مليندا غيتس عن الكفاح من أجل المساواة بين الجنسين

22 دقيقة
shutterstock.com/ChristianChan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مقابلة مع مليندا غيتس، الرئيسة المشاركة لمؤسسة “بيل ومليندا غيتس فونديشن” (Bill & Melinda Gates Foundation)، ومؤسِّسة شركة “بيفوتال فينشرز” (Pivotal Ventures). وهي مؤلفة كتاب “حان وقت النهوض: أثر تمكين المرأة وقدرته على تغيير وجه العالم” (The Moment of Lift: How Empowering Women Changes the World)، وكاتبة مقال “تحقيق المساواة بين الجنسين في متناول أيدينا” (Gender Equality Is Within Our Reach) المنشور بمجلة هارفارد بزنس ريفيو.

تخصص مليندا غيتس مبلغ مليار دولار أميركي على مدار السنوات العشر المقبلة من أجل تشجيع المساواة بين الجنسين، وتقول إن الأدلة أثبتت أن هذه هي الطريقة الأفضل لتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد وتطوير أداء الشركات. تشارك مليندا قصصها الخاصة كعنصر نسائي شغل منصباً تنفيذياً بشركة “مايكروسوفت”، وكأم عاملة، وقائدة غير هادفة للربح تتعلم من النساء حول العالم.

يمكن تحميل المدونة الصوتية.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة:

النص:

أليسون بيرد: مرحباً بكم في برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم أليسون بيرد.

لعلكم تعرفون ضيفتنا اليوم كأحد أبرز فاعلي الخير في العالم وأكثرهم جوداً، فقد أسست مع زوجها مؤسسة تبرعت بأكثر من 50 مليار دولار أميركي لبرامج الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية حول العالم. ولكن قبل كل ذلك، كانت مليندا غيتس، واسمها قبل الزواج مليندا فرينش، شابة طموحة، تحب المدرسة، ومغرمة بالكمبيوتر. حصلت على شهادات في مجالات الاقتصاد وعلوم الكمبيوتر، ثم حصلت بعد ذلك على ماجستير إدارة الأعمال. عملت بوظيفة في إحدى الشركات الناشئة آنذاك، وتُدعى “مايكروسوفت”، وأخذت تتدرّج في المناصب حتى أصبحت المدير المسؤول عن عدد من أهم المشاريع والموظفين في الشركة. وبعد تنحيها لبعض الوقت من أجل تربية أطفالها، عادت مرة أخرى لتضطلع بدور أكبر من ذي قبل، حيث تدير جدول أعمال المؤسسة الخيرية الضخمة المملوكة لأسرتها. وفي الأعوام القليلة الماضية، طرحت سؤالاً مهماً: ماذا لو أن النساء والفتيات من أمثالها واللاتي كان يُقدَّر لهن النجاح –إلا إنهن وُلدن في ظروف مختلفة– قد أتيحت أمامهن الفرصة للدراسة والعمل والنجاح، وما أثر ذلك على المجتمعات؟ تعتقد مليندا أن ذلك كان ليُحدث فارقاً كبيراً، وهي هنا اليوم في فعالية تذاع على الهواء مباشرة في قاعة “نويوهاوس” (NueuHouse) بنيويورك، برعاية شركة “تارغت سي دبليو” (TargetCW) لتشرح لنا الأسباب. تشغل مليندا غيتس منصب الرئيس المشارك لمنظمة “بيل آند مليندا غيتس فونديشن”، ومؤسّسة شركة “بيفوتال فينشرز” المتخصصة في الاستثمار وحاضنة الأعمال، ومؤلفة كتاب ‏”حان وقت النهوض: أثر تمكين المرأة وقدرته على تغيير وجه العالم” (‏The Moment of ‎Lift: How Empowering Women Changes the World‏)، وكاتبة مقال ‏‏”تحقيق المساواة بين الجنسين في متناول أيدينا” (‏Gender Equality Is Within ‎Our Reach‏) المنشور بمجلة هارفارد بزنس ريفيو.‏ شكراً جزيلاً لكِ، مليندا، على انضمامك إلينا.

مليندا غيتس: أشكرك على استضافتك لي، أليسون.

بيرد: لنتطرق مباشرة إلى موضوع عنواننا الرئيسي. لماذا جعلتِ من موضوع المساواة بين الجنسين أولوية للمؤسسة ولشركتك؟

غيتس: حسناً، أنت تعلمين أن الحظ قد أسعدني بالسفر حول العالم نيابة عن المؤسسة لأكثر من عشرين عاماً، وفيما كنا ننفذ هذه الاستثمارات، في البرامج الصحية والمعيشية على سبيل المثال، بدأت أدرك أننا لم نكن نحدث الأثر المطلوب، لأننا صراحة كنا نفتقد إلى الفكرة الرئيسية. وفجأة لاحت أمامنا الفكرة الرئيسية، حتى إنها تبدو بديهية تماماً بالنسبة لي الآن، وكانت تتمثل في أننا لا بد أن ننظر إلى كل البرامج التي نقوم بها من وجهة نظر المرأة، لأنني وبيل نؤمن تمام الإيمان بقوة الابتكار والتغيير في التأثير في العالم. ولكننا لو طرحنا ابتكاراً جديداً، واعتقدنا إذ ننشره‏ في العالم النامي أننا ننشره بالتساوي، فهذا خطأ فادح منا. فهذا يخالف الحقيقة، فلو أننا على سبيل المثال لدينا بذرة جديدة مقاومة للجفاف في ظل التغيرات المناخية التي نعيشها في هذه الأوقات ونشرنا هذه البذرة في كل أرجاء أفريقيا من خلال تجار المواد الزراعية، ونحن نعرف أن نسبة السيدات المزارعات في أفريقيا تصل إلى 50%، ولكننا لو اعتقدنا أن تلك البذرة ستصل إلى أيدي النساء بقدر ما ستصل إلى أيدي الرجال، فهذا افتراض خاطئ تماماً. وفيما بدأت أنظر إلى هذه المسائل بصورة أكثر منهجية، أدركت أننا علينا أن ننظر إلى الزاوية المتعلقة بالجنس من حيث الذكورة والأنوثة، وأننا لابد أن نبدأ في الاستثمار فيها، وإلا فلن نحرز تقدماً فيما نقوم به من أعمال.

بيرد: إذن، فما البرامج المحددة التي وضعتها المؤسسة في هذا الصدد، خاصة تلك التي تهدف إلى تمكين المرأة في الدول النامية؟

غيتس: حسناً، ما زلنا، وبكل صراحة، نحاول فهم هذه المشكلة، لأنها مشكلة عميقة الجذور ومتعددة الجوانب. تبدأ المشكلة بالعوائق التي تواجهها المرأة، لذا قد تكون المشكلة في زواج القاصرات على سبيل المثال في دول مختلفة، لأن المرأة إذا تزوجت في سن مبكرة، فستظل حبيسة دائرة لا تنتهي من الفقر، لذا فإن الاستثمار مبكراً في تنظيم الأسرة، ووسائل منع الحمل، هي بعض الأشياء المحددة التي نقوم بها. وأعتقد أن أحد الأشياء التي نعتبرها من البديهيات تقريباً في الولايات المتحدة أن ظهور حبوب منع الحمل هو ما سمح للمرأة بالانضمام إلى القوة العاملة بأعداد كبيرة، ومكّنها من تحديد مكان وزمان ولادة الأطفال، كما مكّنها من الاستمرار في الدراسة في الجامعة والحصول على وظيفة. وتطلب من الكثير من النسوة حول العالم، وتحديداً ما يقرب من 220 مليون امرأة، أن نعطيهن الأدوات الأساسية التي نمتلكها الآن، أي وسائل منع الحمل، لذا، بدأنا من هذه النقطة. إننا نؤدي الكثير من المهمات التي يمكن أن أستفيض في شرحها، ولكن دعيني أقول إن الزاوية التي نعمل عليها في تحسين الفرص الاقتصادية على الجانب الآخر هي الهواتف الجوالة، ولا أتحدث هنا عن الهواتف الذكية، سيكون من الرائع أن تحظى امرأة في دول العالم النامي بهاتف ذكي، لكن غالبيتهن لا يمتلكنها. وإنما أقصد الهاتف في شكله الأساسي. يكمن للمرأة أن تدخر دولاراً أو دولارين في اليوم الواحد، وبذلك حين يأتي موعد دفع مصاريف دراسة أطفالها، أو يتعرض أحد أفراد أسرتها لأزمة صحية، أو تصاب المحاصيل الزراعية بآفة، تستطيع المرأة إنقاذ الموقف بالسحب من ذلك المال. وهكذا يكون للمرأة مدخراتها الخاصة على هاتفها، ونحن نعلم أن المال يعني القوة في يد من يمتلكه. ومن ثم بدأنا نهتم فعلاً بحسابات البنوك الرقمية وتقديم يد العون إلى المرأة للوصول إليها، بغرض تمكينها من ادخار الأموال يومياً.

بيرد: إذن، فقد سافرتِ حول العالم كما قلتِ، وقضيت الكثير من الوقت في الاستماع إلى الناس على أرض الواقع، حتى إنكِ عشت معهم في بعض الأوقات. فهل هناك قصص بعينها لم تستطيعي نسيانها والتي تسلط الضوء على كم المعاناة التي تتكبدها المرأة، وكيف تحسنت الأحوال بالنسبة لها نتيجة لهذه البرامج؟

غيتس: حسناً، بالطبع، حسناً، لقد قابلت الكثير من الناس على مدار السنوات، وفتحوا بيوتهم لي، وسمحوا لي بأن أتعرف على جزء من رحلتهم. وأحد هؤلاء امرأة تُدعى آنا، وقد كتبتُ قصتها في كتابي، وهي من تنزانيا، ومتزوجة من رجل يُدعى سانار. أقمنا في منزلها، وكانت ابنتي الكُبرى في الخامسة عشرة من عمرها آنذاك، مكثنا في بيتهما عدة أيام، وكانت آنا غارقة تماماً في علاقة حب مع زوجها، فقد تزوجته عن حب، وكان لها مطلق الحرية في زواجها من سانار وتزوجته بمحض اختيارها. كنت أتبعها طوال اليوم في الأرجاء بينما نقطع الخشب، ونحمل الماء، وهي أشياء لم أكن بارعة فيها. ذلك صعب جداً. وكانت النساء في القرية يسخرن مني، لأنني لم أتمكن حتى من حمل نصف الكمية التي كنّ يحملنها على رؤوسهنّ. ولكن وفيما كنا نتجاذب أطراف الحديث، أخبرتني بقصة تحققت من صحتها فيما بعد من سانار حينما انفردت به. ذلك أنها حين وضعت مولودهما الأول روبرت، أتى سانار إلى البيت وكانت آنا جالسة في الشُّرفة الأمامية وقد حزمت حقائبها وحملت الطفل على ذراعها، وقالت له إنها ستهجره. لم يُصدق سانار أذنيه، وسألها: لماذا؟ فقالت لأن الأرض التي تمتلكها هنا، أرض أبيك قاحلة ومجدبة. ولا يمكنني أن أعيل ابني وأقوم بواجباتي المنزلية وأحمل الماء، فما كان من سانار إلا أن شرع في أداء تلك المهمات بنفسه، فسخر منه الرجال في القرية لأن رجال قبيلته، قبيلة ماساي، لا يحملون الماء في العالم النامي. وهكذا مر الوقت وبدأ بعض الرجال يصاحبونه في مشيه وعمله، وأدركوا كم كان الأمر صعباً وكم يتطلب وقتاً ومجهوداً. ومن ثم قرر الرجال في النهاية أن يستخدموا عجلاتهم في عملية جلب الماء، وأخيراً تساءلوا: لماذا عليهم أن يقودوا العجلات وعليها الماء كل يوم من مكان الماء وحتى القرية؟ لماذا لا نتكاتف معاً كمجتمع واحد وننشئ أحواض ماء حول القرى؟ وهو ما فعلوه في النهاية. ومن ثم فإن ذلك السؤال البسيط الذي وجّهته آنا لزوجها، ووقوفها وقولها ما يجب عليها قوله، جعلني أفكر في مسألة العمل غير مدفوع الأجر، وهو ما تقوم به المرأة حول العالم وبنسبة غير متكافئة مع الرجال. وحتى في الولايات المتحدة، فإننا نقضي 90 دقيقة كل يوم أكثر من أزواجنا في القيام بأعمال غير مدفوعة الأجر. بعض هذا العمل يكون رائعاً، وهو الاهتمام بأطفالنا، والبعض الآخر عبارة عن أعمال منزلية محضة، مثل الغسيل والطبخ وتعبئة صناديق التغذية، أو أياً يكن. ومتوسط هذه الأعمال بالنسبة للمرأة في جميع أنحاء العالم يعني أن المرأة تقضي سبع سنوات من عمرها في عمل أشياء ربما كانت ترغب في عمل أشياء أخرى غيرها. وأعتقد أننا في حاجة لتغيير هذا الوضع، وأننا في حاجة لأن نجري محادثات شجاعة في منازلنا، مثل آنا وسانار، إذا أردنا تعديل كفتي الميزان.

بيرد: وفي كتابك تحكين قصة رائعة عن زوجك الذي يتولى القيام ببعض هذه الأعمال في منزلكما، الأمر الذي يؤثر على المجتمع من حولك، لذا فإني أود أن تشاركينا هذه القصة.

غيتس: حسناً، كانت ابنتنا الأولى على وشك الالتحاق برياض الأطفال، واتفقنا أنا وبيل على إلحاقها بمدرسة بعيدة عن منزلنا، كانت المدرسة تبعد 25 دقيقة بالسيارة، حيث نعبر جسراً، وتخيلت كل تلك السنوات التي سأقود فيها السيارة جيئة وذهاباً من وإلى المدرسة في سيارتنا، وكنت أعلم أننا نريد إنجاب المزيد من الأطفال. كنا قد رُزقنا بابننا الثاني بالفعل، وكنا نأمل أن نُنجب الثالث. وفي النهاية قلت لبيل: “يا إلهي، يمكنني أن أتخيل حياتي مستقبلاً وأنا أقود على ذلك الطريق، فلماذا لا نلحقها بالمدرسة القريبة منا في الحي لعدة سنوات قليلة، ثم سنغير المدرسة في سن معينة، حينما تستطيع الذهاب للمدرسة الأخرى بنفسها”. ولكن بيل رفض، لأنه كان يشعر بأنه على ابنتنا أن تبدأ تعليمها من مرحلة الروضة، فقلت: “إنني لا أستطيع أن أفعل ذلك، لا يمكنني أن أقود كل هذه المسافة كل تلك السنوات”، وسألني: “وما الذي يمكنني فعله؟” وقبل أن أجيبه، فاجأني بحل لم أكن أتوقعه. صراحة لم أكن حتى أعتقد أنه جاد بشأن حديثه ذلك في البداية. كان بيل الرئيس التنفيذي في “مايكروسوفت” في ذلك الحين، وقال: “سأقود ليومين في الأسبوع، ما يعني أنني سأقطع ذلك الجسر لأوصل الطفلة وأعود وأمر بالبيت في طريقي للعمل في مايكروسوفت”. وهكذا، اقتطع ساعة كاملة من جدول أعماله لتوصيل ابنتنا. وقال: “انظري، سيكون الوقت الذي أقضيه في السيارة رائعاً”. وهكذا، بدأ بيل في توصيلها فعلاً، وبعد مرور أسبوعين من السنة الدراسية، جاءت إلىّ بعض النساء وسألنني: “هل لاحظت شيئاً مختلفاً في الصف؟” أجبتهن: “أجل، يبدو أن هناك الكثير من الآباء يوصلون أطفالهم إلى المدرسة”، فقلن لي: “حسناً، لقد عدنا لمنازلنا وقلنا لأزواجنا، إذا كان بيل غيتس يقود السيارة ليوصل ابنته إلى المدرسة، فيمكنكم فعل ذلك”. وكانت تلك قصة طريفة. فبإجرائنا لتلك المحادثة في منزلنا، وبإحداثنا تغيير في حياتنا، انتهى بنا الأمر إلى أن نكون قدوة لغيرنا من أولياء الأمور في المدرسة، كنا قدوة حسنة. وللأمانة، فقد كان بيل في النهاية هو من يقود السيارة لتوصيل أطفالنا الثلاثة إلى المدرسة في السنوات التالية، وكان لذلك الوقت الرائع الذي قضوه مع أبيهم في السيارة أثر بالغ في تعريف هؤلاء الأطفال بمدى اعتزاز والدهم بهم، إذ كان على استعداد لاقتطاع ساعة من يومه في الصباح لفعل ذلك، صحيح! وتوصيلهم إلى المدرسة.

بيرد: أجل. حسناً، ولكن ما الذي تفعلينه من أجل إحداث مثل هذا التغيير في المجتمعات والأسر، حيث ستكون الإجابة مختلفة عن جملة “وما الذي يمكنني فعله؟” هل باستطاعة المرأة أن تخوض مثل هذه المحادثات الشجاعة نفسها؟ هل يمكن للمجتمعات أن تسلك هذا المسلك؟

غيتس: المسألة تعتمد على عدة عوامل. فالأمر يتوقف بكل صراحة على طبيعة المناطق الجغرافية، حتى داخل البلد الواحد. وهذا ينطبق على كل البلدان. فكما هو الحال في الولايات المتحدة، هناك مناطق يسهل فيها القيام بذلك، في حين هناك مناطق أخرى يكون فيها الناس أكثر إحجاماً عن خوض هذه المناقشات. ولكن الأمر الذي يُحدث فارقاً هو تكتل النساء معاً، وقد رأيت هذا يحدث في أماكن في شمال الهند حيث قد تظنين أن النساء هناك لا يتمتعن بقوة كبيرة. فإذا ما اتفقت النساء معاً وكونّ مجموعة للمساعدة الذاتية فيما بينهنّ، فيمكنهن الذهاب إلى الحكومة ومطالبتها بحاجتهن إلى عيادة صحية في تلك المنطقة. وقد سمعت عن نساء وقفن في وجه الشرطة وكنّ يقلن: “أتعلمون؟ ستكفّون يوماً عن ملاحقة مرتكبي جرائم الاغتصاب حين يتقدم مجتمعنا، وسنخبركم بكل ما يجري”، لذا، عندما نتكتل معاً كنساء، أو عندما نتكتل معاً بصورة أكثر قوة كرجال ونساء، لنعقد العزم على إحداث تغيير مجتمعي لأنفسنا ولبناتنا وأبنائنا الذين سيأتون من بعدنا، ولأحفادنا. حين نضع أيدينا في أيدي بعض، نستطيع إحداث التغيير.

بيرد: حسناً، لقد وجدتِ أن هناك مجتمعات عملتِ بها مع مؤسستك لتنفيذ برامج إصلاحية بها، لكن كانت هناك مقاومة في البداية، خصوصاً من الرجال.

غيتس: أجل، صحيح، فحين ندخل أحد المجتمعات لتدشين العمل المؤسسي بها، فإن هناك عدة أشياء مهمة حقاً تخبرك ما إذا كان هذا المجتمع يريدك أو مستعداً لقبولك وتيسير السبل أمام قيامك ببعض العمل فيه. فلا يمكننا أن ندخل مجتمعاً ونحن نحمل أفكاراً جديدة، ونقول لهم إن عليهم تنفيذها. لا بد أن يكون لديهم استعداد لتقبل هذه الأفكار، بعدها ندخل ونحاول أن نجد طرقاً نتعامل بها مع الأشخاص الذين يعيشون في هذا المجتمع لسنوات طويلة. وهكذا، بعد الإنصات إلى الناس قد تتكون لدينا فكرة مفادها أن ذلك المكان يحتاج إلى تقليل عدد أفراد الأسرة، فتكون وسائل منع الحمل فكرة جيدة، ولكن عندما نذهب إلى هناك ونقابل أهل القرية مثلاً، نجدهم يقولون إن أكثر ما يهمهم هو الحصول على مياه نظيفة. كأنهم يقولون: “لا تحدثونا عن وسائل منع الحمل، إننا نريد مياهاً نظيفة”، وعليك أن تعملي على ما تحقيق يريدونه أولاً، ثم تحاولي تقديم أفكار جديدة، وعندها يكون لديهم استعداد وقابلية لتقبلها، لذا غالباً ما أقول لنفسي: “إذا كان هناك شخص قادم إلى منزلي، فهل سأرغب في أن يقوم هذا الشخص بتوجيه أوامر لي ويقول عليكِ فعل كذا وفعل كذا؟ من هو ليأمرني بذلك”، أتدري؟ ولكن حينما يقدم لي أحدهم فكرة ويحوز ثقتي، فسأستمع له على الأرجح، وأقول: “أوه، لماذا يظن هذا الشخص أن هذه الفكرة مهمة لأسرته، ربما تكون مهمة لأسرتي أنا أيضاً؟”

بيرد: أجل. أتخيل أنكِ تواجهين الرفض والمقاومة ربما على جبهتين. أولاهما، تتمثل في كيف يمكن لمتبرع أميركي ثري ذي بشرة بيضاء أن يقدُم إلى هذه المجتمعات ويحاول تغييرها؟ هل ينبغي عليه فعل ذلك؟ ثم، ماذا عن الأولاد غير المحظوظين؟ لماذا نركز فقط على الفتيات؟ لذا، أخبريني كيف تتصرفين حيال هذا النوع من النقد الذي تتعرضين له؟

غيتس: لقد تعلمت شيئاً في بداية الأمر، حين كنا نبدأ تأسيس هذه المؤسسة. كان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر حاضراً، وكان يعمل بالفعل على مشكلات الصحة العالمية لسنوات. سألته: “أيها الرئيس كارتر، ما الذي ينبغي علينا معرفته من خلالك والذي تعلمته ولا تعتقد بأننا في حاجة لأن نتعلمه مرة أخرى؟” فقال لي: “مليندا، إن أي عمل تقومون به كمؤسسة في مكان ما، ينبغي أن يتبناه الناس بأنفسهم في هذه المجتمعات، إذا كنتِ تريدين إحداث تغيير مستدام ومستمر، فقد تذهبين إليهم وأنت تمتلكين التمويل، وقد يبدون اهتمامهم بما تقومين به من عمل لعام أو اثنين، ولكن وبمجرد أن تغادريهم، فإنهم يعودون إلى ما كانوا يفعلونه من قبل”. وبالتالي فقد حاولنا دوماً أن نعمل في هذه المجتمعات وفق ما يؤمن به الأهالي وما يهتمون به، لذا عليك أن تتحدثي معهم عن أحلامهم، وهذه هي الطريقة التي ننفذ بها أعمالنا في العالم النامي. وأعمالنا تتم على مستويات عميقة. وأعتقد أن الشيء الآخر الذي عليكم معرفته حيال المؤسسة هو أنني وبيل نعلم الحجم الحقيقي لكل ما يمكن فعله بالتبرعات، نعلم أن أموالنا قد تبدو ضخمة، ولكن مقارنة بنوعية المشكلات التي نواجهها، مثل الإيدز أو الملاريا، أو أمراض الأطفال. فإن أموالنا في الواقع تمثل قطرة في بحر أمام هذه المشكلات. إنها ضئيلة للغاية. هل يمكننا الاستفادة من التجارب ومحاولة تعميمها؟ اختبار جدواها، ومحاولة قياسها، والبدء في تعميمها، ثم إقناع الحكومة بتعميمها. أقصد أن المرء إذا أراد إحداث تغيير حقيقي، فإن تعميمه من قبل الحكومة هو ما سيحقق تلك الغاية، لذا، فإننا نضع ذلك دائماً في اعتبارنا. ومن المؤكد أننا نجد ردود فعل عكسية، لذا، وحتى في الولايات المتحدة، بدأت أسمع كثيراً أن النساء يرتقين، وأنهن يتخرجن في الجامعات بمعدل أعلى من الرجال. نسمع ذلك، وهذا حقيقي. ولكن الأمر هنا يتعلق بالنهوض بالجميع، لذا فإننا نرغب في أن يستمر الرجال والفتيان الصغار بالنهوض أيضاً، ولكن ليس معنى أننا نقوم بالعمل من أجل تمكين المرأة أن أحداً ينبغي أن يسقط مكانها. ومن المؤكد أن النساء يقطعن أشواطاً كبيرة في مجالات مختلفة، ولكن هناك الكثير من المجالات التي تضاءل فيها عدد النساء الخريجات بشكل كبير، مثل علوم الكمبيوتر منذ أن كنت طالبة أدرس ذلك المجال. ثم هناك الإحصاءات الخاصة بالملوّنين والنساء، والنساء اللاتينيات، وتشير هذه الإحصائيات إلى الانخفاض الحاد في عدد من المجالات. لذا فإن الأمر يتمحور حول التقدم بالمجتمع والنهوض به ككل.

بيرد: أجل. يشير المقال الذي كتبتِه لمجلة هارفارد بزنس ريفيو إلى أننا ما زلنا غير منصفين تماماً في التعامل مع المرأة في الولايات المتحدة، خصوصاً في مكان العمل. فما أكبر التحديات التي ترين أنها موجودة هنا؟

غيتس: ألاحظ أن المرأة لا تصعد السلم الوظيفي حتى قمته. فحين تتخرج الفتيات الصغيرات بعد تلقيهن مستوى رفيعاً من التعليم، فإنهن يبحثن عن مثل أعلى يقتدين به. وعندما يتخرج الفتى في الجامعة، فإنه يبحث عن مثل أعلى يقتدي به ويرى العشرات من النماذج المختلفة من القادة الذكور. ويمكنه أن يقول: لا أريد أن أكون مثل هؤلاء العشرة، ولكن هؤلاء الستة، إنهم من النوع الذي أرغب أن أكون مثله، أود أن أقتدي بواحد من هؤلاء الستة في أي من هذه القطاعات أو المجالات، لكن حينما تبحث الفتاة عن مثل أعلى، فإنها لا تجد الكثير من القيادات النسائية على القمة. ومن المؤكد أنه لا يوجد العشرات من نماذج القيادة النسائية في كل مجال، وإذا ما نظرت إلى القمة في القطاع المالي، فلن تري الكثير من النساء، وإذا ما نظرت إلى قطاع التكنولوجيا، فكم عدد النساء الذي يمكن أن تجدهن على قمة شركات التكنولوجيا؟ كم عدد النساء اللائي ينشئن مشاريع تكنولوجية؟ لذا، فإن المرأة تتخرج في الجامعة وفجأة تجد كل تلك العوائق أمامها. وهكذا يتحتم علينا أن نقلل من هذه العوائق، وهناك بعض العوائق التي تقوم على التحيز، الكثير من التحيز، ويصدر معظم هذا التحيز دون وعي، لكن البعض يصدر عن وعي. هناك أشكال كثيرة من التفرقة، وبصراحة، هناك الكثير من أشكال المضايقة والتحرش الذي يمكن أن تتعرض لها المرأة. ونحن نعلم أن المرأة تترك مكان العمل بنسبة 80% إذا ما تعرضت للتحرش في العامين الأولين لها في العمل. وهناك الكثير من التحرش الذي يحدث، لذا، علينا أن ننظر إلى تلك العوائق ونحطمها. أعتقد أننا نستطيع اتخاذ بعض الإجراءات، مثل منح إجازة صحية أسرية، إننا الأمة الصناعية الوحيدة، وأكرر الوحيدة، التي لا تمنح حق الإجازة الصحية الأسرية، لذا فإننا نحمل ذلك العبء المزدوج حيث يُتوقع من المرأة أن تكون مصدر العطف والرعاية، كما يُتوقع منها أن تبرع في العمل. وفي معظم العلاقات الموجودة في وقتنا الحالي، نجد أن الرجل والمرأة يعملان، ومع ذلك، فإننا نعمل في ظروف عمل كانت مصممة لأجدادنا، حيث كان هناك فرد يذهب للعمل وفرد يمكث في المنزل ويرعى الأطفال. والآن لدينا المسنّون، فمن الذي يرعى الأطفال والمسنين؟ النساء. لذا يتعين على هؤلاء النساء أن يتراجعن عن المضي قُدماً في حياتهن المهنية. ويمكن للمرأة أن تعتني بكل هذه الأمور، ولكن إذا استطاعت أن تأخذ إجازة صحية أسرية مدفوعة الأجر، حيث يمكن للمرأة والرجل استخدام هذا النوع من الإجازات –كما هو الحال في دول شمال أوروبا– فإن ذلك من شأنه أن يغير المعايير في مجتمعاتنا، لذا، أعتقد أن هناك بالتأكيد بعض الجهود التي يتعين علينا بذلها لهدم هذه العوائق، ثم هناك بعض الاستثمارات التي يجب علينا القيام بها أيضاً لمساعدة المرأة على الوصول إلى القمة.

بيرد: أجل. ماذا عن المستوى المؤسسي؟ ما الدور المنوط بقادة الشركات الموجودين بين هذا الجمهور ويستمعون إليك، ما الذي يجب عليهم القيام به في شركاتهم؟ بافتراض أن السياسات لن تتغير في الحال لتحسين الأمور بالنسبة للمرأة، ليس فيما يخص تلك المسألة فقط بالطبع، وإنما فيما يخص كل المسائل التي أتيت على ذكرها؟

غيتس: حسناً، أقول، في البداية، احرص على أن يكون لديك سياسة قوية وفاعلة لإجازات المرأة والرجل. من يمتلكون إمكانية الاستفادة من مثل هذه الإجازات نسبتهم أقل من 16%، لذا، فإننا نتحدث عن مثل هذا الأمر، ولكن ليس بإمكان الجميع الاستفادة منه، لذا احرص على أن تكون لديك خطة مُحكمة ومفهومة لك إذا كنت أنت الرئيس التنفيذي، وليس فقط رئيس قسم الموارد البشرية، وإنما تفهمها أنت أيضاً وتجعلها تعكس قيمك وما كنت لتبغيه لابنتك وحفيدتك في مجال الأعمال. وإذا لم تكن هذه السياسة تعكس تلك القيم، فعليك تغييرها. يمكننا اتخاذ القرارات، فقط قم بتغييرها. هذه واحدة. وهناك أيضاً السؤال الذي يقول: كيف تمهد السبيل أمام المرأة لتشق طريقها في مختلف القطاعات؟ فنسبة تمثيل المرأة ضعيفة في وسائل الإعلام على سبيل المثال، ووسائل الإعلام هي ما يشكِّل المجتمع وهي الجهة التي تنقل قصصنا للرأي العام، كما أن نسبة تمثيل المرأة ضعيفة أيضاً في قطاعات أخرى ذات أهمية أساسية، مثل القطاع المالي، وللحقيقة، فإن نسبة تمثيلنا ضعيفة أيضاً في مجال السياسة، ومجال السياسة هو المسؤول عن تحديد السياسات المتبعة والتي نسير على هداها. ونسبة تمثيلنا ضعيفة في قطاع التكنولوجيا، والتكنولوجيا هي القطاع الذي يشكل العالم الذي نعيش فيه حرفياً، لذا، إن كنتِ تعملين في واحد من هذه القطاعات، أو إذا كنتِ تتمتعين بقدر من النفوذ في أيٍّ منها، فكيف تمهدين السبيل أمام اقتحام المرأة لهذه القطاعات؟ كيف تتأكدين من إتاحة الفرصة أمام امرأة أو شخص من عرق مختلف للحصول على المنحة التدريبية الأولى؟ كلنا لدينا معارف وعلاقات، كلنا، ونحن نعلم أنك ستجدين شاباً يافعاً يدخل عليك، أو ربما فتاة هي صديقة لصديقة إحدى صديقاتك، أو كما تعلمين، وسنساعد هذا أو تلك في الحصول على هذه المنحة التدريبية الأولى أو حتى وضع أقدامهم داخل المكان للحصول على فرصة إجراء مقابلة شخصية. وأظل أكرر على مسامع المسؤولين: “حسناً، لا بأس، اختاروا أحد الأشخاص لمثل هذه المنح التدريبية هذه السنة والتي تليها والتي تليها، أو ساعدوه على إيجاد موطئ قدم، ولكن تأكدوا أن ذلك الشخص لا يُشبهكم، أن يكون مختلفاً عنكم من حيث نوع الجنس، أن يكون بعيد الشبه بكم. اذهبوا إلى شركاتكم وقولوا إننا سنفتح المجال أمام المزيد من المنح التدريبية على مستويات مختلفة”. إذن، كيف نمهد السبيل أمام المرأة لاقتحام تلك المجالات؟ لأن المرأة حين تشرع في إعداد سيرتها الذاتية، فإن حصولها على فرص العمل التي تتاح أمامها بعد التخرج يُحدث فارقاً كبيراً، تماماً كما يحدث مع الرجل، فإذا كانت المرأة تحصل على دخل متدن، فعليها أن تحصل على دخل مرتفع. ولا يمكنها الحصول على منحة تدريبية غير مدفوعة الأجر، كما قد لا يتاح أمامها القدر نفسه من الوقت للحصول على تلك المنح، ولكن أتعلمين؟ بدأنا نرى بعض هذه البرامج، هناك أحد البرامج مثل هذه هنا في نيويورك ويُدعى “برنامج ويتني” (Whitney Program)، حيث يمكن للمرأة والفتيات اليافعات أن يحصلن على منحة تدريبية مدتها ثلاثة أسابيع في أثناء الإجازة، وبذلك، تحصل المرأة على منحة تدريبية مدفوعة الأجر هناك وتستطيع أن تجد لنفسها موطئ قدم. ربما في قطاعات صناعة الأدوية أو التكنولوجيا، هذه بداية رائعة. قدمي الرعاية إلى الأفراد وأتيحي أمامهم فرصة الحصول على وظيفة. لا تكتفي بالتوجيه أو الإرشاد، وإنما قدمي الرعاية إلى النساء والأشخاص الملوّنين.

بيرد: لم تتطرقي إلى تطبيق نظام الحصص، أتؤمنين بفاعلية مبدأ كهذا؟

غيتس: الحقيقة أنني ما زلت أبحث هذا الأمر، وإن كنت أعتقد في بعض الأحيان أن هناك دوراً لمبدأ الحصص، ولو بشكل مؤقت، لكنني لم أحسم قراري بشأنها بعد. ما زلت أدرس البحوث التي أجريت حول هذا الموضوع في جميع أنحاء العالم. وأعتقد أن هناك بعض الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى نتيجة حاسمة هنا. ولكن إذا لم نبدأ في إحداث الفارق اليوم في مثل هذه القطاعات، أو حتى في السياسات العامة، فإني أظن أنه علينا البدء في النظر إلى تفعيل نظام الحصص المؤقتة، فقط لكي نعطي دفعة للمرأة والأشخاص الملونين. فنسبة تمثيلهم في هذه القطاعات متدنية للغاية، والشيء الآخر الذي أود قوله هو أنه حتى وبعيداً عن الشركات، إذا كنت تمتلك رأسمال، فسوف يلجأ إليك البعض كمستثمر مؤسس، أو للحصول على قرض صغير، أو ربما ترغب أنت في أن تكون مستثمراً مغامراً (جريئاً). وتحصل الأعمال التي تقودها المرأة على نسبة أقل من 4% من تمويل رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء)، أقل من 4%. والمرأة التي تنتمي إلى أصول عرقية ملونة وتنشئ شركات تحصل على أقل من 1% من التمويل، ومع ذلك فإني أعرف العديد من النساء اللواتي يمتلكن أفكاراً مذهلة للأسواق والتكنولوجيا التي من شأنها أن تفتح أسواقاً جديدة وتقدم منتجات مبتكرة. إلا أنهن لا يحصلن على التمويل، ولكني بدأت في تحريك رأس المال نحو توفير التمويل لهن، لأننا علينا أن نتيح الفرصة أمام هذه الشركات للظهور والتطور، لأنها ستسهم في تقدم المجتمع.

بيرد: أود التطرق قليلاً إلى الحياة الشخصية، إذا لم يكن لديك مانع.

غيتس: لا بأس.

بيرد: لقد كنتِ مسؤولة تنفيذية تتمتع بسلطات واسعة في “مايكروسوفت” كما ذكرت في المقدمة، وأنتِ الآن قيادة نسائية لامعة. فكيف أثرت خبراتك في العمل على طريقة تفكيرك في كل هذه القضايا؟

غيتس: الأمر مثير للاهتمام، لأن المرء يقرأ عن الإحصائيات ذات الصلة بالتحيز، أو عن عدم وصول المرأة إلى مواقع معينة، ثم أعود بالذاكرة إلى خبراتي الحياتية، والخبرات الحياتية التي حظيت بها في ذلك الحين، بين قريناتي، وحتى عندما دخلت مجال العمل الخيري، وبالتأكيد مرَّت عليّ لحظات في حياتي المهنية –وتطرقت إلى هذه النقطة قليلاً في كتابي– حين كنت أعمل في “مايكروسوفت” وكانت الثقافة السائدة تشجع على التشاحن بشكل كبير. كنت في حاجة لأن أدافع عن نفسي، كان الأمر أشبه بنادي مناظرة خاص بالرجال، كنت في حاجة لأن أدافع عن وجهة نظري بضراوة في أي اجتماع أشارك فيه، وإنني أجيد بصراحة تامة القيام بهذا الأمر، أستطيع ممارسة تلك اللعبة التي يلعبها الرجال. لكن الأمر متعب. متعب بالفعل، وأحياناً تجدين نفسك تقولين: “ما الفائدة من كل هذا؟ أعني بجدية. في الحقيقة، كنت على وشك أن أترك العمل في “مايكروسوفت” بسبب هذه الأوضاع. كنت أحب ما كانت تقوم به الشركة، كنت أحب الأشخاص المتواجدين من حولي، وكنت أحب المنتجات التي نقدمها، ولكنني وعند مرحلة ما شعرت بأنني لم أعد أحب نفسي بذلك القدر. كأنني كنت قد سئمت ذلك الأسلوب الرجالي حتى إنني لم أعد أنا حقاً. لقد قدت فرقاً من قبل، حتى قبل أن أعمل لدى “مايكروسوفت”، قدت فرقاً من المبرمجين في الكلية، وعملت مع فرق في أثناء حصولي على ماجستير إدارة الأعمال، إلا إنني كنت على وشك أن أغادر، لأنني شعرت بأنني لست أنا، كنت لأذهب لشراء البقالة فأجد أنني أصبحت فظة مع الناس. وكنت أقول لنفسي هذه ليست أنا. وقلت، حسناً، لديّ عرض العمل ذلك الذي ينتظرني، ولكني سأحاول أن أكون على سجيتي، فسأفشل في “مايكروسوفت” على الأرجح ولن يعني الأمر الكثير، سأغادر فحسب، حسناً! وهكذا حاولت أن أكون على سجيتي، وقد استمتعت بالأمر كثيراً، هذا أولاً، ثانياً، استطعت جذب المبرمجين من كافة أرجاء الشركة للعمل معي، وكان الناس يقولون، كيف أقنعت ذلك المبرمج الرائع الذي كان يعمل في قسم آخر من الشركة أن يأتي للعمل معكِ في قسم المستهلكين؟ وكنت أقول، ربما هي الثقافة التي نحاول بناءها. من المؤكد أنني عشت في ظل ثقافات لم يكن من السهل دوماً فيها أن أكون على سجيتي، ولكنني تعلمت أنني كلما خضت في الأمر أكثر وكنت على سجيتي، كان ذلك بمثابة تصريح للآخرين حولي أن يكونوا على سجيتهم هم أيضاً. وأعلم، وكما توضح البحوث أيضاً، أننا حين نأتي إلى العمل بشخصياتنا الفعلية، فإننا نكون أكثر سعادة، لذا فقد كنت واعية ومنتبهة تماماً للثقافة التي كنا ننشئها في المؤسسة، وهذا لأننا نتوقع الحصول على بعض النتائج، فنحن نتمتع بالقدرة على التفكير العلمي، ولدينا الكثير من المناقشات الثقافية والجدالات، ولكن الثقافة السائدة هي ثقافة دعمٍ أكثر منها ثقافة تشاحن للدفاع عن وجهة نظرك ورأيك إلى أقصى درجة.

بيرد: ربما يكون هذا السؤال شخصياً إلى حدٍ ما، ولكنك تعملين جنباً إلى جنب مع زوجك، وهو عبقري شهير، وأعتقد أنه عنيد جداً، فكيف استطعتِ أن تفرضي حضوركِ في ظل تلك الظروف؟

غيتس: من قال لك إن زوجي عنيد؟ أمزح معكِ.

بيرد: اقرئي الكتاب، فقد قرأته أنا.

غيتس: أجل، إنه يتمتع بشخصية قوية، وأنا، كما تعلمين، حسناً، هذا مثير للاهتمام. فهذا أحد الأشياء التي أواجه فيها التحيزات أيضاً، فعندما دخلت هذه المؤسسة، واقتحمت ميدان العمل الخيري، كنت لأدخل مع زوجي غرفة لنقل بها رئيساً أو رئيس وزراء أو وزيراً للصحة، كان الأمر مثيراً حقاً، بدا هذا جلياً. فقد لاحظت أننا متى دخلنا، كان الحاضرون في الغرفة يلتفتون إلى زوجي، كما لو أنه كان سيتحدث وأنه هو من يمتلك الإجابات، وكان هذا يحدث كثيراً حتى إنه أصبح ملحوظاً للغاية، أعني في كل مكان في العالم. أي مكان نذهب إليه، أوروبا، الولايات المتحدة، أو دول العالم النامي، حتى بات الأمر مزحة بيني وبين بيل، لأنني لفتّ انتباهه إلى ذلك ولاحظ هو الأمر، فكان يقول: “أجل، ولماذا يظن الناس أنني لست متزوجاً من امرأة ذكية؟” وكنت أضحك، إلا إنني أوضحت أنه يجدر به أن يترك لي مساحتي، وبما أن الناس يلتفتون إليه أولاً، فيتحتم عليه أن يعرفهم بي، وإذا نسي، وهو ما حدث أكثر من مرة، خاصة في البداية، فكنت أظل أتحدث وأتحدث حتى ينتبه الناس، أوه أجل إنهم يلتفتون جميعاً. وأعتقد أننا الآن وصلنا إلى مرحلة أصبح الناس فيها يعلمون أنني لديّ وجهة نظري الخاصة بشأن الكثير والكثير من المواضيع، وأنا أتحدث عن مواضيع، بعضها يكون لديّ فيها وجهة نظر مختلفة ومعرفة أكثر مما يمتلكها بيل. والشيء الجيد هو أن بيل مستعد دوماً لخوض التحديات الكبيرة، وكذلك أنا، فأنا لا أستسلم بسهولة، ولكني أريد أن أقول إن اقتحام أي مجال جديد، إذا اختار المرء تغيير مساره الوظيفي، وهذا ما فعلته أنا، ينطوي على شقين: الأول أننا نلاحظ هذا في المؤسسة حين تخرج المرأة، أو الرجل، ولكن المرأة بصورة خاصة، حين تخرج في إجازة صحية أسرية مدفوعة الأجر، وحين تعود تكون ثقتها بنفسها أقل، لأنها تكون بعيدة عن العمل لمدة ستة أشهر، ونكون في حاجة لبذل المزيد من الجهد لدعمها. فقد كنت هكذا حين عدت للعمل بعد أن رزقت بأطفالي، حيث عاودت الانضمام إلى القوة العاملة. كان لديّ الكثير من الشكوك بالطبع، كنت في حاجة ماسة لطلب الكمال، وهكذا كان عليّ أن أنظر إلى هذه الأمور في نفسي وأدرك كيف أحيط نفسي بأشخاص يساعدونني على تخطي تلك الشكوك. ثم كان عليّ أن أنظر أيضاً –وهي ليست بالصورة الحسنة– إلى مصدر هذا الكمال، وأعمل على هذا الأمر حتى أتمكن من التخلص من شكوكي تجاهه، وأكون على سجيتي. وفي بعض الأحيان يعني هذا ارتكاب الأخطاء أمام الجمهور، أو في أثناء تقديم مدونة صوتية، أو في أحد الفيديوهات. يعني هذا في أحيان أخرى أن تتمني لو أنك كنتِ تمتلكين إحصائيات في جيبك الخلفي، ولكنك نسيتها في ذلك اليوم بالتحديد، ولكن أتعلمين؟ لا بأس، فأنا أبذل قصارى جهدي.

بيرد: أجل، إحدى القصص التي أبهرتني فيما يتعلق بإدارتك وقيادتك للمؤسسة، كانت تشجيعك للمساواة بين الجنسين، لأنك كنتِ لتدخلي المجال، وتقولين، هذا ما أؤمن به الآن أيها الرفاق، وسنفعل هذا، ولكنكِ لم تفعلي هذا مطلقاً، لذا أود أن تخبري جمهورنا بكيفية تعاملك مع هذا الأمر، ولماذا.

غيتس: حسناً، نحن مؤسسة من طراز خاص، فقد بدأنا بالعلم، وبهذا المُعتقد، أن كلاً من الرجال والنساء يتمتعون بالقدرة على الابتكار. وكان عليّ أن أسهم في توجيه الدفة، فقد كنا في الأصل مؤسسة بحثية أكثر من أي شيء آخر. كنا ننجز تلك الأعمال العلمية الرائعة من وجهة نظرنا فيما يتعلق بالعديد من الأمراض. ولكنني سرعان ما لاحظت من خلال أسفاري أن المرء يمكن أن يتمتع بأفضل العلوم، ولكن إذا لم يقبل الرجل أو المرأة وضع قطرات من لقاح مرض شلل الأطفال في فم طفلهم، أو لم يقبلوا بأن أخذ اللقاح أو النوم على ذلك السرير المخصص لمرضى الملاريا، فلن تغير أي شيء على الرغم من وجود كل تلك العلوم، لذا كان عليّ أن أسهم في توجيه سفينة المؤسسة من الوجهة العلمية والبحثية إلى التطبيق. وتعلمت بخبرتي المهنية أن بعض الأشخاص لا يتغيرون بسهولة. وفي بعض الأحيان يتحتم عليك توظيف أشخاص جدد، يتحتم عليكِ أن تشجعيهم، عليكِ أن تعلمي أن هناك بعض العلماء الذين يحبون أحياناً أن يعملوا بمعزل عن الآخرين، فكيف يعملون مع الفرق. كان لديّ الكثير من الخبرة في أساليب إدارة فرق العمل في كلية إدارة الأعمال، وفي البرمجة قبل التخرج. والكثير من الخبرة في العمل مع الفرق في “مايكروسوفت”، لذا وبتغيير السفينة ومساعدة المؤسسة على معرفة أننا نهتم بالجانب العلمي والجانب التطبيقي، وفيما يتعلق بالتعامل مع الجنسين، أيقنت أنني لن ألقى قبولاً طبيعياً في المؤسسة. وبوصفنا من المهتمين بالتقنيات التكنولوجية، وأحب أن أطلق علينا مهووسي البيانات، فإننا نحب امتلاك بيانات، ولكن كان عليّ أن أبحث عن البيانات لمحاولة تقديمها إلى المؤسسة وتبين أنه ليس هناك بيانات. فهناك شح في البيانات المتعلقة بالمرأة حول العالم، حسناً، أتعلمين لماذا؟ لأن الأشخاص الذين يتخذون القرارات حيال البيانات وما نجمعه منها –وهم خبراء الاقتصاد– كان معظمهم من الرجال، لذا أدركت أنني لكي أغير عقلية المؤسسة، فلن أفعل ذلك وحدي، كان بإمكاني أن أصدر الأوامر من موقعي الرفيع، ولكنك إذا كنتِ تريدين تغيير الجميع حقاً وتوجيه السفينة بحيث يكون جميع الركاب مؤمنين بوجهتك، فعليكِ فعل ذلك بطريقة تشجعهم على التعاون. وهكذا نشرت مقالاً في مجلة “ساينس ماغازين” (Science Magazine) حول ما تعلمته وما عرفته، وكان ذلك بمثابة إشارة خارجية في الواقع، إلا إنه كان إشارة داخلية أيضاً لأظهر للمؤسسة وجهتنا الحقيقية، ثم بدأت في جمع البيانات، وتقديمها إلى المؤسسة، وعلمت أنني قد حصلت على تأييدها حين أتاني أحد –ماذا أقول؟- العلماء الذين يصرون على عدم التغيير وقال…

بيرد: أتمنى أنه لا يستمع لنا الآن.

غيتس: بل أتمنى أنه يستمع، فهو صديق جيد، اتفقنا؟ ولكنه كان يصر على عدم التغيير بكل تأكيد. فأتاني وقال: “تعلمين يا مليندا، لم أفهم الأمر، لم أفهم. بدأت التحدث عن قضايا الجنسين هذه قبل أربع سنوات، وكنت أسايرك نوعاً ما لأنني من المفترض أن أفعل ذلك، لأنك الرئيس المشارك، ولكن أتدرين، ما زلت أؤدي أعمالي العلمية هنا”. ثم أردف: “وقد تخرجت ابنتاي كلتاهما في الجامعة، والآن أتفهم الأمر. أتفهم الأمر تماماً. إنهما لا تلتحقان بمجال العمل الذي تريدانه، وقد حرصت أنا وزوجتي على ادخار المال لهما. لقد علمناهما جيداً في الولايات المتحدة، وإحداهما تعمل في مجال العلوم، والأمور في غاية الصعوبة بالنسبة لها”. واستطرد: “إنني أكبر مشجعيك الآن، ليس فقط من أجل العالم النامي، ولكن أيضاً من أجل الولايات المتحدة، وهنا علمت أن المؤسسة كلها كانت معي”.

بيرد: رائع. شكراً جزيلاً لكِ، مليندا، على انضمامك إلينا اليوم.

غيتس: شكراً لكِ على استضافتي.

بيرد: كانت معكم مليندا غيتس، الرئيس المشارك لمؤسسة “بيل آند مليندا غيتس فونديشن” (Bill & Melinda Gates Foundation)، ومؤسّسة شركة “بيفوتال فينشرز” (Pivotal Ventures)، ومؤلفة كتاب “حان وقت النهوض” (Moment of Lift). لقراءة مقالها المنشور بمجلة هارفارد بزنس ريفيو في باب “برنامج أفكار كبيرة” (Big Idea Program)، و”المرأة” (Women)، و”القوة والتأثير” (Power and Influence)، فيرجى التفضل بزيارة موقع HBR.org/genderequality. هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي، وحصلنا على الدعم الإنتاجي من روب إيكارت. ومدير الإنتاج السمعي آدم باكولتز. ونود أيضاً أن نشكر رعاتنا شركة “تارغت سي دبليو” (TargetCW) وقاعة “نويوهاوس” (NueuHouse) لاستضافة هذه الفعالية. والشكر موصول لهذا الجمهور الرائع. شكراً لحسن استماعكم إلى برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم أليسون بيرد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .