أثبت مبدأ "تحقيق النمو بأي ثمن" فشله مع معظم الشركات الأميركية منذ فترة طويلة من الزمن بسبب عدم نمو الشركات الناشئة. وقد توصل الرؤساء التنفيذيون لكبرى الشركات مؤخراً في منتدى المائدة المستديرة للأعمال إلى استنتاج مماثل، حيث أصدروا بياناً حول غرض الشركات يعلنون فيه رفضهم اعتبار تعظيم عوائد المساهمين غاية وحيدة للشركات.
إذا كان الرؤساء التنفيذيون في المائدة المستديرة للأعمال جادين في إصلاح رأسمالية المساهمين، فعليهم إلقاء نظرة صادقة على الجهات الممولة، ومدى تأثر المجتمعات المحلية، والأطراف المستبعدة من الحوار، فثمة أدلة متزايدة على أن الشركات المدعومة برأس المال المغامر (أو رأس المال الجريء) من شأنها أن تفرز ثقافة مسمومة تشجع استغلال العمال وتجانس كلّ من القيادة والمساهمين، نظراً لتصميمها من أجل خلخلة النظم التقليدية وفرض الهيمنة وتعزيز عوائد كبار المستثمرين، حتى إن هذه الشركات تستطيع في بعض الأحوال هدم استقرار القطاعات التي تشكل أساساً متيناً للاقتصادات المحلية، بل إن البعض يؤمن بأنها تهدم أسس الديمقراطية، حيث يؤول النصيب الأوفر من الكعكة إلى مستثمري رأس المال المغامر المعتمدين، وهم الأفراد الذين يتحكمون في النصيب الأكبر من حقوق الملكية، فيما يحصل الموظفون على الفتات، غالباً في صورة خيارات أسهم باهظة الثمن تجعل امتلاكهم حصة ذات شأن أمنية بعيدة المنال.
اقرأ أيضاً: الشركات الناشئة ودورها في صُنع الوظائف
تحقيقاً لهذه الغاية، وفي ظل دراسة الشركات العضوة في منتدى المائدة المستديرة للأعمال لخطواتها التالية، فإننا نقدم ثلاثة مقترحات:
الشركات الناشئة والشركات الجديدة في القطاع تحتاج إلى بدائل لرأس المال المغامر
يفتقر المجتمع إلى التوزيع العادل لريادة الأعمال، إذ يشير أحد التحليلات إلى أن الذكور يحتكرون 82% من قطاع رأس المال المغامر، فيما يشكل الذكور أصحاب البشرة البيضاء ما يقرب من 60% من هذا القطاع، وتحتكر مؤسستان أكاديميتان فقط 40% من هذا القطاع، في حين أن 80% من إجمالي رأس المال المغامر يُوجَّه إلى ثلاث ولايات فقط. وأقل من 1% من المؤسسين المدعومين برأس المال المغامر من ذوي البشرة البيضاء، وحوالي 3% من النساء. وإن أردنا أكثر الطرق مباشرة لإجراء التغيير، فلا بد من توزيع الملكية والحوكمة على عدد أكبر من الأطراف المعنية.
بمقدور المائدة المستديرة للأعمال دعم المؤسسات والصناديق القائمة، مثل "بلاك آند براون فاوندرز" (Black & Brown Founders) و"نيتف ومين ليد" (Native Women Lead) و"ديجيتال أنديفيديد" (Digital Undivided) و"فاوندر جيم" (Founder Gym) و"باكستيج كابيتال" (Backstage Capital) التي تتعاطى بصورة مباشرة مع الكثير من المعوقات التي تحول دون اقتحام قطاع ريادة الأعمال، والتعلم منها. فقد نجحت مؤسسة "كو أبريشن جاكسون" (Cooperation Jackson) بولاية ميسيسيبي في بناء شبكة من التعاونيات المملوكة للعاملين والمدارة ذاتياً بالطرق الديمقراطية. وفي نيويورك تملك النساء الملوّنات أكثر من 90% من أسهم وكالة "كو أوبريتف هوم كير أسوشيتس" (Cooperative Home Care Associates) التي تعد أكبر جمعية تعاونية مملوكة للعمال في الولاية. وثمة نماذج بديلة للتمويل القائم على الأهلية الشخصية في كولورادو، مثل برنامج "مينستريم" (Mainstreet)، تعالج التراجع الحاد في الإقراض الأهلي منذ الأزمة المالية، ما يمنح رواد الأعمال من جيل الألفية المثقلين بديون القروض الطلابية فرصة لملكية الأعمال. من خلال الشراكة مع مؤسسات كهذه ودعمها، يستطيع منتدى المائدة المستديرة مضاعفة الجهود التي يبذلها بالفعل قادة ميدانيون ذوو صلة ماسة بالمشكلة. يمكنهم التوصل إلى حلول بالتعاون مع الشريحة التي يودون مخاطبتها، دون فرضها عليهم.
التعلّم من حركة "الحُمُر الوحشية"
هناك أعداد هائلة من الشركات التي تعطي الأولوية لكلّ من العنصر البشري والغرض والربح، ذلك النوع الذي تسعى إليه رابطة المائدة المستديرة للأعمال في الوقت الحالي. ونرى أنها تمثل غالبية الشركات التي يتم إنشاؤها يومياً، خاصة من قبل مؤسسين مثلنا –رواد ورائدات أعمال من الأقليات- حُرموا من فرص التملك على مر الزمان.
اقرأ أيضاً: مجتمع ريادة الأعمال يحتاج دولة رائدة للأعمال
فقد نشأ على مدار السنوات الثلاث الماضية مجتمع متنوع يضم أطيافاً شتى من المؤسسين تحت مسمى حركة "اتحاد الحُمُر الوحشية" (Zebras Unite). وبخلاف شركات "اليونيكورن"، تلك الشركات الناشئة سريعة النمو التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، تهتم شركات "الحمر الوحشية" بالتكافل والازدهار المشترك والرفاهية الاجتماعية وتعطيه الأولوية على العقلية السائدة في وادي السيليكون والتي تقول "الفائز يحصد كل شيء". تم تأسيس العديد من هذه الشركات برؤوس أموال صغيرة، من قبل نساء وأشخاص ذوي بشرة ملونة. وتمثل قيمهم المؤسسية العليا ما تدعو له رابطة المائدة المستديرة للأعمال. ففي تجمع نُظم عام 2017 بحضور 250 رائد أعمال، غالبيتهم من النساء والأشخاص ذوي البشرة الملونة، قال 70% منهم إن "الفوائد التي تعود على المجتمع والجمهور" تمثل أعلى قيمهم، تليها "النمو المتجدد" (54%)، ثم "التعاون" (45%)، ثم "المحصلة الإيجابية" (43%)، وأخيراً "الربحية على المدى الطويل" (43%). وبمقدور أعضاء رابطة المائدة المستديرة الاستفادة من التجربة الحية لمؤسسي حركة "الحمر الوحشية" الذين أدركوا بالفعل هذه القيم - من الهياكل التنظيمية لشركاتهم إلى ممارساتهم التوظيفية وعملياتهم التشغيلية ومشاركاتهم المجتمعية.
تحقيق المزيد من أوجه التعاون مع القطاع العام/ الخاص
تتمثل الخطوة التالية في بناء جسر يصل بين الشركات الكبرى (Wall Street) والشركات الصغرى (Main Street). بدأ كل منا تجربتين من هذا القبيل في الأفنية الخلفية لمنازلنا، إحداهما في شيكاغو باسم مؤسسة "سيفيك إكستشينج" (Civic Exchange) (وجينيفر شريك مؤسس بها)، وهي عبارة عن مساحة عمل مشتركة ومجتمع تعليمي تم إطلاقهما مؤخراً، وتتمحور حول سبل تعزيز الديمقراطية والحرية عن طريق الأخبار والمعلومات والتكنولوجيا. تعمل هذه الشركات الناشئة عبر الصحافة والحكومة والتعليم والخدمات الاجتماعية، وتساعد المؤسسات الديمقراطية على التطور لخدمة الجمهور بشكل أفضل، وتحقق هذا الهدف من خلال إدراك أنهم أقوى معاً. أما التجربة الثانية فكانت في ولاية أوريغون، باسم مؤسسة "بزنس فور أيه بيتر بورتلاند" (Business for a Better Portland) (ومارا شريك مؤسس بها)، وهي المؤسسة الأسرع نمواً في المدينة، التي دعت إلى ضخ استثمارات هائلة في وظائف الطاقة النظيفة لمجتمعات الإسكان ميسور التكلفة الذي يعيش فيه ذوو البشرة الملونة والوصول العادل إلى رأس المال لجميع رواد الأعمال. وقد أسهمت دعوتنا لزيادة ضرائب الشركات في توجيه أكثر من ملياري دولار إلى الاستثمار في قطاع التعليم هذا العام.
في أثناء عملية بناء كل من هاتين المؤسستين، وشركتينا "سويتشبورد" (Switchboard) و"هركين" (Hearken)، وحركة "اتحاد الحمر الوحشية"، تعلمنا أن الشركات سوف تندمج بعضها مع بعض، وتتفاعل مع القضايا المدنية الحاسمة المشار إليها آنفاً، ولكن ذلك يتوقف على درجة معرفتها بهذه التحديات وخبرتها بها في المقام الأول، إلى جانب قدرتها على تطوير علاقات مع المشرعين للتعامل معها. بمقدور أعضاء رابطة المائدة المستديرة ضخ استثمارات هيكلية ومنهجية لتسهيل عقد شراكات أكثر موثوقية مع القطاع العام/ الخاص، وتدشين علاقات أكثر تعاونية مع القطاع الخاص. وقد بدأنا نلاحظ تزايد عدد قادة الشركات، مثل الرئيس التنفيذي لشركة "سيلز فورس" (Salesforce)، مارك بينيوف، والمؤسس المشارك لشركة "كلاود أبيليتي" (Cloudability)، مات إيليس، الذين يتصدرون المشهد من خلال إدراكهما أن الخطوة الأولى تتمثل في دفع الشركات الأميركية لحصتها العادلة من الضرائب.
ويعرف كلانا، من خلال عملنا في تأسيس العديد من الشركات وتقديم الدعم للمؤسسات، بوجود طريق يؤدي إلى نمو أكثر شمولية للشركات، وأن اتباعه ضروري. وقد توصلنا إلى بعض الحلول الإبداعية والتعاونية لضمان حصول المزيد من الأفراد والمجتمعات على مقعد على طاولاتنا، ونتطلع إلى توسيع هذه الفرص بالتعاون مع رابطة المائدة المستديرة للأعمال من أجل تعزيز نمو الشركات الناشئة.
اقرأ أيضاً: