومتأنية. ولكسب الوقت، ربما يمكنك أن تقول شيئاً على غرار: " إن وجهة النظر هذه مثيرة للاهتمام. دعني أفكر في الأمر للحظة". فهذا دليل على قدرتك على التفكير بشكل نقدي وقدرتك على حل المشكلات. وبدلاً من ملء الفراغات بما يخطر ببالك أياً كان، ستكون قادراً على تقديم إجابة محكمة الصياغة.
اطلب الإذن بالتحدث بصراحة
كلما دعتك الحاجة إلى مخالفة شخص أعلى منك سلطة الرأي، فمن المفيد أن تؤهله لذلك. في المرة الأولى التي تود فيها معارضة رأي الآخر، اطلب الإذن بطرح وجهة نظر مخالفة. وقل شيئاً على غرار: "إنني أرى هذه المسألة بشكل مختلف. هل يمكنني مشاركة وجهة نظري معك؟" وهذه المناشدة فعالة لسببيْن. أولاً، فهي لا تضع القائم على إجراء المقابلة في خانة "المخطئ". إذا قلت "أخالفك الرأي" وسكتّ عن الكلام، فمن الأرجح أن يتخذ القائم على إجراء المقابلة موقفاً دفاعياً، وينهي الحوار. أما عبارة "أرى هذه المسألة بشكل مختلف"، فإنها تفتح الباب أمام المزيد من النقاش والتحاور. ثانياً، يثير طرح هذا السؤال فضول القائم على إجراء المقابلة. فأنت لا تفرض رأيك عليه، وإنما تدعوه إلى بحثه والنظر فيه.
ثق بغرائزك
بطبيعة الحال، عليك أن تتبع حدسك أثناء المقابلة. فإذا كنت تعتقد أن المخالفة في الرأي لن تكون موضع ترحاب، فقد يكون من الأفضل أن تلزم الصمت. وبعد ذلك، فكر في مشاعرك تجاه التجربة بأسرها. هل انتابك شعور بالحماس والثقة؟ هل شعرت بالانهزام والاستنزاف العاطفي؟ يمكن أن تكون هذه المشاعر مؤشراً جيداً على النحو الذي ستكون عليه أيامك في هذه المؤسسة.
فكر في درجة شعورك بالارتياح تجاه اختلافك في الرأي. من واقع ملاحظاتك، هل ترى أن العاملين في الشركة منفتحين على التغيير؟ وهل ترحب الشركة بالأصوات المخالفة في الرأي؟ لو أشعرتك المقابلة بعدم الارتياح - وإذا شعرت بالتجاهل أو بأن صوتك ليس مسموعاً - فضع ثقتك بغرائزك. ولا تحاولنّ إقناع نفسك بالقبول بمنصب ستُقوض فيه قدراتك، ويُحط فيه من قدرك.
وتذكر أنه لو لم يكن التعبير عن آراء مختلفة محل ترحاب في المقابلة الشخصية، فالأرجح أنه لن يكون كذلك فور أن تصبح جزءاً من الشركة. وإذا استقر رأيك على أنك لست مهتماً بالعمل في تلك الشركة، فأرسل رسالة بريد إلكترونية شاكراً القائم على المقابلة الشخصية على الفرصة التي أتاحها لك، ورافضاً بأدب المضي قدماً. أما إذا كنت تشعر بالارتياح تجاه رفض الوظيفة، فأضف شرحاً يتسم بالشفافية يفسر السبب الذي دعاك لعدم الانضمام إليها. واختر كلماتك بعناية، واذكر بلباقة أن المنصب لا يناسبك لأنك تفضل بيئة عمل وتحدياً محدداً يتماشى بشكل أفضل مع طموحاتك المهنية. إن الشفافية والصدق أفضل بكثير من التلفظ بشيء ربما يُفسر على أنه لون من المراوغة أو حتى "قطع الاتصال" التام بجهة التوظيف. فغايتك ليست في أن تحرق سفنك وتقطع طريق العودة.
إن المقابلة الشخصية أشبه بطريق ذي اتجاهين. وعلى الرغم من أن القائمين على إجراء المقابلة يملكون بغيتك (الوظيفة)، فأنت أيضاً تملك ما يحتاجون إليه (مهاراتك وخبرتك). وعندما تعبر عن آرائك الحقيقية وتعلم كيف تخالف الرأي في أثناء مقابلة العمل، ستضمن أن الجانبين يعلمان تمام العلم ما سيحصلان عليه.
اقرأ أيضاً: تعلم قول الحقيقة في مقابلات العمل.