لماذا تصنع الشركات “مسرح ابتكار” بدلاً من ابتكار حقيقي؟

4 دقائق

تكمن الزعزعة التي تواجهها معظم الشركات والهيئات الحكومية الآن في حدث يطل علينا مرة كل بضعة قرون من الزمان. وتعتبر الزعزعة اليوم أكثر من مجرد تغيرات في التكنولوجيا أو القناة أو المنافسين، فهي تشملهم جميعاً مرة واحدة. وهذه القوى تعيد تشكيل كل من التجارة والدفاع تماماً.

اليوم، بينما تواجه الشركات زعزعة مستمرة، أدركت هذه الشركات أنّ استراتيجيتها وهيكليتها التنظيمية القائمة ليست رشيقة بما يكفي للوصول إلى المواهب والتكنولوجيا المبتكرة، التي تحتاجها لمواجهة هذه التحديات، وحشدها. تعلم هذه المؤسسات أنّ عليها أن تتغير، لكن غالباً ما كانت النتيجة شكلاً من لعبة ضرب حيوان الخلد بالمطرقة على المستوى التنظيمي، أي محاولة عقيمة للقضاء على المشاكل بمجرد ظهورها دون فهم أسبابها الجذرية.

وفي نهاية المطاف، لا بد للشركات والهيئات الحكومية من التوقف عن فعل لك وإلا فسيكون مصيرها الفشل.
نستطيع بناء عقلية وثقافة وعملية لإصلاح ذلك، وهذه ما أعتقد أنها "طريقة مبتكرة". لكن يجب علينا أولاً التراجع والاعتراف بواحدة من المشاكل.

أمضيت بضعة أيام في العمل مع مؤسسة كبيرة ذات سجل حافل بالإنجازات، وتتعامل كغيرها من نظيراتها مع تهديدات خارجية جديدة وتتطور باستمرار. وعلى أي حال، كانت أكبر عقبة تواجهها الشركة تأتي من الداخل. ما كانت في السابق نقطة قوة، وهي عملياتها الإدارية الرائعة، أصبحت الآن تعيق قدرتها على الاستجابة لتحديات جديدة.

تعمل الشركات بموجب العمليات

قديماً كانت كل مؤسسة عظيمة شركة ناشئة مشاكسة، ومستعدة لتحمّل المخاطر، لديها أفكار جديدة وطرق عمل جديدة وزبائن جدد وأهداف ورسالة. لو كانت شركة تجارية، لوجدت منتجاً يتلاءم مع السوق، ولو كانت مؤسسة حكومية، لركّزت على حل يتلاءم مع رسالتها. كبرت هذه المؤسسات مع الوقت، وبنت عمليات خاصة بها. وبكلمة "عمليات" أعني جميع الأدوات التي تسمح للشركات بتوسيع نطاق أنشطتها المتكررة. ومنها: عمليات الموارد البشرية، والعمليات القانونية، والعمليات المالي، وعمليات الاستحواذ والتعاقد، والعمليات الأمنية، وعمليات تطوير المنتجات وإدارتها، والأشكال التنظيمية، وغيرها. وجميع هذه هي استراتيجيات وأدوات رائعة تبنيها كليات الأعمال وتساعد في تنفيذها شركات الاستشارات.

العملية ممتازة عندما تعيش في عالم تكون فيه المشاكل والحلول معروفة. وتساعد العملية في ضمان قدرتك على تقديم حلول تُطبّق على نطاق أوسع دون التأثير سلباً على الأجزاء الأخرى في المؤسسة.

وتقلل هذه العمليات الخطر على المؤسسة بصفة عامة، لكن كل طبقة من العملية تقلص القدرة على التمتع بالرشاقة والليونة، والأهم من ذلك، الاستجابة للفرص والتهديدات الجديدة.

العملية في مقابل المنتج

مع نمو الشركات والهيئات، فإنها تبدأ بتقدير أهمية "العملية" على "المنتج". وأقصد بـ "المنتج"، صناعة أجهزة جديدة أو تقديم خدمات أو تصميم برمجيات وأدوات وعمليات واستخبارات تجارية وغيرها. الأشخاص الذين يتولون إدارة العمليات ليسوا نفس الأشخاص الذين يصنعون المنتجات. غالباً ما يكون موظفو المنتجات فوضويين ويكرهون الأعمال المكتبية ويفضلون قضاء وقتهم في إنشاء الأشياء بدلاً من توثيقها. وبنمو المؤسسة مع مرور الوقت، يبدؤون بتفادي المخاطر. يسيطر موظفو العمليات على الإدارة، وينتهي الأمر بموظفي المنتجات بتزويد هؤلاء بالتقارير.

وإذا كانت الشركة كبيرة بما فيه الكفاية، فستصبح "باحثة عن مستأجر" وتنظر إلى الحكومة والهيئات الرقابية على أنها خطها الأول للدفاع ضد المنافسة المبتكرة. وستستخدم التشريعات الحكومية والدعاوى القضائية لإقصاء القادمين الجدد الذين يمتلكون نماذج عمل مبتكرة.

وتتمثل نتيجة السلوك الاحتكاري في موت الابتكار في ذلك القطاع، حتى يتفوق عليهم سلوك تكنولوجي أو سلوك المستهلكين ثم تكون الشركة قد فقدت القدرة على المنافسة كشركة مبتكرة.

وفي الهيئات الحكومية، وصلت العمليات في مقابل المنتجات إلى أبعد من ذلك. إذ تقوم الكثير من الهيئات بتعهيد تطوير المنتجات إلى متعاقدين خاصين، لتتبقى الحكومة مع الكثير من موظفي العمليات، الذين يقومون بكتابة المتطلبات ويشرفون على الاستحواذ وتطوير البرامج والعقود.

وعلى أي حال، عندما تُواجه الحكومة بخصوم جدد أو تهديدات جديدة أو مشاكل جديدة، يكون موظفو العمليات الداخليين والمتعاقدين الخارجيين على حد سواء كارهين لهجر أنظمتهم الخاصة وتطوير حلول جديدة كلياً. وبالنسبة للمتعاقدين، فإنّ كل شيء جديد يمثل خطراً حقيقياً لخسارة تدفق إيرادات قائم ومُكسب. وبالنسبة لموظفي العمليات، نظراً لأنّ الوضع الراهن يمثّل مساحة معروفة ومريحة لهم، إذا كانت مدة العقد كبيرة والمتعاقد كبيراً بما يكفي، عندها يبدأ موظفو العمليات بالتلاعب ويستخدمون العملية السياسية وحشد التأييد للحفاظ على ذلك الوضع.

وتكون النتيجة في أن تشكِّل الأنظمة القديمة عقبة في طريق جعل البلد أكثر أمناً وأماناً.

المسرح التنظيمي والابتكاري

يتعين أن تدفع البيئة التنافسية الشركة أو الهيئة الحكومية إلى أشكال جديدة من التنظيم يمكنها الاستجابة سريعاً إلى هذه التهديدات الجديدة. وبدلاً من ذلك، تسعى معظم المؤسسات إلى إنتاج عمليات أكثر. ويتجلى ذلك عادة في ثلاث طرق:

  1. غالباً ما تتمثل الخطوة الأولى التي تتبعها القيادة لتحقيق الابتكار في توظيف مستشارين إداريين يجلبون معهم دليلهم الإرشادي للقرن العشرين. ويعيد هؤلاء المستشارون تنظيم الشركة (يا لها من مفاجأة!)، وغالباً ما تتحول من مؤسسة وظيفية إلى مؤسسة على هيئة مصفوفة. والنتيجة هي مسرح تنظيمي. تشغل إعادة التنظيم الجميع لمدة سنة، وربما توفر هذه العملية تركيزاً جديداً على مناطق أو أهداف جديدة، لكنه في نهاية الأمر يشكِّل استجابة غير ملائمة إزاء الحاجة لابتكار سريع على مستوى المنتج.
  2. وفي الوقت نفسه، عادة ما تتبنى الشركات والهيئات الحكومية أنشطة ابتكار (هاكاثونات، دورات تفكير تصميمي، حلقات عمل حول الابتكار، وغيرها) تُفضي إلى مسرح ابتكار. كما أنّ هذه الأنشطة تعمل على تشكيل الثقافة وتبنيها، لكنها لا تكسب في المنافسة، وقلّما تقدِّم منتجاً يمكن شحنه أو نشره.
  3. وأخيراً، فقد أدركت الشركات والهيئات الحكومية أنّ العمليات والمقاييس التي وضعتها لتحسين التنفيذ (عمليات الشراء وشؤون الموظفين والأمن والشؤون القانونية وغيرها) تشكّل عقبات تقف في وجه الابتكار. هذه الجهود التي تبذل من أجل الإصلاح وإعادة التوزيع هي جهود هدفها جيد، لكنها تكون أشبه ببناء قلاع رملية على الشاطئ إن لم تكن مصحوبة باستراتيجية ابتكار شاملة. وتكون النتيجة مسرح عمليات.

بالنسبة لمعظم المؤسسات الكبيرة، فإنّ إعادة التنظيم والأنشطة والإصلاحات لا تزيد الإيرادات أو الأرباح أو الحصة السوقية للشركات، كما أنها لا تجعل هيئاتنا الحكومية متقدمة على خصومنا. ويمكن التكرُّم بوصفها بطريق ابتكار مسدودة.

بين المطرقة والسندان

اليوم، لا تمتلك الشركات والهيئات الحكومية قدرة على الوصول إلى المواهب والتكنولوجيا المبتكرة، التي تحتاجها لمواجهة هذه التحديات، وحشدها. العمليات التي جعلتهم ناجحين هي نفسها ما تعيقهم.

يجب أن تكون إعادة التصميم التنظيمي، والأنشطة الابتكارية، وإصلاحات العمليات، جزءاً من خطة شاملة.

وخلاصة القول إنّ المؤسسات الكبيرة تفتقر إلى قناعات مشتركة ومبادئ سليمة وتقنيات وأساليب وإجراءات وتنظيم وموازنة وغيرها من الأمور المطلوبة لشرح كيف سيطبّق الابتكار والمكان الذي سيطبّق فيه، وعلاقته بطرح منتج جديد سريعاً.

ونحن نستطيع بناء عقلية وثقافة وعملية لمعالجة هذا الأمر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي