ما الذي ستفعله إذا كانت غالبية الموظفين المبتدئين العاملين بالساعة لديك يخططون لمغادرة العمل في أقل من عام؟ قال أكثر من نصف الشباب البالغ عددهم 1,200 شاب وهم يعملون في وظائف المبتدئين الذين شملناهم في الاستطلاع أنّ هذا ما يخططون له فعلاً. في حين، أبدى أقل من ربعهم الرضا الشديد عن عملهم. لكن التخلي عن العمل مكلّف للأعمال التجارية، حيث يكلّف استبدال الموظفين ما يصل إلى 200% من الراتب السنوي لأحد الموظفين حسب منصبه. وفي مجالات مثل التجارة بالتجزئة وخدمة العملاء، والفندقة، يكلّف استبدال الموظفين لوحده مليارات الدولارات كل عام، وذلك، وفقاً لمعدلات الاستبدال الطوعية وتكاليفه السنوية. في نفس الوقت، يؤدي انفصال الموظفين عن العمل إلى معدلات تغيّب عالية، ووقوع الكثير من الحوادث، وانخفاض ربحية الأعمال التجارية، ورداءة خدمة العملاء وانخفاض سعر الأسهم.
وبغية فهم كيف يمكن لأصحاب العمل تحسين مشاركة موظفيهم واستبقائهم، عملت مجموعة استراتيجية المؤسسة (FSG) مع مؤسسة هارت للبحوث لاستطلاع أكثر من 1,200 موظف يعمل بالساعة في المستوى الابتدائي مهنياً ضمن الفئة العمرية ما بين 17 و24 سنة، وقامت بإجراء مقابلات مع عشرات الشركات لمعرفة كيف حسّنوا معدل استبقاء الموظفين. ويعمل الشباب الذين أجرينا الاستطلاع معهم في نطاق واسع من المجالات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتصنيع وتجارة التجزئة والفندقة.
وجدنا خمسة رؤى مشتركة لأصحاب العمل الذين يسعون إلى تحسين معدل استبقاء الموظفين ومشاركتهم، بما في ذلك كيفية تحسين تدريب المدراء، والتنوع والإدماج والجدولة الزمنية. والخبر السار هو أنّ العديد من أصحاب العمل مبدعون بالفعل في هذه المجالات.
تدريب مدراء الخطوط الأمامية على دعم الأشخاص والعمليات
كان الرضا الوظيفي للشباب الذين شملتهم الدراسة الاستقصائية يرجع إلى حد كبير للطريقة التي يعتقدون أنّ مديرهم يعاملهم بها. وقالوا أنّ معاملة الأشخاص معاملة عادلة ومحترمة أكثر أهمية من دخلهم المالي. ومع ذلك أفاد 50% من النساء و40% من الرجال الذين شملهم الاستطلاع أنهم عانوا في العمل لشعورهم أنّ مديرهم يعاملهم بطريقة غير عادلة. إلى جانب ذلك، قال 32% من الذين شملهم الاستطلاع أنهم فقدوا وظائفهم من قبل بسبب المعاملة غير العادلة أو غير المحترمة من مدرائهم.
كيف يمكن للشركات مساعدة مدرائها كي يصبحوا أكثر فعالية؟ تتمثل أحد الأساليب المؤكدة في الاستثمار في تدريب خاص لمدراء الخطوط الأمامية، الذين غالباً ما يتم تعيينهم بسرعة في هذا المنصب مع أنهم لم يديروا فريقاً من قبل. أرسلت شركة "مود بيتزا" (MOD Pizza) كل مدراء خطوطها الامامية إلى "مدرسة مود" (The School of MOD) خلال فترة الثلاثة إلى الستة أشهر الأولى من تعيينهم. و"مدرسة مود" هي برنامج تدريب شخصي حول الإدارة، يدرّب المدراء الجدد على التواصل، وإدارة الأشخاص، وبناء ثقافة جيدة في مكان العمل. وأفاد 96% من المدراء الذين حضروا التدريب بأنه زادت ثقتهم في قدرتهم على أداء وظيفتهم بشكل جيد.
وفي حين تركز غالبية برامج التدريب في إدارة الخطوط الأمامية على مواضيع مثل المخزون وإدارة النقود وخدمة العملاء، إلا أنّ عدداً متزايداً من الشركات أصبح يدرك أنّ إعداد المدراء لدعم فرقهم أمر بالغ الأهمية لأعمالهم التجارية. فمن ذلك أنّ شركة "اتش ام اس هوست" (HMSHost)، أكبر مزود لخدمات الأغذية والمشروبات للمسافرين في أميركا الشمالية، جرّبت برنامجها في التدريب على المشاركة لمساعدة مدراء الخطوط الأمامية على منح تقدير صادق لموظفيها، والاستماع لهم وحل مشاكلهم، وتقديم آراء محددة وقابلة للتنفيذ لفرقهم. وبعد ذلك تلقت الشركة في الأماكن التي جرّبت فيها هذا التدريب، آراء صادقة وأصيلة من المدراء ومساعديهم ولمست تحسناً مبكراً في مشاركة الموظفين واستبقائهم. ولذلك ستطلق "اتش ام اس هوست" ورشات العمل حول مشاركة الموظفين في الشركة بأكملها.
توفير فرص التطور المهني
أظهر بحثنا أنّ احتمال بقاء الموظفين الشباب في أعمالهم يرتفع للضعف إذا رأوا وظيفتهم كمهنة أو نقطة انطلاق لمهنة مستقرة. ومع ذلك، وصف 35% فقط من الشباب الذين شملهم الاستطلاع وظيفتهم الحالية بهذه العبارات. كيف يمكن لأصحاب العمل سد هذه الفجوة؟
كبداية، يمكن لأصحاب العمل أن يوفروا فرصاً واضحة وهادفة للتطور المهني داخل الشركة. فمثلا تبرز شركة "شيبتول" (Chipotle) مساراً وظيفياً واضحاً أمام الموظفين المبتدئين في موقعها الإلكتروني وتوجه موظفيها الجدد له منذ يومهم الأول في العمل. يُظهر المسار الوظيفي إمكانيات الترقية والأجور والفوائد المتعلقة بكل مرحلة من التطور المهني. كما أنّ ما يزيد على 90% من المدراء في "شيبتول" تمت ترقيتهم من داخل الشركة.
وثانياً، يمكن لأصحاب العمل دعم التحصيل الدراسي للشباب، حيث يريد 45% من الشباب الذين شملهم الاستطلاع ارتياد الجامعة، وتشير الإجابات إلى أنّ المسجلين منهم في الجامعات أثناء العمل أكثر احتمالاً للبقاء في وظائفهم الحالية. مؤخراً، وسعت "ستاربكس" خطتها للدراسة الجامعية بتوفير وصول مجاني للحصص الإلكترونية لجامعة ولاية أريزونا ووفرت التوجيه الفردي لجميع موظفيها الراغبين في معرفة المزيد عن الجامعة. تزيح هذه التغييرات عبء التكلفة، والبحث، وعوائق الجدول الزمني عن كاهل الموظفين، وتشير النتائج الأولية إلى أنّ هذه التغييرات تؤتي ثمارها: فالموظفون المشتركون في الخطة الجامعية لستاربكس يبقون في العمل بمعدل الضعف ويُرقون في عملهم أربع مرات أكثر من زملاء عملهم الذين لم يشتركوا في البرنامج.
اسعَ نحو الإدماج وليس التنوع فقط
كشف بحثنا عن الفوارق العرقية والجنسية التي يمرّ بها الشباب في تجربة التوظيف. على سبيل المثال، كانت أكثر فئة ترى أنّ عملها الحالي بعيد على أن يكون باباً نحو مهنة مستقرة هن النساء الأفريقيات الأميركيات، في حين كانت أكثر فئة ترى أعمالها محتملة جداً أن تكون باباً لمهنة مستقرة هم الرجال البيض. وبغض النظر عن العرق أو الأصل، فإنّ النساء اللواتي شملهن الاستقصاء يزيد احتمال معاناتهن من معاملة غير عادلة عن طريق مدرائهن بنسبة 10 نقاط مئوية مقارنة بالرجال. ووفقاً للبحث الذي أجرته أوبرتنتي نيشن (Opportunity Nation)، فإنّ الرجال البيض بأغلبية ساحقة من المرجح أن يشغلوا مناصب الإشراف في قطاع تجارة التجزئة، في حين من المرجح أن يكون الموظفون المبتدئون من الأقليات والنساء.
يستطيع أصحاب العمل خلق بيئة عمل أكثر تنوعاً وشمولاً (هناك أدلة واضحة على أنّ فعل ذلك مفيد للأعمال التجارية).
تُعتبر شركة "غاب" (Gap Inc.) رائدة في هذا المجال. ففي عام 2007، أنشأت الشركة برنامجاً للمراهقين والفتيان الذين يعانون من إيجاد وظائف سمته "هذا الطريق قُدُماً". وكانت نسبة 98% من المشاركين ليسوا أوروبيين الأصل، و65% من النساء وجميعهم من خلفيات ذات دخل منخفض. وبعد التدرب على المهارات وهي فترة تدريب داخلي مدفوعة لفترة 10 أسابيع، تلقى 75% من خريجي البرنامج عروض عمل لدى شركات "غاب" و"أولد نيفي" (Old Navy) و"متاجر بانانا ريببلك" (Banana Republic)
كان برنامج "هذا الطريق قُدُماً" استراتيجية مواهب فعّالة لشركة "غاب"، فقد كان معدل استبقاء هؤلاء الموظفين ضعف معدل استبقاء نظرائهم، ومعدلات أدائهم كانت بنفس معدلات أداء نظرائهم، في حين كان خريجو البرنامج يحققون نقاط مشاركة أعلى من المتوسط.
اعتمد منهجيات جدولة مجربة
قال الغالبية العظمى من الشباب الذين شملهم الاستطلاع (83%) أنّ احتمال بقائهم في وظائفهم الحالية أعلى إذا كان لديهم تحّكم أكثر بجداول عملهم. وكانت أهم جوانب الجدولة التي حددها الشباب تتمثل في المرونة والقدرة على التوقع. يريد الموظفون الشباب أن يعرفوا في وقت مبكر الأيام والأوقات التي سيذهبون فيها للعمل. ويريدون كذلك أن يكون مدرائهم مرنين عندما تحدث أمور غير متوقعة خارج العمل، مثل المرض أو التعرض لتحديات وسائل النقل.
ومع أنّ توفير التوقع والمرونة في نفس الوقت يبدو تحدياً كبيراً، إلا أنّ أصحاب عمل كبار لديهم موظفون مبتدئون مثل شركة "كويك تريب" (QuikTrip) و"تريدر جوز" (Trader Joe) بيّنوا أنه يمكن توفيرهما معاً وفق بحث أجرته زينب تون (Zeynep Ton).
وحللت زينب تون قرارات التشغيل والموارد البشرية التي تجعل توفير التوقع والمرونة ممكناً في مقالتها على هارفارد بزنس ريفيو وكتابها "استراتيجية الوظائف الجيدة" (The Good Jobs Strategy).
أشارت زينب إلى أنّ التدريب المتبادل للموظفين وجدولة القدرة الإضافية على العمل، بالإضافة إلى الخيارات التشغيلية الأُخرى يجعل أصحاب العمل من الشركات قادرين على توفير جداول عمل متوقعة وأن يكونوا مرنين عندما تحدث أمور مفاجئة مثل مرض أحد أطفال الموظفين، كل ذلك مع بقاء الشركة متفوقة على منافسيها فيما يخص الأرباح التجارية. تحقق شركة "كويك تريب" و"تريدر جوز" معدل استبدال موظفين سنوي أقل بنسبة 15% مقابل ما يقارب متوسط 60% الذي يمثل نسبة معدل استبدال الموظفين في قطاع التجارة بالتجزئة، كما أنّ الغالبية العظمى من مدراء الشركتين تمت ترقيتهم من داخل الشركة. (لمعرفة المزيد عن أحدث أبحاث زينب تون، طالع برنامج الأفكار الكبيرة لهارفارد بزنس ريفيو: حل الوظائف الجيدة).
وفّر إمكانية الحصول على فوائد وفرص مهمة مقابل العمل مزيداً من الساعات
لن يدهشك بالطبع معرفة أنّ الشباب يقدّرون المزايا الجيدة والأجور وعدد ساعات العمل. أظهر بحثنا أنه في حين يقدر الشباب المزايا مثل الأجر الاضافي، وخطة الادخار التقاعدية 401 (k)، والإجازات المدفوعة، إلا أنّ أهم ميزة يقدرونها أكثر هي التأمين الصحي. وهذا السبب الذي يجعل طلب التوظيف شديداً على شركات مثل "يو بي إس"، و"لوز" (Lowes) و"راي" (REI) و"ستاربكس" لأن جميعها توفر نوعاً من التأمين الصحي للموظفين بدوام جزئي والموظفين بالساعة.
قال 61% من الشباب الذين شملهم الاستطلاع أنهم عانوا في العمل لأنهم واجهوا صعوبات في تلبية احتياجاتهم. وبالنسبة لموظفي الدوام الجزئي يُعتبر عدد ساعات العمل بنفس أهمية الأجر بالساعة الذي يتلقونه وغالباً ما يكون لعدد الساعات أهمية أكبر في تحديد رواتبهم الصافية.
وفي الواقع، أكثر من 50% من الشباب الذين شملهم الاستطلاع يريدون عدد ساعات عمل أكثر. لذلك تُعتبر إتاحة ساعات عمل إضافية للموظفين الحاليين بدلاً من توظيف آخرين إحدى طرق توفير التكاليف وتعزيز الرضا الوظيفي.
هناك أيضاً تجربة تجارية سابقة تتعلق بزيادة الأجور. ففي سنة 2014 قررت شركة "إيكيا" رفع حدها الأدنى للأجور وربطه بحاسبة أجر المعيشة التي طورها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ما أدى إلى 5% نسبة تحسن في استبقاء الموظفين في أقل من ستة أشهر. وكان هذا ناجحاً جداً من وجهة نظر تجارية جعل "إيكيا" تقرر رفع الأجور مجدداً في سنة 2015. كما أنّ شركات التجارة بالتجزئة ذات التكلفة المنخفضة، من شركة "كوستكو" إلى "تريدر جوز"، بيّنوا كذلك أنّ رفع الأجور بإمكانه خلق ميزة تنافسية مهمة للأعمال التجارية.
تظهر نتائج بحثنا فوائد تجارية واضحة عند تطبيق هذه الأفكار. وأصحاب العمل الذين يطبقون ذلك يتجاوزون المعدلات التجارية المتوسطة فيما يتعلق باستبقاء الموظفين وإشراكهم. وهذا لا يجعلهم شركات مفضلة يرغب الشباب بالعمل فيها وحسب، بل يجعلهم كذلك أعمالاً تجارية أقوى.
إخلاء مسؤولية: قامت مؤسسة "عائلة شولتز" و"شركة وول مارت" بتمويل بحث مجموعة استراتيجية المؤسسة، وشركة "وول مارت" هي ممول مبادرة تأثير التوظيف من مجموعة استراتيجية المؤسسة.