إليكم هذه القصة التي تتحدث عن موضوع إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في الشركة بشكل صحيح. في وقت سابق من هذا العام، نشرت مجلة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) قصة ناثان مورت، الموظف في شركة غوردون لخدمات الأطعمة (Gordon Food Service) وهو يتابع مطالبات الضمان، ويعاني من درجة عالية من التوحد. وأشار المقال إلى تزايد أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة (أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة) الذين يدخلون سوق العمل، وهي أخبار جيدة بالنسبة إلى الاقتصاد والأشخاص أصحاب الهمم وأرباب العمل على حد سواء.
وعلى الرغم من المقالات التي تتحدث عن المزايا التي يمنحها أصحاب الهمم لأرباب العمل، فقد امتنعت شركات كثيرة جداً عن توظيف أي منهم. إذ يعتبرون أن توظيف بعض الأشخاص من أصحاب الهمم هو "التصرف الصواب الذي يجب فعله"، ولكنهم لا ينظرون إليه باعتباره جزءاً من استراتيجية المواهب التي ستعود بنفع على الشركة يفوق ما يعتبرونه نفقات ومخاطر محتملين. في الواقع، تشير دراسة جديدة أجرتها المنظمة القومية للمعاقين (National Organization on Disability) إلى أن نسبة 13% فقط من الشركات في الولايات المتحدة قد حققت هدف وزارة العمل في إيجاد تمثيل بنسبة 7% لأصحاب الهمم في القوى العاملة لديها.
وتتسبب هذه العقلية في حرمان الشركات من الحصول على المواهب التي يحتاجونها والاستفادة منها في ظل ضيق سوق العمل الحالية.
إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في الشركة
إن توظيف شخص من أصحاب الهمم لن يكلف الشركة أكثر مما يكلفه توظيف شخص عادي، كما أن تجهيزات العمل الخاصة بمعظمهم لن تكلف شيئاً. وفي حال وجدت تكلفة ينطوي عليها توفير التقنيات أو غيرها من الأدوات، فهي عادة لا تزيد عن 500 دولار، بالإضافة إلى الحوافز الضريبية المتاحة للمساعدة.
وعلاوة على ذلك، في أحد استنتاجات النمذجة الاقتصادية الحديثة (وهي جزء من دراسة بحثية حائزة على جائزة أجرتها شركة "أكسنتشر" (Accenture) والجمعية الأميركية للأشخاص أصحاب الهمم (American Association of People with Disabilities) ومنظمة "ديسابيليتي إن" (Disability:IN) )، وُجد أن هناك علاقة قوية بين الأداء المالي والممارسات المتطورة لإدماج أصحاب الهمم.
كيف يمكن للشركة تحديث عقليتها واستراتيجياتها فيما يتعلق بهذه الفئة المهملة من المواهب؟ نرى أنه يوجد 4 طرق لتحقيق ذلك، وهي:
1. تعرف على العمليات التي تدعم التحيز اللاإرادي واحرص على تغييرها
هل تثبط عمليات التوظيف لديك المتقدمين من أصحاب الهمم أو تحد من قدراتهم على إظهار مكامن القوة لديهم؟
لاحظ المدراء في شركة "مايكروسوفت" أن الشركة لا توظف الأشخاص المصابين بالتوحد رغم امتلاكهم المعارف والفكر المطلوبين بصورة واضحة. وقالت لنا رئيسة قسم الإمكانات والوصول، جيني لاي فلوري: "اكتشفنا أن المشكلة كانت في عملية المقابلة، لذلك استغنينا عنها كلياً للمتقدمين المصابين بالتوحد". واستعاضت شركة مايكروسوفت عن المقابلات بالتعاون مع منظمة محلية لدعم المصابين بالتوحد من أجل إحضار المتقدمين إلى عملية تقييم من نوع مختلف. ويتضمن برنامج التقييم هذا سلسلة من التمارين المصممة من أجل اختبار القدرة على العمل ضمن فريق وكذلك المهارات التقنية، بالإضافة إلى تقديم تدريب فعليّ. وتقول جيني لاي فلوري: "نحن اليوم على ثقة بأننا لم نهمل أي مرشح قوي بسبب عدم تمكن ممارسات التقييم الشائعة من مجاراة مكامن قوته".
وتنطبق هذه العقلية أيضاً على عمليات تطوير الموظفين والتدريب. وحتى التغييرات الصغيرة على برامج التدريب القياسية يمكنها إحداث أثر كبير.
2. ساعد جميع الموظفين في فهم التحديات التي يواجهها أصحاب الهمم مع المساهمة في إيجاد الحلول
فبذل جهد صغير إضافي في هذا المجال سيقطع شوطاً كبيراً نحو إنشاء بيئة عمل يمكن لكل موظف فيها المساهمة بأفضل ما يمكن. ويجب أن تفكر الشركات في فرض التدريب اللازم على جميع الموظفين، سواء من أصحاب الهمم أو الأصحاء، وخصوصاً من يشغلون مناصب إدارية أو إشرافية. وتتمثل الأهداف الأساسية من هذا التدريب في مساعدة الموظفين في فهم التحديات التي قد يواجهها زملاؤهم أصحاب الهمم والتعاطف معها والحد من وصمة العار التي تلاحقهم، كما يجب أن يعرف الجميع بشأن الأدوات وأماكن العمل المتوافرة لهؤلاء الموظفين كي يتوزع عبء إيجاد الحلول على الجميع.
تذكر كاميل تشانغ غيلمور، نائب رئيس الموارد البشرية في شركة "بوسطن ساينتيفيك" (Boston Scientific)، أن فريق التنوع والشمول في شركتها يقدم المنضمين الجدد إليها لـ 9 مجموعات لموارد الموظفين، بما فيها مجموعة تركز على تعزيز أصحاب الهمم خلال أول 30 يوماً من عملهم في وظائفهم. وتقول: "نشجع المنضمين الجدد بشدة على الانخراط في هذه المجموعات، سواء كانوا يحتاجون موارد خاصة أو لا".
3. احرص على تقوية مسار التوظيف عن طريق التفاعل مع الفرق المجتمعية
أحد التحديات التي تواجهها الشركات في محاولة الاستفادة من مجموعة مواهب أصحاب الهمم هو الخطوة الأولى في حد ذاتها، أي تحديد المرشحين. إنها مشكلة تواصل، إذ قد يتردد أصحاب الهمم في التقدم للوظائف التي لا يعتقدون أنهم سيحصلون عليها، ولذلك تبقى مواهبهم واهتماماتهم بعيدة عن أعين من يضطلعون بالتوظيف. ولكن ليس من الصعب حل هذه المشكلة. إذ يمكن للشركات البدء في بناء خط توظيف قوي، من خلال التفاعل مع الفرق التي تدعم الموظفين أصحاب الهمم.
منذ 4 أعوام، بدأت شركة "تي موبايل" (T-Mobile) برعاية الرابطة الوطنية لكرة السلة للكراسي المتحركة (National Wheelchair Basketball Association). وأخبرنا بري سامبو، كبير مدراء المشاريع في قسم التوريد العسكري والتنوع قائلاً: "منحتنا بطولات الشباب حضوراً من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً ووالديهم. وبذلك أصبحنا نتحدث إليهم عما يبدو عليه العمل في شركة تي موبايل، ونشجعهم على التقدم. فكثير منهم لم يفكروا قط بأنهم يملكون خياراً لحياة مستقلة.
4. عليك ببناء مجتمع يتسم بالدعم المتبادل من أجل إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في الشركة
ستساعد برامج التدريب وفرص التواصل مع الموظفين الآخرين في ضمان تطور الموظفين أصحاب الهمم ونجاحهم، كما تعتبر مبادرات الإرشاد والتدريب وسائل مساعدة أساسية. إذ يجب على أصحاب الهمم الذين يعملون في المناصب العليا التفكير في العمل كمرشدين أو داعمين داخلياً وخارجياً.
وذكر لنا ويل لويس نائب الرئيس الأول للتنوع والشمول في "بنك أوف أميركا" (Bank of America)، أنه عندما أجرت الشركة استبانة للموظفين أصحاب الهمم كانت النتائج معبرة، يقول: "تضمنت الاستبانة أسئلة عن تقييم الموظفين لبرامجنا الحالية وعما يحتاجونه، والمثير للاهتمام أنهم أخبرونا أنهم نالوا التدريب المناسب والإمكانات اللازمة، ولكن ما كانوا يحتاجونه بشدة هو التعرف على عدد أكبر من الموظفين الذين يشبهونهم. لقد أرادوا مقابلة موظفين آخرين أظهروا إعاقاتهم علناً". ومن أجل التعامل مع هذه المعلومات، فتحت مجموعة موارد الموظفين نظامها الالكتروني من أجل السماح للأفراد برؤية من حولهم من الموظفين أصحاب الهمم الآخرين (بموافقتهم بالطبع)، بالإضافة إلى معرفة أفراد المجموعة الآخرين من مناطق مختلفة من البلاد (بموافقتهم أيضاً)، ذلك أن هذه المعلومات كانت سرية. يقول لويس: "لاقى هذا النهج ترحيب أفراد المجموعة وعزز العلاقات التي بناها زملاؤنا أصحاب الهمم".
ابدأ المحادثة الآن. في عام 2018، عرف 45% من موظفي أكسنتشر أنفسهم على أنهم من أصحاب الهمم، وكانت هذه النسبة في عام 2017 تبلغ 3% فقط. كنا نحن الاثنين (تشاد ولوري)، ضمن هذه المجموعة، كما أن زميلنا الثالث (تيد) من أصحاب الهمم أيضاً. ولكننا ندرك تماماً أن هذه النسبة المئوية لا تزال أدنى من الواقع نظراً لعديد من الأسباب التي تدفع كثيراً من الموظفين لإبقاء إعاقاتهم سراً (ومن أهمها وصمة العار المجتمعية والمرتبطة بمكان العمل). ولكننا نحرز تقدماً،
إذ نعلم من تجاربنا الشخصية أن المحادثات الهامة لن تُجرى والأولويات لن تُحدَّد والخطط لن تتحول إلى أفعال، إلا بطرح هذه المشكلات الجادة علانية.
كما أننا واثقون من أن موظفيك الحاليين يرغبون في إجراء هذه المحادثات، ويريدون معرفة أن بإمكانهم الحضور إلى العمل وإظهار إعاقاتهم دون الخوف من تلقي معاملة مختلفة. وسيستفيد الموظفون الذين يقدمون الرعاية لأشخاص من أصحاب الهمم أيضاً من التركيز على هذا الموضوع بصورة أكبر، وتبني الشركة نهجاً أكثر تعاطفاً.
اتبع هذه الخطوات الأربع، فهي التزام ليس له جوانب سلبية وذلك من أجل إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في الشركة بشكل صحيح.
اقرأ أيضاً: