لماذا ينقص المدراء المزيد من الوقت بينما ينقص مرؤوسيهم المزيد من المهام؟ سنتحدث في الأسطر التالية عن وقت الإدارة وكيفية تقسيمه بين المدراء وكل من رؤسائهم وأقرانهم ومرؤوسيهم.
ينقسم وقت المدير في العادة إلى ثلاث فترات تُخصص كل واحدة منها لغرض إداري، وهي:
وقت الرئيس: وقت يتحكم به الرئيس - ويُستخدم لإنجاز المهام التي يطلبها الرئيس، ولا يمكن للمدير تجاهلها من دون عقوبة مباشرة وسريعة.
وقت النظام: وقت يتحكم به النظام - ويُستخدم من أجل الاستجابة لطلبات الأقران الخاصة بتلقي الدعم. وسيتسبب إهمال المدير لتلك الطلبات في تبعات سلبية، قد لا تكون دائماً مباشرة أو واضحة.
وقت الذات: وقت تتحكم به ذات المدير - ويقوم المدير بالاستفادة من هذا الوقت للقيام بمبادرات يُطلقها أو يوافق على القيام بها. لكن سيسلب المرؤوسون مقداراً من هذا الوقت، ويُدعى "وقت المرؤوس"، الوقت الذي يتحكم به المرؤوس. أما الوقت المتبقي فيُطلق عليه "الوقت الاستنسابي" للمدير وهو الوقت الخاص به. ولا يخضع "وقت الذات" إلى عقوبات نظراً لعدم قدرة الرئيس أو النظام على عقاب مدير لعدم قيامه بما لم يكن يعلم أن عليه القيام به في المقام الأول.
ولكي يتمكن المدراء من المواءمة بين كل ما سبق، فإنهم يحتاجون إلى السيطرة على الأمور التي يقومون بها والوقت المخصص لها. وعلى اعتبار أنهم غير قادرين على العبث بـ"وقت الرئيس" أو "وقت النظام"، نظراً لاحتمالية تعرضهم لعقوبة، بالتالي لا خيار لديهم سوى محاولة العمل على "وقت الذات"، الموضع الوحيد الذي يمكنهم السيطرة عليه.
ولكي يتمكن المدراء من زيادة "الوقت الاستنسابي" الخاص بهم، عليهم العمل على تقليل، أو حتى إزالة، الوقت المخصص للمرؤوس، وهو ما سيمنحهم وقتاً إضافياً يمكنهم توظيفه للسيطرة بشكل أمثل على وقت الرئيس أو النظام. ويكرّس معظم المدراء وقتاً أكثر مما يلزم للتعامل مع مشكلات المرؤوسين، حتى أكثر مما يظنون. ولكي نوضح كيف ينشأ "وقت المرؤوس" وكيف يمكن للمدير معالجة ذلك، سنحاول استخدام استعارة رمزية هي "قرد على ظهر المرء".
أين يوجد القرد؟
لدينا سيناريو أول فيه يسير مدير في ممر بخطى سريعة ليصادف أحد مرؤوسيه ويدعى عبدالعزيز. يتلاقى الاثنان، ويحيي عبدالعزيز المدير قائلاً له، "صباح الخير. بالمناسبة، لدينا مشكلة هي...". ومع بدء عبدالعزيز بطرح المشكلة، يلاحظ المدير وجود أمرين شائعين يرافقان في العادة جميع المشكلات التي يطرحها مرؤوسيه عليه، وهي أن مرؤوسيه يزودونه بمعلومات: أ) تكفي لينخرط بدوره في المشكلة، ب) لا تكفي ليتخذ القرار في الحال. وبعد عرض المشكلة، يقول المدير، "أنا سعيد جداً لطرحك هذا الأمر علي. أنا في عجالة من أمري، لكن دعني أفكر في الأمر، وسأعُلمك لاحقاً". ثم يفترق هو وعبدالعزيز.
ولنحلل ذاك السيناريو. قبل لقاء عبدالعزيز بالمدير، كان "القرد" قابعاً على ظهر عبدالعزيز، المرؤوس. لكن بعدما افترقا بات قابعاً على ظهر المدير. ويبدأ "وقت المرؤوس" في اللحظة التي يقفز فيها القرد بنجاح من ظهر المرؤوس إلى ظهر المدير، وينتهي حال عودة القرد ثانيةً إلى ظهر صاحبه المرؤوس ليحصل على الرعاية والتغذية. أما المدير، فقد وضع نفسه بدوره في حالة تبعية لمرؤوسه بمجرد استقباله ذاك القرد، بمعنى آخر، سمح لعبدالعزيز بأن يصبح رئيسه عبر قيامه بأمرين يميزان المدراء في العادة: الأول، تكليف المرؤوس بمهمة وقبول الأخير لها، والثاني، تقديم المرؤوس الوعد للرئيس بتقديم تقرير مرحلي عنها لاحقاً.
ولكي يتأكد المرؤوس من عدم نسيان المدير للموضوع، سيقوم لاحقاً بالمرور بمكتب المدير والاستفسار عن الأمر بشكل ودود قائلاً، "هل من مستجدات؟" (ويدعى هذا "الإشراف").
ولدينا سيناريو آخر فيه يختتم ذات المدير لقاءه مع جاسم، مرؤوسه الآخر، بالقول، "حسناً. أرسل لي مذكرة بذلك".
ولنحلل هذا السيناريو مع جاسم. القرد هنا على ظهر المرؤوس في حالة تأهب للقفز، ولكنه لم يتحرك بعد. يكتب جاسم المذكرة المطلوبة ويرسلها إلى مديره، وبعد ذلك بوقت قصير، تصل المذكرة المدير ويقرأها. من عليه أداء العمل الآن؟ لقد بات العمل في عهدة المدير، والذي إن لم يقم بالعمل، سيتلقى مذكرة متابعة أخرى من المرؤوس (وهذا شكل آخر من أشكال الإشراف). وكلما تأخر المدير في أداء العمل، زاد إحباط المرؤوس (وبات أكثر نرفزةً)، وزاد شعور المدير بالذنب. كما ستزداد هنا حصة "وقت المرؤوس" عند المدير.
ولدينا هنا سيناريو ثالث فيه يجتمع ذات المدير بمرؤوس ثالث، سمير، ويوافق المدير في الاجتماع على تقديم كل الدعم اللازم لمقترح العلاقات العامة الذي طلب من سمير لتوه العمل عليه. كانت كلمات المدير التي أوضحت ذلك هي: "دعني أعرف كيف يمكنني المساعدة".
ولنحلل هذا السيناريو. من جديد، القرد في البداية على ظهر المرؤوس. ولكن إلى متى؟ يدرك سمير أنه غير قادر على إطلاع المدير على المساعدة التي يريد حتى يتمكن من نيل موافقة المدير على مقترحه. ويدرك من واقع خبرته أن من المحتمل أن يبقى اقتراحه في حقيبة المدير لأسابيع قبل أن يُخرجه ليقرأه. أين القرد الآن وعلى ظهر من؟ من سيتحقق مِمَن؟ والعجلة هنا تدور والتأخر في أداء العمل في طريقه إلى الحدوث ثانيةً.
انتقل المرؤوس الرابع، رائد، حديثاً إلى قسم ذاك المدير من قسم آخر من الشركة بهدف العمل على إطلاق مشروع تجاري قيد التأسيس وإدارته. قال المدير إنه يتعين عليهما الاجتماع قريباً لوضع مجموعة من الأهداف للمهمة الجديدة، مضيفاً "سأصوغ مسودة أولية لمناقشتها معك".
ولنحلل هذا السيناريو أيضاً. لدى المرؤوس وظيفة جديدة (كُلِّف بها رسمياً) ومسؤولية كاملة (فُوِّض بها رسمياً)، لكن المدير هو من سيقوم بالخطوة التالية، بالتالي فإن القرد على ظهره حتى يحدث ذلك، في حين لن يكون في إمكان المرؤوس القيام بأي عمل حتى يحدث ذلك.
ولماذا يحدث كل هذا؟ لأنه في كل حالة، يفترض المدير والمرؤوس في البداية، عن قصد أو غير قصد، أن المسألة قيد النظر هي مشكلة مشتركة بينهما. وفي كل حالة من الحالات السابقة، يكون القرد واضعاً قدمه الأولى على ظهر أحدهم والقدم الثانية على ظهر الآخر. وكل ما يتطلبه الأمر تحريك الساق التي على ظهر المرؤوس لتصبح المشكلة كلها على عاتق المدير، وليُترك المدير مع أمر آخر يُشغل به وقته الإداري.
من يعمل لدى من؟
لنفترض أن هؤلاء المرؤوسين الأربعة أنفسهم يراعون وقت مديرهم لدرجة قيامهم بكبح أنفسهم من إرسال أكثر من ثلاثة قرود إلى ظهر مديرهم كل يوم. لكن مع نهاية أسبوع العمل، سيكون على ظهر المدير 60 قرداً يصرخ، وهو عدد أكبر بكثير من قدرة المدير على التعامل معه. بالتالي يحاول إنفاق "وقت المرؤوس" بالعمل على تلك المشكلات بحسب "الأولوية".
وفي نهاية يوم عمل الخميس/الجمعة، نرى المدير في مكتبه والباب مغلق لكي ينال الخصوصية اللازمة للتفكير في الوضع، في حين ينتظر مرؤوسوه أمام الباب للحصول على فرصتهم الأخيرة للحديث معه قبل عطلة نهاية الأسبوع لتذكيره بأن عليه "اتخاذ قرار". تخيّل ما سيقولونه لبعضهم عن المدير خلال انتظارهم، "يا له من متردد، ولا يستطيع أن يحسم أمره. لن نعرف أبداً كيف وصل هذا الشخص إلى هذا المستوى الإداري العالي في شركتنا وهو غير قادر على اتخاذ قرار".
والأسوأ من ذلك كله، أن سبب عدم تمكن المدير من "اتخاذ القرار" يعود إلى حقيقة أن وقته تآكل بالكامل بسبب تلبيته متطلبات "وقت الرئيس" و"وقت النظام". ولكي يتمكن من السيطرة على تلك المهام، فإنه بحاجة إلى "الوقت الاستنسابي" والذي حُرم منه بسبب وجوب تعامله مع كل هذه القرود. وهنا يدور المدير في حلقة مفرغة من قلة الوقت والتفكير والحيرة. ويقوم المدير لاحقاً بالاتصال بسكرتيرته طالباً منها أن تخبر مرؤوسيه أنه غير قادر على رؤيتهم اليوم وسيراهم صباح الأحد/الاثنين. والآن الساعة هي السابعة مساءً، والمدير يقود سيارته عائداً إلى منزله، عازماً بحزم على الذهاب إلى مكتبه غداً والاستفادة من عطلة نهاية الأسبوع لمعالجة تلك الأمور. وخلال ذهابه في صباح اليوم التالي إلى المكتب، يمر بمقهى، ليُصدم برؤية مرؤوسيه الأربعة يدردشون من دون أن يشغلهم أي شيء آخر.
لقد طفح الكيل. لقد أدرك الآن من يعمل حقاً لدى من. كما أنه أدرك أيضاً أنه إذا أنجز فعلاً تلك المهمات خلال عطلة نهاية الأسبوع، سترتفع معنويات مرؤوسيه بشدة لدرجة أنهم سيغرقونه بعدد القرود التي سينقلونها من ظهورهم إلى ظهره. باختصار، إنه يرى الآن بوضوح أنه كلما زاد عدد المهام التي ينجزها بالنيابة عن مرؤوسيه، زاد معدل انهماكه وتأخره عن أداء المهام بشكل عام.
يرى المدير الآن بوضوح أنه كلما زادت المهام التي ينجزها بالنيابة عن مرؤوسيه، زاد معدل انهماكه وتأخره عن أداء المهام بشكل عام.
ويغادر المدير مكتبه بسرعة هائلة، رغبةً منه في القيام بشيء لم يقم به منذ سنوات: قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عائلته. (والتي تعتبر بدورها واحدة من الأمور المتنوعة التي يمكن القيام بها في الوقت الاستنسابي).
ويستمتع ليلة السبت/الأحد بعشر ساعات من النوم الهادئ الهانئ لأن لديه خطة واضحة لبداية الأسبوع، إذ سيقوم بالتخلص من "وقت المرؤوس"، الأمر الذي سيتيح له في المقابل "وقتاً استنسابياً" مساوٍ له، وسيقضي جزءاً من هذا الوقت مع مرؤوسيه لضمان تعلمهم الفن الإداري الصعب إنما المجزي، ذي الاسم "رعاية القرود وإطعامها".
وسيكون لدى المدير أيضاً الكثير من "الوقت الاستنسابي" المتبقي للتحكم في محتوى "وقت الرئيس" و"وقت النظام" والسيطرة عليه. وقد يستغرق الأمر شهوراً لتدريب أولئك الموظفين، لكن ستكون العوائد هائلة بالمقارنة مع ما كانت عليه الأمور، وسيكون هدفه النهائي متمثلاً في إدارة وقته بكفاءة.
التخلّص من القرود
يعود المدير إلى مكتبه صباح الاثنين متأخراً بما فيه الكفاية لرؤية مرؤوسيه الأربعة مجتمعين خارجه في انتظار معرفة ما حل بالقرود. يدعوهم واحداً تلو الآخر إلى اجتماع فردي يستهدف فيه أخذ قرد ووضعه على الطاولة أمامهما لكي يعرفا معاً ما هي الخطوة التالية التي على المرؤوس القيام بها. وبالنسبة لبعض القرود، قد تكون هناك حاجة إلى القيام بأكثر من خطوة، وقد تكون إحداها بعيدة المنال لدرجة قد يقرر فيها المدير، في الوقت الحالي فقط، السماح للقرد بالنوم على ظهر المرؤوس لليلة واحدة ثم العودة به صباح اليوم التالي في ساعة محددة لمواصلة البحث المشترك عن تلك الخطوة للمرؤوس. (تنام القرود تماماً على ظهور المرؤوسين تماماً كما تفعل مع الرؤساء).
ويرى المدير، بمشاعر الظفر والانتصار، قرداً يرحل مع كل مرؤوس يغادر مكتبه. وحتى يوم غد، لن ينتظر المرؤوس المدير، بل سيكون المدير هو من ينتظر المرؤوس.
وفي وقت لاحق من ذاك اليوم، ولأنه من المهم مشاركة المدير في تمرين بنّاء مع الموظفين، سيقوم المدير بالمرور بجوار مكتب المرؤوس ليمد رأسه من الباب ويسأل بشكل ودي، "هل من مستجدات؟" (ويكون الوقت المستغرق في القيام بذلك هو الوقت الاستنسابي للمدير، بينما هو الوقت المخصص للرئيس لدى المرؤوس).
وفي قبول القرد، تولى المدير طوعاً منصب التبعية لمرؤوسيه.
وعندما يجتمع المرؤوس (مع القرد على ظهره) والمدير في صباح اليوم التالي، سيشرح المدير القواعد الأساسية مستخدماً الكلمات التالية:
"عندما أساعدك في هذه المشكلة أو أخرى غيرها، يجب ألا تصبح مشكلتك في أي وقت من الأوقات مشكلتي. في اللحظة التي تصبح فيها هذه المشكلة مشكلتي، لن يكون لديك مشكلة، ولا يمكنني مساعدة شخص لا يوجد لديه مشكلة. عندما ينتهي هذا الاجتماع، ستغادر المشكلة هذا المكتب معك، تماماً كما جاءت، ويمكنك أن تطلب مساعدتي عبر موعد نحدده معاً، وسنتخذ قراراً مشتركاً بشأن الخطوة التالية ومن عليه القيام بها منا، وفي تلك الحالات النادرة التي يتبين فيها أن الخطوة التالية ستقع على عاتقي، سنحدد ذلك أنا وأنت معاً، ولن أتخذ أي خطوة بمفردي".
ويردد المدير ذات الكلام لكل مرؤوس حتى حلول الساعة 11 صباحاً، ويدرك المدير وقتها أنه لم يعد عليه إغلاق بابه، إذ اختفت قروده، وستعود تلك القرود، إنما وفق موعد فقط وسيضمن جدول أعماله حدوث ذلك.
نقل المبادرة
نستهدف بمثال "القرد على ظهر المرء" أن في إمكان المدراء نقل المبادرة إلى مرؤوسيهم لكي يقوموا هم بالعمل. لقد حاولنا تسليط الضوء على حقيقة بديهية إنما خفية بالقدر نفسه مفادها أن على المدير التأكيد من وجود فكرة المبادرة لدى مرؤوسيه قبيل شروعه في العمل على تطويرها لديهم، وبمجرد أن تعود المبادرة إلى المدير، لن يكون قادراً على إعادتها من جديد إلى مرؤوسيهم، وسيضطر وقتها إلى التضحية بوقته الاستنسابي وتحويله إلى "وقت المرؤوس".
ولا يمكن أن يكون لدى المدير والمرؤوس المبادرة نفسها في الوقت نفسه. فقد تتضمن عبارة، "أيها المدير، لدينا مشكلة" هذه الازدواجية، كونها تمثل - كما ذكرنا سابقاً - قرداً يسند قدميه على ظهر المدير والمرؤوس، إلا أنها تعتبر طريقة سيئة للغاية لبدء حل مشكلة القرد. وهنا، علينا أن نأخذ بعض الوقت لتقصي ما نسميه "تشريح المبادرة الإدارية".
وهناك خمس طبقات من المبادرة يمكن للمدير أن يطبقها على الوقت المخصص للرئيس والوقت المخصص للنظام:
- الانتظار حتى يتم إخباره بما يجب القيام به (أدنى مستوى من المبادرة).
- السؤال عن الواجب عليه فعله.
- الاقتراح، والعمل على ما تتم الموافقة عليه.
- التصرف من تلقاء النفس، مع إرسال تقرير عن كل خطوة.
- التصرف من تلقاء النفس، ثم تقديم تقرير دوري بما تم إنجازه. (أعلى مستوى من المبادرة).
بوضوح، يجب أن يكون المدير ذو أداء مهني بما فيه الكفاية لئلا يقوم بالطبقتين 1 و2 فيما يتعلق بوقت الرئيس أو النظام. ففي حالة الطبقة 1، لا يكون للمدير أي سيطرة على التوقيت أو المحتوى لكل من وقت الرئيس أو النظام، بالتالي لا يمكنه الشكوى حيال ما يُطلب منه أو متى. ويتحكم المدير الذي يعمل وفقاً للطبقة 2 في التوقيت إنما ليس في المحتوى. وأما الطبقات 3 و4 و5 فتتيح للمدير التحكم في التوقيت والمحتوى، مع وصول ذلك إلى الذروة في الطبقة 5.
أما بالنسبة للمرؤوسين، فيجب على المدير القيام بأمرين. أولاً، منعهم من استخدام الطبقتين 1 و2، وبالتالي إعطاء المرؤوسين خيار وحيد يتمثل في التعلم وإتقان "كيف يمكنهم إنجاز العمل بأنفسهم". ثانياً، معرفة أن هناك مستوى محدد من المبادرة لكل مشكلة تغادر مكتب المدير، فضلاً عن وجود وقت ومكان متفق عليهما لاجتماع المدير والمرؤوس القادم، ويجب إدراج ذاك الموعد على نحو ملائم ضمن جدول أعمال المدير.
رعاية القرود وإطعامها
وسنتحدث بإيجاز عن جدول مواعيد اجتماعات المدير، فيما يتعلق بعمليات التكليف والتحكم، مستخدمين استعارة "القرد على ظهر المرء" ذاتها، إذ يجب أن يسير جدوله وفق خمس قواعد صارمة وسريعة حيال "رعاية القرود وإطعامها". (سيتسبب انتهاك هذه القواعد في خسارة المدير للوقت الاستنسابي).
القاعدة رقم 1.
يجب إما إطعام القرود أو إطلاق النار عليها، وعدم تركها تتضور جوعاً حتى الموت، نظراً لأن المدير وقتها سيضيّع وقتاً ثميناً في التعاطي مع حالة الوفاة أو الإنعاش.
القاعدة رقم 2.
يجب أن يبقى عدد القرود أقل من الحد الأقصى لقدرة المدير على الإطعام بالوقت الذي لديه. كما أن على المرؤوس أن يقوم بالأمر ذاته فيما يتعلق بقروده الشخصية. وإن تم الاعتناء بالقرود بشكل صحيح، فيجب ألا يستغرق إطعامها فترة أكثر من 5-15 دقيقة.
القاعدة رقم 3.
يجب إطعام القرود بموعد محدد. ولا ينبغي على المدير مطاردة القرود العطِشَة وإطعامها، من مبدأ "أمد يدي وأطعم من أعثر عليه".
القاعدة رقم 4.
يجب إطعام القرود إما وجهاً لوجه أو عبر الهاتف، ولكن ليس عبر البريد التقليدي (إذ سيتسبب ذلك في انتقال القرد إلى ظهر المدير كما أسلفنا). قد يُضاف التوثيق إلى عملية التغذية، ولكن لا يجب أن يحل محلها.
القاعدة رقم 5.
يجب أن يكون لكل قرد وقت إطعام محدد ودرجة مبادرة محددة واللتان قد يتم تعديلهما في أي وقت بالاتفاق المتبادل، ولكن لا يجب السماح لهما بأن يصبحا غامضين أو غير محددين لأن ذلك قد يتسبب في موت القرد جوعاً أو انتهاء المطاف به على ظهر المدير.
والنصيحة المناسبة لإدارة الوقت هي "تحكم في توقيت ومحتوى ما تفعله". وأول أمر على المدير القيام به هو توسيع وقته الاستنسابي عبر إزالة "وقت المرؤوس"، في حين يتمثل الأمر الثاني في استخدام المدير جزءاً من هذا الوقت الاستنسابي المكتشف حديثاً للتأكد من أن لكل مرؤوس المبادرة بالفعل ويقوم بتطبيقها. أما الأمر الثالث فهو أن على المدير استخدام جزء آخر من الوقت الاستنسابي المتزايد للتحكم في توقيت ومحتوى كل من وقت النظام ووقت الرئيس. وستعمل كل هذه الخطوات على زيادة فعالية المدير وتسبب كل ساعة تقضيها في إدارة وقت في زيادة إنتاجك نظرياً وعملياً.
إضافة من ستيفن كوفي: تخصيص الوقت للغوريلا
عندما كتب بيل أونكين هذا المقال في عام 1974، كان المدراء يعانون من مأزق فظيع، إذ كانوا يسعون بشكل يائس لتحرير وقتهم، ولكن كانت "القيادة والتحكم" هي سيدة الموقف في الإدارة. وشعر المدراء أنه من غير المسموح لهم تمكين مرؤوسيهم من اتخاذ القرارات لأنه "أمر خطير جداً" و"محفوف بالمخاطر". ويفسر هذا سبب النقلة النوعية التي تضمنها مقال أونكين والمتمثلة في إعادة القرد إلى مالكه الأصلي. ويدين العديد من المدراء الحاليين اليوم بالامتنان إلى أونكين.
لكن علينا ملاحظة أنه لم تحدث نقلة نوعية منذ توصية أونكن الرائعة. ففلسفة "القيادة والتحكم" كفلسفة إدارية ما زالت بيننا. و"التمكين" هو كلمة اليوم في معظم المؤسسات التي تحاول الازدهار في الأسواق العالمية شديدة التنافس، لكن لا تزال "القيادة والتحكم" تُمارسان بعناد بشكل شائع. ولقد اكتشف المفكرون في مجال الإدارة والمدراء في العقد الماضي أن الرؤساء لا يستطيعون فقط إعادة القرد إلى مرؤوسيهم ثم المضي في حياتهم، على اعتبار أن تمكين المرؤوسين هو عملية شاقة ومعقدة.
السبب: عندما تعيد المشاكل إلى المرؤوسين لحلها بأنفسهم، عليك التأكد من أن لديهم الرغبة والقدرة على القيام بذلك. فكما يعلم كل مدير، لا يكون الحال هكذا دائماً، إذ قد يتسبب في حدوث مجموعة جديدة كاملة من المشاكل. وغالباً ما يعني التمكين حاجتك إلى تطوير الأشخاص وهو أمر يستهلك وقتاً أكثر مما لو قمت بحل المشكلة بمفردك.
وبنفس القدر من الأهمية، لا يمكن للتمكين أن يزدهر إلا عندما تشترك فيه المؤسسة بأكملها، بمعنى آخر، عندما تدعمها النظم الرسمية والثقافة غير الرسمية. ويحتاج المدراء إلى أن يُكافؤوا على تفويض القرارات وتطوير الأفراد، وإذا لم يحدث ذلك، ستختلف درجة التمكين الحقيقي في أي مؤسسة وفقاً لمعتقدات وممارسات كل مدير وآخر.
ولكن ربما يكون الدرس الأكثر أهمية حول التمكين هو أن التفويض الفعال - وهو ما دعا إليه أونكين - يعتمد على علاقة ثقة بين المدير ومرؤوسيه. ربما تكون رسالة أونكين قبل أوانها، لكن ما اقترحه كان لا يزال حلاً دكتاتورياً إلى حد ما، إذ تتلخص في قوله للرؤساء "أرسلوا مشكلتهم بعيداً!" ونحن نعرف اليوم أن هذا النهج في حد ذاته استبدادي للغاية، إذ يحتاج المسؤولون التنفيذيون إلى إقامة حوار مستمر مع المرؤوسين للتفويض بفعالية، وهم بحاجة إلى إقامة شراكة. ففي نهاية المطاف، إذا كان المرؤوسون يخشون الفشل أمام رئيسهم، سيستمرون في العودة طلباً للمساعدة بدلاً من القيام بالمبادرة حقاً.
كما لا تتناول مقالة أونكين أيضاً جانباً من جوانب التفويض الذي أثار اهتمامي إلى حد كبير خلال العقدين الماضيين - وهو أن العديد من المدراء متحمسون فعلياً لأخذ القرود من مرؤوسيهم. ويتفق جميع المدراء الذين تحدثت معهم تقريباً على أنه لا يتم الاستفادة من موظفيهم بالشكل الأمثل في وظائفهم الحالية. لكن حتى بعض أكثر المسؤولين التنفيذيين نجاحاً، والذين يثقون بأنفسهم على ما يبدو، تحدثوا عن مدى صعوبة التخلي عن السيطرة لصالح مرؤوسيهم.
ووصلت إلى خلاصة مفادها أن هناك رغبة في السيطرة نابعة من اعتقاد شائع وعميق بأن المكافآت في الحياة شحيحة وهشة، إذ أن العديد من الأشخاص يؤسسون هوية عن طريق مقارنة أنفسهم بالآخرين سواء أكانوا يتعلمون ذلك من أسرهم أو مدرستهم أو من الرياضيين. فعندما يرون الآخرين ينالون السلطة أو المعلومات أو المال أو الجاه مثلاً، فإنهم يختبرون ما سماه عالم النفس أبراهام ماسلو "شعوراً بالنقص"، بمعنى أنهم يشعرون بأن هناك شيئاً ما يؤخذ منهم. وهذا يجعل من الصعب عليهم أن يكونوا سعداء حقاً بنجاح الآخرين، حتى لو كانوا أحبائهم. ويعني أوكلين أن المدراء يمكنهم بسهولة رد القرود أو رفضها، لكن قد يخشى الكثير من المدراء أن أخذ المرؤوس للمبادأة سيجعلهم يظهرون أقل قوة وأكثر عرضة للخطر بقليل.
كيف إذن يطوّر المدراء الأمن الداخلي، وعقلية "الوفرة"، والتي من شأنها تمكينهم من التخلي عن السيطرة والسعي لنمو وتنمية من حولهم؟ يشير العمل الذي قمت به مع العديد من المؤسسات إلى أن المدراء الذين يعيشون بنزاهة وفقاً لنظام قِيَم قائم على المبادئ هم الأكثر احتمالاً للحفاظ على أسلوب قيادة تمكيني لفريقهم.
لا عجب أن رسالة أونكين لاقت صدىً بين المدراء بالنظر إلى الزمن الذي كُتبت فيه، ولكنها تعززت عبر موهبة أونكين الرائعة في سرد القصص. تعرفت على أونكين خلال جلسة متحدثين في سبعينيات القرن الماضي، وقد تأثرت دائماً بكيفية تصوير أفكاره بشكل حي، مثل عرض إيحائي رائع. كان لدى أونكين طلاقة اللسان التي أوصلت إحباطات المدراء ورغّبتهم في استعادة السيطرة على وقتهم. والقرد على ظهر المرء لم يكن مجرد استعارة من أونكين، بل كان رمزه الشخصي، إذ رأيته عدة مرات يسير في المطارات مع قرد لعبة على كتفه.
ولست مندهشاً من أن مقاله هو واحد من أكثر مقالين قراءةً على الإطلاق في "هارفارد بزنس ريفيو". فحتى مع كل ما نعرفه عن التمكين، فإن رسالته الحية أصبحت أكثر أهمية وبروزاً الآن مما كانت عليه قبل 25 عاماً. وفي الواقع، تعتبر رؤية أونكين أساساً لعملي في إدارة الوقت، حيث أجد أشخاصاً يصنفون أنشطتهم وفقاً للإلحاح والأهمية. لقد سمعت من المدراء مراراً أن نصف وقتهم أو أكثر يُنفق على أمور عاجلة ولكنها ليست مهمة. إنهم محاصرون في دورة لا نهاية لها من التعامل مع قرود الآخرين، لكنهم يترددون في مساعدة هؤلاء الأشخاص على أخذ المبادرة. نتيجةً لذلك، غالباً ما يكونون مشغولين جداً لقضاء الوقت الذي يحتاجونه على الغوريلا الحقيقية في مؤسستهم. وتظل مقالة أونكين بمثابة دعوة قوية للمدراء للاستيقاظ ممن يحتاجون إلى التفويض بفعالية.