كيف تجيب عن سؤال “حدثني عن نفسك” في مقابلة العمل؟

5 دقائق
حدثني عن نفسك

أصعب سؤال يواجهه المتقدم للوظيفة أثناء إجراء المقابلة الشخصية يبدو الأبسط من وجهة نظر المُحاور، وهو:

حدثني عن نفسك“.

ويبدو أنه سؤال سهل لأن جوابه مفتوح، فلا يوجد سيناريو افتراضي، ولا طلب أمثلة مستقاة من واقع الحياة، ولا تحديات تقنية، ولا حتى السؤال الذي يتهيبه الجميع: “ما هو أكبر عيوبك؟ أخبرني عن أي منها فحسب”.

سؤال حدثني عن نفسك

لذلك إنه سؤال سهل، فقط لما يبدو عليه. أن يُطرح عليك مثل هذا السؤال هو بمثابة دعوة مفتوحة تجلب معها مخاطر لا فرص، لأنه لا يوجد إطار للإجابة، وكأنها لوحة فارغة لنرسم عليها ما نشاء. وقد يتبادر إلى ذهنك اعتبارات لا حصر لها، مثل:

  • هل ينبغي لي التحدث عن قصة حياتي؟

  • أو الخوض في تاريخي المهني؟

  • أو التحدث عن هواياتي وأفلامي المفضلة؟

  • أو التكلم عن آخر وظيفة لي أو مديري السابق؟

فهذا الوضع أشبه باجتماع عمل كبير حيثما يطلب المدير من كل فرد من الحضور “التحدث عما في خاطره وإبداء أفكاره”. وكما تعلمون، ما يحدث بعد ذلك هو أن نصف وقت الاجتماع يمرّ وما زال أحدهم يتكلم في موضوعات لا طائل منها.

غالباً ما أشاهد هذه الحالة المربكة في صفوفي وورش العمل المتعلقة بإبداء وجهات النظر، حيثما يكون هناك تواصل لكن دون هدف معين عند طرح سؤال حدثني عن نفسك. فإما أن يكون المتحدثون لا يعرفون كيف يعبّرون عن آرائهم، أو يخلطون بين وجهات النظر من أجل معتقدات أو مفاهيم أو حقائق أو أفكار خاصة.

كيف تجيب عن سؤال تحدث عن نفسك

فلتعلم أن أكثر ما تحتاجه منك جهة التوظيف المحتملة هو ما يفيد أنك (“يمكنك تلبية احتياجات هذه الوظيفة”)، وليس تقرير عن “سيرة حياتك”. لكن كيف تجيب عن السؤال العام الذي طرحه المحاور بإجابة محددة ومعدة خصيصاً للوظيفة التي تقدمت للعمل بها؟ المبدأ هنا هو ألا تضيع وقتك ولا وقت المحاور.

أظهِر أكثر مما هو مذكور في سيرتك الذاتية

الإجابة بامتياز عن سؤال “حدثني عن نفسك” تبدأ بإدراكك أن محاورك يعرف بالفعل تاريخك المهني من السيرة الذاتية التي قدمتها. فلا يجدي نفعاً أن يسرد المرشح للوظيفة مهاراته كما أدرجها على صفحته الشخصية على موقع “لينكد إن”، ورغم ذلك دائماً ما يكرر مقدمو طلبات التوظيف هذا الخطأ. فعلينا التذكر على الدوام أن الهدف من تلك المقابلات هو بناء تطابق قوي بين مؤهلات المتقدم للوظيفة والمؤهلات المطلوبة للوظيفة، أكثر من إثبات الحصول على مؤهلات من الأساس، فإن لم تكن مؤهلاً ما وصلت إلى مرحلة إجراء مقابلة شخصية معك.

يوصي خبير التوظيف الاستراتيجي جون ليز بخوض المقابلة وكأنها تجربة أداء. فيقول: “تخيَّل أن محاورك يتصور مشاهد في ذهنه لك وأنت تعمل ضمن الفريق، وتقدّم التقارير لرؤسائك، وتتحدث إلى العملاء والمساهمين”.

فالوقت المخصص للمقابلة الشخصية ليس للكشف عن معلومات شخصية عن حياتك، كحياتك العائلية الأسرية أو إجازاتك الأخيرة أو حبك الشديد للدمى. قد يأتي الحديث عن ذلك فيما بعد، عندما تشارف المقابلة على الانتهاء. لكن الآن اقتنص اللحظة التي بين يديك بإعطاء انطباع أولي قوي. (حتى وإن كان لديكما، أنت والمحاور، اهتمامات مشتركة، مثل حب الدمى، فإن هذا لن يساعدك في الحصول الوظيفة).

اقرأ أيضاً: عيش الدور والتدرب هو سبيلك للنجاح في مقابلة العمل

توضيح وجهة النظر في مثل هذا السياق يتم من خلال عملية ذات خطوتين تتطلب منك بعض التحضير. الخطوة الأولى، حدّد ما هي الاحتياجات التي ترغب المؤسسة في تلبيتها من خلال شغل هذا المنصب الوظيفي. والثانية، كيِّف جوابك بحيث يعكس كونك أفضل شخص يمكن أن يلبي هذه الاحتياجات.

حدّد احتياجات المؤسسة

تحديد احتياجات المؤسسة يعني البحث العميق في التوصيف الوظيفي وكأنه خارطة كنز ترغب في استخلاص أسرارها لمعرفة مكان الكنز. فالعبارات التي ترد في إعلانات الوظائف مثل “يَلزم” و”ينبغي توافر” و”من المفضل بدرجة كبيرة” لها دلالاتها، لذلك يجب الانتباه إلى الإشارة إلى تلك الأمور في حديثك. وهناك عبارات تَرد ضمن المتطلبات إلا أنها أقل أهمية مثل “يُفضل”، حتى وإن كانت تفي بها. وأعط اهتماماً خاصاً للشروط التالية لعبارات مثل “ما نبحث عنه” و”ما نحتاج إليه”. فمن الواضح أن ما يرد بعدهم ذي أهمية كبرى.

في بعض الحالات، قد تتطابق مهاراتك مع التوصيف الوظيفي حتى وإن كانت وظيفتك الحالية أو المسمى الوظيفي الخاص بك لا يتطابقان مع المطلوب. في هذا السياق تقول تامي جونز، الرئيسة التنفيذية لشركة “استراتيجي آند تالنت كوربوريشن” (Strategy and Talent Corporation): “ارفع سيرتك الذاتية إلى المستوى المطلوب بتوضيح أن مهاراتك الحالية متوافقة مع إعلان الوظيفة وإن كانت تحت مسمى وظيفي آخر”، “على سبيل المثال، المهارات المطلوبة من ممثلي خدمة العملاء تتوافق مع مهارات مراجعي القروض أو الحسابات وموظفي الاستقبال بالفنادق وكاتبي الفواتير وموظفي الاستقبال”.

للغة الواصفة للوظيفة دلالات أيضاً. فعندما يكون إعلان الوظيفة مكتوباً بذكاء ويحمل طابعاً شخصياً أو ذُكر فيه أنه “من الفضل التحلي بحس عال من الفكاهة”، فجميعها دلالات تشير إلى مكان العمل حيثما يتحلى الموظفون بالمرح ويقدرونه. بالمقابل، إعلانات الوظائف الرسمية تشير إلى أن مكان العمل محافظ، أي يُتوقع أن يتحلى الموظفون المطلوبون للعمل بالجدية والرزانة.

اقرأ أيضاً: كيف تسلط الضوء على مواهبك في مقابلة العمل دون أن تبدو متفاخراً؟

والآن اذهب إلى الموقع الإلكتروني للمؤسسة واضغط على قسم “من نحن”، واعرف المزيد عن ثقافة المؤسسة وقيمها الأساسية. هل يركزون في اهتماماتهم كثيراً على إنجاز الأعمال وخدمة العملاء أم على دعم الموظفين وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية؟

باستخراج المعلومات من المصدرين المذكورين سابقاً، دوّن أكثر ثلاثة سمات ينشدون وجودها في المتقدم للوظيفة بدرجة كبيرة، واعتمد في ذلك على استخدام صفات مثل “عصامي” أو “متعاون” أو “مهتم بالرعاية الصحية”، وابتعد عن المؤهلات مثل: ماجستير في إدارة الأعمال و”خمس سنوات خبرة في العمل في هذا المجال”.

والآن استخدم تلك المعلومات لإكمال العبارة التالية: “إنهم يبحثون عن شخص …”، ودوّنها.

لبّي احتياجات المؤسسة

الآن غيّر الصياغة قليلاً لتصبح “أنا شخص أتحلى بـ …..” أو “منهجي في العمل هو …”.

اختر موقفاً من حياتك المهنية يبين أنك كنت قادراً على تلبية تلك الحاجة في وظيفة أخرى، ويُفضل أن يكون موقفاً حدث في سياق مشابه لسياق الوظيفة التي تقدمت للعمل بها. يمكنك تنميق التفاصيل التي تعزز هذا التشابه، لكن لا تزيِّف العناصر الأساسية للموقف. افترض دائماً أنهم سيشمون رائحة الكذب أو المبالغة الفاضحة من مسافة أميال، سواء اكتشفوا ذلك أم لا.

الإتقان ثمرة التدريب

اجمع بين العبارة التي دونتها مسبقاً والموقف المستقى من عمل سابق، وتدرب على قولهما بصوت مسموع وكأنك تجيب على سؤال. ولأنك في مرحلة التدريب قد تتلعثم أو تتمتم في الإجابة، لكن لا تستسلم. فالتدرب على ذلك بصوت مسموع ضروري، لأن ذلك ليس تمريناً ذهنياً فحسب بل تمرين بدني، فأنت بحاجة إلى ترك عقلك ولسانك يعملان معاً بتناغم لتوصيل فكرتك.

اقرأ أيضاً: كيف تتميّز في مقابلة العمل؟

جمّع كل ما سبق معاً

تدرّب على ذلك وكأنك في مشهد وهمي: تخيّل أنك تتقدم إلى وظيفة مشرف خدمة العملاء لشركة كابلات كبرى تدعى “كيبل آبل”. وقد اكتشفت من خلال الموقع الإلكتروني لهذه الشركة أن خدمة العملاء الممتازة هي السمة المميزة لعلامتهم التجارية، و”تقديم الدعم” من القيم الأساسية للشركة. وفي إعلان الوظيفة وجدت أن “مهارات التواصل القوية” مستحسنة للغاية.

وأثناء المقابلة الشخصية يُطرح عليك السؤال التالي:

حدثني عن نفسك“.

لقد علمت الآن بالفعل كيف هو الجواب الخاطئ، وإليك إذن الجواب الصائب:

“لطالما كنت شخصاً اجتماعياً. وفي المدرسة كان يسعدني دائماً التحدث إلى الناس والاستماع إليهم، حتى مع الغرباء، وكان بمقدوري تقديم العون لهم بطريقة ما. لذلك عملتُ مستشاراً مقيماً كما أنني عملت لسنوات في قطاع الخدمات، ولذلك أيضاً اخترت تكوين مسيرتي المهنية في مجال خدمة العملاء. ولذلك فأنا معجب حقاً بكيفية تعامل شركة “كابل آبل” مع عملائها باحترام وتعاطف وإصغاء تام. ومؤخراً تمثل هدفي المهني في مساعدة الآخرين ليتعلوا مهارات خدمة العملاء القوية ويطورونها. وبذلك فإن هذه الوظيفة تجمع بين اهتمامي طوال حياتي بمساعدة الآخرين وبين شغفي بمجال علاقات العملاء”.

السبب الرئيس لاعتبار هذا الجواب مثالي هو التطابق بين تعريفك لنفسك والموقف الشخصي الذي قصصته وبين العلامة التجارية للشركة واحتياجاتها الأساسية، فقد أجبت بذلك عن السؤال بشكل مباشر.

وفي نهاية الحديث عن سؤال حدثني عن نفسك، قدرتك على معرفة احتياجات المؤسسة وبيان أنك ستلبي هذه الاحتياجات بسرد موقف يدعم ذلك، من شأنه أن يجذب اهتمام المحاور إليك كما أنه يجعلك متفوقاً على المرشحين الآخرين. لماذا؟ لأنك، على عكس المرشحين الآخرين، لم تتكلم مع المحاور عن نفسك فحسب، بل بيّنت له لمَ أنت مهم بالنسبة إلى الشركة، وإذا علمت كيف تجيب على سؤال حدثني عن نفسك ستتمكن من الإجابة عن أي سؤال آخر.

اقرأ أيضاً: أين ستكون بعد خمسة أعوام؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .