كيف تسهّل شركات التكنولوجيا المالية حياة الناس؟ ‎‏

4 دقائق

كثر الكلام حول وجود سلالة جديدة من شركات التكنولوجيا المالية (أو شركات الفينتك) تزعزع البنوك في العالم المتقدم، حيث تقوم الشركات الناشئة بمهاجمة جميع مكونات القيمة المقترحة التقليدية للمصارف (مثل: الحسابات، وإدارة المحافظ، والرهون العقارية، وقروض السيارات، والمدفوعات من شخص إلى آخر). وشهدت السنوات الخمس الماضية تدفقاً في رأس المال والمواهب نحو الشركات الناشئة، إذ نمت الاستثمارات فيها بنحو ثمانية أضعاف منذ العام 2011. لكن بينما كانت منتجات هذه الشركات المبتكرة نعمة للمستهلكين في الاقتصادات الناضجة، ظل ما تقدمه من مزايا الكفاءة والأمن بعيداً عن متناول 2 مليار مستهلك في العالم النامي، الذين يفتقرون كلياً للخدمات المصرفية الرسمية.

ومع ذلك، هناك إشارات إلى أنّ هذا الوضع آخذ بالتغيّر. إذ أنه مع الزيادة الهائلة في عدد الأشخاص الذين يملكون هواتف محمولة في العالم النامي، يحاول الفاعلون الجدد في مجال الفينتك زعزعة النظام المالي القائم في هذه الأسواق: مقرضو المال وخدمات التحويلات غير الرسمية التي لطالما كانت الخيار الوحيد للكثير من السكان.

تحاول مبادرتنا، مختبر الخدمات المالية الرقمية (the Digital Financial Services Lab)، أن تلعب دور المحفز لهذا التحول. لهذا، تعمل المؤسسة مع أصحاب المشاريع على إيجاد حلول مبتكرة للعالم النامي تحقيقاً لهذه الغاية. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ عدداً من الشركات الوارد ذكرها في هذه المقالة، يمكن اعتبارها من ضمن الشركات التي يتعامل معها مختبر الخدمات المالية الرقمية.

لكي تنجح هذه الشركات الناشئة في هذه الأسواق، يتوجب عليها التغلب على ثلاثة تحديات هي: الافتقار للبنية التحتية السحابية، والمستخدمون "الأقل رقمية" من مستخدمي العالم الغني، والمستخدمون الذين يعيشون حياة اقتصادية فوضوية الموجودين في القطاع غير الرسمي.

الافتقار للبنية التحتية والخدمات السحابية الفعالة

يشكل افتقار العديد من البلدان النامية إلى البنى التحتية، التي تتمتع بها الاقتصادات المتقدمة فرصة وتحدياً في آن معاً. وحث هذا بعض شركات التقنية المالية إلى التدخل ومحاولة سد الفجوة من خلال خلق "تقنية تنظيمية" (regtech) وتقديم "البنية التحتية باعتبارها خدمة" (IaaS).

تُعد شركات تروليو (Trulioo) إحدى الشركات التي تقوم بذلك، والتي تجعل الوصول ممكناً إلى قواعد بيانات الهوية الحكومية للأفراد في جميع أنحاء العالم، من خلال واجهة واحدة مبسطة على الإنترنت. إضافة إلى شركة فلترويف (Flutterwave)، والتي تخلق واجهات للسداد وللخدمات المصرفية لدعم معروضات الفينتك في نيجيريا.

المستخدمون الذين ليس لديهم بصمة رقمية

يملك بعض الناس في العالم النامي مجموعة غنية ومعقدة من السلوكيات على الإنترنت، إلا أنّ هناك آخرين من الذين لا يملكون طريقة  للوصول إلى العالم الرقمي إلا عبر هواتف مزودة ببيانات اتصالات محدودة أو عبر مقاهي الإنترنت، بالإضافة إلى كثيرين لا يستخدمون المنتجات الرقمية على الإطلاق. تعني البصمة الرقمية المحدودة (أو غير الموجودة) لهؤلاء أنّ الخوارزميات المتطورة التي تستخدمها بعض شركات الفينتك لتوليد تقييمات للمخاطر أو عروض مخصصة في العالم المتقدم غير ذات فائدة في هذه الأسواق.

للنجاح في هذه البيئة، يعمل اللاعبون المحليون على تطوير نماذج تصل إلى المستخدمين وتخلق مصادر جديدة من البيانات، وذلك غالباً عن طريق تزويد المستخدمين بأدوات تشجعهم على توسيع حياتهم الرقمية.

على سبيل المثال، تبني مؤسسة سيرفد (SERV'D) الهندية تطبيقاً يساعد الأسر والعمال غير الرسميين الموظفين لديها (مثلاً، المربيات والسائقين والطهاة وخدمات التوصيل) على إنشاء عقود عمل رسمية بسيطة والدفع لهم عبر الإنترنت. وتحسب البيانات التي يتم توليدها كمنتج ثانوي، الأجور والمدفوعات الأخرى لأكثر من 400 مليون عامل غير رسمي في الهند، الذين لم يكن لديهم في السابق أي وسيلة لإثبات دخلهم عند الحاجة للحصول على القروض والمزايا الأخرى.

هناك إمكانية أخرى تأتي من البيانات التي تجمعها أوبر (Uber) وغيرها من شركات مشاركة الركوب (السيارات) من مداخيل السائقين لديهم. تستفيد كريديتفيكس (CreditFix) أيضاً من هذا النوع من البيانات لإقراض السائقين الباكستانيين والسماح لهم بامتلاك سيارة أجرة أو عربة "ريك شاو" خاصة بهم، والدخول في الأعمال بأنفسهم بدلاً من العمل كموظفين. كذلك لدى بنك سيديان (Sidian Bank) في کینیا برنامج مماثل.

لا يزال هناك مثال آخر لإمكانيات البيانات. إذ صنعت شركة كاولار (Cowlar)،الباكستانية جهازاً ترتديه الأبقار. يجمع الجهاز بيانات عن حرارتها وتنقلها وموقعها ونشاطاتها ويترجمها إلى معلومات ذكية آنية تقدم للمزارعين لمساعدتهم على إدارة الماشية بشكل أفضل. وتنظر الآن كاولار في إمكانية ترجمة بيانات "إنترنت الأبقار" هذه إلى منتجات مالية، عبر منح خصم على التأمين للأبقار التي تُدار جيداً أو استخدام بيانات عن كمية الحليب المنتجة لتسويغ القروض.

المستهلكون الذين يعيشون حياة فوضوية معتمدة على المال النقدي

لا يتمتع سوى عدد قليل من المستهلكين في البلدان النامية برفاهية الحصول على رواتب منتظمة. وهم يعيشون في كثير من الأحيان على ما يتوفر لهم من مدفوعات، والتي تأتي من بيع المنتجات الزراعية في شهر، ثم من عمل مؤقت في قطف الشاي الشهر التالي.

كما أنهم يكافحون للتعامل مع نفقات لا يمكن التنبؤ بها، بما في ذلك حالات الطوارئ الطبية وأعطال الدراجات النارية ومطالبات الأصدقاء الذين يحتاجون للمساعدة. ونتيجة لذلك، تُعد حياتهم المالية على درجة عالية من التعقيد أكثر بكثير من حياة المستهلكين في العالم المتقدم. في هذه الحالات لا تنفع غالباً أقساط التأمين القياسية الجامدة أو عقود سداد القرض، لأنها تُنتج عدم قدرة على السداد وتخلفاً عن الدفع.

لكن بعض الشركات تخلق عروضاً ذكية لمساعدة الناس في الأوقات العصيبة. ومن الشركات المتقدمة التي تُقدم ذلك، شركة أوبر إكستشانج (Xchange) التي تسمح للسائقين المشاركة في برامج التأجير قصيرة الأجل (بضعة أشهر فقط)، والتي لا تتطلب سوى دفعة مسبقة قليلة جداً. وتقول الشركة في إحدى تدويناتها "التمويل المرن أساس العوائد المرنة". ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، شركة مالاكو (Malako)، وهي شركة ناشئة في مراحلها الأولى في أوغندا، تعكف على تجريب خطوط ائتمان مرنة، تُدار بسهولة من الهواتف المحمولة، ويمكن للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض تسديد المستحقات الخاصة بالشركة، عندما يكون لديهم المال، وهو الأمر الذي يسمح لهم بدفع الحد الأدنى فقط في حال عدم تمكنهم من الدفع (مثل بطاقة الائتمان).

تثبت شركات الفينتك أنّ بإمكانها خلق حلول بديلة عن البنية التحتية للبلدان النامية. ويمكنها تطوير منتجات مرنة مصممة خصيصاً لحياة الناس في تلك الأسواق. كما يمكنها التوصل إلى طرق لتوليد تدفقات من البيانات تسلط مزيداً من الضوء على الحياة المالية لعميل محتمل. بالإضافة للعب دور هام في جلب 2 مليار مستهلك إلى العالم الرقمي وتحسين حياتهم واقتصادات بلدانهم معاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي