ما هي العراقيل الخمس للرعاية الصحية المنزلية وكيف يمكن التغلب عليها؟

7 دقائق
عوائق الرعاية الصحية المنزلية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تكمن إحدى أهم الفرص الواعدة لتحسين الرعاية وخفض التكاليف في انتقال تقديم الرعاية إلى المنزل وتجاوز عوائق الرعاية الصحية المنزلية، ويقوم عدد متزايد من المؤسسات الجديدة والقائمة بتدشين نماذج لنقل الرعاية الأولية والرعاية الحادة والرعاية التلطيفية إلى المنزل، وتوسيع هذه النماذج. بالنسبة للمرضى الضعاف وسريعي التأثر، يمكن أن تحول الرعاية المنزلية دون حاجتهم إلى رعاية أعلى تكلفة في المستشفيات والأطر المؤسسية الأخرى.

ومن الأمثلة على ذلك أنّ النتائج الأولية لمبادرة “إنديبندس أت هوم” (Independence at Home)، وهي تجربة رعاية طبية استمرت على مدار 5 سنوات بهدف اختبار فعالية الرعاية الأولية المنزلية، أظهرت أنّ جميع البرامج المشاركة قللت عدد الزيارات إلى أقسام الطوارئ، والإدخال إلى المستشفى، وإعادة إيداع المرضى الملازمين لبيوتهم في المستشفى لمدة 30 يوماً، ما حقق وفورات بمتوسط 2,700 دولار لكل مستفيد لكل سنة وعزز رضا المرضى ومقدّمي الرعاية.

عوائق الرعاية الصحية المنزلية

ثمة فرص هائلة لتحسين الرعاية من خلال نماذج الرعاية المنزلية هذه، لكن يوجد مخاطر وتحديات كبيرة أمام اعتمادها على نحو واسع. دعنا نلقي نظرة على خمس عقبات في طريق نقل الرعاية إلى المنزل، ونستعرض حلولاً محتملة للتغلب على هذه التحديات.

1. تفضيلات المرضى:

مع زيادة استخدام الرعاية المنزلية وتقبلها، فمن المهم مراعاة تفضيلات المرضى للرعاية المنزلية في مقابل الرعاية في الأطر التقليدية في الكيانات الصحية القائمة. وقد كشفت دراسة حول تفضيلات كبار السن المتعلقة بأماكن العلاج أنّ 54% من المشاركين المستطلعة آراؤهم فضّلوا علاج الأمراض الحادّة في المستشفيات بدلاً من المنزل.

اقرأ ايضاً: برنامج “جايزنجر” للرعاية الصحية المنزلية يقلل التكاليف ويحسن النتائج العلاجية

وثمة العديد من العوامل التي حفزت تفضيل المرضى للكيانات الصحية على المنزل. بالنسبة للبعض منهم، فإنّ تلقي الرعاية في المنزل يمكن أن يشكّل رسالة تذكير مستمرة بالمرض واقتحاماً غير مقبول لخصوصيتهم. كما يمكن أن تؤثر التجارب السلبية السابقة مع مقدّمي الرعاية أو قصص إساءة معاملة المسنين أو تجاهلهم على مواقف المرضى إزاء الرعاية المنزلية. قد يستمتع بعض المرضى بجانب اجتماعي يتمثل في البحث عن رعاية خارج أسوار المنزل والتفاعل مع الناس، بينما قد يشعر آخرون بالإحراج بشأن وضعهم المعيشي.

ويتعين احترام هذه التفضيلات وعدم تجاهلها. يجب على الأطباء الحصول على معلومات بشأن احتياجات المرضى (التي قد تختلف عن احتياجاتهم من مقدِّمي الرعاية الأسرية) وإشراك المرضى في صناعة قرارات مشتركة حول فيما إذا كانت الرعاية المنزلية هي الخيار الأنسب بالنسبة لهم. وعلاوة على ذلك، يتعين أن تؤسس برامج الرعاية المنزلية لعلاقات قوية مع مرافق الرعاية الخارجية والمستشفيات وغيرها من المرافق على المدى الطويل لملاءمة تفضيلات المرضى المتغيرة وتسهيل عملية تسليمهم.

2. هواجس الأطباء السريريين:

ثمة العديد من التحديات التي يمكن أن تردع الأطباء السريريين عن المشاركة في الرعاية المنزلية. فبالمقارنة مع المستشفى أو البيئة المكتبية، تتطلب رعاية المرضى في البيت زيارات طويلة وبالتالي الاهتمام بعدد أقل من المرضى الذين يعد فريق الرعاية مسؤولاً عنهم. يرى الأطباء السريريون الذين يقدمون خدمات الرعاية المنزلية خمسة إلى سبعة مرضى فقط في اليوم الواحد، بالمتوسط. ويقضي الأطباء وقتاً أكبر في فهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة على الصحة، مثل معالجة التعارض في الأدوية والتعرف على مشاكل السلامة في البيت وربط المرضى بالخدمات الاجتماعية، والتعامل معها، لكنهم يتأثرون سلباً بنماذج الرسوم مقابل الخدمة التقليدية التي تربط الدفع بعدد المرضى الذين يجري الإشراف عليهم والعمليات التي تتم.

اقرأ ايضاً: الرعاية الصحية الافتراضية يمكن أن توفر على أميركا المليارات سنوياً

ومن أجل تحقيق التوسع في الرعاية المنزلية، يجب أن تكافئ نماذج السداد الأطباء السريريين ولا تعاقبهم على قضاء وقت أطول في تنسيق الرعاية وإدارتها. يجب أن يكون الأطباء قادرين على المساهمة في الوفورات التي تتحقق من منع عمليات الدخول إلى المستشفى والإقامات في مرافق التمريض الاحترافية غير الضرورية، وعدم تلقي مكافآت على أساس الرسوم مقابل الخدمة فحسب. ومن غير المفاجئ أنّ النمو الأخير في الرعاية المنزلية ناتج عن أنظمة صحية تعمل بموجب عقود استفادة كاملة أو عقود أخرى تستند إلى المخاطر. وعلاوة على ذلك، يجب أن يتخلص الدافعون من القيود القديمة على التكنولوجيات (مثل مراقبة المرضى عن بعد، والصحة عن بعد) والمعدات المسموح بها لاسترداد المبالغ.

تعتبر سلامة الطبيب السريري بمثابة تحدّ آخر. من المفهوم أنّ الأطباء السريريين لا يرغبون بزيارة بيوت في مناطق تعاني من ارتفاع معدلات الجريمة، ما يصعّب دمج برامج الرعاية المنزلية في بعض المناطق التي تفتقر إلى خدمات طبية كافية. جذب الأطباء السريريين إلى الرعاية المنزلية يتطلب مقاييس تضع سلامتهم على سلم الأولويات. فمثلاً، في “كير مور هيلث سيستم” (CareMore Health System)، وهي مؤسسة متخصصة في تقديم الرعاية وتخدم المرضى ذوي الاحتياجات الكبيرة والتكلفة العالية، يتلقى الأطباء السريريون تدريباً على بروتوكولات محددة وأساليب تهدئة متعلقة بالرعاية المنزلية ومرافقة أمنية عند الحاجة. وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع الأطباء السريريون العاملون هناك بوصول فوري إلى خدمات الاستجابة لحالات الطوارئ من خلال “زر طوارئ” موجود في تطبيق “أميز” (Amaze) الخاص بالهاتف المحمول والذي تستخدمه فِرق الرعاية المنزلية.

المشكلة الأخيرة هي التدريب الطبي. يجب على كليات الطب وبرامج الإقامة بالمستشفيات أن تحضّر الجيل القادم من الأطباء تمهيداً للتحول المحتوم من المستشفى إلى البيت، عبر دمج الرعاية المنزلية في المناهج والتدريب المطلوب. وتتخذ بعض البرامج هذه الخطوة بالفعل. فمثلاً، منهاج المكالمات المنزلية للمقيمين من طلاب الطب الباطني في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins University) ضاعف معرفتهم ومهاراتهم وعزز مواقفهم من الرعاية المنزلية. يمكن لمثل هذه البرامج أن تعالج نقص الأطباء المتدربين في الرعاية المنزلية وأن تسد الفجوات في التعليم الطبي حول الرعاية للمرضى الضعاف أو سريعي التأثر.

3. بنية تحتية داعمة:

الافتقار إلى بنية تحتية داعمة، بما فيها المعدّات الطبية المعمّرة المساندة والداعمة للحياة، يصعّب إدارة احتياجات الرعاية الحادة لدى المرضى في المنزل. قلة المعدات الطبية المعمّرة المتاحة نتجت أساساً من سياسة العطاءات التنافسية في مراكز الرعاية والخدمات الطبية (CMS) التي حفّزت انخفاضاً بنسبة 40% في أعداد شركات المعدّات الطبية المعمّرة بين عامي 2013 و2017، بما فيها تلك التي توفر أسطوانات الأكسجين المنزلية لـ 1.5 مليون أميركي. العطاءات التنافسية أجبرت الشركات على التنافس على العقود والموافقة على معدلات استرداد مبالغ منخفضة أكثر من أي وقت مضى، ما أدى إلى انحياز العطاءات نحو معدّات أقل جودة وأقل تكلفة. وبالنسبة للمرضى ليتمكنوا من البقاء مستقلين في المنزل، يجب أن تحفز نماذج السداد شركات المعدّات الطبية المعمّرة على تحسين الخدمة وإنتاج معدّات عالية الجودة. ويجب أن تكون إمدادات المعدّات الطبية المعمّرة رشيقة ومتوفرة نظراً لأن الاحتياجات إلى المعدّات الطبية المعمِّرة مثل الأكسجين أو البخّاخات يجب تقديمها للمرضى في غضون ساعات مع درجة عالية من الثقة. ويتعين أن تكافئ نماذج السداد الشركات على السرعة والموثوقية.

اقرأ ايضاً: نموذج مبتكر للرعاية الصحية المنزلية من مستشفى ماونت سيناي

وبالنسبة للمرضى الذين يتلقون رعاية منزلية أقل حدّة، تعتبر المساعدة في رعاية أنفسهم (ارتداء الملابس والاستحمام ودخول الحمّام والطبخ والتنقل بأمان) بالغة الأهمية لقدرتهم على البقاء مستقلين وآمنين في بيوتهم. وعلى أي حالة، لا تغطي برامج التأمين في العادة خدمات الدعم لمساعدة الأشخاص في القيام بهذه الأنشطة. ويتعين على الأنظمة الصحية والدافعين العمل معاً لإحضار المزيد من خدمات الدعم المنزلي للمرضى. في عام 2018،أعلنت مراكز الرعاية والخدمات الطبية عن توسيع تغطية مزايا تكميلية لخطط “ميديكير أدفانتيج” (Medicare Advantage) لتشمل خدمات الرعاية المنزلية غير الماهرة. يمكن لتقديم هذه المزايا، مثل المساعدة لـ 16 ساعة في الأنشطة اليومية وتقديم وجبات طعام جاهزة لمدة 28 يوماً التي وفرتها خطة “سكان” الصحية (SCAN health plan) كل عام، أن يؤدي إلى اعتماد نماذج الرعاية المنزلية.

ولدعم المرضى بشكل كامل في المنزل، لا بد من توفر بيئة عمل متكاملة وكاملة من احتياجات الرعاية. على سبيل المثال، تمتلك “كير مور” شبكة من المورّدين لعناصر مختلفة من نظام تقديم الرعاية المنزلية، مثل مختبرات متنقلة ومختبرات إشعاعية متنقلة وتقديم العلاج في المنزل. هذه الأشكال من الدعم ضرورية كي تفي الرعاية المنزلية باحتياجات المرضى ولتقدم مجموعة واسعة من الخدمات. يجب على الأنظمة الصحية أن تستثمر في تعزيز هذه البنية التحتية بالتنسيق مع الرعاية السريرية.

4. سلامة المرضى:

ثمة مخاطر معينة على سلامة المرضى في المنازل. وهي تشمل مخاطر بيئية تتمثل في مكافحة العدوى ونظافة الصرف الصحي، ومشكلات ناجمة عن التخطيط المعماري للأبنية، وصعوبات التواصل مع مقدِّمي خدمات الرعاية وعمليات تقديم الخدمة، وقلة التعليم والتدريب المقدّم للمرضى ومقدّمي الرعاية داخل الأسرة، وصعوبة الموازنة بين استقلالية المريض والمخاطر التي تحيق به، والاحتياجات المختلفة للمرضى الذين يحصلون على الرعاية المنزلية، وعدم توفر متابعة مستمرة للحالة الصحية.

ومن المهم تقييم هذه المخاطر بدقة والتخفيف منها عند نقل الرعاية إلى المنزل. كما يتعين أن توجد معايير واضحة للشمول والاستبعاد من أجل تقييم استدامة الحل المنزلي. يجب مراعاة السلامة في كل تفاعل مع المريض، في تصميم المعدّات والمستلزمات الطبية المستخدمة في المنزل، وتطوير أدوات التواصل مع فِرق الرعاية المنزلية، وتعليم المرضى ومقدّمي الرعاية الأسريين والمختصين في الرعاية المنزلية. كما يتعين دمج هذه الاعتبارات في الرعاية السريرية. (في برنامج التمريض المنزلي “كير مور”، مثلاً، يجري الأطباء السريريون فحوصات سلامة منزلية دورية ويقدمون توصيات مناسبة). وعلى مستوى الأنظمة، فإننا بحاجة إلى معايير ثابتة لقياس السلامة في المنزل وآليات مشاركة البيانات وأفضل الممارسات في مؤسسات الرعاية الصحية.

5. البيئة التنظيمية:

الرعاية المنزلية محكومة بتشكيلة من التشريعات التي لا يجري تطبيقها أو تنظيمها على نحو موحد. ولا توجد متطلبات على المستوى الوطني أو على مستوى الولايات الأميركية لجودة الرعاية المنزلية، باستثناء الرعاية التي تقدمها بموجب مزايا الصحة المنزلية لبرنامج “ميديكير”. كما أنّ التشريعات المحدودة المتعلقة بالتعليم والتدريب وترخيص المختصين في الرعاية المنزلية تزيد من الخطر على سلامة المرضى.

يجب على مدراء الرعاية الصحية الالتزام بتشريع ثابت وتنفيذ أكثر صرامة للرعاية المنزلية من أجل تقليل هواجس السلامة ومخاطر المسؤولية حول تقديم رعاية “غير منتظمة”. كما أننا نوصي بوضع (1) طرق موحدة ومتطلبات لقياس جودة خدمات الرعاية المنزلية والإبلاغ عنها، و(2) وبرامج ترخيص لمساعدي الصحة المنزلية ومساعدي الرعاية الشخصية وغيرهم من مقدِّمي الرعاية المختصين، على الرغم من عدم شموليتها.

لقد اكتسب انتعاش الرعاية المنزلية الأولية والحادة والتلطيفية زخماً لقدرته المثبتة على تحسين المخرجات وخفض التكاليف بالنسبة للمرضى الضعاف وسريعي التأثر في الولايات المتحدة. وإلى جانب التعامل مع العراقيل التي تقف في وجه تقديم رعاية طبية آمنة وفعالة وجوهرها الاهتمام بالمريض في المنزل، يجب على المدراء وواضعي السياسات الاستعداد للأثر الواسع على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة – نمو الرعاية المنزلية قد يقلص الحاجة إلى المستشفيات مثلاً – وتغيير طريقة تعريفنا للنجاح في قطاع الرعاية الصحية.

ولتزدهر الرعاية المنزلية، يجب علينا هدم هيكل الرسوم مقابل الخدمة والانتقال إلى ترتيبات مستندة إلى القيمة بحيث تكافئ الأنظمة الصحية على نقل الرعاية إلى المنزل. ويتطلب هذا مواءمة حوافز جميع أصحاب المصلحة، بمن فيهم الأطباء والدافعين، وتنفيذ عقود قائمة على المخاطر لمعالجة الخسارة في الإيرادات الناجمة عن عمليات الإدخال إلى المستشفيات. كما سيكون تعديل آليات السداد والبيئة التنظيمية التي تعمل مؤسسات تقديم الرعاية الصحية بموجبها، بالغ الأهمية لنجاح الرعاية المنزلية ونموها، في وقت نحن فيه بأمسِّ الحاجة إلى نماذج جديدة مزعزعة لتقديم المساعدة وتجاوز عوائق الرعاية الصحية المنزلية.

اقرأ ايضاً: كيف يحسّن نظام الرعاية الصحية عن بعد الرعاية في المناطق الريفية؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .