إليك هذا المقال الذي يتحدث عن محادثات لتدريب الموظفين المبتدئين تحديداً. يُعتبر التدريب المهني أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى خريجي الجامعات الجدد والشباب الذين ينضمون إلى القوة العاملة. وعلى الرغم من خبرتهم الضئيلة، إلا أنهم يتخذون خيارات تؤثر على حياتهم لفترة طويلة في المستقبل. وقد أظهرت الأبحاث أن الوظائف الأولى هي الوقت الأمثل الذي يُتيح للعمال اكتساب مهارات قابلة للنقل ترافقهم خلال مساراتهم المهنية. ويُعتبر تأثير السنوات الثلاث الأولى في القوة العاملة على وجه الخصوص كبيراً على نمو الموظفين وشعورهم بالثقة. ويمكن للمدراء الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية تدريب أعضاء فرقهم مساعدتهم في التفكير بشكل استراتيجي ورسم مساراتهم الشخصية ومواجهة التقلبات طوال حياتهم المهنية.
عندما أسستُ شركة "كوتش إن أ. بوكس" (Coach in a Box)، وهي مؤسسة عالمية استحوذت عليها لاحقاً شركة "بي تي إس" (BTS) الاستشارية، كان هدفي هو تقديم هذه المعرفة والمهارات إلى الجميع. وجمعت وزملائي خلال عملنا سجلات لأكثر من 100,000 محادثة من محادثات التدريب بهدف الكشف عن نوع التوجيه الذي يحتاج الشباب إليه. ودرسنا المحادثات التي تركز على أكثر القضايا التي يعاني منها الموظفون، وحددنا أربع فجوات معرفية تبرز مراراً وتكراراً:
- كيفية تعزيز القدرة على التحمل: القدرة على استعادة التوازن بعد تجاوز العقبات، مثل فشل مشروع مبكر أو عرض تقديمي فاشل.
- كيفية التأثير على الآخرين: القدرة على كسب ثقة الآخرين واحترامهم من أجل تنفيذ دور أكثر فاعلية.
- كيفية الصياغة الوظيفية: القدرة على تحديد الهدف الأسمى من الوظيفة وتصميم مسار مهني يحقق المزيد من الرضا الوظيفي.
- كيفية التخلص من الأنماط السلوكية: القدرة على تحدي أنماط التفكير الشخصية بهدف تحديد المشكلات وحلها من منظور مختلف.
محادثات لتدريب الموظفين المبتدئين
على الرغم من أن كل المهارات السابقة ضرورية، إلا أن كل مهارة منها تتطلب محادثات لتدريب الموظفين المبتدئين بطريقة مختلفة بعض الشيء. وستسفر معالجة هذه المهارات بشكل كامل وواضح عن نتائج تعمل على تحسين النجاح على المدى القصير، فضلاً عن تحقيق الرضا الوظيفي طويل الأجل. وتُعتبر طبيعة العلاقة بين العامل والمدير العامل الرئيس المسؤول عن 70% من التباين في انخراط الموظفين في العمل. وهذا يعني أن المدراء الذين يستثمرون وقتهم في معالجة هذه المشكلات يزيدون من فرص استبقاء الموظفين، ويبنون روابط تجعل فرقهم ملهمة ومبتكرة وتؤدي أفضل أداء على حد سواء.
المحادثة رقم 1: كيفية تعزيز القدرة على التحمل
غالباً ما يميل الموظفون الشباب إلى انتقاد أنفسهم عندما يخوضون تجربة سلبية. وغالباً ما يكون انتقادهم لذواتهم فظاً، وهو ما يُسفر عن انخفاض ثقتهم بأنفسهم وبأدائهم الوظيفي. وتدور هذه المحادثة حول السماح للموظفين بالتعبير عن هذه المشاعر السلبية حول أنفسهم دون إطالة الحديث حولها. ويتعلق الأمر بمساعدتهم في معرفة كيفية موازنة وجهات نظرهم والتوقف عن إصدار الأحكام والتركيز على واحد أو اثنين من الخيارات الإيجابية التي تمكّنهم من التعلم والمضي قدماً.
اطرح بعض الأسئلة أثناء المحادثة حتى تتمكن من معرفة ما يعاني منه الموظف:
- كيف كان شعورك عندما صرّح زميلك بذلك؟
- بم كنت تفكر في تلك اللحظة؟
- ماذا يخبرك هذا التصرف عن شخصيتك؟
استمع وكرّر ما تسمعه. وبمجرد أن تفهم رأي الموظف، تابع طرح الأسئلة التي ستساعده في التوقف عن انتقاد نفسه والتفكير فيما حدث بالفعل. وإذا شعر الموظف أنه غير قادر على ارتكاب الأخطاء دون أن يفقد مصداقيته، فيمكنك حينئذ أن تطلب منه تذكر لحظات شعر فيها بالرضا عن نفسه، واطرح عليه أسئلة مثل: "هل من الصحيح أن يُسفر خطأ واحد عن جعل الموظفين يتجاهلون التواصل معك؟ وغالباً ما يساعد تعبير الموظف عن أفكاره الداخلية بصوت عالٍ في جعله يدرك أن هذه الأفكار هي محض خيال.
وتتمثّل الخطوة الأخيرة في مساعدة الموظف في معرفة الخيارات التي يمكنه اتخاذها بهدف تجاوز المواقف المستقبلية بشكل مختلف. ويجب عليك مراعاة مشاعره دون إبداء أي مشاعر عاطفية سواء كانت إيجابية أو سلبية، فضلاً عن ضرورة تجنب إصدار الأحكام طوال الوقت. إذ لا ينطوي عملك على حل مشكلته أو التعاطف معه، أو تزويده بملاحظات مشجعة، وإنما على طرح أسئلة من شأنها أن تساعده في التعلم وأن يكون قادراً على التحمل أكثر.
المحادثة رقم 2: كيفية التأثير على الآخرين
عندما يواجه الموظف صعوبة في علاقة ما، يساعده مدرب مهني رائع في رؤية الموقف من منظور الشخص الآخر، وإيجاد طرق جديدة للانخراط أو بناء العلاقة. وكشف تحليل بياناتنا مع جامعة سنغافورة للإدارة أن 39% من محادثات التدريب مع الموظفين المبتدئين تركز على مساعدتهم في التأثير على الأفراد، وبناء الشبكات المهنية، وخلق الآثار المرجوة.
على سبيل المثال، كان أحد الخريجين الجدد الذين درّبناهم يعمل مع مدير إداري وصفه أنه نائي وغير مبال. وأثناء محادثتهم التدريبية، دفعه مديره المباشر إلى وضع نفسه في مكان المدير الإداري. وعندما نظر الموظف في نطاق مسؤوليات المدير الإداري، أدرك أن عدم مبالاته قد تكون ناجمة عن انشغاله. كما أصبح أكثر وعياً بكيفية مساهمة منصبه في نجاح الشركة. نتيجة لذلك، استبدل أسلوبه الدفاعي الأولي باتباع نهج حب الاستطلاع والتعاطف والثقة. وكان قادراً من خلال تغيير نهجه على تكوين علاقة مختلفة تماماً مع المدير الإداري الذي أصبح في نهاية المطاف مرشداً له طوال مسيرة حياته المهنية.
اطلب من الموظف في هذه المحادثة التفكير من منظور الشخص الآخر، واسأله عن سُبل تطوير مهارة الاستماع إلى الآخرين، وكيفية التواصل بشكل أفضل من أجل بناء الثقة بعد تسلّحه بهذه الرؤية الثاقبة الجديدة. وحاول تجنب التعاطف أو تقديم حلولك الخاصة بقولك: "هذا صحيح، دائماً ما يتصرف المدير الإداري على هذا النحو". بل يكمن السر في مساعدة الموظف في اكتشاف كيفية التواصل بشكل مختلف مع هذا الفرد من تلقاء نفسه.
المحادثة رقم 3: كيفية الصياغة الوظيفية
يكمن الهدف من هذه المحادثة في مساعدة الموظف في التفكير في أهم أهدافه حتى يتمكن من تصوّر رؤية مقنعة لمستقبله، إذ يُعتبر القيام بعمل هادف غاية معظم الأفراد. ويميل أولئك الذين لا يملكون إحساساً بالهدف إلى الإنهاك بسهولة أكبر.
تأمّل حالة موظفة ناجحة أجرينا دراسة عليها. عملت هذه الموظفة طوال ساعات طويلة على إنجاز مشروع لفريقها. وعلى الرغم من أنها نجحت في نهاية المطاف، إلا أنها كانت منهكة للغاية إلى درجة أنها أخبرت مديرها أنها قد لا تكون قادرة على الالتزام بمنصبها على المدى الطويل. وانتهز المدير هذه الفرصة لمساعدتها في تذكر سبب انضمامها إلى فريقه. وطرح عليها أسئلة تهدف إلى مساعدتها في توضيح هدفها وكيفية بلوغ هذا الهدف. نتيجة لذلك، انتابها إحساس بالإلهام والحماس للمضي قدماً.
ولإلهام أعضاء فريقك بالطريقة نفسها، اسألهم عن أهدافهم وساعدهم في التركيز عليها:
- ما الذي يحدث الآن؟
- كيف يمكنك تغيير هذا الوضع؟
- ما الذي يمكنك فعله في سبيل بلوغ هذه الرؤية؟
وتجنب طرح أسئلة حول ما يفكر به الآخرون أو يتوقعونه، وحاول ألا تشارك تجاربك الشخصية. بدلاً من ذلك، ركز على مساعدة الموظف في تحديد الموقف الذي يخوضه حالياً، والموقف الذي يريد الانخراط فيه، والخطوات التي يجب عليه اتباعها في سبيل تحقيق هدفه. وفي حال لم يكن الموظف مدركاً لأهدافه بعد، فحاول مساعدته في العثور على طرق لاستكشاف المسارات التي تثير اهتمامه.
المحادثة رقم 4: كيفية التخلص من الأنماط السلوكية
قد يواجه الموظف صعوبة عند محاولة حل مشكلة ما في بعض الأحيان. فقد يستسلم عندما لا ينجح بعد المحاولة الأولى، أو يحاول مرة أخرى باستخدام الطريقة نفسها. ويمكن للمدراء مساعدة أعضاء فرقهم في اكتشاف "أنهار التفكير" هذه وتعليمهم كيفية التجديف فيها.
كانت إحدى الخريجات الحديثات التي قمنا بتدريبها تواجه صعوبة في فهم سبب قلة عدد الحضور في الفعاليات التدريبية التي تنظمها. واستمرت في محاولة أساليب جديدة ومبتكرة لتحفيز الحضور، إلا أنها باءت بالفشل. بيد أن مديرها ساعدها على التفكير في الأمر بطريقة مختلفة، إذ دفعها إلى التفكير في نوع الفعاليات التي قد يحضرها الأفراد، بدلاً من التفكير ملياً في كيفية جعل الأفراد يحضرون تدريباتها الحالية.
ودفعتها عملية التفكير الجديدة هذه إلى إدراك أن فعالياتها كانت غير ضرورية، حيث يمكن العثور على جميع المعلومات التي قدّمتها عبر الإنترنت. بل ما أراده زملاؤها هو فرصة الحصول على المشورة والدعم من أقرانهم. ومع وضع ذلك في الاعتبار، أسّست نادي تعارف ناجح جداً وقت الغداء.
استخدم هذه المحادثة لمساعدة الموظف الذي يعاني من تشتت التفكير، وابحث عن سبل جديدة للاستفسار عن احتياجاته. واطرح الأسئلة التالية:
- ما هي المشاكل التي تحاول حلّها؟
- ما هي المشاعر تنتابك أثناء التفكير في حل هذه المشاكل؟
- ما هي الأمور التي تسبب لك القلق؟
- ما الذي يُحبط الآخرين باعتقادك؟
ينطوي هدفك على حملهم على تحديد المشكلة التي يحاولون حلّها بالفعل وإيضاح سبب عدم نجاح جهودهم. وكرّر إجاباتهم مرة أخرى لهم. وبمجرد إدراكهم أن خطة عملهم الحالية فاشلة، شجعهم على التفكير في حلول بديلة من خلال النظر في جميع المعلومات التي جمعوها.
وتذكر أن دورك لا ينطوي على تقديم حلول، وإنما مساعدة الموظفين في توضيح الأسئلة التي يحاولون الإجابة عنها، ودفعهم إلى جمع وجهات نظر من مصادر متنوعة، والتفكير فيما تعلموه من أجل التوصل إلى استراتيجية جديدة وأفضل.
يتطلب بناء قادة المستقبل تقديم المساعدة إلى الموظفين في تبني العقليات التي من شأنها أن تغير مواقفهم. وإذا تمكنوا من تبني تلك العقليات بالفعل، يمكنهم عندئذ أن يجدوا الرضا، وأن يواصلوا الانخراط في العمل، وأن يحققوا إمكاناتهم على المدى الطويل. وتتمثل الخطوة الأولى في إجراء محادثات لتدريب الموظفين المبتدئين.
اقرأ أيضاً: