كيف تغير أجهزة الروبوت والذكاء الاصطناعي التدريب الوظيفي؟

15 دقيقة
الذكاء الاصطناعي في التدريب الوظيفي
shutterstock.com/Vasilyev Alexandr
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مع مات بين الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا باربرا وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة التي تحدثت عن الذكاء الاصطناعي في التدريب الوظيفي.

يمكنك تنزيل هذه المدونة الصوتية من هنا.

يرى مات بين، أن الروبوت وتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي. كلها أدوات من شأنها أن تغير طريقة تدريبنا على أداء أعمالنا، وليس كيفية أدائنا لها فحسب. وتشير دراسته إلى أن العمليات الجراحية بمعاونة الروبوت في سبيلها إلى أن تحل محل مسار التعلم التقليدي للأطباء المبتدئين. ويرى أن هذا الاتجاه آخذ في الصعود في العديد من القطاعات، بداية من القطاع المالي مروراً بقطاع إنفاذ القانون وصولاً إلى قطاع التعليم. وفي هذا السياق، يشاركنا “بين” دروساً من المتدربين الذين نجحوا في التعامل مع هذه العوائق الجديدة. يشار إلى أن البروفيسور “بين” هو كاتب مقال “تعلم كيف تعمل برفقة الآلات الذكية” (Learning to Work with Intelligent Machines) المنشور بمجلة هارفارد بزنس ريفيو.

النص

كيرت نيكيش: مرحباً بكما في برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم كيرت نيكيش.

يتزايد إقبال الأفراد على أداء أعمالهم إما باستخدام الروبوت أو تعلم الآلة أو الذكاء الاصطناعي، تلك هي الحقيقة شئنا أم أبينا، حتى أن هذه التقنيات المتطورة في سبيلها إلى القضاء على بعض التخصصات قضاءً مبرماً، فيما تُدخِل تغييرات جذرية على أسلوب أداء بعضها الآخر.

لكن التغير لا يطال العمل وحده، بل يمتد أيضاً ليشمل تدريب الأفراد على أداء أعمالهم. إذ تشير البحوث التي أجريت مؤخراً إلى أن آلية تعلم الناس أداء أعمالهم تتعرض للإحلال هي الأخرى.

ضيفنا اليوم درس الجراحة، وهي من أول المجالات التي بدأت تشهد تغييرات حقيقية بفضل الاستعانة بالروبوت. وبشكل أساسي، يرى أن أجهزة الروبوت تقدم خدمات جليلة للجراحين، بمعنى أن الجراحين أصبحوا غير مضطرين إلى ترك بعض الأعمال للمتدربين لإنجازها نيابة عنهم كما كانت الحال في السابق.

ويقول ضيفنا إن هذا التوجه يتنامى في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاعان المالي والتعليمي. جدير بالذكر أن مات بين أستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا باربرا، وكاتب مقال بعنوان “تعلم كيف تعمل برفقة الآلات الذكية” (Learning to Work with Intelligent Machines) المنشور بمجلة هارفارد بزنس ريفيو. وينضم إلينا الآن. مرحباً “مات”.

مات بين: سعيد بحضوري معكم يا كيرت.

كيرت نيكيش: إذا كانت الجراحة في طليعة القطاعات التي تشير إلى حجم التغير في أساليب التدريب والتعلم، فإن قطاعات عديدة أخرى ستتلمس خطاها على ذات الدرب، وإذا كان هذا هو ما يبشر به المستقبل، فلنسرع باتجاهه. فكيف كان حال التدريب في الجراحة حتى دخل الروبوت غرفة العمليات؟

مات بين: حسناً. كان المنهج المتبع في الجراحة هو أن ترى عملية جراحية، وتجري أخرى، ثم تعلِّم غيرك. وهذا هو المفهوم المتداول والعبارة الشائعة في الوسط الجراحي لما يسميه الآخرون التدريب المهني أو التدريب العملي أو التوجيه أو التعلم أثناء العمل، فثمة مسميات عديدة لهذه العملية.

حيث تراقب ما يجري، ولنقل إنك تتدرب كي تصبح متخصصاً في جراحة المسالك البولية، فتراقب إجراءً معيناً مرات عديدة. وبما أنه ما من حدود واضحة بين مرحلة المراقبة هذه ومرحلة التنفيذ العملي، فإنك تبدأ بتنفيذ الجزئيات البسيطة، حيث تبدأ في أداء مهام مفيدة للعملية، لكنها ليست حيوية أو جوهرية أو تنطوي على مخاطرة ضخمة.

ومع تطور ثقتك بنفسك وتقدم مستواك حتى تصير كتفك بكتف الشخص الذي يقيم كفاءتك، والذي يحتاج إلى مساعدتك بالمناسبة – يصبح عملك غير اختياري. فثمة مراحل بالعملية الجراحية لا بد لها من أربع أيادٍ حرفياً كي تُؤدى بنجاح.

هذه إذن علاقة تكافلية بين الأستاذ والمتدرب. بعد ذلك وبمرور الوقت، تبدأ في الجلوس بمقعد السائق وتتولى القيادة، وأخيراً يتراجع الجراح الأول ويسمح لك بإجراء معظم أجزاء العملية مع قليل من الإشراف منه، لكنك حينئذ تنتقل للإشراف بدورك على الطالب التالي الصاعد على سلم إتقان المهارة. إذن فمنهجية “راقب عملية جراحية، وأجر أخرى، وعلم شخصاً آخر” تعني أن اكتساب المهارة الجراحية قديم قدم المهنة ذاتها.

كيرت نيكيش: هذا في الأساس نموذج تدريب مهني تشاهد فيه شخصاً يقوم بالعمل، ثم تؤديه أنت بنفسك تحت إشرافه.

مات بين: حسناً. هذا صحيح. ومن السهل أن تجد الكثير من الدراسات في التدريب والتعلم في مختلف القطاعات والمجالات. وهناك دراسات دقيقة استمرت لما يقرب 80 عاماً غطت كل المجالات بداية من القِبَالة إلى البناء إلى فن العمارة. وستجد متعة حقيقية في قراءتها، لكن هذا النمط يؤخذ على علاته.

لكن المتدربين يبطئون العمل ويرتكبون الكثير من الأخطاء بطبيعة الحال. وهذا بديهي ولا غرابة فيه. لا تملك بعد ما يكفي من المهارة، ولذا فإن إشراك المتدربين في العمل مكلف. الأمر متعلق هنا بالتدريب المهني الجيد، التدريب العملي الجيد، الذي يقلص من احتمالات حدوث المشكلات ويمنحك أفضل فرصة ممكنة لفعل شيء لم يسبق أن قمت به من قبل، لكنني سوف أفعله الآن وسوف يسير بشكل رائع.

كيرت نيكيش: نحن إذن ندخل الروبوت غرفة العمليات، فما الذي سيحدث في المستقبل القريب بناء على ملاحظاتك ودراساتك؟

مات بين: استخدام الروبوت في إجراء العمليات الجراحة وهناك العديد من أنواع الروبوت بالمناسبة. والنوع الذي درسته، وهو الأكثر توظيفاً واستخداماً حتى الآن، هو نظام دا فينشي الجراحي الذي يشتمل – بدلاً من الشق الجراحي الكبير ويدان تمسكان بالفتحة وشخص آخر يعمل داخل جسم المريض – على ما بين أربعة وستة ثقوب صغيرة، وشقوق جراحية بطول بوصة في بطن المريض، ثم يوصل الروبوت بهذه الشقوق الجراحية، وكل أداة في هذا الروبوت تدخل بطن المريض.

إحدى هذه الأذرع عبارة عن كاميرا مجسمة، كاميرا ثلاثية الأبعاد. وهكذا، ولكي يجري الجراح العملية، فما عليه إلا أن يجلس إلى لوحة الأوامر الافتراضية على بعد 15 أو 20 قدماً، كثيرون يسمونه عصا التحكم العجيبة. وهكذا يتطلب الأمر تحكماً وثيق الصلة بين اليدين والقدمين. لكنك لم تعد تعمل مباشرة في جسم المريض. لم تعد تلمس المريض. لم تعد ترى جسم المريض. أنت فقط ترى مشهداً صغيراً تتيحه لك تلك الكاميرا.

وهي، بالمناسبة، الصورة نفسها التي تتوافر لكل من غرفة العمليات على شاشة تلفزيونية كبيرة. فيمكن للمتدرب أن يذهب إلى وحدة تحكم أخرى ويجلس داخلها ويراقب ويتولى هو الأمر إذا فوضته بذلك رقمياً. لكن المشكلة بالنسبة للتدريب والتعليم هنا هي أن المتدرب يشاهد فقط. وطوال هذا الوقت تظل مشاركته اختيارية. ويعود القرار للجراح الأول لإشراكه في الجراحة، عبر أداة التحكم الصغيرة تلك ليمارس بيديه، لكن مشاركته لم تعد لازمة على الإطلاق.

كيرت نيكيش: هل المشكلة هنا أن الجراحين يتوافر لهم قدر هائل من الإمكانات ولم يعد لديهم ذلك الحافز الإجباري لتكليف غيرهم ببعض الأعمال للتدرب عليها؟ أم أن المشكلة هي أنهم يتعلمون هذه الأنظمة الجديدة وإذا أكملوا تدريبهم واستخدموا هذه الأنظمة الجديدة في أداء الجراحة، فلن يكون لديهم الوقت الكافي لتدريب غيرهم؟

مات بين: حسناً. أرى إلى حد ما أنها الثانية، لكنني بذلت كل ما بوسعي للتركيز على كبرى المؤسسات في الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة هي أكثر بلدان العالم تطبيقاً لهذه الجراحات الآلية. ولذلك اخترت عن قصد بعضاً من عباقرة جراحة الروبوت الذين تطور عملهم مع ظهور هذه التكنولوجيا، أو أظهروا براعة فائقة في استخدامها. ومن المذهل حقاً رؤية هؤلاء وهم يعملون وكأنهم ولدوا للعمل بهذه الآلات.

كيرت نيكيش: ولا يضيعون الكثير من الوقت في تدريب الآخرين.

مات بين: أجل. أجل. فإن كنت طبيباً مقيماً في فترة تدريبك – على الأقل في فترة إجرائي للدراسة – فستحصل على 15 دقيقة للعمل في الجراحة مستخدماً هذا الروبوت خلال عمل جراحي يستغرق ما بين أربع إلى أربع ساعات ونصف الساعة. أما في الجراحة التقليدية فتحصل على مدة ممارسة لأربع ساعات أو أربع ساعات ونصف الساعة من وقت الجراحة. بمعنى أنك مطلوب طوال وقت الجراحة في أغلب الوقت. ومن الناحية العملية، فإن معظم الأطباء المقيمين كانوا يتدربون على الأقل لمدة 15 دقيقة على أبسط وأسهل وأسرع أجزاء العملية الجراحية في العادة.

كيرت نيكيش: ما الذي يقلقك بهذا الشأن؟

مات بين: حسناً، تخيل مثلاً مستشفى معيناً، مستشفى تعليمياً، لديك فيها أربعة أو خمسة أطباء مقيمين سيتخرجون هذا العام. حصل غالبيتهم على 15 دقيقة من الممارسة الجراحية خلال 10 جراحات، وربما 20 – حسب العملية الجراحية – بنهاية فترة الإقامة بالمستشفى، والتي لا تعتبر مدة كافية أبداً للتدريب. عملياً هذا ليس وقتاً كافياً أبداً لتنمية المهارات التي يحتاجون إليها لإجراء تلك العمليات بمفردهم مستقبلاً.

وفي نهاية فترة تدريبك، يصبح مخولاً لك قانوناً استخدام هذه الأداة في إجراء العمليات الجراحية وتقوم بذلك فعلاً، لكنك عملياً لا تستطيع الوصول إلى ما يراه معظمنا المستوى الكافي من المهارة. وفي النهاية، تحاول أنت وكثير مثلك تحاشي المواقف التي تضطر فيها إلى إجراء جراحة آلية. إذن، أكثر ما يقلقني ويقلق كثيراً ممن حدثوني عن هذه الأنماط التي أشرت إليها، أن غالبية المتدربين من الأطباء الذين يتخرجون ينظر إليهم من قبل الجميع على أنهم يفتقرون إلى المهارة المطلوبة لإجراء هذه النوعية من العمليات بالكفاءة اللازمة، إن لم يكن بمستوى السلامة اللازم.

كيرت نيكيش: يبدو أنها مشكلة منهجية مع بعض قوى السوق التي يمكنها المساعدة في إصلاح الوضع، وربما يكون هناك بعض الأمل في حل تلك المشكلة. أما المشكلة الكبرى في اعتقادي فتتمثل في أنه حتى لو حلت المشكلات في قطاع الجراحة، فسوف نواجه هذه المشكلات في العديد من المجالات الأخرى. على المؤسسات أن تتعامل مع هذه المعضلة، وكذلك على العاملين كأفراد التعامل مع الأمر. فما الذي لاحظت قيام المتدربين به في هذا الصدد؟ ما الذي يفعلونه لضمان حصولهم على التدريب الذي كانوا يتلقونه، أو ما السلطة التي يمتلكونها لضمان تدريبهم على العمل الذي يحاولون فعلياً التدريب على القيام به؟

مات بين: حسناً. معظمهم يقوم بما يعتقد أن عليه القيام به وما يعتقد الجميع أن عليهم القيام به، وهو أنهم يحاولون التعلم عبر الطرق القديمة. لذا سأنحيهم جانباً لأنه من الواضح أن ذلك لم يثبت نجاحه. نسبة ضئيلة منهم – واحد من كل خمسة تقريباً، أو واحد من كل ثمانية، على حسب المواقع التي قمت بدراستها – كانوا يدركون، سواء عن وعي منهم – وفي حالات أخرى دون وعي – أن التعلم بالطرق القديمة في ظل وجود الأداة الجديدة لم يعد مجدياً.

وعليه، فإنهم يرون أن المشكلة آخذة في التعقيد. وقد وجد بعض هؤلاء هذه المشكلة في سنوات الدراسة الأولى، لكن معظمهم، بل إن كل هؤلاء وهم من أسميهم “متعلمي الظل”، وهم الذين كانوا ينخرطون في عملية تعلم في الظل، قد وجدوا على الأقل طرقاً في كلياتهم لدخول غرفة العمليات، في عمليات جراحية حقيقية مع الروبوت ووجدوا سبيلاً للمشاركة.

كيرت نيكيش: أي سبيل وجدوا؟ وأنا أسأل عن ذلك لأن مصطلح “تعلم الظل” يوحي إليَّ بالتعقب السري لأحدهم، لكن ليس هذا ما تتحدث عنه.

مات بين: نعم، تعلم الظل هو شيء أقرب لمن يختلس التعلم. وبالتالي..

كيرت نيكيش: أقرب للقرصنة إلى حد ما.

مات بين: أجل. أجل. على الرغم من أن هذه هي الحالة، فإننا نحب بصورة ما الحديث عن هؤلاء الأشخاص الذين يتمكنون من التحايل على القواعد بهدف الإبداع وما شابه في هذه الأيام. وأظن أن هذا صحيح في هذه الحالة من الناحية الفنية، لكن كل واحدة من تلك الممارسات التي تمكن هؤلاء المتعلمون البارعون من اكتشافها تعد غير قياسية إلى حد بعيد.

الأمر إذن ليس خروجاً على القواعد المتبعة فحسب، فأنا مثلاً في كلية الطب يفترض بي الحصول على تعليم ممارس عام، حيث يجب أن أتعلم الطب النفسي والتشريح والفسيولوجي. يجب أن أتعلم طب المسالك البولية. ويجب أن تكون أساليب الجراحة جزءاً يسيراً من هذا المنهج التعليمي.

والأطباء المقيمون الذين نجحوا في التدريب على الجراحة باستخدام الروبوت اقتطعوا أجزاء كبيرة من تعليمهم العام هذا لصالح هذا النوع من التدريب. وهو الأمر الذي لا يراه أحدهم الآن فعلاً صائباً، ولذلك كان هذا المسار غير قياسي بتاتاً. المسار المتصاعد التالي هو الممارسة الرقمية. وهي ما أسميها “التمرينات النظرية”. حيث تشاهد العديد، بل المئات من ساعات الفيديو على اليوتيوب لعمليات جراحية مسجلة، مع استخدام نظام محاكاة، لعدد من المرات يفوق المطلوب بمائة مرة مثلاً. وهذا شائع. فهم يبذلون ما بوسعهم بشكل عام للتدرب على أجزاء من هذا الإجراء الجراحي بصورة رقمية.

وهذا منافٍ تماماً لمائة عام خلت من الأعراف الخاصة بما تعنيه الجراحة أصلاً، وما يجب أن تكون عليه مهنة الجراح وكيف يتعلمها. لدي خبراء في مجالات عدة – قال لي أحدهم: “مشاهدتك للأفلام لا تجعل منك ممثلاً”. ولذا، فإن كل هذا التمرين الرقمي يبدو غير ملائم على الإطلاق، وهم لا ينشرون هذا النوع من التدريب الرقمي على الإطلاق.

المسار الثالث والأخير الذي اعتمدوا عليه بشدة هو ما أطلق عليه “كفاح تحت السيطرة”. حيث أدرك كل الدارسين الحاجة للكفاح من أجل التعلم. فأنت بحاجة للاقتراب قدر الإمكان من حد قدراتك الأقصى، وأن تجرب شيئاً لست على يقين من قدرتك على فعله، وأن تكون إلى جوار خبير يقدم لك الدعم.

وهؤلاء المتدربون يدركون إلى حد ما أنهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك إذا حاولوا التعلم بالطرق المقبولة، ولذا فإنهم يجدون طرقاً للدخول إلى العمليات الجراحية والمشاركة فيها إذا وجدوا مساحات إضافية تمكنهم من إجراء العمليات مع قدر ضئيل جداً من الإشراف المباشر على عملهم، إن لم يكن دون إشراف مطلقاً في بعض الأحيان.

وليس هناك من تخصص طبي تحدثت مع العاملين عنه وقالوا إن ذلك هو السلوك المناسب. إلا أنهم جميعاً ذكروا لي قصصاً عن كيفية تعلمهم معظم ما تعلموه حين أوجدوا لأنفسهم سبيلاً لفعل ذلك. وأنا أطلق على هذا اسم “تعلم الظل” لأنه يجري فعلياً في حدود الظلال الأخلاقية لمهنتهم. وفي جميع المهن ومجالات العمل الأخرى التي قمت باستكشافها، هناك دائماً ممارسات لا يقرها أي منا، وتنطوي بشكل خاص على بعض المخاطرة عليك، وعلى عميلك، وعلى الشخص المكلف بتدريبك. وهي مخاطر لا نحب فعلياً تحمل عواقبها من أجل بناء مهاراتنا المهنية.

كيرت نيكيش: الآن تبدو الجراحة بالنسبة للكثير من الناس مهارة ومهنة شديدة التخصص، وإني أتساءل: كيف يمكن تعميم هذه النظرة العالمية لتشمل غيرها من المهن؟ ما المهن الأخرى التي تراها متشابهة، هل تعرف منعطفات مشابهة تحصل الآن في مجال التعلم مثلاً؟

مات بين: حسناً، كان هذا هو السؤال الذي يشغلني عندما كشفت عن دراستي وأرسلتها للنشر. فالديناميات التي لاحظتها تبدو قابلة للتعميم إلى حد كبير. فإذا جعلت مشاركة المتدرب اختيارية وليست إجبارية، وإذا سمحت لك التكنولوجيا الجديدة – كخبير في المجال – بأن تعمل دون مساعدة المتدرب، فإن ذلك على ما يبدو سيؤثر على تعلمه، سواء كنا نتكلم عن تصميم الرقائق، أو العمل الشرطي، أو الجراحة. ولكن لا دليل لديَّ على ذلك، أو لنقل إنه دليل محدود.

وفي فترة عام ونصف العام التي تلت هذه الدراسة، كنت أراقب أكثر من دستتين من أنواع الأعمال المختلفة في جميع المجالات، بداية من الشرطة، مروراً بالصرافة، والتعليم الإلكتروني، وتصميم الرقائق الإلكترونية، وتوظيف الروبوت، والجيش، والتصنيع، وغيرها من المجالات. وفصلت العديد والعديد من هذه المجالات مرة بعد مرة، والعديد من الوظائف في كل واحد من هذه المجالات.

راقبت كذلك أنواعاً مختلفة جداً من الذكاء الاصطناعي. وفي حالتي، كان المتاح أجهزة روبوت شديدة الغباء، شديدة التعقيد، لكن ليس فيها من ذكاء اصطناعي. وهي تتراوح من منصة تستخدم تعلم الآلة لتوصيل العمال – عمال محليين – بالأشخاص الذين هم بحاجة لمساعدتهم في الجوار. أو خوارزمية شرطية تنبؤية، أو التعليم والتدريب على الإنترنت. وهناك الكثير من المجالات الرقمية التي دخلت إلى ما كنا نلحقه تقليدياً بالذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي وغير ذلك.

وكانت الديناميات هي نفسها. وقد بدأت تنحو منحى مملاً. وأرى أنها مزيج بين الإثارة والملل. فهي مثيرة لأنها مبهرة، وهذا يبدو أثراً متكرراً في مجالات مختلفة وعديدة من الأعمال، ومملاً في الوقت نفسه لأنك تدرك جيداً أن القصة ذاتها تتكرر مرة بعد أخرى.

كيرت نيكيش: أعتقد أن هذا في صالح العديد من المؤسسات التي تطبق هذه التكنولوجيا. ويعمل كذلك ضدها من باب أن هؤلاء الخبراء المتخصصين الذين يعملون مع هذه الآلات هم الوحيدون القادرون على العمل وليس هناك من خطة لتأهيل الكوادر التي يمكن أن تحل محلهم، وهذا ما قد يخلق مشكلة كفاءات حقيقية للمؤسسات.

فهل تفكر في حلول أو طرق ممكنة يمكن تقديمها؟

مات بين: بشكل أساسي متعلمو الظل، أولئك الأشخاص الذين يعتمدون على تعلم الظل أو التخفي، هم من أوضحوا لي الطريق. وهذا يحدث على شاكلة ما يفعله المهندس حين يتعقب آثار الأقدام في منطقة عشبية ليحدد المسارات التي يجب أن تتخذها الطرق. فهؤلاء الأشخاص العاملون في مجالات عدة يتحملون مخاطر عالية كي يتعلموا، لأن التعلم يتطلب وقتاً.

فالأمر إذن لا يكون مجرد محاولة للغش لمرة واحدة وتمني أن تنجو بها. فأنت مضطر للقيام بالأمر على نحو متكرر وببراعة شديدة، فشكراً لك. كذلك لا يعد استنساخ ممارساتهم بالأمر الحميد. فلا يمكن لأية مؤسسة أن تسير على هذا النحو – فمهنة الجراحة مثلاً لا يمكن أن يسير الوضع فيها حسب المنطق القائل: “حسناً، يجب أن تتدرب على الجراحة دون الحضور في غرفة العمليات”. فهذا لن يحدث.

لكن متعلمي الظل يثبتون ويوضحون باستمرار بعض الأمور. أولاً: أن عليك أن تكافح لتتعلم. إن عليك أن تجد سبلاً أياً كان مجال عملك لتحدي قدراتك. أنت كذلك بحاجة لتلقي الدعم من خبير لسببين. الأول أنك بحاجة لمساندته حال وقوع كارثة ما. هذا بالإضافة إلى حاجتك لإشراف أحد الراشدين.

لكن يجب أيضاً أن تكون لديك القدرة على الذهاب إليهم طلباً للنصيحة، وعليهم كذلك أن يقدموا النصيحة في المقابل، بخلاف سلوكنا في ظل وجود هذه التكنولوجيا. يمكننا الإصرار على هذه السمات الثلاث للعمل ودمجها في العمل، وكذلك الإصرار من المتدربين عليها ودمجها في أعمالهم، وفي التكنولوجيا التي نصنعها ونبيعها، وفي المؤسسات التي نبنيها. وبالتالي..

كيرت نيكيش: وربما يمكن دعم ذلك في الأنظمة التعليمية مثل كلية الطب.

مات بين: بالضبط. ونحن لا نتكلم عن شيء لا يحدث بتاتاً، هو فقط لا يحدث بالقدر الكافي. إن إغراء الإنتاجية من خلال هذه التكنولوجيا قوي للغاية. والمنتج النهائي لوحدة واحدة من وقت خبير في المجال يرتفع بشكل مذهل. ولديك هذه النوعية من أصحاب الأداء الفائق، ولذا فإن الهدف الإنتاجي مغرٍ للغاية.

لكن المدير، واختصاصي التكنولوجيا، والعامل، والمتدرب، ونحن – أي جميع الأطراف – يمكنهم الإصرار على التعامل مع هذه التكنولوجيا على نحو يوفر الإنتاجية والتحسين والفرص الرائعة. لا بأس، لكن مع ترتيب العمل وتطبيق تلك التكنولوجيا على نحو يضمن لنا بناء مهاراتنا ونحن نتعامل مع هذه التكنولوجيا.

لذا، سوف أرسخ هذا في الجراحة. فمن الممكن الآن – وقبل سنوات – تقاسم التحكم في الروبوت من خلال غرفتي تحكم. فإن كنت أنت المعلم يمكنك منحي ذراعاً من ثلاث أذرع للتحكم وتأخذ أنت اثنتين. وربما يكون ذلك مربكاً. لكنه لم يحدث من قبل. حتى إنني سألت ممثلين من مؤسسة إنتيويتيف سيرجيكال (Intuitive Surgical)، إن كان شيئاً كهذا قد تمت تجربته فعلاً أم لا؟ وقالوا إن هذا نادر للغاية. لكن بالإمكان حث الجراحين والمتدربين على اتخاذ هذا المنحى. فأنا لست اختصاصياً في التكنولوجيا، ولا أصمم الواجهات البينية. فتلك ليست المشكلة التي يمكن أجد لها حلاً، ولا سيما حلاً جاهزاً.

لكن لك أن تتخيل الحال إن أصر هؤلاء التقنيون ومستخدموهم والجراحون ومؤسساتهم التي تشتري هذه الأنظمة على أنه مهما كانت الحلول التي تأتي بها هذه التكنولوجيا فلا بد من توسيع القدرات البشرية خلال استخدامها. يجب أن يكون هذا مطلباً أساسياً. لكن يبدو أن ثمة الكثير من النقاط المفقودة. فنحن لا نركز على التدريب التعليمي في أثناء العمل، ومنهج “شاهد عملية، وأجر أخرى، ثم علمها لغيرك” صار مشكلة لأننا نعتبره من الأمور المسلم بها. لقد مرت عليه آلاف السنين. فما الذي لا يجعله فعالاً؟

كيرت نيكيش: إنني فقط أتساءل إن كانت هناك أماكن أخرى يمكن التعلم منها؟

مات بين: أجل. بالتأكيد. ويمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي وهذه التكنولوجيا في مساعدتنا في تلك المشكلة. ليس في حلها فقط، بل مثلاً، إن كنت بحسب الطريقة القديمة متدرباً أو كنت معلمي أو كنت الخبير الذي أعمل معه، فلا بد أن نكون على اتصال من الناحية المادية في معظم الأحوال. وإن لم نكن كذلك، فيجب أن نتحدث بشكل فوري حين تكون المشكلة قائمة. ولدينا الإنترنت الآن. كما أن لدينا السحابة الرقمية ولدينا التعلم الآلي للمساعدة على توصيل المتدربين بالمعلمين.

بمقدورنا إذن إعادة تشكيل فترة التدريب المهني باستخدام الأدوات نفسها على نحو يجعلها عالمية، وموزعة، وتسمح للجميع بالمساهمة والسحب من هذا المخزون شبه الحقيقي من دعم الخبراء. وقد يتم هذا عبر المؤسسات، وعبر الزمان، وعبر المكان، بل حتى عبر المهارات. فعلى سبيل المثال: لو كنت أريد تعلم الكتابة، لكن وظيفتي لحام، أو كنت أصنع مخترعات متقدمة، لكني بحاجة لتعلم الكتابة، فإن موجهي لهذا العمل، قد يكون شخصاً بعيداً جداً عني في الزمان والمكان.

والذكاء الاصطناعي، وبعض أشكال الخوارزميات، ونظام التعلم الآلي يمكن أن تتوافق معنا بالطريقة نفسها التي يوفق فيها بين ركاب المشاركة والسائقين، أو جميع أشكال الأسواق مزدوجة العناصر. وهذه سوق مزدوجة العناصر. لقد كان لدينا نموذج تدريب مهني قديم لم يعد مجدياً، بالنظر إلى دقة هذه الأساليب التكنولوجية، وهي مغرية للغاية. ونحن الآن بحاجة لنموذج أكثر انتشاراً. وأظن أن باستطاعتنا استخدام هذه الأدوات لخلق مستقبل من تلك النوعية.

كيرت نيكيش: لقد تحدثت كثيراً عما يمكننا جميعاً فعله، لكنني أتساءل عما يمكن فعله على المستوى الفريق؟ إن كنت مديراً أو قائداً أو طبيباً مشرفاً، ما الأمور التي يمكنك التفكير فيها وفعلها بنفسك حين ترى هذا النوع من المشكلات يتسلل إلى مقر عملك؟

مات بين: الشيء الوحيد الذي يبدو واضحاً للغاية هو ما إن كنت تدرك أن الوسائل التقليدية في التعلم، وفي كيفية أداء العمل لم تعد صالحة، هذا أمر شديد الأهمية وإشارة تحذيرية مبكرة يجب الانتباه إليها بشدة. والخطوة التالية والمهمة للغاية، والتي قد تناقض حكمك أو حدسك، أن تعلم أنه سيكون هناك أناس حولك سيجدون رغم هذه العوائق الجديدة طرقاً للتعلم على أية حال.

الآن قد لا يكونون مدركين لتلك السبل، فهذه السبل لاكتساب المهارات ربما لن تكون مناسبة وربما يجب عدم استنساخها. ولهذا أطلق على هذا الأسلوب اسم “تعلم الظل”. لكن في كل مؤسسة، ومع كل تكنولوجيا جديدة، ستكون هناك سبل لاكتساب المهارات التي اكتشف الناس من خلال التجارب القاسية أنها مختلفة تماماً عن السبيل القديم لاكتساب المهارات.

إن الوضع جديد على نحو ما. فلدينا كل هذه التكنولوجيا الجديدة وهو ما يجعل حالنا أكثر توتراً. وإلى حد ما أعتقد أننا جميعاً ندرك أننا لو اتبعنا القواعد دائماً، فيما يجب أن يكون عليه التعلم، فلن نتعلم أبداً. نحن جميعاً مضطرون للتحايل بعض الشيء والقيام بأمور ليست مقبولة تماماً كي نكون أكفاء للتصدي لتحديات العمل.

لذا، فإن النظر إلى أولئك الذين يكافحون وربما ينجحون، بحساسية، ودون محاولة الاقتداء بهم، أو معاقبتهم، يجعلك أمام مؤشرات واضحة للحاجة إلى إعادة هيكلة التدريب المهني برمته. ففي حالة الجراحة، مثلاً، سيكون المزيد من أعمال التدريب الرقمي مطلوباً. سيكون عليك الممارسة النظرية على هذه الأنظمة قبل أن تضع قدمك فعلياً في غرفة العمليات. وحتى يكون سهلاً عليك استخدام الروبوت بقدر سهولة ربط عقدة بيديك. وبمجرد أن تعرف هذا، وبمجرد أن تعرف أن الناجحين يفعلون هذا على الرغم من الظروف التي تضفي صعوبة عليه، يمكنك إما أن تحول برنامجك في هذا الاتجاه أو أن تُبقي الأمور على حالها التي عليها.

لكن متعلمي الظل هؤلاء هم مَن يمنحوننا الإشارات القيمة حول التغيرات المبكرة الصغيرة التي يمكننا إحداثها في برامج تأهيلنا المهني، وفي طريقة أداء الوظيفة، حتى يمكن للناس تحديد شكل التدريب الذي يحتاجون إليه.

كيرت نيكيش: “مات”، شكراً على حضورك والحديث حول موضوع الذكاء الاصطناعي في التدريب الوظيفي.

مات بين: على الرحب والسعة، شكراً جزيلاً لك.

كيرت نيكيش: كان معكم “مات بين”، الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا باربرا، كاتب مقال “تعلم كيف تعمل برفقة الآلات الذكية” (Learning to Work with Intelligent Machines) المنشور بمجلة هارفارد بزنس ريفيو. يمكنكم مطالعته في عدد سبتمبر- أكتوبر 2019 من المجلة أو على موقعها الإلكتروني: HBR.org.
هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على الدعم التقني من روب إيكارت. كما نتقدّم بالشكر إلى آدم باكولتز مدير الإنتاج الصوتي.
شكراً لاستماعكم إلى برنامج “أيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم كيرت نيكيش.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .