إليكم هذه القصة عن مفهوم الصوامع المنعزلة في مجال الرعاية الصحية. كانت إحدى المريضات، وسنطلق عليها اسم "جميلة"، تخضع لغسيل الكلى لمدة خمس سنوات، وتقوم برحلة مختلفة ثلاث مرات أسبوعياً إلى عيادة تجلس فيها لساعات، تُربط فيها بآلة تُصفي السموم من دمها. جميلة تبلغ من العمر 65 عاماً، وتعاني من مرض الفشل الكلوي بمرحلته النهائية، وهو عبارة عن فشل تدريجي في أداء وظائف الكلى لديها. كما تعاني أيضاً من ضغط دم منخفض يزيد من تعقيد المرض، ويمتص كمية كبيرة من الأملاح، ما يؤدي إلى زيادة وزنها بين فترات العلاج. في أحوال كثيرة، تستيقظ جميلة مع صعوبة في التنفس، وينتهي الأمر بإدخالها إلى قسم الطوارئ. لا تمتلك وحدة الطوارئ ووحدة غسيل الكلى سجلاً صحياً إلكترونياً مشتركاً، وبمجرد استيفاء المريضة للعلاج لا يجري أي تواصل يذكر بين الوحدتين حول رعايتها. ولا يوجد تواصل بين وحدة غسيل الكلى وطبيب الرعاية الأولية الخاص بها. وعندما تُدخل إلى المستشفى، يجري تغيير أدويتها أحياناً، ولكن المعلومات المهمة لا تعود في أغلب الأحيان إلى العدد الكبير من المورّدين لها. تتمنى جميلة أن تحظى بزراعة كلى، ولكنها لا تعلم من أين تبدأ، ويتعين عليها أن تخضع لتقييم للتحقق فيما إذا كانت مؤهلة لذلك.
يعود هذا النوع من الرعاية المعزولة وغير المنتظمة لمرضى الفشل الكلوي بعواقب وخيمة على جميلة وآلاف المرضى مثلها. على المستوى الوطني في الولايات المتحدة، يكلّف الفشل الكلوي كلاً من المرضى وأسرهم ومقدمي الرعاية والمجتمع كثيراً. عمليات زراعة الكلى محدودة جداً، ويعتبر غسيل الكلى العلاج الوحيد المُجدي بالنسبة للغالبية العظمى من الأشخاص المصابين بمرض الفشل الكلوي والبالغ عددهم 750,000 شخص. تعد معدلات الإدخال إلى المستشفى، وخطر تطور مشاكل صحية ذات علاقة، فضلاً عن خطر الموت، مرتفعة بين أوساط الأشخاص الذين يقومون بغسيل الكلى. وأخيراً، في الوقت الذي يشكل فيه المصابون بمرض الفشل الكلوي أقل من 1% من الفئات المستفيدة من برنامج "ميديكير" (Medicare)، فإنّ العناية بهم تكلف أكثر من 7% من ميزانية البرنامج، أي نحو 50 مليار دولار سنوياً.
تُعتبر الرعاية المجزأة جزءاً مهماً من السبب في ارتفاع التكاليف ومعدلات الانتفاع، ووجود مخرجات رديئة غالباً فيما يتعلق بمرض الفشل الكلوي بمرحلته النهائية. يتلقى المرضى الرعاية من خلال مورّدين متفرقين في مواقع مختلفة لا يحدث بينهم تواصل في أغلب الأحيان. ومن هؤلاء المورّدين: وحدات غسيل الكلى في العيادات الخارجية، وممارسات الرعاية الطبية، والعيادات المتخصصة، والمستشفيات، وغيرها. لا يمكن تفادي الفجوات الموجودة في الرعاية، وغالباً ما يتم تضييع فرص التدخل قبل وقوع المشاكل.
الرعاية الصحية المتخصصة
وبناءً عليه، أطلقنا، عام 2016 برنامج منظم لمرضى الفشل الكلوي داخل مؤسسة "بارتنرز هيلث كير" (Partners Healthcare)، التي تعمل في مستشفى "بريغام آند ويمنز" (Brigham and Women’s Hospital) في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأميركية، ويعتبر هذا البرنامج أحد أول البرامج التي تُدخل مبادئ تنسيق الرعاية التي يتزايد انتشارها في مجال الرعاية الأولية إلى الرعاية المتخصصة بأمراض معينة. وبينما أطلقت برامج أخرى، مثل مشاريع توضيحية لمرض الفشل الكلوي باستخدام أنظمة إدارة المحتوى، نماذج لتنسيق الرعاية مع مؤسسات كبيرة مختصة بهذا المرض، إلا أنّ برنامجنا هو الوحيد من بين البرامج التي نعرفها جميعاً، هو الذي ينسق جهود الرعاية لدى جميع الأطراف المعنية (وحدات غسيل الكلى، والمستشفيات، ومقدمي الرعاية الأولية، وغيرهم) بدلاً من التركيز على الرعاية داخل وحدة غسيل الكلى نفسها. وعلاوة على ذلك، فإنه - خلافاً لغيره - يتجاوز الرعاية القائمة على غسيل الكلى، فييسر تقييمات زراعة الكلى والرعاية المخففة للآلام، عند الحاجة.
في بداية البرنامج، تواصلتْ منسقة الرعاية التمريضية (المؤلفة المشاركة في المقالة ديان غودوين) مع مرضى الفشل الكلوي في مستشفى "بريغام آند ويمنز" بشكل أسبوعي في أربع وحدات لغسيل الكلى، لتحديد من يواجهون خطر تدهور الحالة الصحية والانتفاع المتزايد (الزيارات إلى قسم الطوارئ وعمليات الإدخال إلى المستشفى) وتنفيذ استراتيجيات لتقليل الانتفاع وتحسين النتائج السريرية. وتضمن التواصل معهم عبر زيارات شخصية لتقديم تعليم حول الرعاية بالذات وتوجيهات فيما يتعلق بتجنب قسم الطوارئ، وتقييمات العلاج، ومراقبة المعالجة بغسيل الكلى، ومتابعة التطعيمات، وضمان الوصول إلى الأوعية الدموية بلا مشاكل، والعمل مع وحدة غسيل الكلى والممرضين الزائرين وأطباء الرعاية الأولية والمختصين وغيرهم لتنسيق الرعاية وضمان توفر المعلومات نفسها لدى جميع الأطراف المعنية فيما يتعلق بالتاريخ المرضي وحالة المريض. (لدينا اليوم ثلاثة ممرضين يقومون بهذا الدور الذي ينطوي على تنسيق الرعاية).
وبالنسبة للمرضى الذين أدخِلوا إلى المستشفى، يُجري أحد الممرضين أو الممرضات التابعين للبرنامج تقييم ما بعد استيفاء العلاج، والذي يتضمن توثيق جميع الأدوية التي يستخدمها المريض، والجرعة، وتواتر استخدامها، وطريقة تعاطيها، وإيصال هذه المعلومات وغيرها من المعلومات الأساسية لطبيب الرعاية الأولية ووحدة غسيل الكلى والأطراف الأخرى المعنية بالمريض. وعندما يذهب المرضى بالفعل إلى قسم الطوارئ، يتواصل الممرض أو الممرضة مع قسم الطوارئ لمشاركة المعلومات، والمساعدة في توجيه عملية الرعاية، وضمان إجراء متابعة مناسبة. وأخيراً، يتصل الممرضون مباشرة بمنسقي زراعة الكلى، لتيسير عمليات التقييم، وضمان وضع المرضى المؤهلين على قوائم الانتظار لزراعة الكلية.
لقد تعامل البرنامج حتى اليوم مع 100 مريض ومريضة، ويُنسق الرعاية حالياً لـ 54 شخصاً. وبعد مرور ثلاث سنوات نجد أنّ النتائج مشجعة. فمن بين هؤلاء المرضى الذين يواجهون مخاطر عالية (الذين لم يحصلوا من بين مؤشرات أخرى على العلاجات أو عمليات نقل الدم المطلوبة أو استخدموا قسم الطوارئ بشكل اعتيادي لمسائل غير عاجلة) لاحظنا زيارات أو عمليات إدخال إلى المستشفى في أوساط المرضى أقل بـ 5 مرات في المتوسط لكل مريض في كل عام، مقارنة بما كان عليه الحال في الوضع الطبيعي قبل تدخّلنا. وقد أحيل نحو خمس المرضى في برنامجنا إلى الرعاية المخففة للآلام، وحصل الكثيرون ممن لم يحصلوا على زراعة كلى على هذه الرعاية نتيجة للجهود المبذولة في إدراجهم في البرنامج.
استطعنا توفير ضعفي المبلغ اللازم لتشغيل البرنامج من خلال تقليص الانتفاع من الرعاية الصحية وتيسير عملية زراعة الكلى. في شريحة بيانات واحدة، حسبنا وفورات بقيمة 428,000 دولار من 74 زيارة، و34 عملية إدخال جرى تفاديها، ووفورات بأكثر من مليون دولار تُعزى إلى عمليات زراعة الكلى الميسّرة. كانت ملاحظات المرضى والمورّدين إيجابية للغاية. وفي رسالة، وصلتنا عبر البريد الإلكتروني، أشاد أحد أطباء الكلى بالبرنامج، ووصفه بأنه "إضافة رائعة إلى الرعاية بمرضى الفشل الكلوي"، وأشار إلى "تحسن التواصل، وتحسن تكامل الرعاية بين المورّدين، [و] تفادي عمليات الإدخال إلى المستشفى".
من الآن فصاعداً، سوف نقيّم أثر البرنامج على التكاليف والانتفاع فيما يتعلق بمجموعة ضبط مطابقة، وسنوسّع هذا العمل إلى المزيد من المستشفيات التي تعمل فيها مؤسسة "بارتنرز" ووحدات غسيل الكلى في العيادات الخارجية. في نهاية المطاف، بينما نخلق أثراً إيجابياً للبرنامج، وقدرة على تطبيقه على أقسام أخرى داخل مؤسسة بارتنرز، نأمل أن ننشره في مؤسسات أخرى من أجل تقويض مفهوم الصوامع المنعزلة في مجال الرعاية الصحية. وهدفنا هو مستقبل تقوّض فيه الصوامع في تقديم الرعاية للمصابين بمرض الفشل الكلوي، ويتشارك فيه المرضى والمورّدون والمجتمع الفوائد التي تتحقق من ذلك.
اقرأ أيضاً: