هل يمكن أن يرغّبنا الذكاء الاصطناعي في اتخاذ خيارات أفضل؟

5 دقائق
تأثير الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرار
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جاءت الثورة السلوكية في عالم الاقتصاد على إثر سؤال بسيط ومتكرر: ماذا لو لم يتصرف الناس بطريقة عقلانية؟ ويثير هذا السؤال نفسه الآن جدلاً في مجال التكنولوجيا عند الحديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرار. ففي عالم الإنترنت، بمجرد أن يتوقع الجميع أن يكون مكاناً للمعلومات الجاهزة والتعاون السهل، يمكن للأكاذيب والكراهية أن تنتشر بسرعة أكبر من الحقيقة واللطف. وتستنبط أنظمة الشركات السلوكيات غير العقلانية أيضاً. فمثلاً، عند التنبؤ بالمبيعات، غالباً ما يقوم الموظفون بالتستر على الصفقات السيئة ويختارون الإبلاغ عن الصفقات الجيدة.

يقف الذكاء الاصطناعي في مفترق طرق المسألة السلوكية، بقدرته على أن يجعل الأمور أسوأ أو أن يستنبط منها مخرجات أفضل. ويتمثل الحل للوصول إلى مخرجات أفضل في تعزيز الحاصل العاطفي (EQ) للذكاء الاصطناعي. كيف نحقق هذا؟ يمكن أن يتحقق ذلك من خلال تدريب الخوارزميات على محاكاة الطريقة التي يتصرف فيها الناس في خضم علاقات بنّاءة.

وسواء اهتممنا بالاعتراف بذلك أم لا، فإننا نبني علاقات مع تطبيقات. وتستطيع التطبيقات كما الأشخاص، استنباط كل من السلوكيات الإيجابية والسلبية منا. وعندما يتعامل الأشخاص ذوو الحاصل العاطفي المرتفع معنا، فإنهم يتعلمون أنماطنا، ويتعاطفون مع حوافزنا، ويدرسون استجاباتهم بعناية. ويقررون تجاهلنا أو مواجهتنا أو تشجيعنا وفقاً لطبيعة الرد الذي يتوقعونه منا.

يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي على فعل الشيء ذاته. لماذا؟ لأنّ السلوكيات أكثر قابلية للتوقع مما نود أن نعتقد. تزدهر تجارة تخسيس الوزن البالغ قيمتها 70 مليار دولار لأنّ شركات الحمية تعلم أنّ معظم الناس يستعيدون الوزن الذي خسروه. ويستفيد قطاع الرهانات البالغ قيمته 40 مليار دولار من آمال المقامرين غير المنطقية في العودة إلى المراهنة. وتعلم شركات البطاقات الائتمانية أنّ من الصعب على الناس التخلص من عاداتهم في الإنفاق.

فوائد تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم السلوكية

بينما يعتبر ذلك مبكراً إلى حد ما، إلا أنّ مجالي العلوم السلوكية وتعلم الآلة يقدمان بعض التقنيات الواعدة لإنشاء ذكاء اصطناعي ذي حاصل عاطفي أعلى، بحيث تدمجها المؤسسات في عملها لإنتاج مخرجات أفضل. وتشمل هذه التقنيات:

ملاحظة تغيير الأنماط والترغيب

يستطيع ببساطة الأشخاص الذين يعرفونك تحديد إذا كنت تقوم بتغيير نمط ما، ويقومون بردة فعل على هذا الأساس. فمثلاً، قد يلاحظ أحد الأصدقاء أنك غيرت عاداتك فجأة، ويسألك عن السبب. وبالمثل، يلاحظ نظام دفع الفواتير عبر الإنترنت في بنك أوف أميركا تغيير النمط لمنع أخطاء التدوين لدى المستخدمين. ويتذكر النظام نمط الدفعات التي قمت بها في السابق، ويضع تحذيراً فيما لو قمت بزيادة دفعتك بشكل كبير إلى المورّد.

التشجيع على الوعي بالذات مع المقاييس المعيارية

غالباً ما تسفر مصارحة الأفراد بسوء أدائهم عن نتائج عكسية، وتتسبب في نزعة دفاعية بدلاً من بذل مجهود أكبر. ويسمح استخدام أسلوب أكثر لباقة ببساطة للأشخاص برؤية جوانب اختلافهم عن الآخرين. فمثلاً، استخدمت شركة تكنولوجيا كبيرة الذكاء الاصطناعي لتقديم تنبؤات حول المبيعات أدق من تلك التي أتى بها فريق المبيعات. ولحث الفريق على تصحيح طرقه، يقدم النظام لكل أعضاء الفريق تصورات شخصية تظهر جوانب اختلاف توقعاتهم عن توقعات الذكاء الاصطناعي. ثم تتولى وكزة بسيطة الاستعلام عن سبب انطباق هذه الحالة. ويستطيع العضو في الفريق أن يقدم تفسيراً عقلانياً، أو تجنب تقديم آراء تقويمية، أو الادعاء بأنّ الذكاء الاصطناعي خاطئ. يتعلم الذكاء الاصطناعي عن المادة وتوقيت ردة فعل الفرد، ويقوم بمقارنتها مع الفجوة في هذين التوقعين، ويستطيع اختيار الوكز المناسب من الدرجة الثانية.

استخدام نظرية الألعاب لقبول النتائج أو تحديها

تخيّل أن تكون عضواً في فريق يجب عليه إيجاد أخطاء في أكثر من 100,000 من معاملات الصناديق المشتركة يومياً. يقوم صندوق يدير أصولاً بقيمة تريليون دولار بالتعامل مع هذه المشكلة المروعة باستخدام الذكاء الاصطناعي. سجّلت النسخة الأولى من الذكاء الاصطناعي أخطاءً محتملة (سُميت “حالات شاذة”) حسب المخاطر والتكاليف المحتملة، ثم وضعت الحالات الشاذة الأخطر أولاً. ثم قام النظام بمتابعة الوقت الذي استغرقه المحلِّل في العمل على كل حالة شاذة. وكان يُعتقد أنّ المحللين سيمضون وقتاً أطول في العمل على الحالات الشاذة الأخطر ووقتاً أقل على “الأمور البديهية”. وفي الواقع، كان بعض المحللين يسرعون في عملهم على الحالات الشاذة الأخطر، وصولاً إلى قرارات سريعة على نحو مريب.

وغالباً ما كان معدل القراءات الإيجابية الكاذبة عالياً للغاية على معظم أجهزة المسح الشامل. على سبيل المثال، وجدت فِرق سرية في وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة أنّ هيئة النقل والأمن التابعة للوزارة فشلت في إيقاف 95% من محاولات المفتشين لتهريب الأسلحة أو المواد المتفجرة من خلال الفرز. يبحث محللو صندوق الاستثمار المشترك في عدد لا يحصى من المعاملات، مثل مفتشي هيئة النقل والأمن الذين يتعاملون مع آلاف الركاب، تتفحص أعينهم ما في المكان، وتمر عن الحالات الشاذة بكل بساطة.

ويعالج الصندوق هذا السلوك الخطير، الذي يمكن التنبؤ به إلى حد كبير، بإحدى الخوارزميات التي تشغلها برامج تلعب الشطرنج. حيث تقوم هذه النسخة المعدّلة من نظرية اللعبة المتتابعة أولاً بمراقبة فيما إذا يخلص المحلل إلى أنّ الحالة الشاذة هي قراءة إيجابية كاذبة، أو يقرر أن يقضي وقتاً أطول في العمل عليها. ويمكن أن يقرر الذكاء الاصطناعي، الذي يؤدي دور الخصم في لعبة الشطرنج، المواجهة من خلال قبول قرار المحلل أو تحديه.

اختيار الوقت الأنسب للرؤية والإجراءات العملية

مهما اختلفت المعايير، يعتبر جيف بيزوس صانع قرارات رئيس. وقد تحدث بيزوس عن إطار عمله الخاص باتخاذ القرارات في مقابلة أجراها مؤخراً مع ديفيد روبنستاين من تلفزيون بلومبيرغ. عند الحديث معه حول قرار معقد في وقت متأخر بعد الظهيرة، غالباً ما يرد قائلاً: “لا يبدو ذلك كقرار يُتخذ عند الساعة الرابعة عصراً، بل يبدو مثل قرار يُتخذ عند الساعة التاسعة [صباحاً]”.

وأجرى فريق المبيعات بشركتي اختبار أ/ب على الوقت المناسب من اليوم لزيادة نسبة الرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالتوقعات، ووجد اختلافاً كبيراً في معدلات الإجابة بين الرسائل التي أرسلت في صباح يوم الثلاثاء وظهر الجمعة. الكثير من أنظمة مراسلة المستهلكين مضبوطة لزيادة الأرباح. يمكن تحسين خوارزمية الضبط لتحديد نوع القرار الذي سيجري اتخاذه، وتوجّه المستخدمين إلى الاستجابة واتخاذ قرارات أفضل. فمثلاً، يمكن تقديم القرارات التي تتطلب إعمالاً للفكر في وقت يكون فيه لدى صانع القرار وقت أكثر للتفكير، سواءً من خلال التنبؤ أم عبر جدولة مواعيد المستخدم.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي ذي الحاصل العاطفي الأعلى أن يضيف قدراً أكبر من اللطف إلى الإنترنت؟ قد تبلي بعض شركات وسائل التواصل الاجتماعي بلاءً حسناً في النظر في الفارق الذي يتعلمه موظفي الشركات الغربية بسرعة عند النقاش مع نظرائهم اليابانيين، “هون” (ما يشعر به المرء في داخله) مقابل “تاتيماي” (ما يظهره المرء في العلن). ويؤدي الفهم المشترك للفارق بين ما يشعر به الشخص وما سيقوله إلى عدد أقل من الحسابات الخاطئة. ومن المحتمل تطوير خوارزمية قائمة على ذلك الفارق لمعالجة ميول الأشخاص التي يمكن التنبؤ بها لقول وفعل أشياء تحت ضغط الجماهير (حتى لو كانت جماهير افتراضية) والتي سيترددون في فعلها في حالات أخرى.

ويمكن وكز شخص ما يحضّر لمنشور تحريضي أو مضلل أو قاسٍ ليعيد النظر في لهجته أو يلاحظ النبرة الحادّة لموضوع “واسع الانتشار”. في الواقع إنّ هناكَ تحديات هائلة تواجه تطوير ذكاء اصطناعي ذي حاصل عاطفي، ولكن بدلاً من التخلص من المنشورات الفردية ببساطة، فقد يكون من المفيد في نهاية الأمر تغيير السلوك عبر الإنترنت إلى الأفضل عبر دراسة تأثير الذكاء الاصطناعي على عملية اتخاذ القرار.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .