حضرت مؤخراً إحدى الجلسات التي اعتلى منصتها 3 من رواد الأعمال العرب، وكانت الشكوى التي اتفقوا على تكرارها هي أنهم يلاحظون تناقضاً غريباً، وهو أن صناديق الاستثمارات العالمية باتت تتجه إلى المنطقة العربية للبحث عن مشاريع ناشئة ريادية للاستثمار فيها، بينما تتجه صناديق الاستثمار المغامر (ويعرف أيضاً بالاستثمار الجريء) العربية أكثر فأكثر نحو الخارج، للبحث عن مشاريع استثمارية في وادي السيليكون وأوروبا، ودول أخرى خارج المنطقة.
ومع تزايد عدد صناديق الاستثمار الحكومية والخاصة في المنطقة العربية، إلا أن نسبة مساهمتها في احتضان المشاريع الريادية العربية لا تزال شبه ثابتة منذ عام 2015 وحتى 2019، بحسب ما نلاحظ في التقرير الجديد الذي صدر عن منصة "ماغنت" وسوق أبوظبي العالمي. إضافة إلى ذلك، فإن متابعتنا لأرقام الاستثمارات "الجريئة" في المنطقة تكشف أنها غير جريئة في الواقع بل هي حذرة جداً ومترددة، فهي لا تقبل على الاستثمار في مشروع ريادي ما لم يكن قد لاقى أولاً استحسان أو اهتمام مستثمرين أجانب أو إقليميين. وفي الحالات القليلة التي نجد فيها مستثمراً جريئاً محلياً يبدي اهتماماً منفرداً بمشروع ناشئ في بلد عربي بعيداً عن عامل "FOMO" أي الخوف من أن يفوته شيء ما، غالباً ما يكون استثماراً خجولاً بمبالغ محدودة جداً لا تكفي لمساعدة المؤسسين على التحرك بشكل ملموس.
لا يحتاج الحديث في قضايا الاستثمار استخدام العبارات التي تستنهض المشاعر الوطنية لدى المستثمرين، لذا دعونا نتحدث في استنهاض المشاعر الاستثمارية، والتي أظن أنها تغيب عن الكثيرين ممن يصنفون في عداد المستثمرين الجريئين أو المغامرين، فقد داهمت موضة الاستثمار المغامر والجريء الكثير على حين غرة، قبل أن يدركوا معناه، فعملوا سريعاً على تأسيس تلك الصناديق، دون دراسة ما تعنيه فكرة الاستثمار المغامر، وأنها ربما تعني الاستثمار في عشرة مشاريع واعدة على أمل أن ينجح منها واحد أو اثنان فقط، وأن الاستثمار المغامر يختلف عن الاستثمار في شراء الأسهم من البورصة، إذ يحتاج لاستثمار مالي مغامر يحقق قفزة نوعية للمشروع، وليس مجرد مساهمات خجولة تتعامل بعقلية صغار مضاربي الأسهم.
مايحتاج إليه أصحاب صناديق الاستثمار الجريئة في المنطقة هو تغيير العدسات التي ينظرون بها إلى منطقتهم والمشاريع الريادية فيها، فهنالك حالة "عمى" يمكن أن تصيب الإنسان فيما يسمى علمياً تحيّز الانتباه (Attentional Bias) حين يغفل الإنسان العديد من الفرص من حوله دون أن ينتبه. بينما نلاحظ أن أصحاب الرؤية الخارجية من مستثمرين عالميين ومفكرين اقتصاديين يرون في مناطقنا النامية منجماً للفرص الاستثمارية والريادية الواعدة، وهذا ما تقرؤونه في كتاب "اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة" (Good Econmoics For Hard Times) للفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد هذا العام إستير دوفلو وأبيجيت بانيرجي. وكذلك كتاب المفكر الاقتصادي كلايتون كريستنسن الذي صدر هذا العام بعنوان "The Prosperity Paradox". وفي كلا الكتابين اللذين يشكلان تحولاً في تفكير الاقتصاديين والمستثمرين في العالم نحو فرص الاستثمار والابتكار، يقدم المؤلفون الأدلة على أن الدول التي تعاني من البطالة وضعف البنية التحتية وخلل القوانين وربما الفساد، تشكل بيئة استثمارية واعدة خلافاً للاعتقادات السائدة.