كيف تتغلب النظم الصحية على تحديات التغير المناخي؟

10 دقائق
التغلب على تحديات التغير المناخي

يصبح من الصعب تجاهل آثار التغير المناخي المترتبة على الصحة والبشر. إذ تُحدث الظروف الجوية القاسية المزيد من الاضطراب في حياة الناس والأعمال، في الوقت الذي تفاقم فيه أيضاً من الظروف الصحية المزمنة مثل مرض الربو، وتوسّع نطاق الأمراض المعدية، وتزيد الأمراض العقلية سوءاً. فكيف يمكن التغلب على تحديات التغير المناخي حول العالم؟

في عام 2018، قدّرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (آي بي سي سي) أننا بحاجة إلى تقليص انبعاثات غاز الدفيئة لدينا إلى النصف بحلول عام 2030 وخفضها إلى الصفر بحلول عام 2050، لنتمكن من تجنب التغيرات الكارثية التي تطرأ على أجوائنا. حان الوقت بالنسبة لنا جميعاً لنأخذ تهديد التغير المناخي والفرصة الكامنة فيه على محمل الجدّ، لكن كيف يمكن للأعمال أن تُحدث تغييراً مهماً؟ وكيف تنسجم الاستدامة مع أولويات المنافسة التي يواجهها الكثيرون منا؟ تحدثنا مع قادة في أربعة من النظم الصحية الكبرى في الولايات المتحدة، هي مركز "كليفلاند كلينك" (Cleveland Clinic) واتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت" (Kaiser Permanente) ومؤسسة "مركز بوسطن الطبي" (Boston Medical Center) ومؤسسة "بارتنرز هيلث كير" (Partners Healthcare)، وهي مؤسسات تعكف على إيجاد حلول.

يمس التغير المناخي جوهر النظم الصحية التي تتمثل رسالتها في الحفاظ على صحة الناس. هذه النظم تتأثر أيضاً من الناحية المالية والهيكلية بازدياد وتيرة الظروف الجوية القاسية، وهي مساهمة رئيسة في انبعاثات الكربون. حتى الظروف المناخية البعيدة قد تؤثر عليها. تأمّل ما حدث عندما ضرب إعصار ماريا جزيرة بورتوريكو عام 2017. أوقع الإعصار ضحايا وتسبب بانقطاع الكهرباء عن المكان. كما أحدث اضطرابات في سلاسل التوريد. وفجأة، واجه الأطباء والمرضى في أرجاء الولايات المتحدة نقصاً في المحاليل الوريدية والأدوية نظراً لأنّ بورتوريكو نفسها هي من تصنِّع أكياس المحاليل لبقية أنحاء البلاد، وتضررت النباتات بشدة جرّاء الإعصار. كان على طواقم التمريض اللجوء للوقوف إلى جانب سرير المريض وحقن الأدوية ببطء من خلال إبرة بدلاً من جعلها تقطر من كيس المحلول.

اقرأ أيضاً: هل التغير المناخي يُكلف المستثمرين تريليونات الدولارات؟

وعلى مختلف الأصعدة المتعلقة بموضوع التغلب على تحديات التغير المناخي حول العالم، تعتبر نظم الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية أمام التغير المناخي. لكنها لا تقف مكتوفة الأيدي في وجه هذه التهديدات. يسير القادة الذين تحدثنا معهم في الاتجاه الصحيح لجعل منشآتهم محايدة كربونياً بين عامي 2020 و2027 بالتزامن مع بناء قدرة على التأقلم مع آثار التغير المناخي، حتى مع توسع عملياتهم، وميلهم إلى تحقيق النتائج المالية، وتوفير خدمات رعاية صحية ممتازة. كيف يتدبرون ذلك كله؟ وما هي الدروس التي يمكن للأعمال من مختلف القطاعات استخلاصها من نجاحاتهم؟

النجاح المستند إلى الرسالة من أجل التغلب على تحديات التغير المناخي

كما هو الحال مع أي مبادرة أعمال، يبدأ العمل لمجابهة التغير المناخي بالرسالة. وبالنسبة للنظم الصحية، يؤثر التغير المناخي بشكل مباشر على صحة المرضى والمجتمعات. نتمتع بالصحة بقدر سلامة البيئة التي نعيش فيها، ومع تفاقم مشكلة التغير المناخي، يواجه أشخاص أكثر تبعات صحية للحرائق والفيضانات، ويجبرون على الهجرة جرّاء المحاصيل التالفة والجفاف والاضطرابات السياسية الناتجة.

وبالنسبة لجون مسيرفي، مدير رأس المال وتخطيط المنشآت في مؤسسة "بارتنرز هيلث كير"، فإنّ أكبر تهديد محلي هو الماء. تقع مدينة بوسطن في نقطة التقاء تيارين مائيين: ذوبان جليد القطب الشمالي الذي ينسكب من الشمال ويلتقي مع الأعاصير القوية القادمة من الجنوب. وهذا يضع المدينة في مواجهة خطر محدد يكمن في ارتفاع مستوى البحر وحدوث فيضانات كارثية. ويعتبر التحضير لهذا الأمر، وفعل ما بالإمكان لمنعه، جزءاً بالغ الأهمية من الإيفاء برسالة النظم الصحية. أخبرنا مسيرفي أنّ "سكان بوسطن لا يشعرون بهذا لأنه لن يكون أي فيضانات في المستقبل". وأضاف: "يقع على عاتقنا إعداد خطط استجابة للاستمرار في خدمة المجتمع، مهما حدث".

وفي بوسطن أيضاً، يقوم بوب بيجيو، النائب الأول لرئيس خدمات الدعم والمنشآت في مؤسسة "مركز بوسطن الطبي"، بتحفيز فريقه من خلال تذكيرهم بأنّ كل شيء يفعلونه يعود على خدمة المرضى والمجتمع. وقد قال: "وجهتي هي رسالة المستشفى في جعل مدينة بوسطن مكاناً للسكان الحضر الأكثر صحة بحلول عام 2030. وهذا يعني القيام بواجبنا، من خلال تقليص الكربون وتحقيق المرونة، لحماية مرضانا من آثار التغير المناخي".

اقرأ أيضاً: لماذا لا يتحمس الناس لمواجهة التغيّر المناخي؟

وفي مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية، يقول جون أوتيك، وهو كبير الإداريين في قسم البيئة الصحية في مركز "كليفلاند كلينك"، للموظفين في كامل أقسام المؤسسة والمجتمع إنّ كبر حجم التغير المناخي يعني أنّ على الجميع المشاركة. وأضاف أوتيك: "التغير المناخي هو خطر واضح وموجود الآن. علينا أن نكون جاهزين للاستجابة للتهديدات الفورية والمتزايدة مثل الأعاصير والفيضانات والحرائق والزوابع. يجب على جهات تقديم الرعاية لدينا فهم كيفية تأثير التغير المناخي على الأنماط المرضية والفئات الهشة من السكان للاهتمام بمرضانا على نحو أفضل".

ويتمثل جزء مما يقود النظم الصحية لاتخاذ الإجراءات في أنها تعاني من الآثار الخطيرة للتغير المناخي حتى في هذه الآونة. ذكرت كيثي غيرويغ، نائب الرئيس لشؤون سلامة الموظفين وصحتهم ورفاههم ومسؤولة الوكالة البيئية في اتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت"، كيف تأثر مركز "سانتا روزا" للرعاية الطبية التابع لهم في كاليفورنيا بحرائق كارثية في عام 2017. خسر 200 موظف منازلهم، واضطرت المستشفى إلى إغلاق أبوابها مدة أسبوعين للتنظيف والتجهّز مجدداً. وخلال تلك الفترة، وجد سكان المنطقة أنفسهم يعانون من أمراض مرتبطة بالدخان ويحاولون تدبر احتياجاتهم الطبية دون أن يتوفر لديهم مستشفى يمكنهم اللجوء إليها. قالت كيثي: "أكثر من يعانون من آثار المناخ هم الناس ذوي الدخل المحدود وصغار السن وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة. في إطار الرعاية الصحية، نتحمل مسؤولية التفكير بشأن ذلك".

كيف سيؤثر التغير المناخي على إيفائك برسالتك؟ أخبرنا عبر تويتر @HarvardBiz

الأقوى يكسب في قضية التغلب على تحديات التغير المناخي

تبين لنا النظم الصحية حجم التغيرات التي يمكن أن تجعل من هدف الحياد الكربوني حقيقة. في مركز "كليفلاند كلينك"، وجد أوتيك جزأين من الإجراءات سهلة التنفيذ عندما بدأ بالنظر إلى كيفية قدرة مستشفاه على خفض استخدام الطاقة: اللمبات والكمبيوترات. وأول خطوة اتخذها كانت تغيير جميع اللمبات من مصابيح فلورسنت إلى ليدات تستهلك طاقة أقل. كان لهذا التغيير فائدة جانبية تتمثل في تحسين جودة الإضاءة (والتي لاقت استحساناً لدى الأطباء والممرضين والمرضى على حد سواء) وتوفير مليوني دولار ونصف سنوياً مع عائد قصير كل أربعة أعوام على تكاليف الطاقة. وعلاوة على ذلك، يكرِّس الموظفون الآن وقتاً أقل بكثير لتغيير لمبات الإضاءة لأنها تحترق بوتيرة أقل. ومع ذلك، كان على أوتيك أن يتعمق في الأمر. كان هدفه التالي موجوداً على نحو مماثل في كل مكان، وهي كمبيوترات المستشفى. يجب أن تكون كمبيوترات الدرجة الطبية في وضع التشغيل دائماً حتى يستطيع الطلاب والممرضون الوصول إليها دون تأخير. ومع وجود أكثر من 50,000 كمبيوتر طبي في المستشفى، كان هذا يعني أنّ الكثير من الطاقة كانت جاهزة كل يوم. قام أوتيك بتنصيب برنامج يدخل الكمبيوترات في وضع السبات، لكنه يجعل الخدمات الأساسية في وضع الاستعداد عندما لا يجري استخدامها. وقد تسبب ذلك بوفورات تصل إلى 400,000 دولار سنوياً.

اقرأ أيضاً: كيف تتدهور الأهداف الجريئة للشركات في ظل تغيّر المناخ؟

وكشف تقييم الطاقة الذي أجراه أوتيك اللثام عن استخداماً رئيساً آخر للطاقة يمكن تقليله، وهو الهواء. شكّل ذلك أكبر هدر للطاقة في المركز، كما هو الحال في الكثير من المستشفيات. للتحكم بخطر العدوى، يلزم تغيير هواء غرف المرضى ست مرات كل ساعة، ويجب تغيير الهواء في غرف العمليات من 15 إلى 20 مرة كل ساعة. كل ذلك الهواء يجب تنقيته، وترطيبه أو تجفيفه، وتسخينه أو تبريده. لكن أوتيك وجد أنّ الكثير من غرف المركز كان يتم تغيير هوائها لـ 30 مرة أو أكثر في الساعة دون أي فائدة طبية، حتى عندما لم تكن قيد الاستخدام. ومن خلال تثبيت نظام يعدل تغيير الهواء بناء على استخدام غرف العمليات أو لا، ويغير الهواء على قدر الحاجة، قلل المركز تكاليف الطاقة بنحو مليوني دولار سنوياً.

ويعتبر مركز "كليفلاند كلينك" ليس وحيداً في تركيزه على كفاءة الطاقة، حيث إنّ جميع النظم التي قابلناها تقوم بتقليص الاستهلاك غير الضروري من الطاقة إلى حد كبير. وبالنسبة للطاقة التي تحتاجها هذه النظم، فهي تنتقل إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، والتي بدا أنّ تكلفتها معقولة بشكل مدهش. جدير بالذكر أنّ اتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت" في طريقه أيضاً إلى توفير المال من خلال عقد اتفاقيات شراء طاقة على المدى الطويل في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأحد هذه العقود من شأنه إمداد 27 من أصل 39 مستشفى بالطاقة وبناء مزارع رياح وطاقة شمسية على مستوى المرافق الموجودة، وأجد نظم تخزين البطاريات الأكبر في البلاد. وتمكن مؤسسة "بارتنرز هيلث كير" بناء مزرعة رياح كبيرة جديدة في ولاية نيوهامبشير الأميركية. وتتوقع المؤسسة شراء 75% مما تنتجه المنشأة. وتساعد هذه النظم الصحية، بوصفها أعمالاً كبيرة، في تحول شبكات الطاقة لدى الجميع.

ماذا تستطيع أن تستبدل بالطاقة المتجددة؟ أخبرنا عبر تويتر @HarvardBiz

البناء من أجل المستقبل

تزداد حالات الطوارئ المرتبطة بالظروف الجوية، ويجب أن تحرص المستشفيات على بقاء أبوابها مفتوحة كي يستطيع المرضى الوصول إليها. وفي هذا الصدد، شكّل إعصار ساندي لعام 2012 تحذيراً واضحاً للمستشفيات في كل مكان. كان مركز "لانغون مديكال سنتر" في مدينة نيويورك (NYU Langone Medical Center)، الذي يقع في منطقة مانهاتن ضمن المنطقة التي عانت من الفيضانات، مجهّزاً للتعامل مع هبوب عاصفة من 12 قدماً. قاموا بنقل مئات المرضى أو إرسالهم إلى بيوتهم، واستعدوا للتغلب على العاصفة مع من بقوا. لكن عندما ضربت العاصفة 14 قدماً، امتلأت المباني بالماء، وانقطعت خطوط الطاقة، وامتلأت المولدات الاحتياطية بالماء وتوقفت عن العمل. وفجأة كان الأطباء والممرضون يسارعون في إجلاء أكثر من 200 مريض ومريضة، ويحملونهم نزولاً على الأدراج المضاءة بالمصابيح اليدوية، وينقلونهم بالإسعافات إلى مستشفيات في مناطق أخرى.

وبعد مشاهدة ما حدث في مدينة نيويورك، قامت مؤسسة "بارتنرز هيلث كير" بإجراء دراسة للتعرف على مخاطر الظروف الجوية القاسية في بوسطن وتحديد ما يلزمهم فعله لتخفيف أثر هذه الأحداث على منشآتهم. أصبح المستشفى الجديد "سبولدينغ ريهابيلتيشن هوسبتال" (Spaulding Rehabilitation Hospital)، والذي يتمتع بإطلالة على البحر، مختبراً لإنشاء أول مستشفى مقاوم للظروف الجوية. يرتفع الطابق الأول من المستشفى 30 إنشاً عن علامة الفيضانات منذ 500 عام، وحتى لو تعرض لفيضان فإنّ الضرر سيكون بالحد الأدنى ويمكن شغل بقية غرف المستشفى وتشغيلها بالكامل. وهي تدمج ميزات كفاءة الطاقة بما فيها العزل القوي والنوافذ الواسعة التي تسمح بدخول كميات كبيرة من ضوء الشمس. ويعني انخفاض معدلات استهلاك الطاقة أنّ بإمكان المولد الاحتياطي، الموجود في مكان آمن في الطوابق العليا، تشغيل المستشفى لفترة أطول من الوقت إذا تعطلت شبكة الكهرباء. قد يبدو كل ذلك كعملية مكلفة، لكن نظراً لأنهم أخذوا القدرة على التأقلم مع آثار التغير المناخي بعين الاعتبار في التصميم الأساسي، فإنّ التكلفة الإضافية كانت 1.5% من إجمالي تكلفة البناء.

وفي مناطق أخرى من البلاد في كاليفورنيا، كان اتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت" يبني مستشفى جديد. وتمثل هدفهم في وضع معيار جديد لتحقيق بصمة كربونية أقل مع تجربة مرضى فائقة عندما قاموا بتصميم مركزهم الطبي الجديد في مدينة سان دييغو (San Diego Medical Center). وفي هذا المستشفى، تزوّد 1,500 من ألواح الطاقة الشمسية الموجودة على السقف مولد المستشفى ذي الكفاءة العالية بالكهرباء. وكل المصابيح الموجودة هناك هي ليدات موفرة للطاقة، بما فيها مصابيح مبرمجة في غرف المرضى تحاكي التفاوت الطبيعي في ضوء الشمس لمساعدة المرضى على إعادة ضبط ساعتهم البيولوجية وتعزيز سبل التعافي. وتتضمن المساحات الخارجية حوالي ميلين من ممرات المشي في الهواء الطلق المزروعة بنباتات محلية تُسقى بمياه الأمطار التي يجري تجميعها.

وساعدت هذه القرارات في إنشاء واحد من أفضل المستشفيات على المستوى البيئي في العالم. يقدم المستشفى خدماته لأكثر من 610,000 عضو في الاتحاد في المنطقة، وحصل على الشهادة البلاتينية من نظام القيادة في مجال تصميم الطاقة والبيئة (LEED)، وهو نظام تصنيف المباني الخضراء المعتمد والأكثر شيوعاً. ولكن هذا المركز في سان دييغو لم يكن بمثابة فوز بيئي لاتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت" فحسب، بل فوز مالي أيضاً. التكلفة الإضافية الرمزية لتحقيق مكانة المستشفى حسب مقياس ذلك النظام غلبتها الوفورات في تكاليف الطاقة.

البناء من أجل الاستدامة لا يقتصر على البناء الجديد فحسب، ولكن في حقيقة الأمر يجب أن يكون تقليص البصمة الكربونية في المباني القائمة جزءاً من حلنا العالمي. لقد وجدت شركة "بي إم سي" (BMC) طريقة إبداعية لتقليل بصمتها الكربونية مع تحسين الصحة من خلال تقديم مزرعة على السطح مزروعة بالخس والجزر والطماطم والخيار ويوجد فيها خليتي نحل. فبمساحة لا تتعدى 2,568 قدماً مربعاً للزراعة، توفر المزرعة 6,000 باوند من الخضروات الطازجة المنتجة محلياً لصالح الكافيتريا وطاولات طعام المرضى، ومخزن الأغذية الوقائية في الشركة. وعلاوة على ذلك، يقلل السطح الأخضر من تكاليف الحرارة والتبريد للبناية ويضاعف العمر المتوقع لمواد التسقيف.

ما هي الفرص المتاحة لعملك ليقوم بالتصميم من أجل الاستدامة والمرونة للمستقبل؟ أخبرنا عبر تويتر @HarvardBiz

إيجاد المال

تمتلك المستشفيات غير الربحية هوامش ربح ضئيلة، حيث كان الهامش التشغيلي المتوسط في 2018 يساوي 1.7 نقطة مئوية. إذن، كيف أقنعت هذه النظم الصحية مجالس إدارتها وأقسامها المالية بأنّ الاستدامة تمثل استخداماً مسؤولاً للموارد؟

تعتبر الكثير من الخطوات باتجاه الاستدامة ميسورة التكلفة أكثر مما تعتقد. وفي الحقيقة، تمتلك مشاريع كفاءة الطاقة عموماً عائداً إيجابياً على الاستثمار ما يؤدي إلى التغلب على تحديات التغير المناخي بشكل لا بأس به. بدأ مركز "كليفلاند كلينك" بنصف مليون دولار في العام لمشاريع موفرة للطاقة، وهو مبلغ بسيط لنظام يحقق عائدات سنوية بقيمة 9 مليارات دولار. بعد ذلك عمل فريق إدارة المرافق التابع لأوتيك جنباً إلى جنب مع الفريق المالي لوضع جدوى تجارية للأرباح. وفي 2016، كان مركز "كليفلاند كلينك" قادراً على إطلاق صندوق دوّار صديق للبيئة بقيمة 7.5 ملايين دولار يدفع ثمن مشاريع الاستدامة الموفرة للطاقة. ويجري إعادة استثمار الوفورات التي تحققها تلك المشاريع في المزيد من المشاريع الموفرة للطاقة.

وتتمثل استراتيجية أخرى للتمويل في مشاركة التكاليف مع شركاء آخرين. ولتكون شركة "بي إم سي" قادرة على تمويل محطة توليد الكهرباء الاحتياطية الموفرة للطاقة، طلب النائب الأول لرئيس خدمات الدعم والمنشآت، بوب بيجيو، من إحدى شركات الطاقة المحلية، وهي "إيفرسورس" (Eversource)، المساهمة ببعض الحوافز المالية. ثم عقدت الشركة اتفاقية شراكة مع مدينة بوسطن، وتعهدت بتوفير كهرباء احتياطية للبنية التحتية المهمة للاتصال بمراكز الشرطة وفي حالات الطوارئ. وأدت هذه الاتفاقية إلى حصول الشركة على منحة برنامج التأقلم من الولاية. وبالمجمل، جرت تغطية 30% من تكاليف المحطة عبر الحوافز والمنح، ما جعل المشروع بأكمله بتكلفة معقولة.

اقرأ أيضاً: قطاع الأعمال هو الخيار الأمثل لسد الفجوة القيادية في مسألة التغيّر المناخي

يساعد المستثمرون أيضاً. فقد أصدرت شركة "بي إم سي" واتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت" سندات خضراء لمشاريعها. وأوضح بوب بيجيو أنّ سندات شركة "بي إم سي" فاق الطلب الشديد عليها كمية تلك السندات بثلاث إلى أربع مرات، حيث يطالب المستثمرون بخيارات صديقة للبيئة. وأُصدرت سندات خضراء بقيمة تبلغ أكثر من 600 مليار دولار منذ عام 2007، وتستمر السوق في النمو مع إصدار البلديات والشركات وحتى الدول لهذه السندات.

فبخلاف المساعدة في التمويل، كان الشركاء في القطاعين العام والخاص جزءاً لا يتجزأ من جهود الاستدامة في النظم الصحية. ويقوم مركز "كليفلاند كلينك" بالتعاون مع جهات محلية لزيادة التغطية بالأشجار في المدينة، ويدعم إلى جانب ذلك شركات أخرى لإقناع ولاية أوهايو بالحفاظ على طاقة نظيفة ومعايير كفاءة الطاقة وتعزيزها. مؤسسة "بارتنرز هيلث كير" وشركة "بي إم سي" هما جزء من مبادرتي "كلايميت ريدي بوسطن" (Climate Ready Boston) و"كاربون فري بوسطن" (Carbon Free Boston) اللتان تجمعان دائماً ممثلين من مختلف القطاعات لجعل المدينة أكثر مرونة وحيادية من ناحية الكربون بحلول عام 2050. يقيم اتحاد الرعاية الصحية "كايزر برماننت" شراكات مع موزعي الأغذية والمستشفيات والنظم المدرسية وغيرهم من كبار المشترين لزيادة الطلب على خيارات الأغذية المحلية المستدامة في جميع قطاعات الأسواق. وفي جميع النظم التي قابلناها، بدأت الاستدامة في الأطر الداخلية ولكنها تتوسع إلى الخارج أيضاً، بما في ذلك حشد التأييد لدى الحكومة الاتحادية للولايات المتحدة لتؤدي دوراً قيادياً أقوى.

ما الشراكات وآليات التمويل المتاحة في قطاعك ومنطقتك؟ أخبرنا عبر تويتر @HarvardBiz

ابدأ وافعل المزيد

في مواجهة التبعات الوخيمة للتغير المناخي وكل ما يجب فعله، لماذا يتعين علينا أن نكون متفائلين بأننا نستطيع قلب الطاولة؟ مهما طالت الطريق أمامنا، فإننا قطعنا بالفعل شوطاً طويلاً، ويدفعنا في ذلك طاقة وإبداع من المؤسسات والأفراد من مختلف أنحاء العالم ممن يسعون لترك أثر. النظم الصحية التي عرضناها هي جزء من هذا المجتمع الأكبر الذي يفهم إلحاح التغير المناخي وقد اختار أن يرتقي إلى مستوى الحدث. السؤال الماثل أمامنا هو هل نستطيع جميعاً الوقوف ومواجهة تحديات الوضع الراهن؟

لن يصبح العالم حيادياً للكربون أو جاهزاً لكل خطر مناخي بين عشية وضحاها، لكننا نستطيع تحقيق ذلك إذا اختار الأفراد والمؤسسات الانضمام إلى حركة عالية لتحويل عالمنا. ليس علينا أن نمتلك كل الحلول مباشرة. لكن علينا أن نبدأ في مكان ما. قال أوتيك من مركز "كليفلاند كلينك": "لا يمكنك الانتقال من صفر إلى مائة في يوم أو شهر، لكن يمكنك الوصول إلى قمة المنحنى. يمكنك البناء على النجاحات وبناء سجل من الإنجازات".

يجب الاستجابة لزخم التغير المناخي بزخم مماثل أو أكبر من الإنجازات البشرية. وهذا يعني العمل واتخاذ خطوات صغيرة مثل تغيير اللمبات أو خطوات كبيرة مثل إنشاء مرافق مراعية للاعتبارات المناخية من أجل التغلب على تحديات التغير المناخي حول العالم، حيثما أمكننا ذلك. هذا هو ما يلزم لحماية كوكبنا وصحتنا.

اقرأ أيضاً: رأي ألف رئيس تنفيذي بشأن قضيتي التغير المناخي وعدم المساواة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي