كيف تتعلم من نجاحاتك لتحقيق أفضل صورة لذاتك

7 دقائق
كيف تتعلم من النجاح
shutterstock.com/GaudiLab

قبل خمسة عشر عاماً تقريباً، في 2005، نشرنا مقالة صدرت عن هارفارد بزنس ريفيو مع زملائنا الذين قدموا مقاربة جديدة لتنمية وتطوير القدرات الشخصية والمهنية: تكمن فكرة المقالة في أنّ الحصول على ردّ إيجابي يمثل طريقة قوية لنا كي نتطور، وخصوصاً عندما يأتي ذلك على شكل قصص وتجارب تصف لحظات كنا فيها بأفضل حالاتنا. نقدم في هذه المقالة، تمرين انعكاس الذات المثلى (RBSE)، وهو أداة قائمة على بحثنا الأكاديمي، ويستخدمها الآن آلاف الأشخاص حول العالم في برامج تدريبية للشركات، وبناء الفِرق، وبرامج القيادات التنفيذية، وفي مقررات الدراسات الجامعية والدراسات العليا في مختلف المجالات.

ويبين البحث النابع من هذا العمل أنّ الأشخاص يستفيدون من الآراء التقويمية الإيجابية حول نقاط قوتهم ومساهماتهم. حيث تدعم هذه الآراء الحالة العاطفية السليمة، وتبني قوة الشخصية والمهارة، وتساعد في تعزيز جودة علاقاتنا مع الزملاء والأصدقاء وأفراد الأسرة. كما أنّ مشاركة المعلومات حول انعكاس أفضل صورة للذات لدينا مع زملائنا الجدد في إطار عمليات إعداد الموظفين الجدد يزيد أيضاً من مستوى الرضا الوظيفي ويقلل من دوران الموظفين.

ويوفر اجتياز تمرين انعكاس أفضل صورة للذات بأكمله جرعة مركزة، وإن كانت غير منتظمة، من الآراء التقويمية الإيجابية. ولكن توجد طرق أساسية يمكنك معرفة المزيد عنها وتنشيط أفضل صورة لذاتك في العمل كل يوم أيضاً. وقد رأينا أنّ هذا النهج المستمر يساعد الأشخاص على إيجاد فرص جديدة لتطوير جوانب من أنفسهم كانت قد ضاعت في خضم متطلبات العمل اليومية، وكذلك ملاحظة طرق جديدة لصياغة وظائفهم أو اتخاذ خطوات جديدة نحو أعمال يتوقون إليها. تسلط هذه المقالة الضوء على خمس ممارسات لملاحظة الفرص اليومية للتطوير والاستفادة منها بناءً على أفضل ما لديك.

1- لاحظ الآراء التقويمية الإيجابية

معظم الأشخاص معتادون على الآراء التقويمية النقدية، وهي حادّة صادمة ومؤثرة وذات طابع تهديدي، ولذلك ترسخ في الذاكرة ولا تُنسى. وفي المقابل، يكون من السهل في كثير من الأحوال أن تغيب عنا التأملات والأفكار الإيجابية لأعمالنا. وكذلك فإنّ البقاء في هالة الثناء والإطراء يمكن أن يولّد شعوراً غير مريح بعدم التواضع. ولذلك يتطلب منّا الأمر ممارسة تذوق لحظات الإيجابية والاحتفاظ بها في ذاكرتنا.

ولالتقاط هذه اللحظات وتسجيلها، قم بإنشاء مساحة (رقمية أو مادية) تحتفظ فيها بأية آراء تقويمية إيجابية حصلت عليها. وقد تتضمن تلك الآراء ملاحظات شكر أو تعليقات مكتوبة في تقييمك الرسمي أو إشارات مرجعية إلى عملك في رسائل البريد الإلكتروني. ولا تقصر هذه المجموعة على حياتك المهنية، فالملاحظات والآراء التقويمية حول حياتك الشخصية يمكن أن تكون بالدرجة نفسها من القوة.

قم بالفصل بين الجوانب الإيجابية والسلبية عندما تحصل على آراء تقويمية مختلطة، فمن شأن ذلك أن يوفر لك مساحة ذهنية لتركز حصرياً على الآراء التقويمية الإيجابية لفترة محددة من الوقت، ثمّ تستخدمها في بناء فهم أفضل للأمور التي ينبغي عليك الاستمرار في القيام بها. فعلى سبيل المثال، يمكن للأساتذة الذين يحصلون على تقييمات لدروسهم من مئات الطلاب أن يكوّنوا شراكة تدريب أقران مع زميل موثوق به. يمكن لكل منكما أن يكون مسؤولاً عن استخراج التعليقات الإيجابية من تقييمات دروسك ووضعها في ملف الإشادات ورسائل الشكر الخاص بك.

وعندما يتوفر لديك قدر من الآراء التقويمية الإيجابية، حدد وقتاً في جدول أعمالك لمراجعتها وإعادة النظر فيها بانتظام، وهو ما يتيح لك الفرصة للنظر إليها برؤية جديدة. اسأل نفسك: ما الأنماط أو المواضيع التي أستطيع التعرف عليها؟ ما الفرص التي أستطيع إيجادها للتعبير أكثر عن أفضل ما لديّ؟ ما الأشياء الأخرى التي أستطيع تعلمها حول مواطن القوة لديّ، ومن يمكنه تزويدي بهذا المنظور؟ ومع أنّ بعض الأشخاص يفضلون أن يفعلوا ذلك بأنفسهم، يبقى من الرائع أيضاً مشاركة ذلك مع صديق أو مدرب موثوق. على سبيل المثال، يمكن للأساتذة في القصة السابقة أن يحددوا موعدين مسبقين مرتين في العام مع زميل موثوق لمشاركة وتبادل قصص التعليقات والآراء التقويمية الإيجابية، ومساعدة بعضهم بعضاً في تفسيرها، والتفكير على نحو إبداعي في كيفية دمج ما يتعلمونه في دروسهم.

2- اطرح أسئلة

لا تكتف بتقبل الآراء التقويمية الإيجابية فقط، بل استفسر عنها كي تفهم بشكل أفضل الكيفية التي تركت بها أثراً ما. وتتوقف المسألة على قيامك بذلك بطريقة لا تبدو أنانية، مّما يسمح للآخرين بأن يروا أنك لا تتقبل آراءهم التقويمية فحسب، بل تشعر بالامتنان نحوها.

على سبيل المثال، قم بالمتابعة اللازمة فيما يتعلق بالثناء. فغالباً ما نتجاهل المجاملات لأننا لا نشعر بالراحة عند تلقيها. ولكنها تمثل في واقع الأمر فرصة للتعلم إذا كانت محددة ومرتبطة بأحداث معينة. حاول تحليل الأوصاف والتسميات العامة والتعليقات الغامضة، وحاول فهم ما نجح بالنسبة لك وللآخرين في مواقف معينة. قل: "شكراً لك لملاحظة كذا، لقد أسعدتني آراؤك التقويمية. هل يمكنك إخباري عن أفعالي التي كان لها تأثير محدد لديك؟ أحاول تحديد نقاط قوتي كي أتمكن من الاستمرار في إحداث تأثير إيجابي في العمل".

وخلال تقييمات الأداء الرسمية، اطلب أحد الأمثلة المفصلة لنقاط قوتك التي تعرّف عليها مديرك. واسأل أيضاً عمّا إذا كان هناك أية فرص أخرى يعلمونها حول الجوانب التي يمكن توظيف نقاط قوتك فيها. فمثلاً، بعد أن تلقت إحدى المتخصصات المهنيات آراء تقويمية تشير إلى أنّ اجتماعات الفريق تبدو أفضل عند حضورها، سألت رئيستها فيما إذا كانت ثمة اجتماعات أخرى يمكن فيها الاستفادة من حضورها الهادئ ومهاراتها في التيسير لتحسين محادثات الفريق. وأدركت رئيستها أنها يمكن أن تكون مفيدة في ملتقى العملاء القادم، وبهذا فتحت أمامها فرصة جديدة لعرض نقاط قوتها.

تبين الأبحاث أنّ المدراء يتجنبون تقديم مديح محدّد يمتلك قيمة عملية، لذا فقد يترتب عليك القيام بالخطوة الأولى في السؤال عن الجوانب التي تؤديها على نحو جيد في وظيفتك، ثم التعمق في التحقق من الأمر بما يكفي للحصول على إجابة محددة. فمثلاً، في محادثة شخصية مع مديرك، قل: "أحاول تعلم المزيد حول كيفية مساهمتي في العمل كي أتمكن من مواصلة الاعتماد على تلك المساهمات وتعزيزها. وبصفتك مديري، فمن الأرجح أنك تمتلك أفضل وجهة نظر حول الوقت والمكان والكيفية التي أستطيع من خلالها إحداث تغيير في هذه المؤسسة. هل بإمكانك أن تعطيني مثالاً محدداً عن وقت رأيت فيه أنني كنت في أفضل حال، وأنني قدمت إضافة جيدة إلى فريقك؟".

فكر في الإعداد لاجتماع مع أحد المرشدين أو المدربين لمناقشة نقاط قوتك فقط وكيف يمكنك تطويرها وتعزيزها لتكون أكثر فعالية. وقم بالتجهيز لمناقشة أخرى منفصلة للحديث حول فرصك في تطوير جوانب الضعف لديك. قد يكون من المستحيل بالنسبة لك أن تركز على كل من نقاط القوة ونقاط الضعف في اجتماع واحد لأنّ الآراء التقويمية السلبية لها أثر أكبر علينا من الآراء التقويمية الجيدة. إذا قمت بتقديم آراء تقويمية للآخرين، فخذ بعين الاعتبار هذه الممارسة لمساعدة موظفيك على تحقيق النمو والازدهار.

3- تعلم من نجاحاتك

قم بإجراء مراجعات لاحقة لعملك كي تضع مقاييس الأداء وتتعرف على أفضل الممارسات للأعمال المستقبلية. استخدم مثال الفرق الرياضية: راجع "الشريط" للتعرف على الأمور التي سارت على ما يرام، ولتطوير "خطط لعب" مستقبلية بناءً على ما اكتشفته.

إذا تلقيت الآراء التقويمية بشكل شخصي، فخذ بعض الوقت بعد مفارقة ذلك التفاعل لكتابة أفكارك حول التجربة، وإنشاء سرد موجز حول ما فعلته وما كان له من أثر. يعتبر تسجيل اليوميات ممارسة فعالة، ويمكن أن يساعدك في رؤية الطرق التي يمكنك من خلالها تقديم أفضل ما عندك. على سبيل المثال، بدأ أحد من نعرفهم من مدراء الملكية الفكرية بتسجيل اليوميات في محاولة لتعزيز تطوره الشخصي والمهني. وبفضل التفكير في مُدخَلاته، لاحظ أنه كان قادراً، بشكل أفضل، على إدارة عملائه الذين تتزايد طلباتهم عندما جمعه معهم عشاء غير رسمي في الليلة الماضية، إذ كان لديه بعض الملاحظات والتلميحات حول اهتمامات عملائه ومخاوفهم. وكان لمشاهدة العملاء دور في زيادة ثقته ومنحه شعوراً بالراحة، وسمح له بأن يكون حاضراً بالكامل في الاجتماعات التي تتسم بطابع رسمي أكبر. وبمجرد أن أدرك هذا، بدأ المدير بعقد حفلات العشاء غير الرسمية بشكل أكثر انتظاماً، متيحاً لأفضل ما عنده من الصفات والقدرات الذاتية أن تتقدم باستمرار. وترتب على ذلك علاقات أقوى مع العملاء، وأدى في نهاية المطاف إلى ترقيته.

قم أيضاً بتخصيص بعض الوقت للتأمل في نقاط قوتك على مستوى أشمل. فمثلاً، كيف يمكن لنقاط قوتك أن تتمّم نقاط ضعفك؟ انظر إلى الجانب المظلم من نقاط قوتك: كيف يمكن لنقاط ضعفك أن تسيطر عليك أو تقودك إلى إساءة استخدام نقاط قوتك، وكيف يمكنك تجنب حدوث ذلك؟

وبمجرد أن تحوّل تحليل أفضل صورة لذاتك إلى ممارسة لديك من خلال ملاحظة الآراء التقويمية الإيجابية وطرح الأسئلة ودراسة نجاحاتك والتعلم منها، فإنك ستطوِّر فهماً راسخاً وأكثر شمولية عن جوهر ذاتك المُثلى والعوامل الظرفية التي تسمح لك باستحضار هذه الذات المُثلى في عملك. تساعدك الخطوات التالية في الاستعداد لبلورة أفضل صورة لذاتك بطريقتين: الممارسة والوفاء بالعطاء.

4- مارس ترسيخ ذاتك المُثلى

قد يكون من الصعب الحصول على أي إقرار أو إثبات في بيئات العمل السّامة بشكل خاصّ. وقد يكون إيجاد طرق لترسيخ ذاتك المُثلى في هذه السياقات مؤهّلاً لك بشكل شخصي، خصوصاً أثناء المراحل السيئة التي تنخفض فيها النقاط في أسبوع عملك أو سنة عملك أو مسارك المهني عموماً. وإليك بعض الخيارات:

انقل جوانب من ذاتك المُثلى من مجال آخر إلى مكان العمل. عليك أن تجد بعض المنافذ أو القنوات التي تستطيع من خلالها تلقي إقرار حول مساهماتك القيِّمة. قد يتطلب منك ذلك التفكير على نحو أوسع بشأن ذاتك المُثلى، وتجاوز القيود المفروضة على بيئة عملك المباشرة، والاستفادة مما تعلمته حين كنت مساهماً قيِّماً في جانب آخر من عملك سابقاً. على سبيل المثال، إذا كنت أحد أفراد مجتمع ديني أو نادٍ للخريجين أو مؤسسة مجتمعية، أو منظماً لوجبات طعام جماعية في الحي، ابحث في هذه الأدوار المختلفة عن آراء تقويمية حول مواطن قوتك ومساهماتك وانقلها إلى دورك الوظيفي. فإذا كانت أسرتك تصفك- مثلاً- بأنك سمكري مرح، تقوم بإصلاح جميع الأدوات والتكنولوجيات المعطلة، فخذ بعين الاعتبار كيفية الاستفادة من ذلك في العمل. حصلت إحدى عميلاتنا على آراء تقويمية حول أفضل صورة لذاتك عن تنظيم العديد من الفعاليات الكبيرة التي جمعت بين أعضاء مختلفين من المجتمع. وقد ساعدها ذلك في فهم الطريقة التي تمكنها من استخدام هذا النهج نفسه لجمع أصحاب المصلحة المهنيين في قيادة مبادرة داخلية مهمة للتغيير.

اخلق مساحة في وظيفتك لتظهر فيها ذاتك المُثلى. ارسم ملامح وظيفتك- إذا استطعت- حتى يُظهِر أحد جوانبها على الأقل ذاتك المُثلى. وإذا كانت وظيفتك صعبة حقاً، فابحث عن مجموعة محدودة من المهمات التي يمكنك أن تجذب فيها ذاتك المُثلى لتعوض الجوانب الأقل إرضاءً وأنت تفكر في إمكانية استمرارك في عملك على المدى الطويل. غالباً ما نشعر بقيمة أعظم في العمل عندما نرى الأثر الذي نتركه على الآخرين. ولذلك، فإنّ إيجاد أدوار ومنافذ تسمح لك بتقديم العطاء للآخرين في العمل أو في مجتمعك المهني يمثل- على الأرجح- طريقة مهمة لخلق مساحة لذاتك المُثلى كي تظهر.

عندما تحصل على آراء تقويمية سلبية، حاول دراستها بجانب الآراء التقويمية الإيجابية التي تمتلكها في ملفك. فمن شأن تذكير نفسك بطريقتك في خلق القيمة أن يقلص من موقفك الدفاعي السلبي، ويزودك بالثقة بالنفس وقوة الشخصية التي تحتاجها لدراسة الفرص بعناية لاستخدام تلك الآراء التقويمية السلبية في تحقيق النمو. تعرف على جوانب ذاتك المُثلى التي ستساعدك في الارتقاء إلى مستوى تحدي دمج الحكمة داخل الآراء التقويمية السلبية، وإدراك كيفية التقدم دون أن تفقد إحساسك بذاتك.

5- الوفاء بالعطاء

تكمن الطريقة المُثلى لتذكر أفضل أحوالك في مشاركة آراء تقويمية غنية مع آخرين حول أفضل أحوالهم. ويمكن أن تُحدث هذه الممارسة شكلاً من المعاملة بالمثل، حيث يصبح تبادل الآراء التقويمية على هذه النحو معتاداً. ففي نهاية مشروع ما، على سبيل المثال، قم بمشاركة ملاحظة حول كيفية تقديم كل عضو من أعضاء الفريق لمساهمة مهمة حقاً بالنسبة للفريق. الاحتفالات الختامية هي مكان طبيعي لمشاركة آراء تقويمية حول أفضل صورة لذاتك، ولكن يمكنك أيضاً مشاركة أفكارك من خلال رسائل مكتوبة أو بالبريد الإلكتروني، أو لقاءات شخصية، إذا سمح وقتك وجدول أعمالك بذلك.

شبّه كلٌّ من ديل كارنيغي وجون ماكسويل عملية تطوير الأشخاص بالتنقيب عن الذهب، حيث يتوجب عليك نقل أطنان من الأوساخ أثناء العملية، ولكنك تمضي في البحث عن الذهب، وليس الأوساخ. وبالمثل، يمكن للأشخاص الذي يعترفون بإنجازات الآخرين ويقرّون بها أن يخرجوا أفضل ما لديهم ولدى الآخرين باستمرار. وتذكّر أنّ انتقالك إلى أفضل حالاتك وإخراج أفضل ما لدى الآخرين يمثل رحلة حياة طويلة. وبالشجاعة والفضول والالتزام، يمكنك أن تستخدم تطوير الذات المُثلى لتغيير نفسك وعلاقاتك ومؤسساتك على نحو إيجابي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي