لماذا تفشل مختبرات الابتكار، وكيف تضمن ألا تفشل لديك؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما الذي يجمع بين “وول مارت” (Walmart)، و”فيسبوك”، و”لوكهيد مارتن” (Lockheed Martin)؟ أعلنت جميعاً عن افتتاح مختبرات جديدة للابتكار باهظة التكاليف. تظهر هذه المختبرات تحت مسميات مختلفة (مسرعات أعمال، حاضنات أعمال، مراكز بحثية)، ووفقاً لما توصلت إليه بحوثي فإن أعدادها في نمو مطرد. حتى أن أكثر من نصف شركات الخدمات المالية بدأت فعلياً في إنشاء أقسام إبداعية، ومن الصعب أن تجد شركة للرعاية الصحية أو متجر تجزئة دون مختبر واحد على الأقل للابتكار، سواء كان مجرد قاعة اجتماعات بأوراق الملاحظات اللاصقة، أو حاضنة أعمال على مساحة 20 ألف قدم مربعة، مثل تلك التي افتتحتها “ستاربكس” (Starbucks)، نوفمبر العام الماضي.

تلك أخبار رائعة بوجه عام، فمختبرات الابتكار مكان آمن، تستطيع المؤسسات استخدامه في إجراء التجارب واختبار مشاريعها، وتُعتبر واحدة من أهم استثمارات الشركات التي تتبع أساليب صارمة، أو تعمل في قطاعات شديدة التنظيم. لكن هل تُحقق مختبرات الابتكار قيمة مضافة أو تنتج نمواً؟ وفقاً لتقرير صادر عن شركة “كابجيميناي” (Capgemini)، فإن الغالبية العظمى من مختبرات الابتكار – ما يصل إلى 90% منها، بحسب أحد الخبراء – فشلت في تحقيق الغرض من إنشائها.

من خلال إجراء بحث مستفيض لكتابي Disrupt it Yourself وعملي في مجال الخدمات الاستشارية مع عدد من كبرى الشركات في مختلف القطاعات، وجدت أن هناك ثلاثة أسباب لقصور العديد من مختبرات الابتكار. وإليك ما يجب على الشركات الانتباه له.

عدم الاتساق مع أهداف الشركة نفسها

قد تعزز أقسام الابتكار الأسطورية، مثل “زيروكس بارك” (Xerox PARC)، و”بيل لابز” (Bell Labs)، صورة السرية الشديدة والعزلة الكاملة عن الأعمال الأساسية. وقد يكون هذا الفصل مهماً، خصوصاً في الشركات التي تتبع أنظمة بيروقراطية تعرقل الأفكار الجديدة. إلا أن الفصل وحده نادراً ما يكون هو المشكلة.

تكمن المشكلة في أن مركز الابتكار لا يتبع استراتيجية واضحة تتسق مع استراتيجية الشركة، أو أنه لا يملك استراتيجية من الأساس. إذ تكتفي أغلبية المختبرات بإحضار براميل الشراب وتقدم أكوابه إيذاناً بدوران عجلة الإبداع، ثم يشرعون في صياغة الأفكار، في حين أنهم لا يملكون سوى فكرة محدودة عن أهدافهم. حتى أن أفراد بعض فرق الابتكار التي التقيتها مؤخراً بدوا غير متأكدين مما لو كانوا مكلفين بخدمة الأعمال الأساسية للشركة أم زعزعتها. ويعتبر غياب الاستراتيجية عرضاً شائعاً لما يسمى “مسرح الابتكار”: وفيه تفتتح مجالس الإدارة وكبار المسؤولين تلك المختبرات للاستعراض لا أكثر، إذ يشطبون على بند تعيين فريق مخصص للابتكار، لا سيما الابتكار المزعزِع. وسرعان ما يُسدل الستار، إما لأن أفكار هذه المختبرات منفصلة عن الحاجات الواقعية للعميل، أو لعدم وجود مسؤول عن نقل تلك الأفكار ووضعها موضع التنفيذ.

ومن هنا يجب على القادة أن يفكروا في الآثار المترتبة على افتتاح مختبر للابتكار، وتحديد كيف سيتمم أو يزعزع أعمالهم الحالية والمستقبلية، ثم التصدي للمهمة الأصعب، وهي تحديد إمكانية تنفيذ الأفكار المستحدثة. وهو ما يبدأ ببعض الاعتبارات:

الرؤية. يُسهم وضع أهداف واضحة للمختبر في مساعدة كلٍّ من رواد الأعمال وقادة الشركة على فهم اتجاه المبادرات الابتكارية وغايتها. وتوصي شركتي باستخدام عبارات “من/إلى”. على سبيل المثال “نريد الانتقال من الرهان على الابتكارات الكبرى إلى إجراء عدة تجارب صغيرة، والتوصل إلى نماذج أولية سريعة”، أو “نريد الانتقال من التحرك في نطاق ابتكاري محدود إلى اختبار العديد من الأفكار الجديدة مع تنمية الأعمال الرئيسية في الوقت ذاته”.

النمو. ما الذي يحدث بعد ثبوت صلاحية الفكرة وضرورة مواصلة تطويرها خارج المختبر؟ أي مسار تسلكه الفكرة لنيل الدعم الإضافي؟ قد تشمل الخيارات المتاحة العودة إلى الأعمال الأساسية أو إلى حاضنة الأعمال أو مُسرع الأعمال. بالنسبة للابتكارات المزعزِعة المحتملة، فقد تتخذ مساراً بعيداً عن قلب المؤسسة، إذ تستطيع التطور أكثر وأكثر بالتوازي مع حمياتها من الأجسام المضادة في الشركة، ومن أصحاب منهج “يبقى الحال على ما هو عليه”.

العنصر البشري. كيف يساعد المختبر في دعم مهمة رواد الأعمال الشاقة التي تقتضي ابتكار أفكار جديدة وتنفيذها في مجالات غير مجرَّبة من قبل؟ كيف سيختصر المختبر المسافة بينه وبين المستخدم النهائي أو العملاء الذين ستحل هذه الأفكار ما يصادفهم من مشكلات؟ يقع العنصر البشري، وما لديه من شغف وغايات، في القلب من أكثر المبادرات الابتكارية نجاحاً.

غياب المقاييس المحددة لمسار النجاح

لا يصلح الكافيين وحده دافعاً للابتكار. إذ تفقد المختبرات بريقها في عيون المسؤولين التنفيذيين حين تفشل في تعزيز الأداء العام للشركة بمرور الوقت. لكن المفارقة الغريبة أن الكثير منها ليس لديه مقاييس بالأساس. والحقيقة أن مختبرات الابتكار، التي لا تملك مقاييس أو لا تستطيع إدارتها، محكوم عليها بالفشل.

يحتاج الابتكار قطعاً إلى التفكير بأسلوب مختلف فيما يتعلق بالدعم المالي، لأن المختبرات بحاجة إلى حيز لتجويد الأفكار وتطويرها واحتضانها. لكن، حتى لو كان مختبرك عبارة عن مركز تكلفة مسؤول عن إجراء التجارب لاختبار النتائج على المدى البعيد، فإن شكلاً من العائد، مالياً كان أو غير ذلك، يجب تحديده مقدماً ومتابعته مع الوقت. والمعايير المحددة تؤدي غرضين اثنين على الأقل: تحديد المخاطر التي تواجه المبدعين ومسؤولي الشركة، وتذكير الجميع أن فوائد الابتكار تتراوح ما بين فوائد ملموسة للغاية (العائد المالي على الاستثمارات)، وأخرى ملموسة بدرجة أقل، ولكنها ربما كانت أعلى قيمة (العائد على الفهم في صورة معارف ورؤى جديدة).

لكن، إذا كانت مقاييس خطوط الأعمال التقليدية لا تصلح للمختبر، فكيف تتوصل إلى بدائل صارمة؟ عند اختبار أفكار جديدة مع العملاء المحتملين، مثلاً، قد تكون مقاييس المرحلة الأولية بسيطة مثل: كم عدد المستخدمين الذين يجدون قيمة في الفكرة؟ كم مرة حدثوا أصدقاءهم عنها؟ كم مرة يعودون لاستخدامها؟ يمكن استخدام المقاييس المالية في بداية مرحلة النماذج الأولية: هل المستخدمون على استعداد لدفع ثمنها؟ وفيما بعد: ما مقدار الإيرادات المتحققة من هذه العروض الجديدة؟ ومع ذلك، لا يمكن أن يستمر الابتكار دون اتباع منهج شامل للمقاييس، منهج يتضمن القدرات المؤسسية المركزة إضافة إلى مقاييس القيادة التي تدعم السلوكيات اللازمة لبناء ثقافة الابتكار.

غياب التوازن في الفريق

رأيت أكثر من مختبر يختفي من الوجود لأن قائده كان شخصاً حسن الطوية يملك معرفة عميقة بمجال العمل، لكنه ببساطة لا يعرف كيف يُدار الابتكار. هذا الصنف من القادة يتعامل مع الابتكار بطريقة أقرب لتعامله مع حل المشكلات في الأعمال الأساسية، والذي يقود غالباً لتحسينات طفيفة لا أكثر.

كما رأيت مختبرات تعاني أشد المعاناة حين صار كل طاقمها فريقاً من رواد الأعمال الخارجيين، مع رغبتهم المحمومة في نسف الطرق التقليدية للعمل، والكفيلة بحرق الجسور بين المختبر والشركة. وهذا هو الخطأ الكلاسيكي المعتاد لبرامج توطين رواد الأعمال، فالمشاركون يعرفون كيف يدشنون الشركات الناشئة وإنشاء المؤسسات، لكنهم يفتقدون إلى المعرفة الداخلية وشبكات العلاقات المهنية اللازمة للإبحار في عالم المؤسسات.

لا بد من فريق متنوع كي ينجح الأمر. أنت تحتاج لأفراد من خارج أسوار المؤسسة، لكن يجب أن تُحيطهم بآخرين يتمتعون بمزيج متنوع من المهارات، منهم موظفون قدامى شغوفون بالابتكار ويعرفون كيف تُدار الشركة.

قد يكون الوصول إلى هذا التوازن صعباً، لكن ما من سبيل آخر. تتميز فرق الابتكار الناجحة، سواء كانت داخل المختبر أو خارجه، بوجود غاية محددة تعمل من أجل تحقيقها، إضافة إلى التنوع من حيث المهام الوظيفية والخلفية والأسلوب المعرفي. وإليك اختبار سريع: سوف تدرك أن فريقك غير مناسب عندما تجد أن كل شيء يسير بسلاسة، لكن الناتج النهائي للفريق لا يختلف كثيراً عن العمل المعتاد. وستعلم أنك حصلت على الفريق المناسب عند وصول أفراده إلى أفكار متميزة، وحين تجد الكثير من التوتر الصحي الناجم عن تنوع الرؤى التي تقارع بعضها بعضاً، وعندما ينجحون في إدارة ذلك الغموض الملازم عادةً للابتكار.

في ظل وجود تلك السبل كلها والتي يمكن أن تؤدي إلى إفشال المختبرات، هل يجدر بك الإحجام عن إنشاء أحدها؟ ليس بالضرورة. وكما قال لي كايل نيل، المدير التنفيذي السابق لمختبرات الابتكار بشركة “لوز” (Lowe’s)، والعضو بهيئة التدريس في جامعة “سينغيولاريتي” (Singularity) إن “للمؤسسات الكبيرة الحق في دعم المستقبل، إن لم يكن أكثر، من أولئك الأطفال الذي يعبثون في مرآب ما ونخشى عواقب أفعالهم”. وكان جديراً به أن يعلم ذلك. فقد أشرف نيل في “لوز” على ظهور أفكار خلاقة، كان من بينها طابعة ثلاثية الأبعاد مصممة للفضاء السحيق (تستخدم الآن في محطة الفضاء الدولية)، و”لويبوتس” وهي (روبوتات مستقلة يمكنها مساعدة العملاء على إيجاد المنتجات التي يبحثون عنها).

كيف تغلب نيل وفريقه على الصعاب في “لوز”؟ لقد أمضى الكثير من الوقت في “بناء آلية للعمل، وتحري الدقة في… تحديد ما يجب التركيز عليه، ومساعدة الموظفين في مختلف المستويات، بداية من الرئيس التنفيذي وأعضاء مجلس الإدارة ومَن دونهم، على فهم ما يحاولون بناءه، وفتح مناقشات جادة حول نتائجه (وليس حول الخطوات اللازم اتخاذها على طريق بنائه، لأن هذا غير معروف بعد)، وإعداد أنظمة جديدة للتوصل إلى مؤشرات الأداء الرئيسية ومقاييس للنجاح، ليتأكدوا أنهم على الطريق الصحيح”.

الجميل في منهج نيل، أنه يجتذب مزيداً من الأفراد في المؤسسة للمشاركة في حل المشكلات. يتمثل الهدف الرئيسي لهذه الاستثمارات في المنشآت والمواهب في تغذية المورد الابتكاري من خلال تشجيع القدرات الإبداعية عبر المؤسسة، مع معالجة المشكلات ذات الصلة بالرؤية والنمو والأفراد، والتي سبق ذكرها. إن إنشاء حيز معزول للابتكار قد يعطي إشارة إلى أن الإبداع لا يحصل إلا في أماكن مخصوصة، وبين أناس وظيفتهم الإبداع، مثل مختبرات البحث والتطوير في الماضي.

خلاصة القول: مكان الإبداع هو كل مكان. ومختبرات الابتكار مفيدة لأنها توفر التدريب وشبكات العلاقات المهنية وغيرها من الموارد التي تساعد رواد الأعمال على النجاح، بغض النظر عن موقع عملهم في الشركة. وفي الظروف المثالية يجب أن تكون هناك خلايا ابتكارية (مدعومة في معظم الأحيان من قبل رواد الأعمال ذاتهم) عبر المؤسسة بأكملها. هذه هي الطريقة التي يبدأ بها التغير الحقيقي الذي يغير بدوره مقومات ثقافة الشركة، لتبدو قطاعاتها جميعاً وكأنها مختبر ابتكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .