لماذا يفلت الموظفون من العقاب على سوء سلوكهم في العمل؟

4 دقائق
shutterstock.com/UVgreen

ثمة عواقب وخيمة قد تترتب على سوء السلوك في العمل، إذ يُفيد الموظفون الذين يتعرضون لسلوكيات وقحة في مكان العمل، مثلاً، عن انخفاض إحساسهم بالاندماج الوظيفي، وزيادة معاناتهم من المتاعب الذهنية والجسدية وارتفاع احتمالات شعورهم بالاحتراق الوظيفي والاستقالة. كلنا تقريباً نتأثر بالوقاحة وغيرها من أشكال سوء السلوك في مكان العمل، مثل المقاطعة والإقصاء، إذ تشير التقديرات إلى أن 98% من الموظفين يقفون موقف المجني عليه طوال العام.

ونظراً لانتشار سوء السلوك، وما له من آثار هدامة، فمن المؤكد أن القادة يتعاملون مع الحالات المبلغ عنها بجدية، ويتحرون الحقيقة، ويعاقبون المعتدين، أليس كذلك؟ لاحظ بعض الباحثين أن القادة المتمرسين لا يهرولون إلى تقريع الطرف المُبلِّغ عندما ترد إليهم معلومات عن سوء السلوك. لكن، وللأسف، ترسم بحوثنا صورة أكثر قتامة.

ومن هنا شرعنا في دراسة نظرة أصحاب السلطة إلى ضحايا سوء السلوك في مكان العمل، ومرتكبيه. فدرسنا أولاً مؤسسة تدير سلسلة المطاعم. أعطينا كل موظف قائمة بأسماء جميع الموظفين الآخرين الذين يعملون في سلسلة المطاعم، وطلبنا منه تحديد زملائه الذين عاملهم بوقاحة وزملائه الذين عاملوه معاملة وقحة. ثم طلبنا من المدراء تقييم سلوك كل موظف. شملت الدراسة خمسة مطاعم، بمشاركة 149 موظفاً من أصل 169 موظفاً (بنسبة 88%) و13 مديراً من أصل 14 مديراً (بنسبة 93%). لوحظ أن الموظفين الذين أفادوا أنهم ضحايا الوقاحة كان مدراؤهم غالباً ما يعتبرونهم من مرتكبي السلوكيات الوقحة. أما الموظفون الذين أفادوا أنهم يعاملون الآخرين بوقاحة، فلم يكن مدراؤهم يرونهم معتدين في حالتين: إما لأنهم على علاقة وثيقة برؤسائهم، أو لأنهم من أصحاب الأداء المتميز.

ولتحديد ما إذا كانت نتائج بحوثنا تسري خارج مؤسستهم، طلبنا مساعدة طلابنا الجامعيين. طلبنا منهم إدراج بعض البالغين العاملين من بين أصدقائهم وعائلاتهم حتى نستطيع استطلاع آراء موظفين ومدراء ينتمون إلى طيف متنوع من القطاعات والمؤسسات والوظائف. تحدَّث الموظفون في استبانة إلكترونية عن عدد المرات التي شهدوا فيها سلوكاً وقحاً في العمل أو مارسوه، مع ذكر أسماء مدرائهم وعناوين بريدهم الإلكتروني، الذين قيّموا بدورهم سلوك الموظف في استبانة إلكترونية منفصلة. قمنا بإخفاء هوية 372 زوجاً من القادة ومرؤوسيهم ومتابعتهم في مجموعة من المهن مثل الموظفين المكتبيين والميكانيكيين وأطباء الأسنان والسباكين والممرضات والكثير من المهن الأخرى. ووجدنا النتائج نفسها. يبدو أن القادة في جميع بيئات العمل يقعون فريسة للتحيز عند تقييم سلوك موظفيهم.

كشفت هاتان الدراستان عن نتائج مهمة، ولكن شابت كل منها نقطة ضعف كبيرة: ربما يعامل الموظفون الذين يتعرضون للمعاملة الوقحة زملاءهم بوقاحة أيضاً، كما أثبتت بحوثنا السابقة، لذلك، ربما قيّم الرؤساء الذين يقرِّعون الضحايا هؤلاء الموظفين بشكل دقيق. وهذا يعني أن هؤلاء الضحايا ربما هم جناة أيضاً. وإذا كان الأمر كذلك، فربما تكون تقييمات القادة غير متحيزة على الإطلاق.

ومن أجل استبعاد هذه الاحتمالية، أجرينا تجربتين للفصل بين تعرض الموظفين للمعاملة الوقحة وسلوكياتهم التي تنم عن الوقاحة. عبر الاستعانة بمتخصصين في المجال، من دورات الماجستير في إدارة الأعمال، ومن المواقع الإلكترونية مثل "لينكد إن" (LinkedIn). طلبنا من المشاركين تخيل أنهم ترقوا إلى منصب إداري، وطلب منهم رئيسهم في العمل تقييم مرؤوسيهم بعد مراقبتهم في أثناء أداء مهام وظائفهم خلال الأسابيع السابقة. ثم عرضنا على المشاركين 10 ملفات لموظفين وهميين، وطلبنا منهم إجراء تقييماتهم بعناية. كان بعض الموظفين المطلوب تقييمهم قد تعرضوا لمعاملة وقحة وأبدوا سلوكيات وقحة أيضاً. كان أحد الملفات على غرار ما يلي:

يعمل حازم في المؤسسة منذ عامين تقريباً، ويمتلك خبرة عملية تمتد لأكثر من 5 سنوات. ويبدو أن أداء حازم دون المستوى: ففي بعض الأحيان يتأخر في الحضور إلى العمل، فضلاً عن عدم إلمامه بمتطلبات وظيفته. يستخدم حازم السخرية التي تسيئ إلى الآخرين، ويُحدق في زملائه بطريقة مستهجنة، ويتعامل معهم بأسلوب حاد وفظ. في بعض الأحيان يتجنب زملاء حازم استشارته في أمور كان يفترض بهم استشارته فيها، ويلقون النكات المسيئة بحقه ويعاملونه كشخص عديم الأهمية.

ثمة موظفون آخرون تعرضوا لمعاملة سيئة، ولكنهم لم يردوا الإساءة بالمثل مطلقاً، مثل الحالة التالية:

التحق سالم بالعمل في الشركة منذ عامين تقريباً، ويمتلك خبرة عملية تصل إلى 6 سنوات. يبدو أن سالم موظف ممتاز، فهو لا يتأخر أبداً، ويبلى جيداً في عمله، وملم بالمهام الأساسية لوظيفته. لم يسبق لأحد أن لاحظ صدور تعليقات غير لائقة من سالم بشأن زملائه، ويبدو للمراقب أنه يعامِل الآخرين بطريقة لا يعوزها التهذيب والكياسة. رغم ذلك يقاطعه زملاؤه عمداً في بعض الأحيان، وتم اكتشاف أن أحدهم قرأ رسائل بريده الإلكتروني الشخصي، وغالباً ما يرميه الآخرون بنظرات تنم عن ضيقهم به.

أدرجنا أيضاً بعض الملفات التي لم يتعرض فيها الموظفون لسوء المعاملة.

يمتلك هاني خبرة عملية تصل إلى 6 سنوات، وانضم إلى الشركة منذ عامين تقريباً. يبدو أن هاني يُقدم أداءً استثنائياً، فهو يصل إلى العمل في موعده، ويجتهد في عمله، وملم بمهام وظيفته. يخاطب هاني الآخرين بأسلوب احترافي طوال الوقت، ولا تصدر عنه نظرات عدائية، ولا يحدق إلى الآخرين، ولا يسخر منهم. يعامل الزملاء هاني بطريقة تتصف بالتهذيب والوقار والاحترام.

بعد معالجة الأرقام اكتشفنا أن المشاركين ينظرون إلى الضحايا باعتبارهم متورطين في سلوكيات مسيئة. عندما قدمنا للمشاركين معلومات واضحة تفيد أن بعض الموظفين لم يتصرفوا بطريقة وقحة (مثل سالم)، استطعنا إثبات أن الضحايا يتلقون اللوم بسبب سوء معاملتهم حتى لو لم يرتكبوا خطأً.

الأمر يزداد سوءاً: فقد أردنا أيضاً أن نرى ما إذا كان تحيز القادة ضد الضحايا يمتد إلى تقييمهم أداءهم الوظيفي، حتى بعد أن قدمنا لهم معلومات ملموسة حول ما إذا كان الموظف من أصحاب الأداء المتميز (مثل سالم) أم المتدني (مثل حازم). أجل، هذا ما يحدث بالفعل، إذ كان يُنظَر إلى ضحايا الوقاحة بوصفهم من أصحاب أسوأ مستويات الأداء مقارنة بغيرهم من الموظفين الذين لم يتعرضوا لسوء المعاملة، بغض النظر عن المستوى الفعلي لأداء الموظفين. وبما أن تقييم الأداء غالباً ما يؤثر بشكل كبير على القرارات ذات الصلة بالأجور والترقيات، فإن نتائجنا تشير إلى أن ضحايا سوء المعاملة في مكان العمل قد يتأثرون سلباً في العديد من الجوانب الأخرى، مما يزيد من وقع الإهانة والأضرار التي تلحق بهم.

إذاً، كيف يتخلص القادة من التحيز عند تقييم الموظفين؟ ننصح القادة بتلقي تدريب على غرار التدريبات التي يتلقاها القضاة والمحكّمون لتعلم التفرقة بين المعلومات ذات الصلة والمعلومات عديمة الصلة بموضوع القضية. قد يؤدي التركيز على السلوكيات وثيقة الصلة بالعمل، سواءً خلال المقابلات الشخصية أو تقييم الأداء، إلى تقليل النزعة الذاتية وتعزيز دقة القرار. ولكن يمكِن أن تؤثر العوامل السياقية والشخصية غير ذات الصلة على النتيجة، حتى بين صناع القرار من القضاة المتمرسين، لذلك يجب أن يؤدي التدريب إلى زيادة وعي القادة حيال العوامل التي قد تؤثر على قراراتهم. ويجدر بالمؤسسات أن تتبع حذو المركز القضائي الفيدرالي الذي يدير برنامجاً، في إطار ما يعرف باسم كلية القضاة الصغار، والذي يضطلع بما يلي: تدريب المرشحين الجدد لتولي مناصب قضائية لكي يصبحوا أكثر وعياً بتحيزاتهم، وألا يسمحوا لها بالتأثير على قراراتهم.

ونظراً للدور المحوري الذي يضطلع به القادة، كصناع للقرار في مكان العمل، فمن المهم أن يتوخوا العدل والدقة عند تقييم سلوكيات الموظفين. وما يثير الفزع هو أن دراستنا كشفت ميل المدراء إلى إلقاء اللوم على الموظفين عند تعرضهم لسوء المعاملة. وبالنسبة للقادة المسؤولين عن تقييم الآخرين في العمل، نرجو أن تذكرهم بحوثنا أن يكونوا أكثر حكمة وقدرة على التمييز.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي